00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة البقرة : من آية 57 ـ 103 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول)   ||   تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني »

 (57) وظللنا عليكم الغمام لما كنتم في التيه يقيكم من حر الشمس وبرد القمر

( 135 )

وأنزلنا عليكم المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه والسلوى السماني أطيب طير كان يسترسل بهم فيصطادونه كلوا من طيبات ما رزقناكم قال الله تعالى : كلوا .
والقمي لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل فيها ولا شجر ولا ماء فكانت تجيء بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وتنزل عليهم بالليل المن فيأكلونه وبالعشي يجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه إثنتا عشرة عينا فيذهب الماء إلى كل سبط وكانوا إثنا عشر سبطا فلما طال عليهم ملوا وقالوا : يا موسى لن نصبر على طعام واحد وما ظلمونا لما بدلوا وغيروا ما به أمروا ولم يفوا بما عليه عوهدوا لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يضرون بها بكفرهم وتبديلهم .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قوله عز وجل وما ظلمونا قال إن الله أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني الأئمة .
(58) وإذ قلنا واذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا لأسلافكم ادخلوا هذه القرية وهي أريحا من بلاد الشام وذلك حين خرجوا من التيه فكلوا منها حيث شئتم رغدا واسعا بلا تعب وادخلوا الباب باب القرية سجدا مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك ويجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما وقولوا حطة وقولوا سجودنا لله تعظيما للمثال واعتقادنا الولاية حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا نغفر لكم خطاياكم السالفة ونزيل عنكم آثامكم الماضية وقرئ بضم الياء وفتح الفاء وسنزيد المحسنين من لم يقارف منكم الذنب وثبت على عهد الولاية ثوابا .
(59) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم لم يسجدوا كما امروا ولا قالوا

( 136 )

ما امروا بل دخلوها باستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوّتها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول .
وفي موضع آخر من تفسير الإمام عليه السلام وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا قالوا ما بالنا نحتاج أن نركع عند الدخول هاهنا ظننا أنه باب متطامن لا بد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع وإلى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى عليه السلام ثم يوشع بن نون ويسجدوننا في الأباطيل وجعلوا استاههم نحو الباب وقالوا بدل قولهم حطة ما معناه حنطة حمراء فذلك تبديلهم .
فأنزلنا على الذين ظلموا وبدلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وآلهما ، قيل كرره مبالغة في تقبيح أمرهم واشعارا بأن الانزال عليهم بظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو بظلمهم على أنفسهم بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب بهلاكها رجزا من السماء قيل أي عذابا مقدرا من السماء هو في الأصل لما يعاف عنه كالرجس بما كانوا يفسقون يخرجون من أمر الله وطاعته والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم ماءة وعشرون ألفا وهم الذين كان في علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ولم ينزل على من علم أنه يتوب أو يخرج من صلبه ذرية طيبة .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : نزل جبرائيل بهذه الآية فبدل الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليهم حقهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليهم حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون .
(60) وإذ استسقى واذكروا إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقيا لما عطشوا في التيه ضجوا إليه بالبكاء فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فضربه بها داعيا بمحمد وآله الطيبين فانفجرت .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام نزلت ثلاثة أحجار من الجنة حجر مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود .
وفي الكافي والإكمال عنه عليه السلام إذا خرج القائم عليه السلام من مكة

( 137 )

ينادي مناديه الا لا يحملن احد طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ولا ينزل منزلا الا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآنا روي ورويت دوابتهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة . قد علم كل أناس كل قبيلة : من بني اب من أولاد يعقوب مشربهم ولا يزاحم الآخرين في مشربهم كلوا واشربوا قال الله تعالى : كلوا واشربوا من رزق الله الذي أتاكموه قيل أي من المن والسلوى والماء ولا تعثوا في الارض مفسدين ولا تعثوا فيها وأنتم مفسدون عاصون قيل هو من العثو بمعنى الاعتداء ويقرب منه العيث غير أنه يغلب على ما يدرك بالحس .
(61) وإذ قلتم وإذكروا إذ قال اسلافكم يا موسى لن نصبر على طعام واحد اي المن والسلوى ولا بد لنا من خلط معه فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الا رض من بقلها وقثائها وفومها في المجمع عن الباقر عليه السلام والقمي الثوم الحنطة وقيل هو الثوم .
وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى أتستدعون الأدون بالذي هو خير ليكون لكم بدلا من الأفضل اهبطوا من هذه التيه مصرا من الأمصار فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة الجزية والفقر وباؤا بغضب احتملوا الغضب واللعنة من الله.
أقول : يعني ورجعوا وعليهم للغضب كما يأتي في مثله في هذه السورة فالمذكور هنا محصل المعنى ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق بلا جرم منهم إليهم ولا إلى غيرهم ، وقرىء النبيئين بالهمزة حيث وقع وفي سائر تصاريفها اجمع ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون يتجاوزون امر الله إلى أمر إبليس ، قيل جرهم العصيان والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات وقتل النبيين فان صغار الذنوب تؤدي إلى كبارها كما ان صغار الطاعات تؤدي إلى كبارها .
وفي تفسير الامام عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا عباد الله فاحذروا الإنهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي يستولي بها الخذلان على

( 138 )

صاحبها حتى توقعه فيما هو اعظم منها فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع فيما هو أعظم مما جنى حتى توقعه في رد ولاية وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفع نبوة نبي الله ولا يزال ايضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والالحاد في دين الله قيل المراد بآيات الله المعجزات والكتب المنزلة وما فيها من نعت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وبقتل النبيين قتل شعيب وزكريا ويحيى وغيرهم .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام انه تلا هذه الآية فقال والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم ولكن سمعوا احاديثهم فاذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا باعتداء ومعصية .
(62) ان الذين آمنوا بالله وبما فرض عليهم الايمان به والذين هادوا اليهود والنصارى الذين زعموا انهم في دين الله متناصرون .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام انهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر .
والصابئين الذين زعموا انهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون .
أقول : صبوا اي مالوا إن لم يهمز وخرجوا ان قرئ بالهمزة .
والقمي انهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم من آمن بالله واليوم الآخر منهم ونزع عن كفره وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم في الآخرة حين يخاف الفاسقون ولا هم يحزنون إذا حزن المخالفون .
(63) وإذ أخذنا واذكروا إذ اخذنا ميثاقكم عهودكم ان تعلموا بما في التوراة وما في الفرقان الذي اعطيته موسى مع الكتاب وتقروا بما فيه من نبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصيه علي والطيبين من ذريتهما وان تؤدوه إلى اخلافكم قرنا بعد قرن فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه ورفعنا فوقكم الطور الجبل أمرنا جبرئيل ان يقلع من جبل فلسطين (1) قطعة على قدر معسكر اسلافكم فرسخا في فرسخ فقطعها وجاء بها
____________
(1) فلسطون وفلسطين وقد يفتح فاؤهما كورة بالشام وبلد بالعراق . تقول في حال الرفع بالواو وفي النصب والجر بالياء أويلزمها الياء في كل حال والنسبة فلسطي . قاموس .

( 139 )

فرفعها فوق رؤوسهم خذوا ما آتيناكم فقال لهم موسى اما ان تأخذوا بما امرتم به فيه واما ان القي عليكم هذا الجبل فالجأوا إلى قبوله كارهين الا من عصمه الله من العناد فانه قبله طائعا مختارا ثم لما قبلوه سجدوا وعفروا وكثير منهم عفر خديه لا لارادة الخضوع لله ولكن نظرا إلى الجبل هل يقع أم لا بقوة من قلوبكم ومن ابدانكم .
في المحاسن والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية أقوة في الأبدان أم قوة في القلوب فقال : فيهما جميعا واذكروا ما فيه من جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على إبائكم له .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام واذكروا ما في تركه من العقوبة لعلكم تتقون لتتقوا المخالفة الموجبة للعقاب فتستحقوا بذلك الثواب .
(64) ثم توليتم يعني تولى أسلافكم من بعد ذلك عن القيام به والوفاء بما عوهدوا عليه فلولا فضل الله عليكم ورحمته بامهالكم للتوبة وانظاركم للانابة لكنتم من الخاسرين المغبونين .
(65) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت لما اصطادوا السموك فيه فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين مبعدين عن كل خير .
(66) فجعلنها : اي المسخة التي اخزيناهم ولعناهم بها .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام فجعلنا الأمة .
نكالا لما بين يديها وما خلفها عقوبة لما بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبة وردعا للذين شاهدوهم بعد مسخهم وللذين يسمعون بها من بعدها لكي يرتدعوا عن مثل افعالهم وموعظة للمتقين وسيأتي قصتهم في سورة الأعراف إنشاء الله .
(67) وإذ قال موسى : واذكروا إذ قال موسى لقومه ، إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تضربون ببعضها هذا المقتول بين اظهركم ليقوم حيا سويا باذن الله عز وجل ويخبركم بقاتله وذلك حين القى القتيل بين اظهركم فالزم موسى أهل

( 140 )

