00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الانفال من ( آية 1 ـ 41 ) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الخامس)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

8 - سورة الانفال

هذه السورة مدنية في قول قتادة وابن عباس ومجاهد وعثمان، وقال: هي اول ما نزل على النبي صلى الله عليه واله بالمدنية، وحكي عن ابن عباس: انها مدنية إلا سبع آيات: أولها " وإذ يمكر بك الذين كفروا) إلى آخر سبع آيات بعدها.

وهى خمس وسبعون آية في الكوفي، وسبع وسبعون آية في الشامي، وست وسبعون في المدنيين والبصري.

الآية: 1 - 19

بسم الله الرحمن الرحيم

يسئلونكم عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين(1)

آية.

اختلف المفسرون في معنى الانفال - ههنا - فقال بعضهم: هي الغنائم التي غنمها النبي صلى الله عليه واله يوم بدر، فسألوه لمن هي؟ فأمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم: هي لله ولرسوله - ذهب اليه عكرمة ومجاهد والضحاك وابن عباس وقتادة وابن زيد - وقال قوم: هي أنفال السرايا - ذهب اليه علي بن صالح بن يحيى - وقال قوم: وهو ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد او جارية من غير قتال او ما اشبه ذلك - عن عطا - وقال: هو للنبي صلى الله عليه واله خاصة يعمل به ما يشاء.

[72]

وروي عن ابن عباس - في رواية اخرى - انه ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم من الفرس والدرع والرمح.

وفي رواية اخرى - أنه سلب الرجل وفرسه ينفل النبي صلى الله عليه واله من شاء.

وقال قوم: هو الخمس، روي ذلك مجاهد، قال: قال المهاجرون: لم يرفع منا هذا الخمس ويخرج منا؟ فقال الله: هو لله والرسول.

وروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام (أن الانفال كل ما اخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها). ويسميه الفقهاء فيئا، وميراث من لاوارث له، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب، والاجام وبطون الاودية والموات وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه.

وقالا: هو لله وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤنته ليس لاحد فيه شئ.

وقالا: إن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه واله خاصة، فسألوه أن يعطيهم.

وفي قراء‌ة اهل البيت: " يسألونك الانفال " فأنزل الله تعالى قوله " قل الانفال لله والرسول " ولذلك " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ولو سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل لهم: اتقوا الله.

والانفال جمع نفل والنفل هو الزيادة على الشئ، يقال: نفلتك كذا إذ ازدته قال لبيد بن ربيعة:

إن تقوى ربنا خير نفل *** وباذن الله ريثي والعجل(1)

والنفل هو ما أعطيته المرء على البلاء، والفناء على الجيش على غير قسمة. وكل شئ كان زيادة على الاصل فهو نفل ونافلة، ومنه قيل لولد الولد: نافلة، ولما زاد على فرائض الصلاة نافلة.

واختلفوا في سبب نزول هذه الاية، فقال قوم: نزلت في غنائم بدر، لان النبي صلى الله عليه واله كان نفل أقواما على بلاء فأبلى اقوام وتخلف آخرون مع النبي صلى الله عليه واله فلما انقضى الحرب اختلفوا، فقال قوم: نحن اخذنا، لانا قتلنا.

___________________________________

(1) تفسير القرطبى 8 / 361 واللسان (نفل) ومجاز القرآن 1 / 240.

[73]

وقال آخرون: نحن احطنا بالنبي صلى الله عليه واله ولو أردنا لاخذنا.

وقال آخرون: نحن كنا وراء‌كم نحفظكم فأنزل الله هذه الاية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه واله ماض جائز - ذهب اليه ابن عباس وعكرمة وعبادة بن الصامت -.

وقال قوم: نزلت في بعض اصحاب النبي صلى الله عليه واله سأل من المغنم شيئا قبل قسمتها فلم يعطه إياها إذ كان شركا بين الجيش، فجعل الله جميع ذلك للنبي صلى الله عليه واله روي ذلك عن سعد بن مالك، وهو ابن ابي وقاص.

قال: وكان سيف سعد بن العاص لما قتله اخوته، وكان يسمى ذا الكثيفة، قال سعد أتيت النبي صلى الله عليه واله فسألته سيفا فقال: ليس هذا لي ولا لك فوليت عنه.

