00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة البقرة : من آية 104 ـ 195 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول)   ||   تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني »


(104) يا أيها الذين آمنوا العياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام والسجاد ليس في القرآن يا ايها الذين آمنوا الا وهي في التوراة يا أيها المساكين لا تقولوا (1) راعنا راع أحوالنا وراغبنا وتأن بنا فيما تلقننا حتى نفهمه وذلك لأن اليهود لما سمعوا المسلمين يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم راعنا وكان راعنا في لغتهم سبا بمعنى اسمع لا سمعت قال بعضهم لبعض لو كنا نشتم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الآن سرا فتعالوا الآن نشتمه جهرا فكانوا يقولون له راعنا يريدون شتمه ففطن لذلك سعد بن معاذ الأنصاري فلعنهم وأوعدهم بضرب أعناقهم لو سمعها منهم فنزلت وقولوا انظرنا انظر إلينا واسمعوا إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا وأطيعوا وللكافرين الشاتمين عذاب أليم .
(105) مايَوُدُّ الذين كفروا من أهل الكتب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم آية بينة وحجة معجزة لنبوة محمد صلى الله عليه وآله وشرفه وشرف أهل بيته والله يختص برحمته توفيقه لدين الاسلام وموالاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام من يشاء ، وفي المجمع عن أمير المؤمنين والباقر عليهما السلام يعني بنبوته والله ذو الفضل العظيم يعني على من وفقه لدينه وموالاتهما .
أقول : أو يختاره لنبوته أو ما يشملهما وغيرهما .
(106) ما ننسخ من آية بأن نرفع حكمها ، وقرأ بعضهم بضم النون وكسر السين أو ننسها بأن نرفع رسمها ونبلي عن القلوب حفظها وعن قلبك يا محمد كما قال : سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أن ينسيك فرفع عن قلبك ذكره وقرئ ننساها بفتح النون واثبات الألف نأت بخير منها بما هو أعظم لثوابكم واجل لصلاحكم أو مثلها من الصلاح يعني إنا لا ننسخ ولا نبدل الا وغرضنا في ذلك مصالحكم .
____________
(1) قوله تعالى لا تقولوا راعنا كان المسلمون يقولون يارسول الله راعنا أي استمع منا فحرفت اليهود هذه اللفظة فقالوا يا محمد راعنا وهم ملحدون الى الرعونة يريدون به النقيصة والوقيعة فلما عوتبوا قالوا نقول كما يقول المسلمون فنى الله عن ذلك بقوله ولا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا وقال قتادة إنها كلمة تقولها اليهود على وجه الاستهزاء ، وقال عطا هي كلمة كانت الانصار تقولها في الجاهلية فنهوا عنها في الإسلام ، وقال السدي كان ذلك كلام يهودي بعينه يقال له رفاعة بن زيد يريد بذلك الرعونة فنهي المسلمون عن ذلك « مجمع » .

( 179 )

أقول : وذلك لأن المصالح تختلف باختلاف الأعصار والأشخاص فان النافع في عصر وبالنسبة إلى شخص قد يضر في غير ذلك العصر وفي غير ذلك الشخص ، ويأتي بيان ذلك مفصلا من كلام المعصوم عليه السلام في تفسير آيات القبلة ان شاء الله ، قيل انها نزلت حين قالوا ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بأمر ثم ينهى عنه ويأمر بخلافه .
ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير يقدر على النسخ والتبديل لمصالحكم ومنافعكم .
(107) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والارض وهو العالم بتدبيرها ومصالحها فهو يدبركم بعلمه وما لكم من دون الله من وليٍّ يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو دون غيره ولا نصير ولا لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد إنزاله بكم أو عقاب إن أراد إحلاله بكم .
(108) أم تريدون بل تريدون يا كفار قريش ويهود أن تسألوا رسولكم ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيه صلاحكم أو فسادكم كما سئل موسى من قبل واقترح عليه لما قيل له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ومن يتبدل الكفر بالإيمان بعد جواب الرسول له إن ما سأله لا يصلح اقتراحه على الله فلا يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح أو بعد ما يظهر له ما اقترح إن كان اقتراحه صوابا فلا يؤمن عند مشاهدته ما يقترح أو لا يكتفي بما أقامه الله من الدلالات والبينات بأن يعاند ولا يلزم الحجة القائمة وذلك أن الني صلى الله عليه وآله وسلم قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه ويسألوه عن أشياء ويعانتوه بها ثم ذكر عليه السلام أشياء سألوها وآيات اقترحوها وسنذكرها انشاء الله في مواضعها فقد ضل سواء السبيل أخطأ طريق القصد المؤدية إلى الجنان وأخذ في الطريق المؤدية إلى النيران .
(109) ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا بما يوردونه عليكم من الشبه حَسَداً لكم بأن أكرمكم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وآلهما الطيبين من عند أنفسهم ، قيل أي تمنوا ذلك من عند أنفسهم وتشهيهم

( 180 )

لا من عند تدينهم وميلهم إلى الحق أو حسدا بالغا منبعثا من أصل أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق بالمعجزات الدالات على صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفضل علي وآلهما عليهم السلام قيل وبالنعوت المذكورة في التوراة فاعفوا واصفحوا عن جهلهم وقابلوهم بحجج الله وادفعوا بها أباطيلهم قيل العفو ترك عقوبة الذنب والصفح ترك تثريبه حتى يأتي الله بأمره فيهم بالقتل يوم فتح مكة إن الله على كل شيء قدير .
(110) وأقيموا الصلاة واتوا الزكوة قيل عطف على فاعفوا كأنه أمرهم بالصبر والمخالفة واللجأ إلى الله بالعبادة والبر وما تقدموا لأنفسكم من خير كصلاة ومال تنفقونه في طاعة الله أو جاه تبذلونه لاخوانكم المؤمنين تجرون به إليهم المنافع وتدفعون به المضار تجدوه عند الله تجد ثوابه تحط به سيئاتكم وتضاعف به حسناتكم وترفع به درجاتكم إن الله بما تعملون بصير عالم ليس يخفى عليه ظاهر فعل ولا باطن ضمير على حسب اعتقاداتكم ونياتكم .
(111) وقالوا يعني اليهود والنصارى قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا (1) أي يهوديا أو نصارى يعني وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصرانيا تلك أمانيهم التي يتمنونها بلا حجة قل لهم هاتوا برهانكم حجتكم على مقالتكم إن كنتم صادقين في دعواكم .
(112) بلى من أسلم وجهه لله لما سمع الحق وبرهانه وهو محسن في عمله لله فله أجره ثوابه عند ربه يوم الفصل والقضاء ولا خوف عليهم حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العقاب ولا هم يحزنون عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم .
(113) وقالت اليهود ليست النصارى على شيء من الدين بل دينهم باطل وكفر وقالت النصارى ليست اليهود على شيء من الدين بل دينهم باطل وكفر لأن كلا
____________
(1) في هود ثلاثة أقوال أحدها أنه جمع هائد كعائد وعود وعائط وعوط وهو جمع للمؤنث والمذكر على لفظ واحد والهائد التائب الراجع إلى الحق وثانيها أن يكون مصدرا يصلح للواحد والجمع كما يقال رجل فطر وقوم فطر رجل صوم وقوم صوم وثالثها ان يكون معناه الا من كان يهودا فحذفت الياء الزائدة « مجمع » .

( 181 )

من الفريقين مقلد بلا حجة وهم يتلون الكتاب ولا يتأملونه ليعلموا بما يوجبه فيتخلصوا من الضلالة كذلك قال الذين لا يعلمون الحق ولم ينظروا فيه من حيث أمره الله مثل قولهم يكفر بعضهم بعضا فالله يحكم بينهم بين الفريقين يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا يبين ضلالتهم وفسقهم ويجازي كل واحد منهم بقدر استحقاقه قال عليه السلام قال الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام إنما نزلت لأن قوما من اليهود وقوما من النصارى جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا محمد اقض بيننا فقال عليه السلام قصوا عليّ قصتكم فقالت اليهود نحن المؤمنون بالله الواحد الحكيم وأولياؤه وليست النصارى على شيء من الدين والحق وقالت النصارى بل نحن المؤمنون بالله الواحد الحكيم وأولياؤه وليست هؤلاء اليهود على شيء من الحق والدين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كلكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين الله وامره فقالت اليهود وكيف نكون كافرين وفينا كتاب الله التوراة نقرؤه وقالت النصارى وكيف نكون كافرين وفينا كتاب الله الانجيل نقرؤه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنكم خالفتم ايها اليهود والنصارى كتاب الله ولم تعملوا به فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة لأن كتب الله أنزلها شفاء من العمى وبيانا من الضلالة تهدي العالمين بها إلى صراط مستقيم وكتاب الله إذا لم تعملوا به كان وبالا عليكم وحجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين ولسخطه متعرضين ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود فقال : احذروا أن ينالكم لخلاف أمر الله وخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال الله فيهم : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء ) .
(114) ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه هي مساجد خيار المؤمنين بمكة منعوهم من التعبد فيها بأن ألجأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخروج عن مكة ، وفي المجمع عن الصادق عليه السلام والقمي انهم قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخول مكة والمسجد الحرام وعن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه أراد جميع الأرض لقول النبي صلى الله

( 182 )

عليه وآله وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا .
أقول : وهو عام لكل مسجد وكل مانع وان نزل خاصا .
وسعى في خرابها خراب تلك المساجد لئلا تعمر بطاعة الله أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين من عدله وحكمه النافذ عليهم أن يدخلوها كافرين بسيوفه وسياطه .
أقول : يعني إمام العدل فهو وعد للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم وقد أنجز وعده بفتح مكة لمؤمني ذلك العصر وسينجزه لعامة المؤمنين حين ظهور العدل .
والعياشي عن محمد بن يحيى يعني لا يقبلون الايمان إلا والسيف على رؤوسهم .
لهم في الدنيا خزي وهو طرده إياهم عن الحرم ومنعهم أن يعودوا إليه ولهم في الآخرة عذاب عظيم بكفرهم وظلمهم ، قال قال علي بن الحسين عليهم السلام : ولقد كان من المنافقين والضعفاء أشباه المنافقين قصد إلى تخريب المساجد بالمدينة وتخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من قتل علي عليه السلام بالمدينة وقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريقهم إلى العقبة يعني في غزوة تبوك .
هذا آخر ما وجد من تفسير ابي محمد الزكي مرتبا مجتمعا وما وجد منه متفرقا نذكره في مواضعه انشاء الله .
(115) ولله المشرق والمغرب يعني ناحيتي الأرض أي له كلها فأينما تولوا فثم وجه الله قيل اي ذاته إذ لا يخلو منه مكان إن الله واسع ذاتا وعلما وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده عليم بمصالح الكل وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة .
القمي إنها نزلت في صلاة النافلة تصليها حيث توجهت إذا كنت في السفر وأما الفرائض فقوله تعالى : ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) يعني الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة .

( 183 )

وفي المجمع مثله قال هذا هو المروي عن أئمتنا .
والعياشي عن الباقر عليه السلام أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المساء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر وحين رجع من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره ، قال : قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام الصلاة في السفر والسفينة والمحمل سواء قال النافلة كلها سواء تومئ ايماء أينما توجهت دابتك وسفينتك والفريضة تنزل بها عن المحمل إلى الأرض إلا من خوف فان خفت أومأت واما السفينة فصل فيها قائما وتوخ القبلة بجهدك ان نوحا قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة وهي مطبقة عليهم قال قلت وما كان علمه بالقبلة فيتوجهها وهي مطبقة عليهم قال كان جبرئيل يقومه نحوها قال قلت فأتوجه نحوها في كل تكبيرة قال اما في النافلة فلا إنما تكبر في النافلة على غير القبلة أكثر ثم قال كل ذلك قبلة للمتنفل إنه قال أينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم .
وفي العلل والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل عن رجل يقرء السجدة وهو على ظهر دابته قال يسجد حيث توجهت فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة يقول فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن رجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله .
وفي التوحيد عن سلمان الفارسي « رض » في حديث الجاثليق الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن مسائل فأجابه عنها أن فيما سأله ان قال أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى فدعا علي عليه السلام بنار وحطب فأضرمه فلما اشتعلت قال علي عليه السلام : اين وجه هذه النار قال النصراني هي وجه من جميع حدودها قال علي عليه السلام هذه النار مدبرة مصنوعة لا يعرف وجهها وخالقها لا يشبهها ولله

( 184 )

المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله لا تخفى على ربنا خافية وقريب منه ما رواه في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام في أجوبة مسائل اليهودي .
وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام ان وجه الله هم الحجج الذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله وفرض على العباد طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه .
(116) وقالوا اتخذ الله ولدا قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى (1) المسيح ابن الله وقالت مشركوا العرب الملائكة بنات الله سبحانه تنزيه له عن ذلك فإنه يقتضي التشبيه والحاجة والفناء بل له ما في السماوات والأرض بل كله ملك له عزير والمسيح والملائكة وغيرهم كل له قانتون منقادون مقرون له بالعبودية طبعا وجبلة لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه فكيف يكونون مجانسين له ومن حق الولد أن يجانس والده .
(117) بديع السماوات والارض في الكافي عن الباقر عليه السلام في تفسيره ابتدع الاشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتدع السماوات والأرض ولم يكن قبلهن سموات ولا ارضون أما تسمع لقوله تعالى : ( وكان عرشه على الماء ) وإذا قضى أمرا أراد فعله وخلقه كما قال إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه انشاء ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو كان قديما لكان إلها ثانيا كذا في نهج البلاغة قال يقول ولا يلفظ ويريد ولا يضمر .
وفي الكافي والتوحيد عن الكاظم : الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل واما من الله تعالى فإرادته للفعل احداثه لا غير ذلك لأنه لا يروي ولايهم (2) ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي من صفات الخلق فارادة الله هي
____________
(1) قيل أن السبب في هذه الضلالة ان ارباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله باعتبار أنه السبب الأول حتى قالوا ان الأب هو الأب الأصغر والله سبحانه هو الأب الأكبر ثم ظت الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدا « منه ره » .
(2) الهم حديث النفس بفعله يقال هم بالأمر يهم هما وجمعه هموم واهمة الأمر إذا عنى به يحدث به نفسه والفرق بين الهم بالشيء قبل أن يريده ويقصده بأنه يحدث نفسه به وهو مع ذلك مقبل على فعله « مجمع » .


( 185 )

الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له .
وفي رواية وكن منه صنع وما يكون منه المصنوع .
(118) وقال الذين لا يعلمون جهلة المشركين وغير العاملين بعلمهم من أهل الكتاب لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية
أقول : هذا كقوله سبحانه في المدثر يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كذلك قال الذين من قبلهم من الامم الماضية مثل قولهم فقالوا ارنا الله جهرة وهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء تشابهت قلوبهم قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد قد بينا الآيات لقوم يوقنون الحقائق .
(119) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا فلا عليك ان أصروا أو كابروا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام أنه على النهي كما قرئ .
(120) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم مبالغة في اقناط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن إسلامهم فانهم إذا لم يرضوا منه حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته كذا قيل قل إن هدى الله أي الاسلام هو الهدى إلى الحق لا ما تدعون إليه ولئن اتبعت أهواءهم آرائهم الزائغة (1) بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير يدفع عنك عقابه وهذا من قبيل إياك أعني واسمعي يا جارة.
(121) الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته بالوقوف عند ذكر الجنة والنار يسأل في الأولى ويستعيذ في الاخرى كذا في المجمع عن العياشي عن الصادق عليه السلام .
وفي الكافي عنه هم الأئمة ورواه العياشي أيضا .
____________
(1) الزيغ الشك والجور عن الحق « ص » .  


أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون .
(122) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين .
(123) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون قد مضى تفسير الآيتين قيل لما صدر قصتهم بالأمر بذكر النعم والقيام بحقوقها والحذر من إضاعتها والخوف عن الساعة وأهوالها كرر ذلك وختم به الكلام معهم مبالغة في النصح وإيذانا بأنه فذلكة القصة والمقصود منها .
والعياشي عن الصادق عليه السلام ان العدل الفريضة وعن الباقر عليه السلام ان العدل الفداء .
(124) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظلمين ، القمي : هو ما ابتلاه به مما رآه في نومه من ذبح ولده فاتمها إبراهيم عليه السلام وعزم عليها وسلم فلما عزم قال تبارك وتعالى ثوابا لما صدق وسلم وعمل بما أمره الله اني جاعلك للناس إماما فقال إبراهيم ومن ذريتي قال جل جلاله لا ينال عهدي الظالمين أي لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فأخذ الشارب واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظافر والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة .
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام : قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم الا تبت عليّ فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فقيل له يا بن رسول الله فما يعني بقوله عز وجل : فأتمهن قال يعني اتمهن إلى القائم إثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليهم السلام .

( 187 )

والعياشي مضمرا قال : اتمهن بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي عليهم السلام قال وقال إبراهيم : يا رب فعجل بمحمد وعلي ما وعدتني فيهما وعجل بنصرك لهما .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيا وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال إني جاعلك للناس إماما قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قال لا يكون السفيه إمام التقي وعنه عليه السلام من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما .
أقول : وفيه تعريض بالثلاثة حيث عبدوا الأصنام قبل الاسلام .
في العيون عن الرضا عليه السلام في حديث طويل ان الامامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفها بها واشاد (1) بها ذكره فقال عز وجل إني جاعلك للناس إماما فقال الخليل عليه السلام سرورا بها ومن ذريتي قال الله عز وجل لا ينال عهدي الظالمين فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة .
(125) وإذ جعلنا البيت الكعبة مثابة مرجعا ومحل عود للناس وأمنا .
في الكافي عن الصادق عليه السلام من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عز وجل ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أويؤذى حتى يخرج من الحرم .
واتخذوا وقرئ بفتح الخاء من مقام إبراهيم مصلى هو الحجر الذي عليه أثر قدمه في التهذيب عن الصادق عليه السلام يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة ومثله في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام ما أعظم فرية أهل الشام على الله تعالى
____________
(1) الاشادة رفع الصوت بالشيء واشاد بذكره إذا رفع من قدره « ص » .

( 188 )

يزعمون ان الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على صخرة فأمرنا الله أن نتخذه مصلى الحديث .
وفي المجمع والعياشي عنه عليه السلام قال نزلت ثلاثة أحجار من الجنة مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود .
وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود القمي عن الصادق عليه السلام نحيا عنه المشركين وقال لما بنى إبراهيم عليه السلام البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تعالى ما تلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله تعالى إليها قري كعبتي فاني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان (2) الشجر ويتخللون .
وفي العلل والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل أيغتسلن النساء إذا أتين البيت قال نعم إن الله تعالى يقول طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود فينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهر ومثله في الكافي .
(126) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات في العلل عن الرضا عليه السلام لما دعا إبراهيم ربه أن يرزق أهله من الثمرات أمر بقطعة من الأردن (1) فسارت بثمارها حتى طافت بالبيت ثم أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الذي سمي بالطائف ولذلك سمي طائفا .
والقمي عن الصادق عليه السلام يعني من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم ويعودوا .
أقول : هذا تأويل وذاك تفسير وشاهد التأويل قوله في سورة إبراهيم واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم . وفي العوالي حديث آخر يأتي هناك إنشاء الله .
من آمن منهم بالله واليوم الآخر العياشي عن السجاد عليه السلام قال : إيانا
____________
(1) القضيب واحد القضبان وهي الأغصان « ص » .
(2) الأردن كالأحمر ضرب من الخز وبضمتين وشد الدال النعاس وكورة بالشام « ق » .


( 189 )

عني بذلك وأوليائه وشيعة وصيه قال قال الله ومن كفر ارزقه أيضا فأمتعه وقرئ بالتخفيف قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير عذاب النار قال عنى بذلك من جحد وصيه ولم يتبعه من امته كذلك والله هذه الامة .
(127) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا تقربنا إليك ببناء البيت إنك أنت السميع لدعائنا العليم بنياتنا .
القمي عن الصادق عليه السلام قال لما بلغ اسماعيل مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم أن يبني البيت فقال : يا رب في أي بقعة قال في البقعة التي أنزلت بها على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم يدر إبراهيم في أي موضع يبنيه فان القبة التي أنزلها الله على آدم كانت قائمة إلى أيام الطوفان أيام نوح فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وبقي موضعها لم يغرق ولهذا سمي البيت العتيق لأنه اعتق من الغرق فبعث الله جبرئيل فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر لما أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما مسته أيدي الكفار اسود فبنى إبراهيم عليه السلام البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن فلما بنى جعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر الاذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معه وكانوا يَكِنُّون تحته .
وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث فلما اذن الله له في البناء قدم إبراهيم فقال يا بني قد أمر الله ببناء الكعبة وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد احمر فأوحى الله تعالى إليه ضع بناءها عليه وانزل الله تعالى اربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيأ له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه .
وعن أحدهما عليهما السلام قال إن الله تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة وان يرفع

( 190 )

قواعدها ويري الناس مناسكهم فبنى إبراهيم واسماعيل البيت كل يوم ساقا (1) حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود .
قال أبو جعفر عليه السلام فنادى أبو قبيس إبراهيم ان لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه .
وفي العلل والعياشي عن الصادق عليه السلام قال إن الله عز وجل أنزل الحجر لآدم عليه السلام من الجنة وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه فهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم واسماعيل يبنيان البيت على القواعد .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ان اسماعيل أول من شق لسانه بالعربية وكان ابوه يقول وهما يبنيان : هاي أي أعطني حجرا فيقول له اسماعيل بالعربية يا أبت هاك حجرا فابراهيم يبني واسماعيل يناوله .
(128) ربنا واجعلنا مسلمين منقادين مخلصين لك ومن ذريتنا واجعل بعض ذريتنا أُمّةً جماعة يؤمون أي يقصدون ويقتدون ويقتدى بهم مسلمة لك وهم أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كذا عن الصادق عليه السلام وفي رواية العياشي عنه عليه السلام أراد بالامة بني هاشم خاصة وَأَرِنَا عرفنا وقرئ باسكان الراء حيث وقع مناسكنا متعبداتنا والنسك في الأصل العبادة وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة وتُب عَلَيْنَا عما لا ينبغي إنك أنت التَوّاب الرحيم لمن تاب .
(129) ربنا وابعث فيهم في الامة المسلمة رسولا منهم يعني من تلك الأمة كذلك عن الصادق عليه السلام ورواه العياشي ولم يبعث من ذريتهما غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
والقمي يعني ولد اسماعيل قال فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام يتلوا عليهم آياتك يقرء عليهم ويبلغهم ما يوحى
____________
(1) الساق كل عرق من الحائط .