القبيلة بأمر الله ان يحلف خمسون من اماثلهم بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا اجمعين إنا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد منه وإن لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل فقالوا يا نبي الله أما وقت أيماننا اموالنا ولا اموالنا أيماننا قال : لا هذا حكم الله وكان السبب ان امرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل وفضل بارع ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها وكان لها بنو اعمام ثلاثة فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا وارادت التزويج به فاشتد حسد إبني عمه الآخرين له وغبطاه عليها لايثارها إياه فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على اكثر قبيلة من بني إسرائيل فألقياه بين اظهرهم ليلا فلما اصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله فجاء ابنا عمه القاتلان له فمزقا على انفسهما وحثيا التراب على رؤسهما واستعديا عليهم فأحضرهم موسى وسألهم فأنكروا ان يكونوا قتلوه وعلموا قاتله فقال : فحكم الله عز وجل على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فالتزموه فقالوا يا موسى اي نفع في إيماننا إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة ام اي نفع في غرامتنا إذا لم تدرأ عنا الأيمان .
فقال موسى عليه السلام : كل النفع في طاعة الله والائتمار لأمره والانتهاء عما نهى عنه فقالوا : يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا وإيمان غليظة ولا حق في رقابنا لو ان الله عز وجل عرفنا قاتله بعينه وكفانا مؤنته فادع لنا ربك أن يبين لنا هذا القاتل لينزل به ما يستحقه من العذاب وينكشف أمره لذوي الألباب . فقال موسى عليه السلام إن الله قد بين ما أحكم به في هذا فليس لي ان اقترح عليه غير ما حكم ولا اعترض عليه فيما أمر الا ترون أنه لما حّرم العمل في يوم السبت وحرم لحم الجمل لم يكن لنا ان نقترح عليه ان نغير ما حكم به علينا من ذلك بل علينا ان نسلم حكمه ونلتزم ما الزمناه وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى اجبهم

( 141 )

إلى ما اقترحوا وسلني ان ابين لهم القاتل ليقتل ويسلم غيره من التهمة والغرامة فاني إنما أريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بعده على سائر البرايا وأغنيه في الدنيا في هذه القضية ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال موسى : يا رب بين لنا قاتله فأوحى الله عز وجل إليه قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى أفتسلمون لرب العالمين ذلك والا فكفوا عن المسألة والتزموا ظاهر حكمي فذلك ما حكى الله عز وجل وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أي سيأمركم أن تذبحوا بقرة إن أردتم الوقوف على القاتل .
والقمي عن الصادق عليه السلام أن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا فردته فحسد ابن عمه الذي أنعمت إليه فرصده وقتله غيلة ثم حمله إلى موسى عليه السلام فقال يا نبي الله إن هذا ابن عمي قد قتل فقال من قتله قال : لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم قتل ذلك الرجل على موسى عليه السلام فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته في تلك الحال تحت رأس أبيه وهو نائم فكره ابنه أن ينبهه وينغص عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال يا بني ما صنعت في سلعتك ؟ قال : هي قائمة لم أبعها لأن المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن أزعجك من رقدتك وانغص عليك نومك قال له أبوه : قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله للابن ما فعل بأبيه فأمر الله جل جلاله موسى أن يأمر بني إسرائيل بذبح تلك البقرة بعينها ليظهر قاتل ذلك الرجل الصالح فلما اجتمع بنو إسرائيل إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتعجبوا وقالوا : أتتخذنا هزؤاً نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا

( 142 )

بقرة قالوا : يا موسى أتتخذنا هزُواً سخرية تزعم أن الله يأمر نذبح بقرة ونأخذ قطعة من ميت ونضرب بها ميتا فيحيى أحد الميتين بملاقاة بعض الميت له فكيف يكون هذا وقرئ باسكان الزاي وبغير همز قال موسى أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين أنسب إلى الله ما لم يقل لي أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت دافعا القول الله عز وجل وأمره ثم قال موسى : أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة وماء المرأة كذلك ميتان يلتقيان فيحدث الله من التقاء الميتين بشرا حيا سويا أو ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسخ في أرضكم وتتعفن وهي ميتة ثم يخرج منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الأشجار الباسقة المونقة فلما بهرهم موسى .
(68) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي مواصفاتها لنقف عليها .
وفي رواية القمي : فعلموا أنهم قد أخطأوا قال إنه إن الله يقول بعد ما سأل ربه إنها بقرة لا فارض لا كبيرة ولا بكر ولا صغيرة عوان وسط بين ذلك بين الفارض والبكر فافعلوا ما تؤمرون إذا أمرتم به .
(69) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها قال إنه يقول إن الله يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها حسنة الصفرة ليس بناقص يضرب إلى البياض ولا بمشبع يضرب إلى السواد تسر الناظرين إليها لبهجتها وحسنها وبريقها .
(70) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ما صفتها يزيد في صفتها إن البقر تشابه علينا وإنا إنشاء الله لمهتدون وفي الحديث النبوي لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد .
(71) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض لم تذلل لإثارة الأرض ولم ترض بها ولا تسقي الحرث ولا هي مما تجر به الدلاء للزرع ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع مُسَلّمَةَ من العيوب كلها لا شية فيها من غيرها .

( 143 )

في العيون والعياشي عن الرضا عليه السلام لو عمدوا إلى أي بقرة أجزأهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم ، وفي تفسير الامام عليه السلام فلما سمعوا هذه الصفات قالوا يا موسى أفقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها قال : بلى ولم يقل موسى في الابتداء إن الله قد أمركم بل قال : يأمركم لأنه لو قال إن الله أمركم لكانوا إذ قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي وما لونها كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز وجل ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول أمركم ببقرة فأي شيء وقع عليه اسم البقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها فلما استقر الأمر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها الا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما عليهم السلام فقالا له إنك كنت لنا محبا مفضلا ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها الا بأمر امك فان الله يلقنها ما يغنيك به وعقبك ففرح الغلام وجاء القوم يطلبون بقرته فقالوا بكم تبيع بقرتك هذه قال : بدينارين والخيار لأمي قالوا رضينا بدينار فسألها فقالت بأربعة فأخبرهم فقالوا نعطيك دينارين فأخبر أمه فقالت ثمانية فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمه ويرجع إلى أمه فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملأ مسك ثورا أكثر مما يكون ملأ دنانير فأوجبت لهم البيع ثم ذبحوها قالوا الآن جئت بالحق في رواية القمي عرفناها هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها الا بملء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لا بد لكم من ذبحها بعينها فاشتروها بملء جلدها ذهبا .
وفي تفسير الإمام عليه السلام أنه بلغ خمسماءة الف دينار فذبحوها وما كادوا يفعلون فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللجاج حملهم على ذلك واتهامهم موسى حداهم عليه .
(72) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها اختلفتم وتدارأتم ألقى بعضكم ذنب القتل على بعض وأدرأه عن نفسه وذويه والله مخرج ما كنتم تكتمون من خبر القاتل وإرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيب إليه .
(73) فقلنا اضربوه ببعضها اضربوا الميت ببعض البقرة ليحيى وقولوا له

( 144 )

من قتلك فأخذوا الذنب وضربوه به .
والعياشي عن الرضا عليه السلام أن الله أمرهم بذبح بقرة وإنما كانوا يحتاجون بذنبها فشددوا فشدد الله عليهم .
وفي تفسير الإمام عليه السلام أخذوا قطعة وهي عجز (1) الذنب الذي منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا فضربوا بها وقالوا : اللهم بجاه محمد وعلي وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت وأنطقته ليخبر عن قاتله فقام سالما سويا وقال : يا نبي الله قتلني هذان إبنا عمي حسداني على بنت عمي فقتلاني والقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي فأخذ موسى الرجلين فقتلهما .
وفي رواية القمي : قتلني ابن عمي فلان بن فلان الذي جاء به .
كذلك يحي الله الموتى في الدنيا والآخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيى الله الذي كان في الأصلاب والأرحام حيا واما في الآخرة فان الله عز وجل ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين (2) السماء من البحر المسجور المملوّ الذي قال الله والبحر المسجور وهي مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الارض فيلتقي الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون ويريكم آياته سوى هذه من الدلالات على توحيده ونبوة موسى وفضل محمد وآله عليهم السلام على سائر خلق الله أجمعين لعلكم تعقلون وتتفكرون أن الله الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق الا بالحكمة ولا يختار محمدا وآله عليهم السلام الا لأنهم أفضل أولي الألباب وقيل لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها .
وفي تفسير الامام عليه السلام أن المقتول المنشور توسل إلى الله سبحانه
____________
(1) عجز الذنب ويقال عجب الذنب بالتسكين وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز ، وفي الحديث النبوي : كل ابن آدم يبلى الأعجب الذنب وكأنه كتابة عما يقوم به البدن . منه قدس الله سره .
(2) دوين مصغر دون ونقيض الفوق . منه قدس الله سره .


( 145 )

بمحمد وآله أن يبقيه في الدنيا متمتعا بابنة عمه ويخزي عنه ويخزي أعداءه ويرزقه رزقا كثيرا طيبا فوهبه الله له سبعين سنة بعد أن كان قد مضى عليه ستون سنة قبل قتله صحيحة حواسه فيها قوية شهواته فتمتع بحلال الدنيا وعاش لم يفارقها ولم تفارقه وماتا جميعا معا وصارا إلى الجنة وكانا زوجين فيها ناعمين وإن أصحاب البقرة ضجوا إلى موسى وقالوا افتقرت القبيلة وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فأرشدهم موسى عليه السلام إلى التوسل بنبينا وآله عليهم السلام فأوحى الله إليه ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ويكشفوا عن موضع كذا ويستخرجوا ما هناك فانه عشرة آلاف الف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود احوالهم على ما كانت ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف الف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة كذا في نسخة من تفسير الامام عليه السلام ليتضاعف اموالهم جزاءا على توسلهم بمحمد وآله عليهم السلام واعتقادهم لتفضيلهم .
(74) ثم قست : غلظت وجفت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم معاشر اليهود من بعد ذلك من بعد ما تبينت الآيات الباهرات في زمن موسى والمعجزات التي شاهدتموها من محمد صلى الله وآله وسلم فهي كالحجارة اليابسة لا يترشح برطوبة ولا ينتفض (1) منها ما ينتفع به اي انكم لا حق الله تؤدون ولا من اموالكم ولا من مواشيها تتصدقون ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون ولا الضيف تقرون (2) ولا مكروبا تغيثون ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون وتعاملون أو أشد قسوة أبهم على السامعين اولا ثم بين ثانيا ان قلوبهم اشد قسوة من الحجارة بقوله : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار فيجيء بالخير والنبات لبني آدم وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وهو ما يقطر منه الماء دون الأنهار وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل وإن منها لما يهبط
____________
(1) نفضت الثوب والشجر انفضه إذا حركته لينتفض ، والنفض بالتحريك ماتساقط من الورق والثمر . صحاح .
(2) قريت الضيف قرى مثال قليته قلى وقراء أحسنت إليه إذا كسرت القاف قصرت وإذا فتحت مدت . صحاح .


