• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس الدار التخصصية .
              • القسم الفرعي : بيانات قرآنية .
                    • الموضوع : نبذ الإشاعات والتحذر منها .

نبذ الإشاعات والتحذر منها

إعداد اللجنة العلمية

في دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم

تضمّنت هذه الدراسة مجموعة من البيانات المهمّة في الجانب التفسيري والعقدي والتربوي، بالإضافة إلى بيانات أهمّ المصادر الشيعيّة ـ (نهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة) ـ تحت عنوان: البيانات العلويّة من النهج والصحيفة السجّاديّة.

كما لا تخلو هذه الدراسة من التحقيق في بعض الأهداف الرئيسة للدار، وهي الإشارة إلى أهمّ الدروس المرتبطة بعلم وفنّ التجويد القرآني.

ولم يكن العمل في هذه الدراسة مقتصـراً على عقل واحد أو فكر شخص لوحده، بل كان مخاضاً لعمل جماعي اتفقت كلمة القائمين عليه، وبعد أن اكتملت الفكرة ونضجت شُرع بالعمل للقيام بإعداد هذه الدراسة القرآنيّة المعاصرة لأجل تحقيق أهدافها المنشودة، حيث وُزّعت الأدوار كلٌّ بحسب اختصاصه ومعرفته ومجاله. فتولّى القيام بهذا العمل ثُلّة من الأساتذة المختصّين في مختلف المجالات العلمية:

1ـ الدكتور الشيخ شاكر الساعدي في بيان النكات العقدية.

2ـ سماحة الشيخ سهيل السهيل في بيان النكات الفقهية.

3ـ الأستاذ السيد حكمت الموسوي في بيان النكات التربوية.

4ـ الأستاذ حيدر الكعبي في مادة التجويد.

5ـ الأستاذ الحافظ حميد الكناني في إبراز البيانات العلوية من (نهج البلاغة والصحيفة السجادية).

وقام الأستاذان أحمد فرج الله وعصام العلي بمراجعة الكتاب تصحيحاً وتقويماً للنصّ.

والشيخ أحمد الخليفة بمتابعة سير العمل خلال فترة إعداده.

البيان الثالث

نبذ الإشاعات والتحذر منها

الآيات (142ـ144) من سورة البقرة

﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾

ابتليت المجتمعات على مرّ التاريخ البشـري بمختلف الابتلاءات، فكانت أشدّها وأعظمها مصيبة عليها هي ظاهرة اختلاق الإشاعة ونشـرها بين الأفراد؛ لدورها الكبير في التأثير النفـسي والروحي عليهم وعلى معنوياتهم، بحيث تُضعف فيهم الروح الاجتماعية في التفاهم والتعاون فيما بينهم [الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص354].

وتبدأ الإشاعة بأن يختلق منافق كذبة ما، ثمّ يقوم بتزيّنها ونشـرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء؛ ليقوموا بدورهم بالترويج لها بين أبناء المجتمع دون التحقق منها بعدما يهولونها ويفرّعونها، وهو ممّا يؤدي إلى استنزاف مقدار كبير من طاقات الناس وأفكارهم وأوقاتهم، مضافاً إلى إثارة القلق والاضطراب بينهم؛ لأنّها تؤدي إلى زعزعة الثقة بين أفراد المجتمع، وخلق حالة من اللامبالاة والتردد في أداء المسؤوليات والوظائف والتكاليف المهمّة [الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص354]، وبالأخصّ المجتمعات التي تعاني من الكبت والإرهاب الفكري والمادي، فإنّها تلجأ إلى نشر الإشاعة كأسلوب من أساليب الكفاح السلبي انتقاماً من الحكومات الطاغية الجائرة.

فالإشاعة بحدّ ذاتها سلاح ذو حدّين، ففي الوقت الذي تعتبر فيه خطراً كبيراً على المجتمعات السليمة إذا اتجهت إلى الأفراد الكفوئين من المفكرين والخبراء والعاملين في المرافق الهامة للمجتمع، حيث تؤدّي إلى حالة من البرود في نشاطات هؤلاء، وقد تصادر مكانتهم الاجتماعية، وتحرم المجتمع من خدماتهم، فهي في الوقت نفسه وسيلة من وسائل الكفاح السلبي [الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص354].