( 191 )

إليه من دلائل التوحيد والنبوة ويعلمهم الكتاب والحكمة ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام ويزكيهم عن الشرك والمعاصي إنك أنت العزيز الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد الحكيم المحكم للأمر والصانع على وفق الحكمة .
(130) ومن يرغب عن ملة إبراهيم استبعاد وانكار يعني لا يرغب عن ملته إلا من سفه نفسه الا من استهانها واذلها واستخف بها قيل أصله سفه نفسه بالرفع نصب على التميز مثل غبن رأيه وقيل سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ويشهد له ما جاء في الحديث الكبر ان تسفه الحق وتغمض الناس .
في المحاسن عن السجاد : ما احد على ملة ابراهيم الا نحن وشيعتنا وسائر الناس منها براء .
وفي الكافي عن الصادق والكاظم عليهما السلام ما في معناه .
ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين حجة وبيان لذلك فان من كان بهذه الصفة فهو حقيق بأن يتبع لا يرغب عن اتباعه الا سفيه أو متسفه .
(131) إذ قال له ربه أسلم قال مبادرا إلى الاذعان واخلاص السر أسلمت لرب العالمين .
(132) ووصى بها أي بالملة أو بهذه الكلمة أي بكلمة أسلمت لرب العالمين وقرئ أوصى إبراهيم بنيه ويعقوب ووصى بها يعقوب أيضا بنيه يا بني إن الله اصطفى لكم الدين دين الاسلام فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أمرهم بالثبات على الاسلام بحيث لا يتطرق إليه الزوال بحال .
(133) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت على الأنكار أي ما كنتم حاضرين ، قيل ان اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية يوم مات فنزلت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي أراد به تقريرهم على التوحيد والاسلام وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق عد اسماعيل من آبائه لأن العرب تسمي العم

( 192 )

أبا كما تسمي الجد ابا وذلك لوجوب تعظيمهما كتعظيمه ، وفي الحديث عم الرجل صنو ابيه إلها واحداً تصريح بالتوحيد ونحن له مسلمون .
العياشي عن الباقر عليه السلام أنها جرت في القائم عليه السلام .
أقول : لعل مراده عليه السلام أنها جارية في قائم آل محمد عليهم السلام فكل قائم منهم يقول حين الموت ذلك لبنيه ويجيبونه بما أجابوا به .
(134) تلك أمة قد خلت يعني إبراهيم ويعقوب وبنيهما لها ما كسبت ولكم ما كسبتم لكل أجر عمله .
أقول : يعني انتسابكم إليهم لا ينفعكم وإنما الانتفاع بالأعمال . ولا تسألون عما كانوا يعملون لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم .
(135) وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قالت اليهود كونوا هودا تهتدوا وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم بل نكون اهل ملة ابراهيم متبعين له حنيفا مائلا عن كل دين إلى دين الحق .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال الحنيفية هي الاسلام ، وعن الباقر عليه السلام قال ما أبقت الحنيفية شيئا حتى ان منها قص الشارب وقلم الأظافر والختان وما كان إبراهيم من المشركين تعريض لأهل الكتابين فانهم كانوا يدعون اتباع ملة إبراهيم وهم مع ذلك كانوا على الشرك .
(136) قولوا آمنا بالله .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام إنما عنى بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجرت في الأئمة عليهم السلام ثم يرجع القول من الله في الناس فقال فان آمنوا يعني الناس بما آمنتم به الآية والعياشي مضمرا وأما قوله قولوا فهم آل محمد عليهم السلام . وما أنزل إلينا يعني القرآن وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعني الصحف والأسباط حفدة يعقوب .
العياشي : عن الباقر عليه السلام أنه سئل هل كان ولد يعقوب أنبياء قال : لا

( 193 )

ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ولم يكونوا فارقوا الدنيا الا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا .
وما أوتي موسى وعيسى التوراة والانجيل وما أوتي النبيون جملة المذكورون منهم وغير المذكورين من ربهم نزل عليهم من ربهم لا نفرق بين أحد منهم كاليهود يؤمن ببعض ويكفر ببعض ، وأحد لوقوعه في سياق النفي عمّ فساغ أن يضاف إليه بين ونحن له لله مسلمون مذعنون مخلصون .
في الخصال فيما علّم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه إذا قرأتم قولوا آمنا فقولوا آمنا إلى قوله مسلمون .
وفي الفقيه في وصاياه لابنه محمد بن الحنفية وفرض على اللسان الاقرار والتعبير عن القلب بما عقده عليه فقال عز وجل قولوا آمنا بالله وما انزل الينا الآية .
(137) فأن آمنوا أي سائر الناس بمثل ما آمنتم به بما آمنتم به والمثل مقحم في مثله كما في قوله تعالى وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله أي عليه وقرئ بحذفه فقد اهتدوا وإن تولوا أعرضوا فإنما هم في شقاق في كفر كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام وأصله المخالفة والمناوأة فان كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر فسيكفيكهم الله تسلية وتسكين للمؤمنين ووعد لهم بالحفظ والنصر على من ناوأهم وهو السميع لأقوالكم العليم باخلاصكم .
(138) صبغة الله صبغنا الله صبغة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها وفسرها الصادق عليه السلام بالاسلام كما في الكافي ورواه العياشي وعنه هي صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق وقيل سمي صبغة لأنه ظهر عليهم أثره ظهور الصبغ على المصبوغ وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاركة فان النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيتهم ومن أحسن من الله صبغة لا صبغة احسن من صبغته ونحن له عابدون تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم .
(139) قل أتحاجوننا اتجادلوننا في الله في شأنه واصطفائه نبيا من العرب قيل

( 194 )

ان أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا وديننا أقدم وكتابنا أسبق فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت وهو ربنا وربكم لا اختصاص له بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا ونحن له مخلصون موحدون نخلصه بالايمان والطاعة دونكم .
(140) أم تقولون وقرئ بالياء إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله قد نفى الله عز وجل عن إبراهيم اليهودية والنصرانية بقوله سبحانه ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله قيل يعني لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا شهادة الله لابراهيم بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية أو منا لو كتمنا هذه الشهادة وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة ولعلي عليه السلام بالوصاية في كتبهم وغيرها وما الله بغافل عما تعملون وقرئ بالياء وعيد لهم .
(141) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون قيل التكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطبائع من الافتخار بالآباء والاتكال عليهم أو الخطاب فيما سبق لهم وفي هذه الآية لنا تحذير عن الاقتداء بهم أو المراد بالامة في الأول الأنبياء وفي الثاني أسلاف اليهود والنصارى .
(142) سيقول السفهاء من الناس الذين خف أحلامهم أو استمهنوها بالتقليد والاعراض عن النظر يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين وفائدة تقديم الأخبار به توطين النفس واعداد الجواب ما ولاهم ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعني بيت المقدس قل لله المشرق والمغرب لا يختص به مكان دون مكان يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم وهو ما يقتضيه الحكمة والمصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة وإلى الكعبة أخرى .
وفي تفسير الامام عليه السلام عند قوله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها .

( 195 )

وفي الاحتجاج أيضا عنه عليه السلام قال لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة أمره الله عز وجل أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلواته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا وجعل قوم من مردة اليهود يقولون والله ما يدري محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلواته بهدانا ونسكنا فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم واحب الكعبة فجاءه جبرائيل فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرائيل لوددت لو صرفني الله عز وجل عن بيت المقدس إلى الكعبة فلقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم فقال جبرائيل عليه السلام : فسل ربك أن يحولك إليها فانه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك عن بغيتك فلما استتم دعاؤه صعد جبرائيل ثم عاد من ساعته فقال اقرأ يا محمد قد نرى تقلب وجهك في السماء الآيات فقالت اليهود عند ذلك ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأجابهم الله بأحسن جواب فقال قل لله المشرق والمغرب وهو يملكهما وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وهو مصلحهم ومؤدّيهم بطاعتة إلى جنات النعيم وجاء قوم من اليهود الى رسول الله عليه وآله وسلم فقالوا يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها اربع عشرة سنة ثم تركتها الآن فحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق فهو باطل أو كان باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل ذلك كان حقا وهذا حق يقول الله تعالى : ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده في سائر الأيام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده أفتركتم

( 196 )

الحق إلى باطل أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق قولوا كيف شئتم فهو قول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجوابه لكم قالوا بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقتها حق فقالوا يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بدا له عن ذلك فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده وليس يبدو الا لمن كان هذا وصفه وهو جل وعز يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا ، قال فكذلك الله يعّبد نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان يعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول قال أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف بعد الشتاء أبدا له في كل واحد من ذلك قالوا : لا قال : فكذلك لم يبد له في القبلة ثم قال أليس ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر فبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء قالوا : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فكذلكم الله في تعبّدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشيء آخر فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه وأنزل الله ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب وصلاح المريض فيما يعلمه الطبيب ويدبره لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه الا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين .
(143) وكذلك جعلناكم أمة القمي يعني أئمة وسطا قال أي عدلا واسطة بين

( 197 )

الرسول والناس .
أقول : فالخطاب للمعصومين عليهم السلام خاصة لتكونوا شهداء على الناس يعني يوم القيامة ويكون الرسول عليكم شهيدا في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه وسمائه وفي حديث ليلة القدر عنه عليه السلام وايم الله لقد قضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على الناس .
أقول : أراد بالشيعة خواص الشيعة الذين معهم وفي درجتهم كما قالوا شيعتنا معنا وفي درجتنا لئلا ينافي الخبر السابق والأخبار الآتية ، وفي شواهد التنزيل عن أمير المؤمنين عليه السلام إيانا عني بقوله : لتكونوا شهداء على الناس فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه ونحن الذين قال الله وكذلك جعلناكم أمة وسطا .
والعياشي عن الباقر عليه السلام نحن نمط الحجاز قيل وما نمط الحجاز قال أوسط الأنماط إن الله يقول وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصّر .
وفي المناقب عنه عليه السلام إنما أنزل الله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم قال ولا يكون شهداء على الناس إلا الأئمة والرسل فأما الأمة فانه غير جائز ان يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل .
أقول : لعل المراد بهذا المعنى أنزل الله وقد مضى في دعاء إبراهيم ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وقد عرفت هناك أن الامة بمعنى المقصود سميت بها الجماعة لأن الفرق تؤمها .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل

( 198 )

القبلة من الموحدين أفترى أن من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الامم الماضية كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه يعني الامة التي وجبت لها دعوة إبراهيم كنتم خير امة اخرجت للناس وهم الأئمة الوسطى وهم خير امة اخرجت للناس .
أقول : لما كان الأنبياء والأوصياء معصومين من الكذب وجاز الوثوق بشهادتهم لله سبحانه على الامم دون سائر الناس جعل الله تعالى في كل أمة منهم شهيدا ليشهد عليهم بأن الله أرسل رسوله إليهم واتم حجته عليهم وبأن منهم من أطاعه ومنهم من عصاه لئلا ينكروه غدا فالنبي يشهد لله على الأئمة بأن الله أرسله إليهم وأنهم أطاعوه والأئمة يشهدون لله على الامم بأن الله أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه بلغهم وأن منهم من أطاعه ومنهم من عصاه وكذلك يشهد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لسائر النبيين على أممهم بأن النبيين بلغوا رسالات ربهم إلى أممهم ، ويأتي تمام الكلام في هذا في سورة النساء إنشاء الله .
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يعني بيت المقدس إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يرتد عن دينه الفا بقبلة آبائه ، في تفسير الامام وفي الاحتجاج عنه عليه السلام يعني الا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد قال وذلك ان هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بها ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليتبين من يوافق محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه وإن كانت الصلاة إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وعرف ان الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه وما كان الله ليضيع إيمانكم يعني صلاتكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم .
العياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الايمان أقول هو وعمل أم قول

( 199 )

بلا عمل فقال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل مفترض من الله مبين في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه ولما انصرف نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أرأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم فسمي الصلاة إيمانا فمن لقي الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه لقي الله مستكملا لايمانه وهو من أهل الجنة ومن خان في شيء منها أو تعدى ما أمر الله فيها لقي الله ناقص الايمان .
(144) قد نرى تقلب وجهك في السماء أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعا للوحي ، وقيل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقع في روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم وأقدم القبلتين وادعى للعرب إلى الايمان ولمخالفة اليهود فلنولينك قبلة ترضاها تحبها وتتشوق إليها لمقاصد دينية وافقت مشية الله تعالى وحكمته فول وجهك اصرف وجهك شطر المسجد الحرام نحوه وإنما ذكر المسجد اكتفاء بمراعاة الجهة .
والقمي ان هذه الآية متقدمة على آية سيقول السفهاء .
وفي الفقيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له إنك تابع لقبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا فلما كان في بعض الليل خرج عليه السلام يقلب وجهه في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرائيل فقال له قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية ثم أخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال فكان أول صلاته إلى البيت المقدس وآخرها الى الكعبة وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو القبلة فكانت أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين .

( 200 )

والقمي ما يقرب منه قال : وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد بني سالم .
وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره خص الرسول بالخطاب تعظيما له وإيجابا لرغبته ثم عم تصريحا بعموم الحكم جميع الامة وسائر الأمكنة وتأكيد لأمر القبلة وتخصيصا للامة على المتابعة وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم لعلمهم بأن عادته تعالى تخصيص كل شريعة بقبلة ولتضمن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين وما الله بغافل عما يعملون وعد ووعيد للفريقين .
(145) ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية برهان وحجة ما تبعوا قبلتك لأن المعاند لا تنفعه الدلالة وما أنت بتابع قبلتهم قطع لأطماعهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض لتصلب كل حزب فيما هو فيه ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم على سبيل الفرض المحال أو المراد به غيره من أمته من قبيل إياك أعني واسمعي يا جارة إنك إذا لمن الظالمين أكد تهديده وبالغ فيه تعظيما للحق وتحريصا على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهوا واستعظاما لصدور الذنب عن الأنبياء .
(146) الذين آتيناهم الكتاب يعني علماءهم يعرفونه يعرفون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بنعته وصفته ومبعثه ومهاجره وصفة أصحابه في التوراة والانجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وإن فريقا وهم المعاندون دون المؤمنين منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون .
(147) الحق من ربك إنك لرسول إليهم فلا تكونن من الممترين الشاكين .
(148) ولكل وجهة ولكل قوم قبلة وملة وشرعة ومنهاج يتوجهون إليها هو موَلِّيها الله موليها إياهم وقرئ مولاها بالألف أي قد وليّها فاستبقوا الخيرت الطاعات
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام الخيرات الولاية .
أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا قيل أينما متم في بلاد الله يأت بكم الله جميعا إلى المحشر يوم القيامة .

( 201 )

وفي اخبار أهل البيت أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان .
وفي المجمع والعياشي عن الرضا عليه السلام أن لو قام قائمنا لجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان .
وفي الاكمال والعياشي عن الصادق عليه السلام لقد نزلت هذه الآية في أصحاب القائم وإنهم المفتقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة وبعضهم يسير في السحاب نهارا نعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه إن الله على كل شيء قدير على الاماتة والاحياء والجمع .
(149) ومن حيث خرجت للسفر في البلاد فول وجهك شطر المسجد الحرام إذا صليت وإنه للحق من ربك وإن التوجه إلى الكعبة للحق الثابت المأمور به من ربك وما الله بغافل عما تعملون وقرئ بالياء .
(150) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره قيل كرر الحكم لتعدد علله فانه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول ابتغاء لمرضاته وجري العادة الالهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة جهة يستقبلها ويتميز بها ودفع حجج المخالفين كما يأتي وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريبا وتقريراً مع أن القبلة لها شأن والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى لئلا يكون للناس عليكم حجة علة لقوله تعالى فولوا ، والمعنى أن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة يدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة وان محمدا يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا واحتجاج المشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته إلا الذين ظلموا منهم .
القمي : إلا هاهنا بمعنى ولا وليست استثناء يعني ولا الذين ظلموا منهم وقيل معناه إلا الحجة الداحضة من المعاندين بأن قالوا ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم .

( 202 )

فلا تخشوهم فان مطاعنهم لا تضركم واخشوني فلا تخالفوا ما أمرتكم به ولأُتِمَّ نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تمام النعمة دخول الجنة وعن أمير المؤمنين عليه السلام تمام النعمة الموت على الاسلام .
أقول : لا تنافي بين الخبرين لتلازم الأمرين .
(151) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أي ولأتّم نعمتي عليكم كما أتممتها بإرسال رسول منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم يحملكم على ما تصيرون به أزكياء قدمه على التعليم باعتبار القصد وأخّره في دعوة إبراهيم باعتبار الفعل ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون بالفكر والنظر إذ لا طريق إلى معرفته سوى الوحي وكرر الفعل ليدل على أنه جنس آخر .
(152) فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب واشكروا لي ما أنعمت به عليكم ولا تكفرون بجحد النعم وعصيان الأمر أراد بالكفر كفر النعم كذا في الكافي والعياشي عن الصادق ، والقمي عن الباقر صلوات الله عليهما ذكر الله لأهل الطاعة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول اذكروني أذكركم .
وفي الخصال : عن أمير المؤمنين عليه السلام أذكروا الله في كل مكان فانه معكم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال الله عز وجل : ( يا بن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك ) وعنه عليه السلام في حديث عيسى يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين .
وعنه عليه السلام ان الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم

( 203 )

فأملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فان الله يغفر لكم ما بين ذلك انشاء الله فانه يقول اذكروني أذكركم .
وفي الخصال عنه عليه السلام في البلاء من الله الصبر فريضة وفي القضاء من الله التسليم فريضة وفي النعمة من الله الشكر فريضة .
وعن السجاد : من قال الحمد لله فقد أدى شكر كل نعم الله .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام شكر كل نعمة الورع عما حرم الله .
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل هل للشكر حد إذا فعله الرجل كان شاكرا قال نعم قيل وما هو قال الحمد لله على كل نعمة أنعمها عليّ وإن كان له فيما أنعم عليه حق أداه ومنه قول الله : ( الحمد لله الذي سخر لنا هذا ) حتى عد آيات .
(153) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر عن المعاصي وحظوظ النفس والصلاة التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين إن الله مع الصابرين بالنصر وإجابة الدعوة .
في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام في كلام له قال فمن صبر كرها ولم يشك إلى الخلق ولم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله وبشر الصابرين أي بالجنة ومن استقبل البلايا بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه ما قال الله ان الله مع الصابرين .
(154) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات أي هم أموات بل أحياء بل هم أحياء ولكن لا تشعرون ما حالهم .
في الكافي والتهذيب عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السلام أنه قال له ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قال يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش فقال سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير يا يونس إذا كان ذاك أتاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم والملائكة المقربون فإذا قبضه الله تعالى صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا

( 204 )

فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا .
وفي التهذيب عنه عليه السلام أنه سئل عن أرواح المؤمنين فقال في الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان .
(155) ولنبلونكم ولنصيبنكم إصابة المختبر هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين أي بالجنة كما مر .
وفي نهج البلاغة إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر .
وفي الاكمال عن الصادق عليه السلام ان هذه علامات قيام القائم يكون من الله عز وجل للمؤمنين قال بشيء من الخوف من ملوك بني أمية في آخر سلطانهم والجوع بغلاء أسعارهم ونقص من الأمول فساد التجارات وقلة الفضل ونقص من الأنفس الموت الذريع ونقص من الثمرات بقلة ريع ما يزرع وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام ثم قال هذا تأويله ان الله عز وجل يقول وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم .
(156) الذين إذا أصابتهم مصيبة في الحديث كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .
في نهج البلاغة : إن قولنا انا لله إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا انا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك .
وفي المجمع : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه ، وقال قال من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم اصيب .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند

( 205 )

ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه الا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكل ما ذكر مصيبته فاسترجع عند ذكره المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما .
وعن الصادق عليه السلام من ذكر مصيبة ولو بعد حين فقال إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم أجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها كان له من الأجر مثل ما كان عند اول صدمتة .
وفي الخصال والعياشي : عنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الأعظم من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ومن إذا أصابته خيرا قال الحمد لله ومن إذاأصابته خطيئة قال استغفر الله وأتوب إليه .
(157) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون قيل الصلاة من الله التزكية والمغفرة والرحمة واللطف والاحسان .
وفي الخصال والعياشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى إني جعلت الدنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكل واحدة منها عشرا إلى سبعماءة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه قسرا أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا الصلاة والهداية والرحمة إن الله تعالى يقول الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية .
(158) إن الصفا والمروة هما علما جبلين بمكة من شعائر الله من أعلام مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة فمن حج البيت أو اعتمر الحج لغة القصد والاعتمار الزيارة فغلّبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين فلا جناح عليه أن يطوف بهما العياشي عن الباقر عليه السلام أي لا حرج عليه أن يطوف بهما .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن السعي بين الصفا