( 146 )

من خشية الله إذا اقسم عليها باسم الله وبأسماء اوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم وما الله بغافل عما تعملون بل عالم بها يجازيكم بالعدل وقرئ بالياء .
(75) أفتطمعون يا محمد انت وأصحابك وقرئ بالياء أن يومنوا لكم هؤلاء اليهود ويصدقوكم بقلوبهم وقد كان فريق منهم طائفة من اسلافهم يسمعون كلام الله في اصل جبل طور سيناء وأوامره ونواهيه ثم يحرفونه عما سمعوه إذ أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل من بعد ما عقلوه فهموه بعقولهم وهم يعلمون انهم في تقولهم كاذبون قيل معنى الآية ان أخيار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة فما طمعكم بسفلتهم وجهالهم .
(76) وإذا لقوا الذين آمنوا كسلمان وابي ذر ومقداد قالوا آمنا كإيمانكم واخبروهم بما بين الله لهم من الدلالات على نعت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا اي كبراؤهم اي شيء صنعتم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من الدلالات الواضحة على صدقه ليحاجوكم به عند ربكم بأنكم قد علمتم هذا وشاهدتموه فلم لم تؤمنوا به ولم تطيعوه وقد رأوا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن لهم عليهم حجة في غيرها أفلا تعقلون إن هذا الذي تخبرونهم به حجة عليكم عند ربكم .
(77) أَوَلاَ يَعْلَمُون : هؤلا القائلون لاخوانهم تحدثونهم بما فتح الله عليكم أن الله يعلم ما يسرون من عداوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وان إظهارهم الايمان به امكن لهم من اصطلامه وإبادة اصحابه وما يعلنون من الايمان به ظاهرا ليونسوهم ويقفوا به على اسرارهم ويذيعوها بحضرة من يضرّهم .
(78) ومنهم أميون لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون والأمي منسوب إلى الام اي هو كما خرج من بطن امه لا يقرأ ولا يكتب لا يعلمون الكتاب المنزل من السماء ولا المكذب به لا يميزون بينهما إلا أماني الا ان يقرأ عليهم ويقال

( 147 )

لهم هذا كتاب الله وكلامه لا يعرفون ان ما قرئ من الكتاب خلاف ما فيه .
أقول : هو استثناء منقطع يعني الا ما يقدرونه في انفسهم من منى أخذوها تقليدا من المحرفين للتوراة واعتقدوها ولم يعرفوا انه خلاف ما في التوراة وإن هم إلا يظنون ما يقلدونه من رؤسائهم مع انه محرم عليهم تقليدهم .
قال عليه السلام : قال رجل للصادق عليه السلام فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علمأهم فان لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم فقال عليه السلام بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم وأما من حيث افترقوا فلا ، قال بين لي ذلك يابن رسول الله قال ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصريح وبأكل الحرام والرشا وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات (1) وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه واعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم وظلموهم من أجلهم وعرفوهم يقارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن يخفى وأشهر من أن لا يظهر لهم وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب (2) على حطام الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا وبالترفق
____________
(1) المصانعة الرشوة والمداهنة والمداراة . منه قدس الله سره .
(2) هم يتكالبون على كذا أي يتواثبون . منه قدس الله سره .


( 148 )

بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للاذلال والإهانة مستحقا فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقه فقهائهم فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ، وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فان من يركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة لهم .
(79) فويل : شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم للذين يكتبون الكتاب بأيديهم يحرفون من أحكام التوراة ثم يقولون هذا من عند الله وذلك أنهم كتبوا صفة زعموا أنه صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو خلاف صفته وقالوا للمستضعفين هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان إنه طويل عظيم البدن والبطن أصهب (1) الشعر ومحمد صلى الله عليه وآله بخلافه وأنه يجئ بعد هذا الزمان بخمسماءة سنة ليشتروا به ثمنا قليلا لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم وتدوم (2) لهم منهم إصاباتهم وبكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فويل لهم مما كتبت أيديهم يعني المحرف وويل لهم شدة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى مما يكسبون من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا عوامهم على الكفر .
(80) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة لما قال لهم ذووا أرحامهم لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذبون أجابهم هؤلاء اليهود بأن مدة العذاب الذي نعذب به لهذه الذنوب أيام معدودة وهي التي عبدنا فيها العجل وهي تنقضي ثم نصير بعده في النعمة في الجنان ولا نستعمل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا فانها تفنى وتنقضي ونكون
____________
(1) الصهبة الشقرة في شعر الرأس . صحاح . الشقرة لون الأشقر وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض . ص .
(2) أي تدوم للرؤساء منهم أي من ناحية الضعفاء إصاباتهم أي مقاصدهم وحوائجهم وأمانيهم والمراد بالضعفاء الضعفاء في الرأي .


( 149 )

قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فانه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى قل يا محمد أتخذتم عند الله عهدا ان عذابكم على كفركم منقطع غير دائم فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون يعني اتخذتم عهدا أم تقولون بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون بل ما هو الا عذاب دائم لا نفاد له .
(81) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته وقرئ خطيئاته بالجمع ، قيل أي استولت عليه وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخرج عنها شيء من جوانبه .
وفي تفسير الامام عليه السلام السيئة المحيطة به أن تخرجه عن جملة دين الله وتنزعه عن ولاية الله وتؤمنه من سخط الله وهي الشرك بالله والكفر به وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولاية علي عليه السلام وخلفائه وكل واحدة من هذه سيئة تحيط به أي تحيط بأعماله فتبطلها وتمحقها ، قيل وتحقيق ذلك أن من اذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي مستحسنا إياها معتقدا أن لا لذة سواها مبغضا لمن يمنعه عنها مكذبا لمن ينصحه فيها كما قال الله تعالى ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوءى أن كذبوا بآيات الله فاولئك عاملوا هذه السيئة المحيطة أصحاب النار هم فيها خالدون لأن نياتهم في الدنيا ان لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا فبالنيات خلدوا كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام .
وفي التوحيد عن الكاظم عليه السلام لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك .
وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام قال : إذا جحدوا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .


(82) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خلدون .
(83) وإذ أخذنا واذكروا إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل عهدهم المؤكد عليهم .
أقول : وهو جار في أخلافهم لما أدى إليهم أسلافهم قرنا بعد قرن وجار في هذه الامة أيضا كما يأتي بيانه في ذي القربى لا تعبدون وقرئ بالياء إلا الله لا تشبهوه بخلقه ولا تجوروا في حكمه ولا تعملوا ما يراد به وجهه تريدون به وجه غيره ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من شغلته (1) عبادة الله عن مسألته أعطاه أفضل ما يعطي السائلين .
وقال الصادق عليه السلام : ما أنعم الله على عبد أجل من أن لا يكو ن في قلبه مع الله غيره وبالو لدين إحسانا وأن تحسنوا بهما إحسانا مكافأة عن إنعامهما عليهم وإحسانهما إليهم واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم . وفي الكافي سئل الصادق عليه السلام ما هذا الإحسان قال : أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين أليس الله (2) يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) .
وفي تفسير الامام عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد (ص) وعلي عليه السلام
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أنا وعلي أبوا هذه الامة ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم فاّنا ننقذهم ان أطاعونا من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبودية بخيار الاحرار .
____________
(1) هذا الحديث مروي في جملة تفسير الإمام عليه السلام ويأتي نظيره مما أرسل في كلامه . منه قدس سره .
(2) لعل وجه الاستشهاد بالآية أن مما يحب الانسان لنفسه الرفاهية والدعة وفراغ البال مما يهمه ورعاية حال الوالدين بحيث لايسألانه شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين لا يقتضي تفقد حالهما في كل حال والإهتمام بشأنهما في جميع الأحوال فهذا إنفاق مما يحب . منه قدس الله سره .


( 151 )

أقول : ولهذه الأبوة صار المؤمنون أخوة كما قال الله عز وجل إنما المؤمنون اخوة وذي القربى وأن تحسنوا بقراباتهما لكرامتهما وقال أيضا : هم قراباتك من أبيك وأمك قيل لك اعرف حقهم كما أخذ العهد به على بني إسرائيل وأخذ عليكم معاشر امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة حق قرابات محمد الذين هم الأئمة بعده ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من رعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف ألف درجة ثم فسر الدرجات ثم قال ومن رعى حق قربى محمد وعلي أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام على أبوي نسبه واليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافين لهم أمورهم السائقين إليهم قوتهم وغذائهم المصلحين لهم معاشهم قال عليه السلام : وأشد من يتم هذا اليتيم من يتم عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه الا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ألا فمن هداه وارشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى حدثني بذلك أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمساكين هو من سكن الضر والفقر حركته قال : ألا فمن واساهم بحواشي ماله وسع الله عليه جنانه وأنا له غفرانه ورضوانه ثم قال عليه السلام : إن من محبي محمد مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقر وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم ألا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلّطهم على الأعداء الظاهرين من النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتى يهزمونهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء رسول الله حوّل الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم قضى الله بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله وقولوا للناس الذين لا مؤنة لهم عليكم حسنا وقرئ بفتحتين عاملوهم بخلق جميل ، قال : قال الصادق عليه السلام : قولوا للناس حسنا كلهم مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط

( 152 )

لهم وجهه وبشره وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان فان ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين ثم قال عليه السلام : إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منزله إذ استأذن عليه عبد الله بن ابي بن سلول فقال رسول الله صلى الله وآله وسلم بئس أخو العشيرة ائذنوا له فلما دخل أجلسه وبشر في وجهه فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله «ص» قلت فيه ما قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عويش يا حميراء إن شر الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قولوا للناس حسنا أحسن ما تحبون أن يقال لكم فان الله يبغض اللعان السبّاب الطعّان على المؤمنين المتفحش السائل الملحف (1) ويحب الحيي الحليم الضعيف المتعفف .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام لا تقولوا الا خيرا حتى تعلموا ما هو .
وفيه وفي التهذيب والخصال عنه عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام أنها نزلت في أهل الذمة ثم نسخها قوله تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولايحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
والقمي : نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله تعالى : اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
أقول : إن قيل فما وجه التوفيق بين نسخها وبقاء حكمها قلنا إنما نسخت في حق اليهود وأهل الذمة المأمور بقتالهم وبقي حكمها في سائر الناس وأقيموا الصلوة باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق أتدرون ما تلك الحقوق هو إتباعها بالصلاة على محمد
____________
(1) الحف في المسألة يلحف إلحافا إذا ألح فيها ولزمها . منه قدس الله سره .