قال: فاذا رسول الله صلى الله عليه واله خلفي فقال: إن السيف قد صار لي فأعطانيه، ونزلت الاية.

وروي عن ابي أسيد مالك بن ربيعة قال: اصبت سيف ابن عابد، وكان يسمى المرزبان فألقيته في النفل، فقام الارقم بن ابي الارقم المخزومي، فسأل رسول الله فأعطاه إياه.

وقال آخرون: إن أصحاب النبي صلى الله عليه واله سألوه أن يقسم غنيمة بدر عليهم يوم بدر، واعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شئ.

وقالوا معنى " عن " ههنا معنى " من " وكان ابن مسعود يقرأه " يسألونكم الانفال " على هذا التأويل.

وهذا مثل ما رويناه عن ابي جعفر وابي عبدالله عليهما السلام وروي ذلك عن الاعمش، والضحاك عن ابن مسعود، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جريح وعمرو ابن شعيب عن ابيه عن جده وعن الضحاك، وعكرمة، واختاره الطبري وهو قول الحسن.

وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيما سرية خرجت بغير إذن إمامها فما أصابت من شئ، فهو غلول.

وقال الزجاج: كانت الغنائم قبل النبي صلى الله عليه واله حراما، فسألوا النبي عن ذلك، فنزلت الاية، وهذا بعيد. واختلفوا هل هي منسوخة أم لا؟ فقال قوم: هي منسوخة بقوله " واعلموا انما غنمتم من شئ.. " الاية وروي

[74]

ذلك عن مجاهد وعكرمة والسدي وعامر الشعبي واختاره الجبائي.

وقال آخرون: ليست منسوخة، ذهب اليه ابن زيد واختاره الطبري، وهو الصحيح، لان النسخ محتاج إلى دليل، ولا تنافي بين هذه الاية وبين آية الخمس، فيقال انها نسختها. واختلفوا هل لاحد بعد النبي صلى الله عليه واله ان ينفل احدا - ذكرناه في الخلاف - فقال سعيد بن المسيب لانفل بعد رسول الله. وبه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وعندنا وعند جماعة من الفقهاء واختاره الطبري: أن للائمة أن يتأسوا بالنبي صلى الله عليه واله في ذلك.

وقوله " فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم " امر من الله للمكلفين أن يتقوا معاصيه ويفعلوا طاعاته ان يصلحوا ذات بينهم. واختلفوا في معناه، فقال قوم: هو ان النبي صلى الله عليه واله كان ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله، فلما نزلت الاية امرهم أن يرد بعضهم على بعض، ذهب اليه قتادة وابن جريج.

وقال قوم: هذا نهي من الله للقوم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر. ذهب اليه مجاهد وابن عباس وسفيان والسدي.

واختلفوا لم قال " ذات بينكم " فأنث، والبين مذكر؟ فقال قوم: أراد " ذات بينكم " للحال التي للبين، كما يقولون ذات العشاء يريدون الساعة التي فيها العشاء، ولم يصفوا مذكرا لمؤنث ولا مؤنثا لمذكر.

قال الزجاج: اراد الحال التي يصلح بها أمر المسلمين.

وقال الاخفش: جعله " ذات " لان بعض الاشياء يوضع عليه اسم المؤنث وبعضه يذكر مثل الدار والحائط انث الدار وذكر الحائط.

وقوله " واطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " امر من الله للخلق ان يطيعوه ولايعصوه، ويطيعوا رسوله فيما يأمرهم به إن كانوا مصدقين لرسوله فيما يأتيهم به من قبل الله، لانهم متى لم يطيعوه ولم يقبلوا منه لم يكونوا مؤمنين.

[75]

وروي: ان رسول الله صلى الله عليه واله قسم غنائم بدر بينهم عن تواء، يعني سواء، ولم يخمس وإنما خمس بعد ذلك.

وقال الزجاج: " ذات بينكم " معناه حقيقة وصلكم، والبين الوصل، لقوله تعالى " لقد تقطع بينكم " اي وصلكم.

قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم اياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون(2) الذين يقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون(3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم(4)

ثلاث آيات بلا خلاف.

استدل - من قال: إن الايمان يزيد وينقص وان أفعال الجوارح قد تكون إيمانا - بهذه الايات، فقالوا: نفى الله ان يكون المؤمن إلا من إذا ذكر الله وجل قلبه وإذا تليت عليه آياته أي قرئت زادتهم الاية إيمانا، بمعنى أنهم يزدادون عند تلاوتها ايمانا، وانهم على الله يتوكلون في جميع أمورهم " الذين يقيمون الصلاة " بمعنى يأتون بها على ما بينها النبي صلى الله عليه واله وينفقون مما رزقهم الله في ابواب البر. وإخراج الواجبات من الزكاة وغيرها.

ثم وصفهم بأن هؤلاء الذين وصفهم بهذه الاوصاف هم المؤمنون حقا، يعني الذين اخلصوا الايمان، لاكمن كان له اسمه على الظاهر، وإن لهم الدرجات عند الله وهي المنازل التي يتفاضل بها بعضهم على بعض وإن لهم المغفرة والرزق الكريم فدل على أن من ليس كذلك ليس له ذلك.

[76]

ومن خالف في ذلك قال: هذه اوصاف افاضل المؤمنين، وخيارهم، وليس يمتنع أن يتفاضل المؤمنون في الطاعات وان لم يتفاضلوا في الايمان، يبين ذلك انه قال في اول الاية " اذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ووجل القلب ليس بواجب بلا خلاف، وانما ذلك من المندوبات.

وقوله " واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون " لانه اذا صدق بآية آية انها من عند الله، فلا شك ان معارفه تزداد وإن لم يزد بفعل الجوارح.

وقوله " الذين يقيمون الصلاة " يدخل في ذلك الفرائض والنوافل، ولاشك أن الاخلال بالنوافل لايخرج من الايمان ولا ينقص منه عند الاكثر. والانفاق أيضا قد يكون بالواجب والنفل. والاخلال بما ليس بواجب منه لايخرج من الايمان بلا خلاف.

وقوله " أولئك هم المؤمنون حقا " يبين ذلك انه اشار به: إلى خيارهم وافاضلهم، لان هذه اوصافهم فمن اين ان غيرهم وإن كان دونهم في المنزلة لايكون مؤمنا؟ ! وقال ابن عباس: اراد ان المنافق لايدخل قلبه شئ من ذلك عند ذكر الله. وأن هذه الاوصاف منتفية عنه.

والوجل والخوف والفزع واحد، يقال وجل فلان يوجل وجلا، ويقال ياجل وييجل وأفصحها يوجل.

قال الله تعالى " لا توجل " أي لاتخف وقال الشاعر:

لعمرك ما ادري وإني لاوجل *** على أينا تعدوا المنية أول(1)

وإنما وصفهم بالوجل - ههنا - وباطمئنان القلوب في قوله: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله "(2) لان الوجل يكون بالخوف من عقابه وبارتكاب معاصيه.

والاطمئنان بذكر الله معناه: ينعمه وعدله، ووصفهم بالوجل يكون في دار الدنيا، وأما في الاخرة فانه " لا يحزنهم الفزع الاكبر "(3)

___________________________________

(1) قطر الندى 23 الشاهد 6 باب المعرب والمبني.

(2) سورة 13 الرعد آية 30.

(3) سورة 21 الانبياء آية 103

[77]

وقال الربيع: معنى زادتهم إيمانا زادتهم حسنة، والدرجات عند الله، قال قوم: معناه أعمال رفيعة وقضائل استحقوها في أيام حياتهم - ذهب اليه مجاهد - وقال غيره: معناه لهم مراتب رفيعة. والرزق الكريم، قال قتادة: هو الجنة.

وقال غيره: هو ما اعد الله ووعدهم به في الجنة من انواع النعيم والمغفرة يعني لذنوبهم ومعاصيهم سترها الله عليهم.