( 206 )

والمروة فريضة أم سنة فقال فريضة قيل أو ليس قال الله عز وجل فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، قال كان ذلك في عمرة القضاء ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فتشاغل رجل عن السعي حتى انقضت الأيام واعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد اعيدت الأصنام فأنزل الله تعالى : ( إن الصفا والمروة ) إلى قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما أي وعليهما الأصنام .
والقمي أن قريشا كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة ويتمسحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الحديبية ما كان وصدوه عن البيت وشرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنه فلما كانت عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش ارفعوا أصنامكم حتى أسعى فرفعوها الحديث كما في الكافي بأدنى تفاوت .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أن المسلمين كانوا يظنون أن السعي ما بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله هذه الآية ، وعنه عليه السلام جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة للجبارين ومن تطوع خيرا فأكثر الطواف أو فعل طاعة اخرى وقرئ بالياء وتشديد الطاء وجزم العين فإن الله شاكر عليم مثيب عليه لا يخفى عليه .
أقول : الآية الآتية وما بعدها إلى قوله سبحانه : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت مما وجد من تفسير أبي محمد الزكي تفسيره ويكون بناء تفسيرنا فيها عليه كما كان فيما سبق فيما يوجد منه .
(159) إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات كأحبار اليهود الكاتمين للآيات الشاهدة على أمر محمد وعلي عليهما السلام ونعتهما وحليتهما وكالنواصب الكاتمين لما نزل في فضل علي عليه السلام والهدى وكل ما يهدي إلى وجوب اتباعهما والايمان بهما من بعد ما بيناه للناس في الكتاب في التوراة وغيره ألئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون أي الذين يتأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة والثقلين حتى

( 207 )

أنفسهم فان الكافرين يقولون لعن الله الكافرين .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام في قوله اللاعنون قال نحن هم وقد قالوا هوام الأرض .
وفي الاحتجاج وتفسير الامام عليه السلام : في غير هذا الموضع قال أبو محمد عليه السلام قيل لأمير المؤمنين عليه السلام من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى قال العلماء إذا صلحوا قيل فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمين بأسمائكم والمتلقبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتامرين في ممالككم قال العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله عز وجل أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من سئل عن علم يعلمه فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من نار .
والقمي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه ومن لم يفعل فعليه لعنة الله .
والعياشي عن الباقر عليه السلام أن رجلا أتى سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال حدثني فسكت عنه ثم عاد فسكت ثم عاد فسكت فأدبر الرجل وهو يتلو هذه الآية : ( إن الذين يكتمون ) فقال له أقبل انا لو وجدنا أمينا لحدثناه الحديث .
(160) إلا الذين تابوا عن الكتمان وأصلحوا ما أفسدوا بالتدارك وبينوا ما ذكره الله من نعت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصفته وما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضل علي وولايته لتتم توبتهم فاولئك أتوب عليهم بالقبول والمغفرة وأنا التواب الرحيم المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة .
(161) إن الذين كفروا في ردهم نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولاية علي عليه السلام وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين استقر عليهم البعد من الرحمة .


(162) خالدين فيها في اللعنة في نار جهنم لا يخفف عنهم العذاب يوما ولا ساعة ولا هم ينظرون يمهلون .
(163) وإلهكم إله واحد قيل أي المستحق منكم للعباده واحد لا شريك له يصح أن يعبد أو يسمى إلها لا إله إلا هو تقرير للوحدانية وإزاحة لأن يتوهم ان في الوجود إلها ولكن لا يستحق منهم العبادة الرحمن الرحيم كالحجة عليها .
(164) إن في خلق السماوات والارض بلا عمد من تحتها تمنعها من السقوط ولا علاقة من فوقها تحبسها من الوقوع عليكم وانتم أيها العباد والإماء اسرائي في قبضتي الأرض من تحتكم لا منجى لكم منها أين هربتم والسماء من فوقكم لا محيص لكم عنها اين ذهبتم فان شئت أهلكتكم بهذه وإن شئت أهلكتكم بتلك ثم ما في السموات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنشروا في معايشكم ومن القمر المضئ في ليلكم لتبصروا في ظلمتها وألجأتكم بالاستراحة في الظلمة إلى ترك مواصلة الكد الذي ينهك أبدانكم واختلاف الليل والنهار المتتابعين الكارين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربكم في عالمه من إسعاد واشقاء واعزاز واذلال وإغناء وإفقار وصيف وشتاء وخريف وربيع وخصب وقحط وخوف وأمن والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس التي جعلها الله مطاياكم لاتهدأ ليلا ولا نهارا ولا تقتضيكم علفا ولا ماء وكفاكم بالرياح مؤونة تسييرها بقواكم التي كانت لا تقوم بها لو ركدت عنها الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم وبلوغكم الحوائج لأنفسكم وما أنزل الله من السماء من ماء وابلا وهطلا ورذاذا لا ينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم ويهلك معايشكم لكنه ينزل متفرقا من علاء حتى يعم الأوهاد والتلال والتلاع فأحيا به الارض بعد موتها فيخرج نباتها وحبوبها وثمارها وبث فيها من كل دابة منها ما هي لأكلكم ومعايشكم ومنها سباع ضارية حافظة عليكم أنعامكم لئلا تشذ عليكم خوفا من افتراسها لها وتصريف الرياح المربية لحبوبكم المبلغة لثماركم النافية لركود الهواء والاقتار عنكم ، وقرئ بتوحيد الريح والسحاب المسخر المذلل الواقف بين السماء والارض يحمل أمطارها ويجري باذن الله ويصبها حيث يؤمر لآيات دلائل واضحات لقوم يعقلون يتفكرون فيها بعقولهم .

( 209 )

(165) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا من الأصنام ومن الرؤساء الذين يطيعونهم .
في الكافي عن الباقر عليه السلام والعياشي عن الصادق عليه السلام هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة دون الامام الذي جعله الله للناس إماما فلذلك قال ولو يرى الذين ظلموا الآية ثم قال والله هم أئمة الظلم وأشياعهم يحبونهم كحب الله قيل أي يعظمونهم ويطيعونهم كتعظيمه والميل إلى طاعته أي يسوون بينهم وبينه في المحبة والطاعة والذين آمنوا أشد حبا لله من هؤلاء المتخذين الأنداد مع الله لأندادهم لأن المؤمنين يرون الربوبية والقدرة لله لا يشركون به شيئا فمحبتهم خالصة له .
والعياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام هم آل محمد عليهم السلام .
أقول : يعني الذين آمنوا ويأتي تحقيق معنى محبة الله عز وجل في سورة آل عمران عند تفسير قوله تعالى قل إنكم كنتم تحبون الله انشاء الله .
ولو يرى الذين ظلموا باتخاذ الاصنام أندادا لله سبحانه والكفار والفجار مثالا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام وقرئ بالتاء إذ يرون العذاب حين يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم وعنادهم وقرئ بضم الياء أن القوة لله يعلمون ان القوة لله جميعاً يعذب من يشاء ويكرم من يشاء ولا قوة للكفار يمتنعون بها من عذابه وأن الله شديد العذاب ويعلمون أن الله شديد العذاب وقيل جواب لو محذوف أي لندموا أشد الندم .
(166) إذ تبرأ الذين اتبعوا أي لو يرى هؤلاء المتخذون الانداد حين تبرأ الرؤساء من الذين اتبعوا الرعايا والاتباع ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب الوصلات التي كانت بينهم يتواصلون بها ففنيت حيلتهم ولا يقدرون على النجاة من عذاب الله بشيء .
(167) وقال الذين اتبعوا الاتباع لو أن لنا كرة يتمنون لو كان لهم رجعة إلى

( 210 )

الدنيا فنتبرأ منهم هناك كما تبرءوا منا هنا كذلك كما تبرى بعضهم من بعض يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وذلك إنهم عملوا في الدنيا لغير الله أو على غير الوجه الذي أمر الله فيرونها لا ثواب لها ويرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله ثواب أهلها .
وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام في قوله عز وجل يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو معصية الله فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له وإن كان عمل به في معصية الله قواه بذلك المال حتى عمل به في معصيته عز وجل وما هم بخارجين من النار كان عذابهم سرمدا دائما إذ كانت ذنوبهم كفرا لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ولا خير من خيار شيعتهم .
(168) يا ايها الناس كلوا مما في الارض من أنواع ثمارها وأطعمتها حلالا طيبا لكم إذا أطعتم ربكم في تعظيم من عظمه والاستخفاف لمن أهانه وصغره وقيل نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس ولا تتبعوا خطوات الشيطان ما يخطو بكم إليه ويغريكم به من مخالفة الله عز وجل .
العياشي عن الباقر عليه السلام كل يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان .
وفي المجمع عنهما عليهما السلام ما في معناه إنه لكم عدو مبين .
(169) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون قيل كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات .
أقول : فيه دلالة على المنع من اتباع الظن في المسائل الدينية رأسا .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم .
وعن الباقر عليه السلام أنه سئل عن حق الله تعالى على العباد قال أن يقولوا ما

( 211 )

يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون .
(170) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله في كتابه قيل الضمير للناس وعدل عن الخطاب عنهم للنداء على ضلالتهم كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم انظرو إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون قالوا بل نتبع ما ألفينا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمذهب أولو كان ابآؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون إلى الحق والصواب .
أقول : فيه دليل على وجوب اعمال البصيرة ولو في معرفة من يقلده .
(171) ومثل الذين كفروا في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي كمثل الذي ينعق يصوت بما لا يسمع منه إلا دعاء ونداء لا يفهم ما يراد منه فيغيث المستغيث ويعين من استعانه .
وفي المجمع عن الباقر أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الأيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت .
أقول : يعني بذلك أن مثل داعيهم كمثل داعي البهائم فانهم لانهماكم في التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم ولا يتأملون فيما يقرر معهم فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق بها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه وتحس النداء ولا تفهم معناه وهذا المعنى مع افتقاره إلى الاضمار أوضح من الأول لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء كما انها لا تفهم ما يراد منها الا أن يجعل ذلك من باب التمثيل المركب أو يجعل اتخاذهم الأنداد في الحديث تفسيرا لعبادتهم الأصنام واريد بالأنداد والأصنام جميعا أئمة الضلال .
صم بكم عمي عن الهدى فهم لا يعقلون أمر الله سبحانه .
(172) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله على ما رزقكم وأحل لكم إن كنتم إياه تعبدون .
أقول : يعني واشكروا له نعمه إن صح انكم تختصونه بالعبادة وتقرون انه مولى النعم فان عبادته لا تتم إلا بالشكر بأن تعتقدوا بأن النعمة من الله وتصرفوا النعم

( 212 )