( 153 )

وعلي وآلهما منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله والقوام بحقوق الله والنصّار لدين الله ، قال عليه السلام : وأقيموا الصلاة على محمد وآله عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدتكم ورخاكم وهمومكم المعلقة بقلوبكم واتوا الزكوة من المال والجاه وقوة البدن ثم توليتم أيها اليهود من الوفاء بالعهد الذي أداه إليكم أسلافكم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون عن ذلك العهد تاركين له غافلين عنه .
(84) وإذ أخذنا ميثاقكم واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا ميثاقكم على أسلافكم وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافكم الذين أنتم فيهم لا تسفكون دماءكم ولا يسفك بعضكم دماء بعض ولا تخرجون أنفسكم من دياركم لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم ثم أقررتم بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم والتزمتموه كما التزموه وأنتم تشهدون بذلك على أسلافكم وأنفسكم .
(85) ثم أنتم معاشر اليهود هؤلاء قيل هو خبر أنتم على معنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقضون كقولك انت ذلك الرجل الذي فعل كذا استبعادا لما ارتكبوه بعد الميثاق والاقرار به والشهادة عليه تقتلون أنفسكم يقتل بعضكم بعضا وتخرجون فريقا منكم من ديارهم غضبا وقهرا عليهم تظاهرون عليهم تظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم وقتل من تقتلونه منهم بغير حق وقرئ بتشديد الظاء والتظاهر التعاون بالإثم والعدوان بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون وإن يأتوكم يعني هؤلاء الذين تخرجونهم أي ترومون إخراجهم وقتلهم ظلما أن يأتوكم أسارى قد أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم وقرئ أسرى تفادوهم من الأعداء بأموالكم وقرئ تفدوهم بفتح التاء بغير الف وهو محرم عليكم إخراجهم اعاد قوله إخراجهم لئلا يتوهم ان المحرم إنما هو مفاداتهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وهو الذي أوجب عليكم المفاداة وتكفرون ببعض وهو الذي حرّم عليكم قتلهم وإخراجهم فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والاخراج من الديار كما فرض فداء الأسرى فما بالكم تطيعون في بعض وتعصون في بعض كأنكم ببعض مؤمنون فما جزاء من يفعل ذلك منكم معاشر

( 154 )

اليهود إلا خزي ذل في الحياة الدنيا جزية تضرب عليه ويذل بها ويوم القيامة يُرَدُّون إلى أشد العذاب إلى جنس أشد العذاب يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم وما الله بغافل عمّا تعملون يعمل هؤلاء اليهود وقرئ بالياء .
(86) أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالآخرة ورضو بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ولا ينصرهم أحد يدفع عنهم العذاب قال عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما نزلت الآية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا اولياء الله أفلا انبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة قالوا بلى يا رسول الله قال قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي يقتلون أفاضل ذريتي وأطايب أرومتي (1) ويبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ألا وان الله يلعنهم كما لعنهم ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرفهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم .
والقمي أنها نزلت في أبي ذر « ره » وفيما فعل به عثمان بن عفان وكان سبب ذلك أنه لما امر عثمان بنفي ابي ذر « ره » إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلا وهو متكىء على عصاه وبين يدي عثمان ماءة الف درهم اتته من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان : ما هذا المال ؟ فقال : حمل إلينا من بعض الأعمال ماءة الف درهم أريد أن اضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي . قال أبو ذر : يا عثمان أيما اكثر ماءة الف درهم ام اربعة دنانير ؟ قال عثمان : بل ماءة الف درهم فقال : اما تذكر إذ أنا وانت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشاء فوجدناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه ولم يرد علينا السلام فلما اصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلت له بأبي أنت وامي دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا
____________
(1) الأروم : بفتح الهمزة أصل الشجرة والقرن (ص) . الأرومة بالضم الأصل . ق

( 155 )

إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا فقال : نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين اربعة دنانير لم اكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت . ونظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال له : يا ابا اسحق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك فقال : لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب وقال : يابن اليهودية المشركة ما انت والنظر في احكام المسلمين قول الله عز وجل اصدق من قولك حيث قال : الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم إلى قوله فذوقوا ما كنتم تكنزون قال عثمان : يا ابا ذر إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك . فقال : كذبت يا عثمان ويلك اخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : لا يفتنونك يا ابا ذر ولا يقتلونك اما عقلي فقد بقي منه ما اذكرني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله فيك وفي قومك قال : وما سمعت من رسول الله فيّ وفي قومي قال سمعته يقول : وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغ آل ابي العاص ثلاثين رجلا صيّروا مال الله دولاً (1) وكتاب الله دغلا (2) وعباد الله خولا (3) والصالحين حربا والفاسقين حزبا . قال عثمان : يا معشر اصحاب محمد هل سمع احد منكم هذا الحديث من رسول الله ؟ قالوا : لا ما سمعنا هذا من رسول الله فقال عثمان ادعوا عليا عليه السلام فجاءه امير المؤمنين فقال له عثمان : يا أبا الحسن اسمع ما يقول هذا الشيخ الكذاب فقال أمير المؤمنين : مه يا عثمان لا تقل كذاب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال أصحاب رسول الله : صدق علي سمعنا هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله فعند ذلك بكى أبو ذر وقال ويلكم كلكم
____________
(1) الدولة بالضم في المال يقال صار القيء دولة بينهم يتداولونه يكون مرة لهذا ومرة لهذا والجمع دولات ودول . صحاح .
(2) الدغل بالتحريك الفساد مثل الدخل يقال قد ادغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه ويفسده . ص .
(3) الخول بالتحريك ما اعطاك الله من النعم والعبيد والإماء وغيرهم . وخول الرجل : حشمه . ص .


( 156 )

قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم إني أكذب على رسول الله .
ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا : انت تقول إنك خيرنا قال : نعم خلفت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الجبّة وهي علي بعد وأنتم قد أحدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان : يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله إلا ما أخبرتني عما أنا سائلك عنه فقال أبو ذر : والله لو لم تسألني بحق رسول الله أيضا لأخبرتك فقال : أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها ؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله فقال لا ولا كرامة لك قال : فسكت أبو ذر . فقال أي البلاد أبغض إليك أن تكون بها قال الربذة التي كنت بها على غير دين الإسلام . فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر : قد سألتني فصدقتك وأنا أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو أنك بعثتني فيمن بعثت من أصحابك إلى المشركين فأسروني وقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك قال : كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه إلا بنصف ما تملك قال : كنت أفديك قال : فان قالوا لا نفديه إلا بكل ما تملك قال : كنت أفديك فقال أبو ذر : الله أكبر قال لي حبيبي رسول الله يوما : يا أبا ذر كيف انت إذا قيل لك أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال : لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام فيقال لك سر إليها فقلت : وإن هذا لكائن يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إي والذي نفسي بيده انه لكائن فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأضرب به قدما قدما ، قال : لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد أنزل الله تعالى فيك وفي عثمان خصمك آية فقلت : وما هي يا رسول الله فقال قول الله تعالى : وتلا هذه الآية .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وجوه الكفر في القرآن قال : الرابع من الكفر ترك ما أمر الله وهو قول الله عز وجل وتلا هذه الآية فقال

( 157 )

فكفّرهم بترك ما أمر الله ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده .
(87) ولقد آتينا موسى الكتاب : التوراة المشتملة على أحكامنا وعلى ذكر فضل محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته وإمامة علي عليه السلام وخلفائه بعده وشرف أحوال المسلمين له وسوء أحوال المنافقين عليه وقفينا من بعده بالرسل جعلنا رسولا في إثر رسول وآتينا عيسى ابن مريم البينات أعطيناه الآيات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرض والانباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وأيدناه بروح القدس وقرئ مخففا وهو جبرائيل وذلك حين رفعه من روزنة بيته إلى السماء والقى شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه وقيل هو المسيح .
أقول : وفي رواية أخرى أنه القي شبهة على رجل من خواصه إثر حياته على حياة نفسه كما يأتي .
والقمي عن الباقر عليه السلام القى شبهة على رجل من خواصه ليقتل فيكون معه في درجته كما يأتي في سورة آل عمران ان شاء الله .
أفكلما جاءكم أيها اليهود رسول بما لا تهوى أنفسكم أخذ عهودكم ومواثيقكم بما لا تحبون من اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبذل الطاعة لأولياء الله استكبرتم على الإيمان والاتباع ففريقا كذَّبْتمْ كموسى وعيسى وفريقا تقتلون قتل أسلافكم زكريا ويحيى وأنتم رمتم قتل محمد وعلي عليهما السلام فخيب الله سعيكم ورد كيدكم في نحوركم فمعنى تقتلون قتلتم كما تقول لمن توبخه ويلك لم تكذب ولا تريد ما يفعله بعد وإنما تريد لم فعلت وانت عليه موطّن ثم قال عليه السلام : ولقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على العقبة ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن ابي طالب صلوات الله عليه فما قدروا على مغالبة ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي لما فخّم أمره وعظم شأنه ثم ذكر القصة بطولها وسيأتي ذكر ملخصها من طريق آخر من