وقوله " حقا " منصوب بمعنى دلت عليه الجملة، وهي قوله " اولئك هم المؤمنون " والمعنى احق ذلك حقا. والتوكل هو الثقة بالله في كل امر يحتاج اليه تقول وكلت الامر إلى فلان، إذا جعلت اليه القيام به، ومنه الوكيل القائم بالامر لغيره. والكريم القادر على النعم من غير مانع، ولم يزل الله كريما بهذا المعنى.

قوله تعالى: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون(5) يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون(6)

آيتان

من مد الف (كما) فلان المد يقع في حروف اللين، وهي الالف والواو والياء، فاذا كان الحروف منها قبل همزة، وكانت الواو والياء ساكنتين والالف لاتكون الا ساكنة مدوا الالف كألف هذه الكلمة، وكقوله " من السماء من ماء "(1) بمد الف السماء والف مساء، والياء نحو قوله " وما ينطق عن الهوي ان هو الاوحي يوحي "(2) بمد الياء من الهوي، والواو نحو قوله " " قالوا أانت فعلت هذا "(3) بمد الواو.

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 164.

(2) سورة 53 النجم آية 3 - 4.

(3) سورة 21 الانبياء آية 62

[78]

واختلفوا في الكاف من قوله " كما " إشارة إلى ماذا؟ فقال الزجاج وغيره: قوله " كما أخرجك " معطوف على قوله " قل الانفال لله والرسول " والمعنى في ذلك أن رسول الله لما جعل النفل لمن جعله له وسلمه المؤمنون لذلك على كراهية بعضهم له كراهية طباع، فقال " الانفال لله والرسول " فامض لذلك، وإن كرهه قوم كما مضيت " كما اخرجك ربك من بيتك بالحق " وهم كارهون أيضا لانهم كانوا كرهوا خروجه الكراهية التي ذكرناها، وليس على المؤمنين في هذه الكراهية حرج، إذا سلموا الامر لله ورسوله وعملوا بما فيه طاعاتهما.

وقال غيره: ذلك معطوف على قوله " يسألونك عن الانفال " كأنه قال: يسألونك الانفال كما جادلوك عند ما اخرجك ربك من بيتك، فذلك قوله " يجادلونك في الحق بعد ما تبين ".

وقال قوم: يجوز أن يكون الكاف عطفا على قوله " اولئك هم المؤمنون حقا.. كما اخرجك ربك من بيتك بالحق ".

قال بعضهم " كما أخرجك ربك من بيتك.. فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ".

وقال مجاهد " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق.. يجادلونك في الحق من بعد ما تبين " يعني يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به.

وقال الفراء: قوله " كما اخرجك ربك من بيتك بالحق " جواب قوله " وإن فريقا من المؤمنين لكارهون " فقال: فامض لامرك في الغنائم على ما شئت " كما أخرجك ربك " مجاز اليمين كأنه، قال والذي اخرجك ربك، فتكون " ما " في موضع الذي كقوله " وما خلق الذكر والانثى "(1) وتقديره والذي خلق الذكر، وقال ابوعبيدة معمر بن المبنى: " ما " في قوله " كما اخرجك " كما في قوله " وما بناها "(2) اي وبنائها.

وقال عكرمة: المعنى " اتقوا الله واصلوا ذات بينكم " فان ذلك خير لكم " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " وكان خير لكم.

___________________________________

(1) سورة 92 الليل آية 3.

(2) سورة 91 الشمس آية 5

[79]

وقال بعضهم: الكاف بمعنى (على) كأنه قال: إمض على الذي اخرجك من بيتك. والحق الذي جادلوا فيه هو القتال في قول مجاهد.

و " بيتك " يراد به المدينة، اخرجه الله إلى بدر - في قوله ابن جريج، وابن ابي نجيح واكثر المفسرين - ووجه كراهية القتال - ما ذكره ابن عباس - من ان أبا سفيان لما اقبل بعير قريش من الشام فيها أموالهم، ندب النبي صلى الله عليه واله المسلمين إلى الخروج اليها، قال لعل الله أن ينفلكموها، فانتدب اليهم، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، ولم يظنوا أن رسول الله ملقي كيدا ولاحزنا، وهو قول السدي والمفسرين. واختلفوا في المؤمنين الذين كرهوا القتال، وجادلوا النبي صلى الله عليه واله.