ومن هنا فقد حارب الإسلام اختلاق الإشاعات والافتراءات والأكاذيب والتهم، كما في قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة / 142]، وبعد ذلك بيّن تأكيده على ضرورة اتّباع النبي، حيث قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة/ 143]، وذلك قطعاً واستئصالاً لدابر هذه الإشاعات والافتراءات التي قام بها اليهود ضدّ الإسلام والمسلمين بشتّى الوسائل والطرق المتاحة لهم.

وعليه فينبغي على الإنسان المؤمن أن يحذر الإشاعات التي يطلقها المنافقون وأعداء الدين للحطّ منه وإبعاد المتدينين عن طريق الحقّ والصراط السوي، كما يجب على جميع المسلمين اليقظة أمام هذه المؤامرات والإشاعات والذرائع التي يصطنعها العدو، والوقوف أمامها بشدّة وحزم.

البيانات التفسيرية

1. ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾

يجب على المسلمين جميعاً اليقظة أمام المؤامرات والإشاعات والذرائع التي يصطنعها العدو، والوقوف أمامها بشدّة وحزم.

2. ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾

إنَّ المقصود من (الاُمّة الوسط) ـ كما جاء في أهمِّ التفاسير المعتبرة والروايات المتعدّدة ـ هم أهل البيت عليهم السلام؛ حيث إنَّ الرسول صلى الله عليه وآله شهيد عليهم وهم شهداء على الناس. فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال في هذه الآية: «نحنُ الاُمّة الوسط، ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه، وحُججه في أرضه» [الكافي 1/ 191].

3. ﴿لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾

من الضروري ألاّ نجعل أنفسنا معتادة على شيء غير الأوامر الإلهيّة، من قبيل: الزمان والمكان، والأُسلوب الخاص واللون؛ كي لا نسعى إلى الفرار إذا ما وقع هذا الأمر وكان غيرَ مطابق لتوقعاتنا وعاداتنا وأذواقنا.

4. ﴿يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾

إنّ اتّباع أوامر وتعاليم الدين هو أساس الرقي والكمال، وعصيانها هو نوع تقهقر وحركة رجعيّة.

5. ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾

أي ضياع الإيمان أو أعمال أهل الإيمان؛ لأنَّ القبلة لمّا غُيّرت من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة وقع بعض المسلمين في شبهة أنّ أعمالهم السابقة قد ضاعت مع هذا التغيير والتبديل، فجاءت هذه الآية الكريمة تنفي ضياع الإيمان بشكل واضح وصريح.

6. ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ﴾

بلغت آداب وأخلاق النبي صلى الله عليه وآله أمام ربّه تعالى أنّه لم يذكر طلبه في تغيير القبلة على لسانه الشريف، بل اكتفى صلى الله عليه وآله بالنظر في السماء وانتظر إجابة ربّه سبحانه.

7. ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾

إنّ الله تعالى يريد رضا رسوله، ورضاه تعالى لا يكون إلاّ في رضا هذا الرسول.

البيانات العقائدية

1ـ مقتضى وجوب التسليم المطلق لله تعالى هو الإيمان به وبرُسلِه.

2ـ الحثُّ على تجنّب دعاة الضلال وعدم الاستماع إلى أقوالهم أو التأثّر بها.

3ـ تربّص أعداء الدين بالمؤمنين وتحيّن الفُرص للإيقاع بهم.

4ـ الإشاعات وسيلة من وسائل بثّ الفرقة والعداوة بين المسلمين، لذا يلزم الحذر وأخذ الحيطة منها.

5ـ إنّ الهدى هدى الله تعالى يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم.

6ـ إقامة الشهادة من مقتضى الإيمان بالدين الإسلامي، ولا تكون هذه الشهادة إلاّ مع العلم.

7ـ العدل معيارُ كلّ شيء، وضابطته ألا يكون فيه إفراط ولا تفريط.

8ـ أنّ من مقامات النبي صلى الله عليه وآله الشهادة على جميع الأُمم.

9ـ تغيير القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله تعالى هو أحد الابتلاءات والامتحانات الإلهيّة.

10ـ أنّ استقبال بيت الله لم يكن وليد الدين الإسلامي أو مختصّاته.

11ـ امتناع اليهود وتشكيكهم بوجوب استقبال بيت الله تعالى ينمّ عن خبث سريرتهم وجحودهم للحقِّ.

12ـ التأكيد على أنّ الله تعالى عالمٌ بكلّ شيء، وما هو بغافل عن الظالمين.