( 158 )

المجمع في سورة التوبة ان شاء الله .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : ضرب الله مثلا لأمة محمد صلى الله وآله وسلم فقال لهم : فان جاءكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما لا تهوى أنفسكم بموالاة علي استكبرتم ففريقا من آل محمد صلى الله عليه وآله كذّبتم وفريقا تقتلون ، قال : فذلك تفسيرها في الباطن .
(88) وقالوا قلوبنا غلف أي أوعية للخير والعلوم قد أحاطت بها واشتملت عليها ثم هي مع ذلك لا نعرف لك يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فضلا مذكورا في شيء من كتب الله ولا على لسان احد من أنبياء الله فرد الله عليهم بقوله : بل لعنهم الله بكفرهم أبعدهم من الخير فقليلا ما يؤمنون يعني فإيمانا قليلا يؤمنون ببعض ما أنزل الله ويكفرون ببعض قال عليه السلام : وإذا قرئ غلف (1) فانهم قالوا قلوبنا في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك كما قال الله تعالى وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، قال : وكلتا القراءتين حق وقد قالوا بهذا وهذا جميعا .
(89) ولما جاءهم يعني اليهود كتاب من عند الله القرآن مصدق لما معهم من التوراة التي بيّن فيها أن محمدا الأمي من ولد اسماعيل المؤيد بخير خلق الله بعده علي ولي الله وكانوا من قبل أن ظهر محمد بالرسالة يستفتحون يسألون الله الفتح والظفر على الذين كفروا من أعدائهم وكان الله يفتح لهم وينصرهم فلما جاءهم ما عرفوا من نعت محمد وصفته كفروا به جحدوا نبوته حسدا له وبغيا عليه فلعنة الله على الكافرين .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قال : في هذه الآية كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بين عير وأحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى جبيل وبجبل يسمى
____________
(1) كان القراءة الأولى بضم اللام جمع غلاف والثانية بسكون اللام جمع أغلف مستعار من الأغلف الذي لم يختن . منه قدس الله سره .

( 159 )

حداد فقالوا حداد واحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء (1) إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه ، وقال : أمر بكم ما بين عير (2) وأحد فقالوا له إذا مررت بهما فأذنا بهما فلما توسط بهم ارض المدينة قال لهم ذلك عير وهذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله وقالوا قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلمّوا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الاموال وما أقربنا منكم فلما كان ذلك فما اسرعنا إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبّع (3) فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبّع فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير فبلغ ذلك تبّع فرقّ لهم وأمنهم فنزلوا إليه فقال لهم : إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلا مقيما فيكم فقالوا له إن ذاك ليس لك إنها مهاجر نبي وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك فقال لهم إني مخلّف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلّف حيّين الأوس (4) والخزرج (5) فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم : أما لو قد بعث الله فيكم محمدا لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود وهو قول الله عز وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال كان قوم فيما بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعيسى وكانوا يتوعدون أهل الأصنام
____________
(1) تيما اسم موضع . ص .
(2) عير جبل بالمدينة . ص .
(3) تبع كسكر واحد التبايعة من ملوك خمير سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وقيل سموا تبابعة لأن الأخير يتبع الأول في الملك وهم سبعون تبعا ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم وكان تبع الأوسط مؤمنا الخ . مجمع .
(4) الأوس أبو قبيلة من اليمن وهو اوس بن قيلة أخو الخزرج منهم الأنصار وقيلة امهما .
(5) الخزرج قبيلة من الأنصار .


( 160 )

بالنبي ويقولون ليخرجن النبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم كذا فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفروا به .
والقمي كانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أيها العرب هذا أوان نبي يخرج من مكة وكانت مهاجرته بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة (1) ويجتزئ بالكسرة (2) والتميرات ويركب الحمار العري وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر لنقتلنكم به يا معشر العرب قتل عاد فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله وكانوا من قبل ، الآية .
وفي تفسير الامام عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام : ان الله تعالى أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما كان من إيمان اليهود بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل ظهوره ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره والصلاة عليه وآله ، قال وكان الله عز وجل أمر اليهود في ايام موسى وبعده إذا دهمهم أمر أو دهتهم داهية أن يدعوا الله عز وجل بمحمد وآله الطيبين وأن يستنصروا بهم ، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسنين كثيرة يفعلون ذلك فيكفون البلاء والدهماء والداهية وكانت اليهود قبل ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعشر سنين يعاديهم اسد وغطفان وقوم من المشركين ويقصدون أذاهم فكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين حتى قصدهم في بعض الأوقات اسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس ودعوا الله بمحمد وآله فهزموهم وقطعوهم وقال اسد وغطفان بعضهم لبعض تعالوا نستعين عليهم بسائر
____________
(1) الشملة بالفتح كساء دون القطيفة يشتمل به . ق .
(2) الكسرة بالكسر القطعة من الشيء المكسور ، والجمع كسر كقطعة وقطع ، ومنه الحديث معه كسرة قد غمسها في اللبن . ص .


( 161 )

القبائل فاستعانوا عليهم بالقبائل فأكثروا حتى اجتمعوا على قدر ثلاثين ألفا وقصدوا هؤلاء الثلثمائة في قريتهم فألجؤوها إلى بيوتها وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم فلم يأمنوهم وقالوا لا إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم فقالت اليهود بعضها لبعض كيف نصنع فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم أما أمر موسى اسلافكم فمن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله الطيبين أما امركم بالابتهال إلى الله عز وجل عند الشدائد بهم قالوا بلى قالوا فافعلوا فقالوا اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا وتماوت (1) ولداننا واشرفنا على الهلكة فبعث الله لهم وابلا هطلا صبا متتابعا ملا حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم فقالوا هذه إحدى الحسنيين ثم اشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم فإذا المطر قد أذاهم غاية الأذى وافسد أمتعتهم واسلحتهم واموالهم فانصرف عنهم لذلك بعضهم وذلك أن المطر اتاهم في غير اوانه في حمازة (2) القيظ حين لا يكون مطر فقال الباقون من العساكر هبكم سقيتم فمن اين تأكلون ولئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم واهاليكم ونشفي غيظا منكم فقالت اليهود ان الذي سقانا بدعائنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قادر على ان يطعمنا وان الذي صرف عنا من صرفه قادر ان يصرف الباقين ثم دعوا الله بمحمد وآله ان يطعمهم فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر الفي جمل وبغل وحمار موقرة حنطة ودقيقا وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم نيام ولم يشعروا بهم لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ولم يمنعوهم وطرحوا فيها أمتعتهم وباعوها منهم فانصرفوا وابعدوا وتركوا العساكر نائمة وليس في أهلها عين تطرف فلما ابعدوا انتبهوا ونابذوا اليهود الحرب وجعل يقول بعضهم لبعض : الوحا (3) الوحا فان هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلون لنا قال لهم
____________
(1) تماوت ولداننا ماتوا أو أشرفوا عليه .
(2) حمازة القيظ بالحاء المهملة والزاي شدته . منه قدس الله سره .
(3) الوحا الوحا بالمد والقصر السرعة المسرعة وهو منصوب بفعل مضمر واستوحيته استصرخته .


( 162 )

اليهود : هيهات بل قد اطعمنا ربنا وكنتم نياما جاءنا من الطعام كذا وكذا ولو اردنا قتلكم في حال نومكم ليهئ لنا ولكنا كرهنا البغي عليكم فانصرفوا عنا وإلا دعونا عليكم بمحمد وآله واستنصرنا بهم ان يخزيكم كما قد اطعمنا وسقانا فأبوا إلا طغيانا فدعوا الله بمحمد وآله واستنصروا بهم .
ثم برز الثلاثمائة إلى الثلاثين ألفا فقتلوا منهم واسروا وطحطحوهم (1) واستوثقوا منهم بأسرائهم فكان لا يبدأهم مكروه من جهتهم لخوفهم على من لهم في ايدي اليهود فلما ظهر محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسدوه إذ كان من العرب وكذبوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه نصرة الله تعالى لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد وآله ألا فاذكروا يا أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصرن الله به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله تعالى وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله خنس (2) الشيطانان واختفيا . الحديث .
(90) بئس ما اشتروا به أنفسهم : ذم الله اليهود وعاب فعلهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم يعني اشتروا انفسهم بالهدايا والفضول التي كانت تصل إليهم وكان الله امرهم بشرائها من الله بطاعتهم له ليجعل لهم انفسهم والانتفاع بها دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها بل اشتروها بما انفقوه في عداوة رسول الله ليبقى لهم عزهم في الدنيا ورئاستهم على الجهال وينالوا المحرمات واصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد ووقفوهم على طريق الضلالات أن يكفروا بما أنزل الله على موسى من تصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم بغيا لبغيهم وحسدهم أن ينزل الله وقرئ مخففا من فضله على من يشاء من عباده يعني تنزيل القرآن على محمد الذي ابان فيه نبوته واظهر به آيته
____________
(1) يقال طحطحت الشيء إذا كسرته وفرقته . ص .
(2) خنس عنه يخنس بالضم أي تأخر وأخنسه غيره إذا خلفه ومضى عنه . ص .