فقال قوم: أراد به أهل الايمان يوم بدر - ذكر ذلك عن ابن عباس، وابن اسحاق - وقال قوم: عنى المشركين - ذهب اليه ابن زيد - وقال: هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعوهم إلى الاسلام، وهم ينظرون، قال وتكون هذه صفة مبتدأة لاهل الكفر.

وقول ابن عباس هو الظاهر، وعليه اكثر المفسرين، وهو ان هذا صفة للمؤمنين لكن كرهوا ذلك كراهية الطبع، لكونهم غير مستعدين للقتال، ولقلتهم وكثرة المشركين، ويقوي ذلك قوله بعد هذه الاية " وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم " فبين بذلك انهم كانوا يودون العير دون الحرب.

وقوله " بعد ما تبين " انك يا محمد لاتصنع إلا ما امرك الله به.

وقال ابن عباس معناه يجادلونك في القتال بعد ما امرت به. والجدل شدة الفتل ومنه قولهم: جدلت الزمام إذا شددت فتله، والاجدل الصقر لشدته.

وقوله " كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " معناه كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو في كراهتهم للقتال إذا دعوا اليه وصعوبته عليه بمنزلة من يساق إلى الموت، وهم يرونه أو يتوقعونه. والسوق الحث على السير عجلة. والاخراج في الاية معناه الدعاء إلى الخروج الذي يقع به، تقول: اخرجه فخرج اي دعاه فخرج، ومثله اضربت زيدا عمرا، فضربه وسمي البيت بيتا لانه جاء مهيئا للبيتوتة فيه.

[80]

وقوله " من بيتك " قال الحسن وابن ابي برة وابن جريج معناه من المدينة.

قوله تعالى: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين(7) ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون(8)

آيتان

تقدير الاية واذكر يا محمد إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا.

قال الحسن كان المسلمون يريدون العير، ورسول الله يريد ذات الشوكة لما وعده الله.

وقوله " إحدى الطائفتين " يعني عير قريش او قريشا، وكان الله وعد نبيه حصول احداهما.

وقوله " إحد الطائفتين " في موضع نصب ب‍ " يعدكم الله " وقوله " إنها لكم " نصب بدل من قوله " إحدى الطائفتين " ومثله " هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة "(1) فانها في موضع نصب بدلا من (الساعة).

ومثله: " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطؤهم "(2) قال الزجاج: تقديره لو لا أن تطؤهم.

وقوله " وتودون " معناه وتحبون " ان غير ذات الشوكة " يعني القتال.

وانما قال " ذات الشوكة " فأنث لانه عنى الطائفة، والشوكة الجد، يقال: ما اشد شوكة بني فلان، وفلان شاك في السلاح وشائك وشاك - بتشديد الكاف - من الشكة.

___________________________________

(1) سورة 43 الزخرف آية 66.

(2) سورة 48 الفتح آية 25

[81]

ومثله شاك في قوله الشاعر:

فيو هموني انني هوذاكم *** شاك سلاحي في الحوادث معلم

وقال الضحاك، وغيره: كرهوا القتال واعجبهم أن يأخذوا العير.

وقوله " ويريد الله ان يحق الحق " معناه إن الله يريد أن يظهر محمد صلى الله عليه واله ومن معه على الحق " ويبطل الباطل " اي يبطل ما جاء به المشركون.

وقيل: هذه الاية نزلت قبل قوله " كما اخرجك ربك من بيتك بالحق " وهي في القراء‌ة بعدها - ذكره البلخي والحسن - وفي الاية دلالة على ان الله لايريد الباطل ولايريد ابطال الحق بخلاف ما يقول المجبرة من ان كل ما في الارض من باطل وسفه وفسق فان الله يريده لان ذلك خلاف الاية.

وقوله " ويقطع دابر الكافرين " معناه يريد الله ان يجتث الجاحدين من اصلهم والدابر المأخر، وقطعه الاتيان على جميعهم - وهو قول ابن زيد وغيره - وقال قوم: الحق في هذا الموضع القرآن. والباطل ابليس. وقيل الحق الاسلام، والباطل الشرك.