فيما خلقت له وتحمدوا الله بألسنتكم ، وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وارزق ويشكر غيري .
(173) إنما حرم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث اذن الله والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي تتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله فمن اضطر إلى شيء من هذه المحرمات غير باغ ولا عاد وهو غير باغ عند الضرورة على إمام هدى ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام الباغي الذي يخرج على الامام والعادي الذي يقطع الطريق لا تحل لهما الميتة .
والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه وفي رواية الباغي الظالم والعادي الغاصب .
وفي التهذيب والعياشي عنه عليه السلام الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين .
وفيه وفي الفقيه عن الجواد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له إنا نكون بأرض عراق فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتقبوا بقلا فشأنكم بهذا ، قال عبد العظيم فقلت له يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فما معنى قول الله عز وجل : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) فقال العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا صلاة في سفر ، الحديث .
فلا إثم عليه في تناول هذه الأشياء إن الله غفور ستار لعيوبكم رحيم بكم حين

( 213 )

أباح لكم في الضرورة ما حرمه في الرخاء .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر .
(174) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا عرضا من الدنيا يسيرا وينالون به في الدنيا عند الجهال رئاسة أولئك ما يأكلون في بطونهم قيل أي ملء بطونهم يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه وفي الحديث كلوا في بعض بطنكم تعفوا إلا النار بدلا من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق ولا يكلمهم الله يوم القيمة بكلام خير بل يلعنهم ويخزيهم وقيل هو كناية عن غضبه تعالى عليهم وتعريض لحرمانهم عن الزلفى من الله ولا يزكيهم من ذنوبهم قيل ولا يثني عليهم ولهم عذاب أليم موجع في النار .
(175) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى في الدنيا والعذاب بالمغفرة في الآخرة بكتمان الحق للأغراض الدنيوية فما أصبرهم على النار ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النار .
وفي الكافي والعياشي ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار .
وفي المجمع ما أعملهم بأعمال أهل النار .
والقمي ما أجرأهم على النار كلها عن الصادق عليه السلام .
(176) ذلك العذاب بأن الله نزل الكتاب بالحق أي ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطيهم وقيل نزل بالحق فرفضوا بالتكذيب والكتمان وإن الذين اختلفوا في الكتاب بأن قال بعضهم سحر وقال آخر إنه شعر وقال آخر انه كهانة إلى غير ذلك لفي شقاق خلاف بعيد عن الحق كان الحق في شق وهم في شق غيره يخالفه .
(177) ليس البر الفعل المرضي وقرئ بالنصب أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب إلى الكعبة قيل رد على الذين أكثروا الخوض في أمر القبلة من أهل الكتاب حين حولت إلى الكعبة مدعيا كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلتها

( 214 )

والمشرق قبلة النصارى والمغرب قبلة اليهود .
وفي تفسير الامام عن السجاد عليه السلام قالت اليهود قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة موسى التي أمرنا بها وقالت النصارى قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها وقال كل واحد من الفريقين أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلاتنا إلى قبلتنا لأنا لا نتبع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على هواه في نفسه واخيه فأنزل الله يا محمد قل ليس البر الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون بها الغفران والرضوان ان تولوا وجوهكم بصلواتكم قبل المشرق يا ايها النصارى وقبل المغرب يا ايها اليهود وانتم لأمر الله مخالفون وعلى ولي الله مغتاظون ولكن البر قرىء بتخفيف لكن ورفع البر من آمن قيل يعني البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه اعطى في الله تعالى المستحقين من المؤمنين على حبه للمال وشدة حاجته إليه يأمل الحياة ويخشى الفقر لأنه صحيح شحيح ذوي القربى اعطى قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفقراء هدية وبرا لا صدقة لأن الله أجلهم عن الصدقة واعطى قرابة نفسه صدقة وبرا واليتامى من بني هاشم الفقراء برا لا صدقة ويتامى غيرهم صدقة وصلة والمساكين مساكين الناس وابن السبيل المجتاز المنقطع به لا نفقة معه والسائلين الذين يتكففون وفي الرقاب في تخليصها يعني المكاتبين يعينهم ليؤدوا حقوقهم فيعتقوا وأقام الصلاة بحدودها وآتى الزكاة الواجبة عليه لإخوانه المؤمنين والموفون بعهدهم إذا عاهدوا قيل عطف على من آمن يشمل عهد الله والناس والصابرين نصبه على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال في البأساء يعني في محاربة الأعداء ولا عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته ويهتف به ويدفعه وإياهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين والضراء الفقر والشدة ولا فقر أشد من فقر مؤمن يلجأ إلى التكفف من اعداء آل محمد عليهم السلام يصبر على ذلك ويرى ما يأخذه من مالهم مغنما يلعنهم به ويستعين بما يأخذ على تجديد ذكر ولاية الطيبين الطاهرين وحين البأس عند شدة القتال يذكر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي ولي الله

( 215 )

يوالي بقلبه ولسانه أولياء الله ويعادي كذلك أعداء الله أولئك الذين صدقوا في إيمانهم وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم وأولئك هم المتقون لما أمروا باتقائه . قيل الآية كما ترى جامعة للكمالات الانسانية بأسرها دالة عليها صريحا أو ضمنا فانها بكثرتها وتشتتها منحصرة في ثلاثة أشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد أشير إلى الأول بقوله : ( من آمن إلى والنبيين وإلى الثاني ) بقوله : ( وآتى المال إلى وفي الرقاب ) وإلى الثالث بقوله وأقام الصلاة إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق وإليه أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله من عمل بهذه الآية فقد استكمل الايمان .
(178) يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم قيل أي فرض وأوجب عليكم القصاص في القتلى يعني المساواة وان يسلك بالقاتل في طريق المقتول الذي سلكه به لما قتله الحر بالحر والعبد بالعبد والا نثى بالأنثى .
العياشي : عن الصادق عليه السلام هي لجماعة المسلمين ما هي للمؤمنين خاصة .
وفي التهذيب عنه عليه السلام لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم دية العبد ولا يقتل الرجل بالمرأة إلا إذا أدى أهلها إلى أهله نصف ديته .
والعياشي ما في معناه قيل كان بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما على الآخر طول فأقسموا ليقتلن الحر بالعبد والذكر بالأنثى والرجلين بالرجل فلما جاء الاسلام تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت فأمرهم أن يتكافؤوا فمن عفي له أي الجاني الذي عفي له من أخيه الذي هو ولي الدم قيل ذكر بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من أخوة الاسلام شيء من العفو وهو العفو من القصاص دون الدية فاتباع فليكن اتباع من العافي أي مطالبته بالدية بالمعروف وهي وصية للولي بأن يطلب الدية بالمعروف بأن لا يظلم الجاني

( 216 )

بالزيادة ولا يعنفه وأداءً إليه من الجاني إلى العافي بإحسان وصية للجاني بأن لا يماطله ولا يبخس حقه بل يشكره على عفوه .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه باحسان ذلك التخيير تخفيف من ربكم ورحمة لما فيه من التسهيل والنفع فانه لو لم يكن إلا القتل أو العفو لقل ما طابت نفس ولي المقتول بالعفو بلا عوض يأخذه فكان قل ما يسلم القاتل من القتل ، في العوالي : روي أن القصاص كان في شرع موسى حتما والدية كان حتما في شرع عيسى فجاءت الحنفية السمحة بتسويغ الأمرين معا قيل كتب على اليهود القصاص وحده وعلى النصارى العفو مطلقا ، وخير هذه الامة بينهما وبين الدية تيسيرا عليهم فمن اعتدى بعد ذلك بأن يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثم يجئ بعد فيمثل أو يقتل كذا في الكافي والعياشي عن الصادق فله عذاب أليم .
(179) ولكم يا امة محمد في القصاص حياة لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه فكف لذلك عن القتل كان حياة للذي هم بقتله وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل وحياة لغيرهما من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا يجترؤون على القتل مخافة القصاص قيل هذا من أوجز الكلام وأفصحه .
وفي الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال اربع قلت فأنزل الله تصديقي في كتابه وعد منها قلت القتل يقل القتل فأنزل الله تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب أولي العقول قيل ناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس لعلكم تتقون .
(180) كتب عليكم إذَا حضر أحدكم الموت حضر أسبابه وظهر إماراته إن ترك خيرا مالا كثيرا .
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه دخل على مولى له في مرضه وله سبع ماءة درهم أو ستماءة درهم فقال ألا

( 217 )

أوصي قال لا إنما قال الله إن ترك خيرا وليس لك كثير مال الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف بالشيء الذي يعرف العقل أنه لا جور فيه ولا جنف حقا على المتقين .
العياشي : عن أحدهما هي منسوخة بآية المواريث وحملت على التقية لموافقتها مذهب العامة ومخالفتها القرآن ولما في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن الوصية للوارث فقال تجوز ثم تلا هذه الآية وفي معناه أخبار أخر كثيرة .
أقول : نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز .
وفي المجمع والعياشي عن الصادق عن ابيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية
وفي الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه شيء جعله الله تعالى لصاحب هذا الأمر قيل هل لذلك حد قال أدنى ما يكون ثلث الثلث .
والعياشي عنه عليه السلام حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر قيل لذلك حد محدود قال نعم قيل كم قال أدناه السدس وأكثره الثلث .
(181) فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه والله سميع عليم وعيد للمبدل بغير حق .
في الكافي عن أحدهما عليهما السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام في رجل أوصى بماله في سبيل الله قال أعطه لمن أوصى به له وإن كان يهوديا أو نصرانيا إن الله يقول وتلا هذه الآية وفي معناه أخبار كثيرة وفي عدة منها أنه يغرمها إذا خالف .
(182) فمن خاف من موص وقرئ بفتح الواو وتشديد الصاد توقع وعلم جنفا أو إثما ميلا عن الحق بالخطأ أو التعمد كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام .
وفي العلل والعياشي عن الصادق يعني إذا اعتدى في الوصية .
وزاد العياشي وزاد على الثلث ويأتي له معنى آخر .