( 163 )

ومعجزته وفضائل أهل بيته .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام : قال : بما انزل الله في علي بغيا .
فباءوا وبغضب على غضب يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله في اثر غضب فالغضب الأول حين كذّبوا بعيسى بن مريم فجعلهم قردة خاسئين ولعنهم على لسان عيسى والغضب الثاني حين كذّبوا بمحمد صلى الله عليه وآله فسلّط عليهم سيوف أصحابه حتى ذللهم بها فاما دخلوا في الإسلام طائعين وإما اعطوا الجزية صاغرين . قال أمير المؤمنين عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من سئل عن علم فكتمه حيث يجب اظهاره ويزول عنه التقية جاء يوم القيامة ملجّماً بلجام من نار وللكافرين عذاب مهين يعني لهم أظهر لينبئ عن السبب كذا قيل وله نظائر كثيرة في القرآن .
(91) وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله : على محمد صلى الله على محمد وآله وسلم من القرآن قالوا نؤمن بما أنزل علينا وهو التوراة ويكفرون بما وراءه ما سواه لا يؤمنون به وهو الحق لأنه هو الناسخ للمنسوخ الذي تقدمه مصدقا لما معهم وهو التوراة قل فلم تقتلون فلم كنتم تقتلون لم كان يقتل أسلافكم أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين بالتوراة فان فيها تحريم قتل الأنبياء وفيها الأمر بالإيمان بمحمد والقرآن فما آمنتم بعد بالتوراة .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنما نزل هذا في قوم من اليهود كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقتلوا الأنبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم فانما قتل اوائلهم الذين كانوا من قبلهم فجعلهم الله منهم واضاف إليهم فعل اوائلهم بما تبعوهم وتولوهم .
أقول : قد مضى تحقيق ذلك في المقدمة الثالثة .
(92) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل إلها من بعده من بعد انطلاقه إلى الجبل وخالفتم خليفته الذي نص عليه وتركه عليكم وهو هارون

( 164 )

وأنتم ظالمون بما فعلتم .
(93) وإذ أخذنا ميثاقكم : واذكروا إذ أخذنا ميثاق اسلافكم ورفعنا فوقكم الطور : فعلنا بهم ذلك لما أبوا من قبول ما جاءهم به موسى من دين الله واحكامه وفرض تعظيم محمد وآله خذوا قلنا لهم خذوا ما آتيناكم ما أعطيناكم من الفرائض بقوة قد أعطينا كموها ومكناكم بها وازحنا عللكم في تركيبها فيكم واسمعوا ما يقال لكم وتؤمرون به قالوا سمعنا قولك وعصينا أمرك اي انهم عصوا بعد واضمروا في الحال ايضا العصيان قالوا سمعنا باذاننا وعصينا بقلوبنا فاما في الظاهر فاعطوا كلهم الطاعة داخرين صاغرين وأشربوا في قلوبهم العجل امروا بشرب العجل الذي كان قد ذريت سحالته (1) في الماء الذي امروا بشربه ليتبين من عبده ممن لم يعبده كما مر في تفسير قوله تعالى : فاقتلوا انفسكم قال عليه السلام : عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه من ذلك إلى قلوبهم بكفرهم لأجل كفرهم امروا بذلك .
أقول : لا تنافي بين هذا التفسير وما هو المشهور في تفسير الأية وهو ان معناه تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم به كما يتداخل الصبع الثوب والشراب اعماق البدن لجواز الجمع بين الأمرين وان يكون الشرب ظاهرا سببا للحب باطنا وفي قلوبهم بيان لمكان الأشراب كقوله : إنما يأكلون في بطونهم نارا .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : لما ناجى موسى ربه أوحى الله تعالى إليه أن يا موسى قد فتنت قومك قال بماذا يا رب ؟ قال بالسامري قال وما السامري قال قد صاغ لهم من حليهم عجلا قال : يا رب ان حليهم لا يحتمل أن يصاغ منه غزال أو تمثال أو عجل فكيف فتنتهم ؟ قال : انه صاغ لهم عجلا فخار قال : يا رب ومن اخاره قال : انا فقال : عندها موسى إن هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء قال : فلما انتهى موسى إلى قومه ورآهم
____________
(1) بالمهملتين الفتات ذريت أي فرقت . منه قدس الله سره .

( 165 )

يعبدون العجل القى الألواح من يده فكسرت .
قال أبو جعفر عليه السلام : كان ينبغي أن يكون ذلك عند اخبار الله تعالى إياه قال : فعمد موسى فبرد العجل من انفه إلى طرف ذنبه ثم أحرقه بالنار فذرّه في اليمّ قال : فكان أحدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة فيتعرض بذلك الرماد فيشربه وهو قول الله : ( واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) .
أقول : وعلى هذه الرواية يشبه أن يكون حبهم للعجل صار سببا لشربهم اياه بالعكس مما مر .
قل بئس ما يأمركم به إيمانكم بموسى والتوراة ان تكفروا بي إن كنتم مؤمنين كما تزعمون بموسى والتوراة ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بموسى والتوراة الكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
(94) قل : يا محمد لهؤلاء اليهود القائلين بأن الجنة خالصة لنا من دونك ودون أهل بيتك وانا مبتلون بكم وممتحنون ونحن اولياء الله المخلصون وعباد الله الخيرون ومستجاب دعاؤنا غير مردود علينا شيء من سؤالنا إن كانت لكم الدار الآخرة الجنة ونعيمها عند الله خالصة من دون الناس محمد وأهل بيته ومؤمني امته فتمنّوُا الموت للكاذب منكم ومن مخالفيكم فان محمدا وعليا وذريتهما يقولون انهم اولياء الله من دون الناس الذين هم يخالفونهم في دينهم وهم المجاب دعاؤهم فان كنتم معاشر اليهود تدّعون ذلك فقولوا اللهم امت الكاذب منا ومن مخالفينا ليستريح منا الصادقون ولتزداد حجتك وضوحا بعد أن وضحت إن كنتم صادقين إنكم انتم المحقون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم ثم قال رسول الله بعدما عرض هذا عليهم : لا يقولها احد منكم الا غص بريقه فمات مكانه وكانت اليهود علماء بأنهم الكاذبون وان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه هم الصادقون فلم يجسروا ان يدعوا به .
أقول : المشهور أن المراد بتمنيهم الموت تمنيه لأنفسهم لدعواهم انهم أولياء الله واحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة الا من كان هودا فان في التوراة مكتوبا

( 166 )

ان اولياء الله يتمنون الموت ولا يرهبونه والوجه في ذلك ان من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها واحب التخلص إليها من الدار ذات الشوائب كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : بماذا احببت لقاء ربك قال لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت بأن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقائه .
(95) ولن يتمنوه أبدا بما قدَّمَتْ أيديهم من موجبات النار كالكفر بمحمد وآله والقرآن وتحريف التوراة والله عليم بالظالمين تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ونفيه عمّن هو لهم كذا قيل .
(96) ولَتَجِدَنّهمْ أحرص الناس على حياة : ليأسهم عن نعيم الآخرة لانهماكهم في كفرهم الذي يعلمون انه لا حظ لهم معه في شيء من خيرات الجنة ومن الذين أشركوا واحرص من الذين اشركوا يعني المجوس الذين لا يرون النعيم الا في الدنيا ولا يأملون خيرا في الآخرة قيل افرادهم بالذكر للمبالغة فان حرصهم شديد إذ لم يعرفوا الا الحياة العاجلة أو للزيادة في التوبيخ والتقريع فانهم لما زاد حرصهم وهم مقرّون بالجزاء على حرص المنكرين دل ذلك على علمهم بأنهم سائرون إلى النار يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو أي التعمير ألف سنة بمزحزحه مباعده من العذاب أن يعمّر إنما ابدل من الضمير وكرر التعمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني والله بصير بما يعملون فعلى حسبه يجازيهم ويعدل عليهم ولا يظلمهم .
(97) قل من كان عدوّاً لجبريل : وقرىء بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وبفتحهما مهموزا بياء بعد الهمزة وبغير ياء فإنّه فان جبرائيل نزَّله نزّل القرآن على قلبك يا محمد وهذا كقوله سبحانه نزل به الروح الأمين على قلبك بإذن الله بأمره مصدِّقاً لما بين يديه من كتب الله وهدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولاية علي صلوات الله عليه ومن بعده من الأئمة عليهم السلام بأنهم أولياء الله حقا قال شيعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم .


(98) من كان عدوا لله : بأن يخالفه عنادا لإنعامه على المقربين من عباده وملائكته المبعوثين لنصرتهم ورُسُلِهِ المخبرين عن فضلهم الداعين إلى متابعتهم وجبريل وميكال خصوصاً وقرئ بغير همزة ولا ياء وبهمزة من غير ياء فإن الله عدو للكافرين بهم وذلك قول من قال من النصاب لمّا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام : جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وإسرافيل من خلفه وملك الموت امامه والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره قال بعض النصاب انا أبرأ من الله وجبرائيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي ما قال محمد صلى عليه وآله وسلم فقال الله من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي فان الله يفعل بهم ما يفعل العدو بالعدو .
والقمي انها نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل لآمنا بك فانه ملك الرحمة وهو صديقنا وجبرئيل ملك العذاب وهو عدونا .
وفي تفسير الامام عليه السلام ان الله ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم فيما يكرهون كدفعه عن بخت نصر ان يقتله دانيال عليه السلام من غير ذنب جنى بخت نصر حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله وحل بهم ما جرى في سابق علمه وذمهم ايضا وذم النواصب في بغضهم لجبرائيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلام على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم .
وفيه وفي الاحتجاج قال أبو محمد قال جابر بن عبد الله لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة اتوه بعبد الله بن صوريا غلام اعور يهودي تزعم اليهود انه اعلم يهودي بكتاب الله وعلوم انبيائه فسأله عن اشياء فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما لم يجد إلى إنكار شيء منه سبيلا إلى أن قال بقيت خصلة ان قلتها آمنت بك واتبعتك أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله قال جبرئيل : قال ابن صوريا ذلك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك

( 168 )