وقال ابن عباس: كان عدة اهل بدر مع النبي صلى الله عليه واله ثلثمائة وثلاث عشر رجلا وروي ان النبي صلى الله عليه واله لما بلغه خروج قريش لحماية العير شاور اصحابه، فقال قوم: خرجنا غير مستعدين للقتال.

وقال المقداد: امض لما امرك الله به، فو الله لو خضت بنا الجمر لتبعناك، فجزاه خيرا. وأعاد الاستشارة، فقال سعد بن معاذ (رحمه الله) يا رسول الله تريدنا؟ قال: نعم فقال سعد: إنا آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لنخوضنه معك، فسر رسول الله صلى الله عليه واله بقول سعد ونشطه ذلك.

ثم قال سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الان انظر إلى مصارع القوم.

[82]

و (الحق) وقوع الشئ في موضعه الذي هو له فاذا اعتقد شئ بضرورة او حجة فهو حق، لانه وقع موقعه الذي هو له، وعكسه الباطل. وروي ان احدا لم يشاهد الملائكة يوم بدر إلا رسول الله صلى الله عليه واله.

ومعنى قوله " ليحق الحق " ليظهر تحقيق الحق للمخلوقين، ويبطل الباطل، لاأنهما لم يكونا كذلك عنده.

قوله تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدّكم بالف من الملئكة مردفين(9)

آية بلا خلاف.

قرأ أهل المدينة ويعقوب " مردفين " بفتح الدال. والباقون بكسرها.

قال ابو علي: من قرأ بكسر الدال احتمل شيئين: أحدهما - ان يكونوا مردفين مثلهم.

كما تقول: اردفت زيدا دابتي فيكون المفعول الثاني محذوفا في الاية وذلك كثير.

الثاني - ان يكون معنى " مردفين " جاء‌وا بعدهم.

قال ابوالحسن: تقول العرب بنو فلان يردفوننا أي هم يجيئون بعدنا. وهو قول ابي عبيدة.

وردفني وأردفني واحد.

قال الشاعر:

إذا الجوزاء اردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا(1)

وقال قوم: ردفه صار له ردفا واردفه جعله له ردفا.

ويكون أردفت الثريا الجوزاء.

ومعنى البيت ان الجوزاء إذا طلعت في شدة الحر لم يبق حينئذ احد من

___________________________________

(1) قائله خزيمة بن مالك وهو من قدماء شعراء الجاهلية الاغاني 13 / 75 طبعة دار الثقافة. ومعجم ما استعجم 19، وسمط اللالى 100 واللسان (قرظ)، (ردف).

[83]

البوادي في مناجعهم، لان مياه الغدر ان يبست فتفرق الحلل بعد اجتماعها فتفترق ظنونه في امر فاطمة انها اي ماء تأخذ لتعلق قلبه بها، وهي فاطمة بنت حل بن عدي.

وقول ابي عبيدة: ردفني وأردفني واحد أقوى لقوله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممد كم بألف من الملائكة مردفين " اي جاء من بعد إستغاثتكم ربكم ف‍ " مردفين " على هذه صفة للالف الذين هم الملائكة.

ومن قرأ بفتح الدال فمعناه اردفوا الناس أي انزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في " ممدكم " مردفين بألف من الملائكة، والعامل في (إذ) يحتمل شيئين: احدهما - ويبطل الباطل (إذا) والثاني - بتقدير اذكروا (اذ) فعلى الوجه الاول يكون متصلا بما قبله وعلى الثاني يكون مستأنفا.

والاستغاثة طلب المعونة وهو سد الخلة في وقت شدة الحاجة.

وقيل: في معنى " تستغيثون ربكم " تستجيرون به من عدوكم والاستجابة موافقة المسألة بالعطية، وأصله طلب الموافقة بالارادة وليس في الاجابة معنى الطلب من هذه الجهة.

وقيل في معنى " مردفين " ثلاثة أقوال: قال ابن عباس: مع كل ملك ملك ردفا له، وقال الجبائي: هم ألفان لان مع كل واحد واحد ردفا له.

والثاني - قال السدي وقتادة: إن معناه متتابعين.

والثالث - قال مجاهد ممدين بالارداف وامداد المسلمين بهم.