( 218 )

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام ان الجنف في الوصية من الكبائر فأصلح بينهم بين الورثة والموصي لهم فلا إثم عليه في التبديل لأنه تبديل باطل إلى الحق إن الله غفور رحيم وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الاثم .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن قول الله تعالى فمن بدله قال نسختها الآية التي بعدها فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال يعني الموصي إليه إن خاف جنفا من الموصي فيما أوصى به إليه فيما لا يرضى الله به من خلاف الحق فلا إثم على الموصى إليه أن يرده إلى الحق وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير .
وفي رواية في الكافي ان الله اطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها جنف ويردها إلى المعروف لقوله تعالى فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه .
والقمي عن الصادق عليه السلام إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصيته بل يمضيها على ما أوصى إلا أن يوصي بغير ما أمر الله فيعصي في الوصية ويظلم فالموصى إليه جائز له أن يردها إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض الورثة ويحرم بعضها فالوصي جائز له أن يردها إلى الحق وهو قوله تعالى جنفا أو إثما فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض والاثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشيء من ذلك .
(183) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية وعن قوله سبحانه كتب عليكم القتال فقال هذه كلها يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة .
وفي المجمع عنه عليه السلام قال لذة النداء أزال تعب العبادة والعناء كما كتب على الذين من قبلكم من الأنبياء والامم ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أن أولهم آدم يعني أنه عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لم يوجبها عليكم وحدكم وفيه ترغيب على الفعل وتطييب عن النفس لعلكم تتقون المعاصي فان الصيام يكسر

( 219 )

الشهوة التي هي معظم أسبابها وفي الحديث من لم يستطع الباه فليصم فان الصوم له وجاء .
(184) أياما معدودات قيل أي قلائل فان القليل يعد عدا والكثير يهال هيلا أو موقتات بعدد معلوم فمن كان منكم مريضا مرضا يضره الصوم ويعسر كما يدل عليه قوله تعالى : ( ولا يريد بكم العسر ) أو على سفر راكب سفر فعدة من أيام أخر فعليه عدة من أيام أخر وهذا نص في وجوب الافطار على المريض والمسافر كما ورد عن أئمتنا عليهم السلام في أخبار كثيرة حتى قالوا الصائم شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر رواه في الكافي والتهذيب والفقيه وفي الثلاثة في حديث الزهري عن السجاد من صام في السفر أو المرض فعليه القضاء لأن الله تعالى يقول فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ، وعن الباقر عليه السلام قال سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة قال وهم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وابناء أبنائهم إلى يومنا هذا .
وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عمن صام في السفر فقال إذا كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه .
وفي رواية اخرى وإن صامه بجهالة لم يقض ، وعنه عليه السلام أنه سئل ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام قال بل الانسان على نفسه بصيرة وهو أعلم بما يطيقه .
وفي الكافي عنه عليه السلام هو مؤتمن عليه مفوض إليه فان وجد ضعفا فليفطر وإن وجد قوة فليصم كان المريض على ما كان .
وفيه أنه عليه السلام سئل عن حد المرض الذي يترك منه الصوم قال إذا لم يستطع أن يتسحر .
وفي الفقيه عنه عليه السلام الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر ، وعنه

( 220 )

عليه السلام كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب واما حد السفر الذي يفطر فيه فقصد ثمانية فراسخ فصاعدا ذهابا أو مع الإياب ما لم ينقطع سفره دونها بعزم إقامة عشرة أيام أو مضي ثلاثين يوما عليه مترددا في بلد أو بالوصول إلى بلد يكون له فيه منزل يقيم فيه ستة أشهر فان انقطع بأحدها فقد صار سفرين بينهما حضور وأن لا يكون السفر عمله إلا إذا جد به السير وشق عليه مشقة شديدة وأن يكون السفر جائزا له وأن يتوارى عن جدران البلد أو يخفى عليه أذانه هذا ما استفدناه من أخبار أئمتنا عليهم السلام في شرائط السفر الموجب للافطار في الصيام والتقصير في الصلاة وبيناه في كتابنا المسمى بالوافي من أراد الاطلاع عليه فليراجع إليه .
وعلى الذين يطيقونه إن أفطروا فدية طعام مسكين في الجوامع عن الباقر عليه السلام طعام مساكين وقرأ به قيل كان القادر على الصيام الذي لا عذر له مخيرا بينه وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد وكان ذلك في بدو الاسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودوا فرخص لهم في الافطار والفدية ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقيل إنه غير منسوخ بل المراد بذلك الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن والشيخ والشيخة فانه لما ذكر المرض المسقط للفرض وكان هناك اسباب اخر ليست بمرض عرفا لكن يشق معها الصوم وذكر حكمها فيكون تقديره وعلى الذين يطيقونه ثم عرض لهم ما يمنع الطاقة فدية وهذا هو المروي عن الصادق عليه السلام ويؤيده ما ورد في شواذ القراءة عن ابن عباس وعلى الذين يطوقونه أي يتكلفونه وعلى هذا يكون قوله وان تصوموا خير لكم كلاما مستأنفا لا تعلق له بما قبله وتقديره وإن صومكم خير عظيم لكم هذا ما قالوا في معنى الآية ويخطر بالبال أنه لا حاجة بنا إلى مثل هذه التكلفات البعيدة من القول بالنسخ تارة مع دلالة الأخبار المعصومية على خلافه والتزام الحذف والتقدير وفصل ما ظاهره الوصل اخرى مع عدم ثبوت تلك الروايات المشار إليها وذلك لأن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها كما قاله في محكم كتابه والوسع دون الطاقة كما ورد في تفسيره عن أهل البيت عليهم السلام فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أي بما يشق عليها تحمله عادة ويعسر فالذين يطيقون الصوم يعني يكون الصوم بقدر طاقتهم ويكونون معه على

( 221 )

مشقة وعلى عسر لم يكلفهم الله على سبيل الحتم كالشيخ والحامل ونحوهما بل خيرهم بينه وبين الفدية توسيعا منه ورحمة ثم جعل الصوم خيرا لهم من الفدية في الأجر والثواب إذا اختاروا المشقة على السعة ويؤيده القراءة الشاذة كما يؤيده ما ذكروه ويدل على هذا أيضا ما رواه في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : ( الذين يطيقونه ) قال الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش .
وفي رواية المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير وقوله تعالى : ( وأن تصوموا خير لكم ) فانه يدل على أن المطيق هو الذي يقدر على الصيام حدا في القدرة دون الحد الذي أوجب عليه التكليف .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان قال يتصدق عن كل يوم بما يجزي من طعام مسكين وفي رواية لكل يوم مد . فمن تطوع خيرا أي زاد في مقدار الفدية وقرئ يطوع كما في آية الحج فهو فالتطوع خير له وأن تصوموا أيها المطيقون خير لكم من الفدية وتطوع الخير إن كنتم تعلمون ما في الصيام من الفضيلة إن صمتم أو إن كنتم من أهل العلم علمتم ذلك .
(185) شهر رمضان أي الأيام المعدودات هي شهر رمضان .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الامم ففضل الله به هذه الامة وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمته الذي أنزل فيه القرآن أي بيانه وتأويله كما مضى تحقيقه في المقدمة التاسعة من هذا الكتاب وقرئ بغير الهمزة حيث وقع هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان قد مضى تفسيره في تلك المقدمة فمن شهد منكم الشهر فمن حضر في الشهر ولم يكن مسافرا فليصمه في الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق عليه السلام ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه .
وفي التهذيب عنه عليه السلام إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه وليس له أن يخرج

( 222 )

في إتلاف مال أخيه فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر كرر ذلك تأكيدا للأمر بالافطار وإنه عزيمة لا يجوز تركه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر فلذلك أمركم بالافطار في المرض والسفر .
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والافطار أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد عليه .
وفي الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تبارك وتعالى أهدى إلي وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الامم كرامة من الله لنا قالوا وما ذلك يا رسول الله قال الافطار في السفر والتقصير في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله هديته . ولتكملوا العدة وشرع جملة ما ذكر لتكملوا عدة أيام الشهر ، وقرئ لتكملوا مثقلا ولتكبروا الله على ما هداكم ولتعظموا الله وتمجدوه على هدايته إياكم ولعلكم تشكرون تسهيله الأمر لكم ، في الفقيه عن الرضا عليه السلام وإنما جعل التكبير في صلاة العيد أكثر منه في غيرها من الصلوات لأن التكبير إنما هو تعظيم لله وتمجيد على ما هدى وعافى كما قال عز وعلا ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أما إن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون قال قلت وأين هو قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وفي صلاة العيد ثم يقطع قال قلت كيف أقول قال تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا وهو قول الله تعالى : ( ولتكملوا العدة ) يعني الصيام ولتكبروا الله على ما هداكم .
(186) وإذا سالك عبادي عني فإني قريب فقل لهم إني قريب روي أن اعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت .
أقول : قربه تعالى عبارة عن معيته عز وجل كما قال سبحانه وهو معكم أينما

( 223 )

كنتم فكما أن معيته للأشياء ليست بممازجة ومداخلة ومفارقته عنها ليست بمباينة ومزايلة فكذلك قربه ليس باجتماع وأين وبعده ليس بافتراق وبين بل بنحو آخر أقرب من هذا القرب وأبعد من هذا البعد ولهذا قال تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ، وفي مناجاة سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام إلهي ما أقربك مني وأبعدني عنك وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك وإنما يجد قربه من عبده كأنه يراه كما قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ، إن قيل كيف يكون الشيء قريبا من الآخر ويكون ذلك الآخر بعيدا عنه ، قلنا هذا كما يكون لك محبوب وهو حاضر عندك وأنت عنه في عمى لا تراه ولا تشعر بحضوره فانه قريب منك وأنت بعيد عنه أجيب دعوة الداع إذا دعان تقرير للقرب ووعد للداعي بالإجابة فليستجيبوا لي إذا دعوتهم للايمان والطاعة كما أجبتهم إذا دعوني لمهامهم وليؤمنوا بي في المجمع عن الصادق عليه السلام أي وليتحققوا اني قادر على إعطائهم ما سألوه .
والعياشي ما في معناه ولعلَّهم يرشدون قال أي لعلهم يصيبون الحق ويهتدون إليه .
وروي أن الصادق عليه السلام قرأ أمن يجيب المضطر إذا دعاه فسئل ما لنا ندعو ولا يستجاب لنا فقال لأنكم تدعون من لا تعرفون وتسألون ما لا تفهمون فالاضطرار عين الدين وكثرة الدعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان من لم يشهد ذلة نفسه وقلبه وسره تحت قدرة الله حكم على الله بالسؤال وظن ان سؤاله دعاء والحكم على الله من الجرأة على الله .
وفي الكافي عنه عليه السلام أنه قيل له في قوله سبحانه ادعوني استجب لكم ندعوه ولا نرى إجابة قال أفترى الله عز وجل أخلف وعده قال لا قال فمم ذلك قال لا أدري قال لكني أخبرك من أطاع الله عز وجل فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه قيل وما جهة الدعاء قال تبدأ وتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها فهذا جهة الدعاء .