آمنا بك وميكائيل كان يشدّ ملكنا وجبرئيل كان يهلك ملكنا فهو عدونا قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة لمصالحهم يجب أن يتخذهم أولادهم اعداء من أجل ذلك لا ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمه غافلون أشهد ان جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان وانه لا يعادي أحدهما الا من عادى الآخر وانه من زعم انه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب وكذلك محمد رسول الله «ص» وعلي اخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله ومن أبغضهما فهو من أعداء الله ومن ابغض احدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء .
قال الامام عليه السلام : فقال له سلمان الفارسي «رض» فما بدو عداوته لكم قال نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة وكان من اشد ذلك علينا ان الله أنزل على أنبيائه : ان البيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له بخت نصر وفي زمانه أخبرنا بالخبر الذي يخرب به والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحوا ما يشاء ويثبت ما يشاء فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم كان يعد من أنبيائهم يقال له دانيال في طلب بخت نصر ليقتله فحمل معه وقرة مال لينفقه في ذلك فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا ان كان ربّكم هو الذي امر بهلاككم فانه لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك وقوي بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل .
فقال سلمان : يا ابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم أرأيتم أوايلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في

( 169 )

خبرهم واتهموهم في اخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله هل كان هؤلاء ومن وجّهوه الا كفارا بالله واي عداوة يجوز ان يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عز وجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى فقال ابن صوريا قد كان الله اخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت .
قال سلمان : فإذاً لا تثقوا بشيء مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت وإذاً لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وابطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون وما أخبراكم أنه لا يكون يكون وكذلك ما أخبراكم عما (1) كان لعله لم يكن وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعده به من العقاب يمحوه فانه يمحو ما يشاء ويثبت وإنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك كنتم انتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين الله منسلخون ثم قال سلمان فاني أشهد ان من كان عدوا لجبرائيل فانه عدو لميكائيل وانهما جميعا عدوان لمن عاداهما سلمان لمن سالمهما فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان قل من كان عدوا لجبرائيل الآية .
(99) ولقد أنزلنا إليك آيات بينات : دالات على صدقك في نبوتك وإمامة علي عليه السلام أخيك موضحات عن كفر من شك فيكما وما يكفر بها إلا الفاسقون الخارجون عن دين الله وطاعته من اليهود والكاذبين من النواصب المتسمين بالمسلمين .
(100) أوَ كُلّما عاهدوا واثقوا وعاقدوا عَهْداً ليكونن لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم طائعين ولعلي عليه السلام بعده مؤتمرين وإلى أمره صائرين نبذه نبذ العهد فريق منهم وخالفه بل أكثرهم بل أكثر هؤلاء اليهود والنواصب لا يؤمنون
____________
(1) اريد بالأخبار عما كان وما لم يكن الأخبار عما غاب عن الحس بغير طريق الا حساس بكونه وعدم كونه . منه قدس الله سره .

( 170 )

في مستقبل أعمارهم لا يرعون ولا يتوبون مع مشاهدتهم الآيات ومعاينتهم الدلالات .
(101) ولما جاءهم رسول (1) من عند الله مصدق لما معهم قال : قال الصادق عليه السلام ولما جاءهم جاء اليهود ومن يليهم من النواصب كتاب من عند الله القرآن مشتملا على وصف محمد وعلي وإيجاب ولايتهما وولاية أوليائهما وعداوة أعدائهما .
أقول : إنما فسر الرسول بالكتاب لاستلزامه إياه دون العكس وليوافق ما سبق في نظيره ولموافقة المنبوذ . نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله التوراة وسائر كتب أنبيائه وراء ظهورهم تركوا العمل بما فيها حسدا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم على نبوته ولعلي عليه السلام على وصيته وجحدوا على ما وقفوا عليه من فضائلهما كأنهم لا يعلمون فعلوا فعل من لا يعلم مع علمهم بأنه حق .
(102) واتبعوا ما تتلوا الشياطين ما يقرؤه كفرة الشياطين من السحر والنيرنجات على (2) ملك سليمان على عهده وزعموا أن سليمان كان كافرا ساحرا ماهرا به وبذلك السحر والنيرنجات نال ما نال وملك ما ملك وقدر على ما قدر وقالوا ونحن ايضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس ونستغني عن الانقياد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام .
والقمي والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : لما هلك سليمان وضع إبليس السحر ثم كتبه في كتاب فطواه وكتب على ظهره هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا وكذا وكذا فليعمل كذا وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم استشاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا وقال المؤمنون بل هو عبد الله ونبيه فقال الله في كتابه واتبعوا ما
____________
(1) يعني ان فسر الرسول لم يفد هذه الفائدة ولم يفهم منه الكتاب . منه قدس الله سره .
(2) على بمعنى في كما في قوله تعالى ودخل في المدينة على حين غفلة من أهلها .


( 171 )

تتلو الشياطين على ملك سليمان أي السحر .
وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام في حديث قال السائل فمن اين علم الشياطين السحر قال من حيث عرف الأطباء الطب بعضه تجربة وبعضه علاج وما كفر سليمان ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون ولكِنَّ الشياطين كفروا وقرئ بتخفيف النون ورفع ما بعده يُعَلّمون الناس السحر يعني كفروا بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان بن داود وما أنزل على الملكين وبتعليمهم إياهم ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت اسم الملكين .
قال الصادق عليه السلام : وكان بعد نوح قد كثر السحرة والمموهون فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز وجل وأمرهم أن يقفوا به على السحر وان يبطلوه ونهاهم أن يسحروا به الناس وهذا كما يدل على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم ثم يقال لمتعلم ذلك هذا السم فمن رأيته سم فادفع غائلته بكذا وكذا وإياك أن تقتل بالسم احدا قال : وذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلماهم ما علمهما الله من ذلك ويعظاهم وما يعلمان من أحد ذلك السحر وابطاله حتى يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة امتحان للعباد وليطيعوا الله عز وجل فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحر ولا يسحروا فلا تكفر باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله فان ذلك كفر فيتعلمون يعني طالبي السحر منهما يعني مما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت يتعلمون من هذين الصنفين ما يفرقون به بين المرء وزوجه هذا من يتعلم للاضرار بالناس يتعلمون التفريق بضروب من الحيل والتمائم والإيهام وانه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليخب قلب المرأة على الرجل وقلب الرجل على المرأة وتؤدي إلى الفراق بينهما وما هم بضارين به من أحد أي ما

( 172 )

المتعلمون لذلك بضارين به من احد إلا بإذن الله يعني بتخلية الله وعلمه فانه لو شا لمنعهم بالجبر والقهر ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه بل ينسلخون عن دين الله بذلك ولقد علموا علم هؤلاء المتعلمون لمن اشتراه بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ما له في الآخرة من خلاقٍ من نصيب في ثواب الجنة .
وفي العيون عن الصادق عليه السلام لأنهم يعتقدون أن لا آخرة فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن فلا خلاق لهم في دار الآخرة بعد الدنيا وإن كانت بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها .
ولبئس ما شروا به أنفسهم رهنوها بالعذاب لو كانوا يعلمون انهم قد باعوا الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لأن المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون ان لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور .
(103) ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة (1) من عند الله خير لو كانوا يعلمون قال الراوي قلت لأبي محمد عليه السلام فان قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وانزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا وانهما افتتنا بالزهرة وارادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة وأن الله تعالى يعذبهما ببابل وان السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة فقال الامام معاذ الله عن ذلك ان ملائكة الله معصومون محفوظون عن الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى قال الله عز وجل فيهم : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) وقال : ( وله من في السموات والأرض ومن عنده ) . يعني الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وقال في الملائكة أيضا بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إلى قوله مشفقون .
____________
(1) المثوبة والثواب والأجر نظائر ونقيض المثوبة العقوبة يقال ثاب يثوب ثوبا وثوابا واثابة إثابة وثوابا ومثوبة والأصل في الثواب ما رجع إليك من شيء . م .

( 173 )

وفي العيون عن الصادق عليه السلام مثل ما في تفسير الامام عليه السلام من قوله واتبعوا ما تتلوا الشياطين إلى هنا بزيادة أشرنا إليها في محلها وعن الرضا عليه السلام أنه سئل عما يرويه الناس من امر الزهرة وانها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت وما يروونه من أمر سهيل وانه كان عشارا باليمن فقال : كذبوا في قولهم انهما كوكبان وانهما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس وظنوا انهما الكوكبان وما كان الله عز وجل ليمسخ اعداءه انوارا مضيئة ثم يبقيها ما بقيت السموات والأرض وان المسوخ لم يبق اكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت وما تناسل منها شيء وما على وجه الأرض اليوم مسخ وان التي وقع عليها اسم المسوخة مثل القردة والخنزير والدب واشباهها انما هي مثل ما مسخ الله عز وجل على صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بانكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله واما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وما علما احدا من ذلك شيئا الا قالا له إنما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه وجعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء وزوجه .
أقول : واما ما كذبوه عليهم السلام من امر هاروت وماروت ومسخ زهرة وقصتهم المشتهرة بين الناس فقد ورد عنهم عليهم السلام في صحتها ايضا روايات والوجه في الجمع والتوفيق اي يحمل روايات الصحة على كونها من مرموزات الأوائل واشاراتهم وإنهم لما رأوا ان حكاتها كانوا يحملونها على ظاهرها كذبوها ولا بأس بإيرادها وحلها فان هاهنا محلها .
القمي والعياشي عن الباقر عليه السلام انه سأله عطاء عن هاروت وماروت فقال عليه السلام إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة يحفظون اعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم ومن الجن ويسطرونها ويعرجون بها إلى السماء قال فضج أهل السما من اعمال أوساط اهل الأرض في المعاصي والكذب على الله تعالى وجرأتهم عليه ونزهوا الله مما يقولون ويصفون فقالت طائفة من الملائكة يا ربنا اما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ومما يرتكبونه من المعاصي التي نهيتهم عنها وهم في قبضتك وتحت