البيانات الفقهية

1ـ مَن صلّى إلى غير القبلة عامداً وملتفتاً، أو جاهلاً بالحكم أو ناسياً له، بطلت صلاته، وتجب عليه الإعادة في الوقت، والقضاء في خارج الوقت [منهاج الصالحين ـ الشيخ إسحاق الفياض1/ 212].

2ـ ليست الكعبة قبلة كبناية فحسب، بل كموضع بامتداده عمودياً إلى أعلى وإلى أسفل، فمَن صلّى في الطائرة كفاه أن يستقبل سماء الكعبة على نحو لو كانت هناك طائرة واقفة فوق الكعبة لكان مستقبلاً لها، ومَن صلّى في طابق أرضي منحدر كفاه أن يستقبل أرضيّة الكعبة على نحو لو كانت للكعبة طوابق أرضية موازية لكان مستقبلاً لها [الفتاوى الواضحة/ 346].

3ـ مَن صلّى إلى جهة اعتقد أنّها القبلة ثمَّ تبيّن الخطأ؛ فإن كان منحرفاً إلى ما بين اليمين والشمال صحّت صلاته، وإذا التفت في الأثناء مضـى ما سبق واستقبل في الباقي، من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه، ولا بين المتيقّن والظانّ، والناسي والغافل [منهاج الصالحين ـ السيد الخوئي 1/ 135].

البيانات التربوية

1ـ أصبحت الكعبة الشـريفة بفضل جعلها قبلةً للمسلمين رمزاً لوحدة المسلمين وأحد معالم شخصيّة الأُمّة الإسلاميّة؛ حيث تتّجه كلّها وبمختلف مذاهبها واتجاهاتها إلى نقطة واحدة؛ تعبيراً عن وحدتها في الأساس والهدف.

2ـ مَن يريد إتمام مسيرته للوصول إلى الأهداف العُليا ينبغي عليه ألاّ يتأثّر بالانتقادات الصادرة من بعض الجهّال أو الشكوك المثارة هنا وهناك؛ لأنّ نتيجة هذا الأمر هو الإحباط والتلكّؤ في إتمام الواجب، ومن ثَمّ الفشل وعدم الوصول إلى الهدف كما ينبغي، لذا يجب على الإنسان الاستمرار والمضي قُدُماً إلى الهدف المنشود والغاية المقصودة بثبات وعزيمة راسخة؛ لأنّ نتيجة ذلك ستؤول إلى النجاح وإنجاز العمل بأكمل صورة وأتمّها.

3ـ أنَّ تعريف الإنسان بموقعه الهامّ ومركزيّته بين أفراد المجتمع يمنحه القوّة والصلابة في تحمّل المسؤوليّة برغبة شديدة وواعز ذاتي كبير، هذا مع علمه بأنّه على مرأى ومسمع من صاحب التشـريع والقانون الذي لا يغيب عنه لحظةً واحدةً، الأمر الذي من شأنه أن يهيّئ هذا الإنسان ويجعله على استعداد تامّ للوقوف بثقة وثبات أمام القضايا المختلفة والمعقّدة من الميول والرغبات التي تعترض طريقه وتعكّر صفو دربه. وبهذا التهيُّؤ والاستعداد فإنّه يكون في مأمن من الانقلاب على عقبيه حين الاختبار والامتحان، أو الإحساس بالفشل عند طروّ العقبات على طريق الهداية، خصوصاً أنّ الأجر يلوح في الاُفق عند الاقتراب من بلوغ الهدف.

البيانات العلوية من النهج والصحيفة السجادية

1ـ من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يومئ فيها إلى الملاحم ويصف فئة من أهل الضلال: «وَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالاً ظَعْناً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ، فَلا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَلا تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِي‏ءُ بِهِ الْغَدُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَدٍ!

يَا قَوْمِ، هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ، وَدُنُوٌّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لا تَعْرِفُونَ، أَلا وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ؛ لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً، وَيَصْدَعَ شَعْباً، وَيَشْعَبَ صَدْعاً، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ لا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَو تَابَعَ نَظَرَهُ، ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ، تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ، وَيُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ، وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ في الضلال... وَطَالَ الأمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ، حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الأجَلُ، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ، وَأَشَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ لَمْ يَمُنُّوا عَلَى الله بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ، حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلاءِ حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ، وَدَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ، حَتَّى إِذَا قَبَضَ الله رَسُولَهُ رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الأعْقَابِ، وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلائِجِ، وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ، وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ، فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ، قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ، عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ؛ مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْيَا رَاكِنٍ، أَو مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 150].