( 224 )

وعنه عليه السلام أن العبد ليدعو فيقول الله للملكين قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته فاني أحب أن أسمع صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى عجلوا له حاجته فاني ابغض صوته .
والقمي عنه عليه السلام أنه قيل له إن الله تعالى يقول : ادعوني أستجب لكم وإنا ندعوه فلا يستجاب لنا فقال لأنكم لا توفون بعهد الله وان الله يقول : ( أوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) والله لو وفيتم لله لوفى لكم .
وفي الكافي عنه عليه السلام أن من سره أن يستجاب دعوته فليطيب مكسبه .
وروي عنه عليه السلام إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاء فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله عز وجل فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه ويأتي حديث آخر في هذا الباب في سورة المؤمن انشاء الله .
(187) أحل لكم ليلة الصيام أي الليلة التي تصبح منها صائما الرفث إلى نسائكم كنى به عن الجماع لأنه قلما يخلو عن رفث وهو الافصاح بما يجب أن يكنى عنه وعدى بالى لتضمنه معنى الإفضاء هن لباس لكم وأنتم لباس لهن استيناف يبين سبب الاحلال وهو قلة الصبر عنهن وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالثة وشدة الملابسة علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم من الخيانة كالاكتساب من الكسب وهو أبلغ منها أي تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب فتاب عليكم لما تبتم ورخص لكم وأزال التشديد عنكم وعفا عنكم محى أثره عنكم فالآن باشروهن كنى بالمباشرة عن الجماع وهي الصاق البشرة بالبشرة وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا قيل يعني اطلبوا ما قدر لكم وأثبته في اللوح من الولد بالمباشرة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لا بتغاء ما وضع الله النكاح له من التناسل وقيل وابتغوا ما كتب الله لكم من الاباحة بعد الحظر فان الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود من الفجر شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق

( 225 )

وما يمتد معه من ظلمة الليل بخيطين ابيض واسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله من الفجر عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام هو بياض النهار من سواد الليل .
وفي رواية : هو الفجر الذي لا شك فيه وفي أخرى ليس هو الأبيض صعداء إن الله لم يجعل خلقه في شبهة من هذا وتلا هذه الآية فقال المعترض .
وفي التهذيب عنه أنه سئل آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال كل حتى لا تشك .
وفيه وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل عن رجلين قاما في رمضان فقال أحدهما هذا الفجر وقال الآخر ما أرى شيئا قال ليأكل الذي لم يستيقن الفجر وقد حرم الاكل على الذي زعم أنه رأى الفجر لأن الله يقول : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم ) الآية .
وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام أنها نزلت في خوّات بن جبير الأنصاري وكان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخندق وهو صائم فأمسى وهو على تلك الحال وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب فجاء خوّات إلى أهله حين أمسى فقال هل عندكم طعام فقالوا لا تنم حتى نصلح لك طعاما فاتكى فنام فقالوا له قد فعلت فقال نعم فبات على تلك الحال فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل الله فيه الآية ، وزاد القمي فيما زاد وكان النكاح حراما بالليل والنهار وفي شهر رمضان قال وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل في شهر رمضان فأنزل الله ، في الجوامع عن الصادق عليه السلام قال كان الأكل محرما في شهر رمضان بالليل بعد النوم وكان النكاح حراما بالليل والنهار وكان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال له مطعم بن جبير نام قبل أن يفطر وحضر حفر الخندق فأغمي عليه وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فنزلت الآية فأحل النكاح بالليل والأكل بعد النوم فذلك قوله وعفا عنكم .

( 226 )

وفي المجمع اختلفت العامة في اسم هذا الرجل ثم ذكر قصته عنهم بنحو آخر قال فقال عمر يا رسول الله اعتذر إليك من مثله رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء فأتيت إمرأتي وقام رجال فاعترفوا بمثل الذي سمعوا فنزلت ثم أتموا الصيام إلى الليل بيان لآخر وقت الصيام ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد معتكفون فيها والاعتكاف أن يحبس نفسه في المسجد الجامع للعبادة تلك أي الأحكام التي ذكرت حدود الله حرمات الله ومناهيه فلا تقربوها في الحديث النبوي الشريف أن لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن وقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه كذلك مثل ذلك التبيين يبين الله آياته حججه ودلائله للناس على ما أمرهم به ونهاهم عنه لعلهم يتقون مخالفة أوامره ونواهيه .
(188) ولا تأكلوا أموالكم بينكم لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل بالوجه الذي لا يحل ولم يشرعه الله .
وفي المجمع عن الباقر يعني بالباطل اليمين الكاذبة تقتطع به الأموال .
وفي الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل الرجل منا يكون عنده الشيء يتبلغ به وعليه الدين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله تعالى بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسبة أو يقبل الصدقة فقال يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يؤدي إليهم ان الله عز وجل يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام عطف على المنهي أو نصب باضمار ان ، والادلاء الالقاء أي ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها إلى الحكام لتأكلوا بالتحاكم فريقا طائفة من أموال الناس بالإثم بما يوجب إثما كشهادة الزور واليمين الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضي له ظلم وأنتم تعلمون أنكم مبطلون .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال إن الله عز وجل قد علم أن في الامة حكاما يجورون اما إنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه عنى حكام أهل الجور .

( 227 )

والقمي قال العالم عليه السلام قد علم الله أنه يكون حكام يحكمون بغير الحق فنهى أن يتحاكم إليهم لأنهم لا يحكمون بالحق فيبطل الأموال .
وفي التهذيب والعياشي عن الرضا عليه السلام أنه كتب في تفسيرها ان الحكام القضاة ثم كتب تحته وهو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنه ظالم .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام كانت قريش تقامر الرجل في أهله وماله فنهاهم الله .
أقول : الآية تعم الكل ولا تنافي بين الأخبار .
(189) يسألونك عن الأهلة عن أحوالها في زيادتها ونقصانها ووجه الحكمة في ذلك قل هي مواقيت للناس والحج أي معالم يوقت بها الناس عباداتهم ومزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وعدد نسائهم .
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام لصومهم وفطرهم وحجهم وليس البر بأن تأتوا البيوت وقرىء بكسر الباء حيث وقع من ظهورها في المجمع عن الباقر عليه السلام كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ولكنهم كانوا ينقبون في ظهور بيوتهم أي في مؤخرها نقبا يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن التدين بها ولكن البر من اتقى ما حرم الله كذا عن الصادق عليه السلام وأتوا البيوت من أبوابها وفي المحاسن والمجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام يعني أن يأتي الأمر من وجهه أي الأمور كان .
أقول : ومنه أخذ أحكام الدين عن أمير المؤمنين عليه السلام وعترته الطيبين لأنهم أبواب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين كما قال أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا يؤتى المدينة إلا من بابها .
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله وأتوا البيوت من أبوابها والبيوت هي بيوت العلم

( 228 )

الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم .
وعنه عليه السلام نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى أبوابها نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها إن الله عز وجل لو شاء عرف الناس نفسه حتى يعرفونه ويأتونه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه قال فمن عدل عن ولايتنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها وإنهم عن الصراط لناكبون .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام آل محمد صلوات الله عليهم أبواب الله وسبله والدعاة إلى الجنة والقادة إليها والادلاء عليها إلى يوم القيامة واتقوا الله في تغيير أحكامه لعلكم تفلحون لكي تظفروا بالهدى والبر .
(190) وقاتلوا في سبيل الله جاهدوا لاعلاء كلمته واعزاز دينه الذين يقاتلونكم هي ناسخة لقوله تعالى كفوا أيدكم كذا في المجمع عنهم عليهم السلام ولا تعتدوا بابتداء القتال والمفاجأة به من غير دعوة والمثلة وقتل من نهيتم عن قتله من النساء والصبيان والمشايخ والمعاهدين إن الله لا يحب المعتدين .
(191) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وجدتموهم هي ناسخة لقوله عز وجل ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم كذا في المجمع عنهم عليهم السلام وأخرجوهم من حيث أخرجوكم منها أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها وقد فعل ذلك يوم الفتح بمن لم يسلم منهم والفتنة أشد من القتل قيل معناه شركهم في الحرم وصدهم إياكم عنه أشد من قتلكم إياهم فيه ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة الحرم فإن قاتلوكم فاقتلوهم فلا تبالوا بقتالهم ثمة فانهم الذين هتكوا حرمته ، وقرئ ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فان قتلوكم بدون الألف كذلك مثل ذلك جزاء الكافرين جزاؤهم يفعل بهم ما فعلوا .
(192) فإن انتهوا عن القتال والشرك فإن الله غفور رحيم يغفر لهم ما قد سلف .

( 229 )

(193) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة شرك كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام ويكون الدين أي الطاعة والعبادة لله وحده خالصا ليس للشيطان فيه نصيب فإن انتهوا عن الشرك فلا عدوان إلا على الظالمين فلا تعتدوا على المنتهين سمي الجزاء باسم الاعتداء للمشاكلة وازدواج الكلام كما في قوله سبحانه : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) ومثله فاعتدوا عليه كما يأتي .
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام أي لا عدوان إلا على ذرية قتلة الحسين عليه السلام . وفي رواية لا يعتدي الله على أحد الا على نسل ولد قتلة الحسين (ع) .
وفي العلل : عن الرضا عليه السلام أنه سئل يابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم فقال هو كذلك فقيل فقول الله عز وجل ولا تزر وازرة وزر اخرى ما معناه فقال صدق الله في جميع أقواله لكن ذراري قتلة الحسين عليه السلام يرضون بأفعال آبائهم كذلك ويفتخرون بها ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ولو ان رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل ابائهم .
أقول : وذلك لأنهم إنما يكونون من سنخهم وحقيقتهم بحيث لو قدروا على ما قدر عليه أولئك فعلوا ما فعلوا كما حقق في المقدمة الثالثة .
(194) الشهر الحرام بالشهر الحرام قيل قاتلهم المشركون في عام الحديبية في ذي القعدة واتفق خروجهم لعمرة القضاء فيه فكرهوا أن يقاتلوهم فيه لحرمته فقيل لهم هذا الشهر بذلك وهتكه بهتكه فلا تبالوا به .
وفي المجمع روي مثله عن الباقر عليه السلام والحرمات قصاص أي كل حرمة وهي ما يجب أن يحافظ عليها يجري فيه القصاص فلما هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثله .

( 230 )

في التهذيب والعياشي مضمرا أنه سئل عن المشركين أيبتدؤهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام فقال إذا كان المشركون ابتداؤهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنهم يظهرون عليهم فيه وذلك قول سبحانه : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فذلكة وتأكيد لما سبق في التهذيب عن الصادق عليه السلام في رجل قتل رجلا في الحرم وسرق في الحرم فقال يقام عليه الحد وصغار له لأنه لم ير حرمة للحرم وقد قال الله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) يعني في الحرم وقال فلا عدوان إلا على الظالمين واتقوا الله في الانتصار فلا تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم واعلموا أن الله مع المتقين فيحرسهم ويصلح شأنهم .
(195) وأنفقوا في سبيل الله في الجهاد وسائر أبواب البر ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بالإسراف وتضييع وجه المعاش وبكل ما يؤدي إلى الهلاك ، في المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال طاعة السلطان واجبة ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله ودخل في نهيه ان الله يقول : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وأحسنوا إن الله يحب المحسنين .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قال لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن ولا وفق للخير أليس يقول الله : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واحسنوا إن الله يحب المحسنين ) يعني المقتصدين .
وفي المحاسن عنه عليه السلام قال إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكل حسنة سبعماءة وذلك قول الله سبحانه : ( يضاعف لمن يشاء ) فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله فقيل له وما الاحسان فقال إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك وإذا صمت فتوق كل ما فيه فساد صومك وإذا حججت فتوق ما يحرم عليك في حجك وعمرتك قال وكل عمل تعمله لله فليكن نقيا من الدنس .



 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22385860

  • التاريخ : 15/03/2025 - 01:56

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net