( 174 )

قدرتك قال : فأحب الله عز وجل ان يرى الملائكة سابق علمه في جميع خلقه ويعرّفهم ما منّ به عليهم مما طبعهم عليه من الطاعة وعدل به عنهم من الشهوات الإنسانية فأوحى الله عز وجل إليهم ان انتدبوا منكم ملكين حتى اهبطهما إلى الأرض واجعل فيهما الطبائع البشرية من الشهوة والحرص والأمل كما هو في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي ومخالفة الهوى قال : فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا من اشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله تعالى عليهم فأوحى الله سبحانه وتعالى إليهما اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما طبائع الشهوات والحرص والأمل وامثالها كما جعلت في بني آدم واني آمركما ألا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرمتها ولا تزنيا ولا تشربا الخمر ثم اهبطا إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم فهبطا في ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا ببابه امرأة جميلة حسناء متزينة متعطرة مسفرة مستبشرة نحوهما فلما تأملا حسنها وجمالها وناطقاها وقعت في قلوبهما اشد موقع واشتد بهما الشهوة التي جعلت فيهما فمالا إليها ميل فتنة وخذلان وحادثاها وراوداها عن نفسها فقالت لهما إن لي دينا ادين به وليس في ديني أن اجيبكما إلى ما تريدان الا ان تدخلا في ديني فقالا وما دينك فقالت لهما : إن لي إلها من عبد وسجد له فهو ممن في ديني وانا مجيبه لما يسأل مني فقالا وما إلهك فقالت إلهي هذا الصنم فنظر كل إلى صاحبه فقال له : هاتان خصلتان مما نهينا عنه الزنا والشرك لأنا إن سجدنا لهذا الصنم وعبدنا أشركنا بالله وهو ذا نحن نطلب الزنا ولا نقدر على مغالبة الشهوة فيه ولن يحصل بدون هذا قالا لها : إنا نجيبك إلى ما سألت قالت : فدونكما هذه الخمرة فاشربا فانها قربان لكما منه وبها تبلغان مرادكما فائتمرا بينهما وقالا : هذه ثلاث خصال مما نهينا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وإنا لا نقدر على الزنا الا بهاتين حتى نصل إلى قضاء وطرنا فقالا ما اعظم البلية بك فقد أجبناك قالت : فدونكما اشربا هذا الخمر واسجدا للصنم فشربا الخمر وسجدا ثم راوداها فلما تهيأت لذلك دخل عليهما سائل فرآهما على تلك الحالة فذعرا منه فقال : ويلكما قد خلوتما بهذه المرأة المعطرة الحسناء وقعدتما منها على مثل هذه الفاحشة إنكما لرجلا سوء لأفعلن بكما وخرج على ذلك فنهضت ، فقالت : لا وإلهي لا

( 175 )

تصلان الآن إليّ وقد اطلع هذا الرجل علينا وعرف مكانكما وهو لا محالة يخبر بخبركما فبادرا واقتلاه قبل أن يفضحنا جميعا ثم دونكما فاقضيا وطركما مطمئنين آمنين فأسرعا إلى الرجل فأدركاه وقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوأتهما ونزع عنهما رياشهما واسقطا في أيديهما ، وسمعا هاتفا : إنكما هبطتما إلى الأرض بين البشر من خلق الله تعالى ساعة من النهار فعصيتما بأربع من كبائر المعاصي وقد نهاكما عنها وقدم إليكما فيها ولم تراقباه ولا استحييتما منه وقد كنتما اشد من نقم على أهل الأرض المعاصي واسجر غضبه عليهم ولما جعل فيكما من طبع خلقه البشري وكان عصمكم من المعاصي كيف رأيتم موضع خذلانه فيكم قال وكان قلبهما في حب تلك المرأة ان وضعا طرائق من السحر ما تداوله اهل تلك الناحية .
قال الامام عليه السلام : فخيرهما الله عز وجل بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهوات الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة فقال الآخران : عذاب الدنيا له انقطاع وعذاب الآخرة لا انقطاع له وليس حقيق بنا أن نختار عذاب الآخرة الشديد الدائم على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال : فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر بأرض بابل ثم لما علّما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة .
والعياشي عن ابي الطفيل قال كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا وهو على المنبر فناداه ابن الكوا وهو في مؤخر المسجد فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ما الهدى ؟ قال : لعنك الله اولم تسمعه ما الهدى تريد ولكن العمى تريد .
ثم قال عليه السلام : ادن فدنا منه فسأله عن أشياء فأخبره فقال : أخبرني عن هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة قال : إن الله اطلع ملائكته على خلقه وهم على معصية من معاصيه فقال الملكان هاروت وماروت هؤلاء الذين خلقت آباهم بيدك واسجدت له ملائكتك يعصونك قال فلعلكم لو ابتليتم بمثل الذي ابتليتم به عصيتموني كما عصوني قالا : لا وعزتك قال : فابتلاهم بمثل الذي ابتلي به

( 176 )

بني آدم من الشهوة ثم أمرهم أن لا يشركوا به شيئا ولا يقتلوا النفس التي حرم الله ولا يزنوا ولا يشربوا الخمر ثم اهبطهما إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس هذا في ناحية وهذا في ناحية فكانا بذلك حتى أتت أحدهما هذه الكوكبة تخاصم إليه وكانت من اجمل الناس فأعجبته فقال لها : الحق لك ولا أقضي لك حتى تمكينيني من نفسك فواعدت يوما ثم اتت الآخر فلما خاصمت إليه وقعت في نفسه واعجبته كما اعجبت الآخر فقال لها مثل مقالة صاحبه فواعدته الساعة التي واعدت صاحبه فاتفقا جميعا عندها في تلك الساعة فاستحي كل واحد من صاحبه حيث رآه وطأطأ رؤوسهما ونكسا ثم نزع الحياء منهما فقال احدهما لصاحبه يا هذا جاء بي الذي جاء بك قال ثم اعلماها وزاودا عن نفسها فأبت عليهما حتى يسجدا لوثنها ويشربا من شرابها فأبيا عليها وسألاها فأبت الا أن يشربا من شرابها فلما شربا صليا لوثنها ودخل مسكين فرأهما فقالت لهما يخرج هذا فيخبر عنكما فقاما إليه فقتلاه ثم راوداها عن نفسها فأبت حتى يخبرانها بما يصعدان به إلى السماء وكان يقضيان بالنهار فإذا كان الليل صعدا إلى السماء فأبيا عليها وأبت أن تفعل فأخبراها فقالت : ذلك لتجرب (1) مقالتهما وصعدت ورفعا أبصارهما إليها فرأيا أهل السماء مشرفين عليها ينظرون إليها وتناهت إلى السماء فمسخت وهي الكوكبة التي ترى .
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن ابيه عن جده قال : ان المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر إلى أن قالوا وما الزهرة فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت فمسخها الله كوكبا .
وعنه عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المسوخ قال هي ثلاثة عشر إلى أن قال : وأما الزهرة فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هاروت وماروت وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد .
وفي العلل عن أبي الحسن عليه السلام في حديث قال : ومسخت الزهرة لأنها
____________
(1) يعني لتقول مثل مقالتهم فتعلم هل يتأتى الصعود بذلك القول أم لا . منه قدس الله سره .

( 177 )

كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت .
وعنه عن أبيه في حديث قال : واما الزهرة فانها كانت امرأة تسمى ناهيل وهي التي تقول الناس انه افتتن بها هاروت وماروت .
أقول : في نسبة افتتانهما إلى قول الناس دليل على ما قلناه من انها من المرموزات ، وأما حلها فلعل المراد بالملكين الروح والقلب فانهما من العالم الروحاني اهبطا إلى العالم الجسماني لاقامة الحق فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا ووقعا في شبكة الشهوة فشربا خمر الغفلة وعبدا صنم الهواء وقتلا عقلهما الناصح لهما بمنع تغذيته بالعلم والتقوى ومحو اثر نصحه عن أنفسهما وتهيئا للزنا ببغي الدنيا الدنية التي تلي تربية النشاط والطرب فيها الكوكب المسمى بزهرة فهربت الدنيا منهما وفاتتهما لما كان من عادتها أن تهرب من طالبيها لأنها متاع الغرور وبقي اشراق حسنها في موضع مرتفع بحيث لا تنالها ايدي طلابها مادامت الزهرة باقية في السماء وحملهما حبها في قلبهما إلى أن وضعا طرائق من السحر وهو ما لطف مأخذه وذق فخيرا للتخلص منها فاختارا بعد التنبه وعود العقل إليهما اهون العذابين ثم رفعا إلى البرزخ معذبين ورأسهما بعد إلى اسفل إلى يوم القيامة هذا ما خطر بالبال في حل هذا الرمز وأما حل بقية اجزائه التي في رواية ابي الطفيل فموكول إلى بصيرة ذوي البصائر وقيل بل هو إشارة إلى أن الشخص العالم الكامل المقرب من حظائر القدس قد يوكل إلى نفسه الغرارة ولا يلحقه العناية والتوفيق فينبد علمه وراء ظهره ويقبل على مشتهياته الحسية الخسيسة ويطوي كشحه عن اللذات الحقيقية والمراتب العلية فينحط إلى أسفل السافلين والشخص الناقص الجاهل المنغمس في الأوزار قد يختلط بذلك الشخص العالم قاصدا بذلك الفساد والفحشاء فيدركه توفيق إلهي فيستفيد من ذلك العالم ما يضرب بسببه صفحا عن ادناس دار الغرور وارجاس عالم الزور ويرتفع ببركة ما تعلمه عن حضيض الجهل والخسران إلى أوج العز والعرفان فيصير المتعلم في أرفع درج العلاء والمعلم في أسفل درك الشقاء .
أقول : هذا الحل غير منطبق على الرمز بتمام أجزائه .




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336495

  • التاريخ : 28/03/2024 - 22:55

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net