2ـ ومن خطبة له عليه السلام يحذّر من الفتن: «وَأَحْمَدُ الله وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ، وَالِاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لا يُؤَازَى فَضْلُهُ وَلا يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلادُ بَعْدَ الضَّلالَةِ الْمُظْلِمَةِ وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ، يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ.

ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلايَا قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا وَظُهُورِ كَمِينِهَا، وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا وَمَدَارِ رَحَاهَا، تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وَتَؤولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ، شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلامِ وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلامِ، يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ، أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ وَآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ، يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ، وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ، وَعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ وَيَتَلاعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ.

ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَةٍ، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلامَةٍ، وَتَخْتَلِفُ الأهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا، وَتَلْتَبِسُ الْآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا، مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ، يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ، قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ وَعَمِيَ وَجْهُ الأمْرِ، تَغِيضُ فِيهَا الْحِكْمَةُ، وَتَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ، وَتَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْو بِمِسْحَلِهَا وَتَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا، يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ، تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَتَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ، وَتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ وَتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ، يَهْرُبُ مِنْهَا الأكْيَاسُ وَيُدَبِّرُهَا الأرْجَاسُ، مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ، كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ، تُقْطَعُ فِيهَا الأرْحَامُ وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا الإسْلامُ، بَرِيئُهَا سَقِيمٌ وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ...

بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ وَخَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ، يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الأيْمَانِ وَبِغُرُورِ الإيمَانِ، فَلا تَكُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَأَعْلامَ الْبِدَعِ، وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ، وَاقْدَمُوا عَلَى الله مَظْلُومِينَ وَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ، وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ، وَلا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ؛ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 151].

3ـ ومن خطبة له عليه السلام: «الْزَمُوا الأرْضَ وَاصْبِرُوا عَلَى الْبَلاءِ، وَلا تُحَرِّكُوا بِأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَلا تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ الله لَكُمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَاسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاتِهِ لِسَيْفِهِ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُدَّةً وَأَجَلاً» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 190].

5ـ من دعاء للإمام زين العابدين عليه السلام في الصلاة على أتباع الرسل ومُصدّقيهم: «اللهمَّ وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الاَرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَـانِدينَ لَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ، وَالاشْتِيَاقِ إلَى المـرْسَلِينَ بِحَقائِقِ الإيْمَانِ، فِي كُلِّ دَهْـر وَزَمَان أَرْسَلْتَ فِيْهِ رَسُـولاً، وَأَقَمْتَ لأهْلِهِ دَلِيلاً، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى  مُحَمَّد صلى الله عليه وآله مِنْ أَئِمَّةِ الْهُـدَى، وَقَادَةِ أَهْـلِ التُّقَى عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلاَمُ، فَاذْكُـرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِـرَةٍ وَرِضْـوَانٍ.

اللهمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّد خَاصَّةً، الَّـذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْـرِهِ، وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ، وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ، واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاَتِهِ، وَفَارَقُوا الأزْوَاجَ وَالأوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الآباءَ وَالأبناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بهِ، وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ، وَالّذينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظلِّ قَرَابَتِهِ» [الصحيفة السجّاديّة ـ الدعاء/ 14].

ملاحظات في الوقف والوصل والابتداء

1ـ عند الوقوف في الآية: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ على جملة: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ يكون الابتداء فيها من ﴿لِتَكُونُوا﴾ صحيحاً؛ لأنّ جملة: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ﴾ عطف على ﴿لِتَكُونُوا﴾.

أسئلة المناقشة

س1: لماذا يتحتّم علينا ألاّ نجعل أنفسنا معتادة على شيء غير الأوامر الإلهيّة؟

س2: كيف نجسّد آداب وأخلاق النبيِّ صلى الله عليه وآله أمام الله تعالى في طلبه لتغيير القبلة؟

س3: ما المقصود بـ (الاُمّة الوسط) في الآية الشريفة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾؟

س4: ما هي الحادثة التي نزلت فيها هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾؟

س5: ما هو حكم مَن صلّى إلى غير القبلة، وماذا يجب عليه؟

س6: اذكر حكم مَن صلّى إلى جهة ما معتقداً أنّها القبلة ثمَّ انكشف خطؤه.

س7: هل يكون الابتداء صحيحاً من مفردة ﴿لِتَكُونُوا﴾ في الآية: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾؟ ولماذا؟ 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

دور المساجد في إحياء الذكر الإلهي

ضرورة بعثة الأنبياء (عليهم السلام) وأهميتها


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2419
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 10 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20