ويقال هذه دابة لاترادف. ولايقال تردف، ويقال: أردفت الرجل إذا جئت بعده.

وكان يجوز أن يقرأ بتشديد الدال وفتح الراء وضمها - لان الاصل مرتدفين، وقرئ في الشواذ - بضمها - فمن فتح الراء نقل فتحة التاء اليها، ومن كسرها فلاجتماع الساكنين ومن ضمها فللاتباع.

أخبر الله تعالى عن حال اهل بدر انهم لقلة عددهم استغاثوا بالله والتجأوا اليه فأمدهم الله بألف من الملائكة مردفين، رحمة لهم ورأفه بهم، وهو قول ابن عباس،

[84]

وقال: الداعي كان رسول الله صلى الله عليه واله وهو قول ابي جعفر عليه السلام والسدي وابي صالح وهو المروي عن عمر بن الخطاب. وقيل: إنهم قتلوا يومئذ سبعين واسر واسبعين.

وقال الحسن: جميع ما امدوا به من الملائكة خمسة آلاف: ما ذكر هنا، وما ذكر في آل عمران.

وقال غيرهم: جميعهم ثمانية آلاف.

وقال الحسن: اردف بهؤلاء الالف الثلاثة آلاف الذين ذكرهم في آل عمران ثم أردفهم بألف آخر فصاروا خمسة آلاف.

قوله تعالى: وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم(10)

آية.

الهاء في قوله " جعله الله " يحتمل أن تكون عائدة إلى الامداد، لانه معتمد الكلام.

وقال الفراء: هي راجعة إلى الارداف. ويحتمل أن تكون عائدة على الخبر بالمدد، لان تقديم ذلك اليهم بشارة في الحقيقة اخبر الله تعالى أنه لم يجعل هذه الذي أخبر به من إمداد الملائكة إلا بشرى. وإنما جعله بأن اراده به فقلبه إلى هذا المعنى.

وقيل: جعله بشرى بأن امر الملائكة أن تبشر به، والجعل على ضروب: اولها - أن يكون بمعنى القلب، كقولك: جعلت الطين خزفا.

وبمعنى الحكم كقولك: جعله الحاكم فاسقا.

وبمعنى الظن كقولك جعلته كريما بحسن ظني به.

وبمعنى الامر كقولك جعله الله مسلما بمعنى امره بالاسلام.

وقوله " ولتطمئن به قلوبكم " فالاطمئنان الثقة ببلوغ المحبوب، وهو خلاف الانزعاج.

والطمأنينة: السكون والدعة.

وقوله " وما النصر إلا من عند الله " معناه لايكون النصر وقهر الاعداء من الكفار إلا بفضل من عند الله ونصر من جهته. وليس ذلك بشدتكم وقوة بأسكم

[85]

وإنما أضافه إلى الله، لئلا يظن أنه من قبل الملائكة من غير امره. فأما الغلبة بكثرة العدد، فقد ينفق للكافر والمبصل، فعلى هذا المؤمن وان قتل، فهو منصور غير مخذول، والكافر وإن غلب وقتل فهو مخذول.

وهل قاتلت الملائكة يوم بدر قيل فيه قولان: قال ابوعلي الجبائي: ما قاتلت، وإنما أراد الله بالامداد البشارة بالنصر واطمئنان القلب ليزول عنهم الخوف الذي كان بهم، قال لان ملكا واحدا يقدر ان يدمر على جميع المشركين كما اهلك جبرائيل قريات لوط.

وروي عن ابن مسعود: أنها قاتلت.

وقيل: سأل ابوجهل من اين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص، قالوا له: من قبل الملائكة، فقال هم غلبونا لا أنتم.

وقوله " إن الله عزيز " يعني قادر لايغالب " حكيم " في أفعاله ليثقوا بوعده.

قوله تعالى: إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام(11)

آية.

قرأ ابن كثيروا ابوعمرو " يغشاكم " بفتح الياء وسكون الغين وبألف مخفف.

وقرأه اهل المدينة - بضم الياء وسكون الغين وكسر الشين مخفا من غير الف.

الباقون بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين وكسرها من غير الف.

وكلهم نصب النعاس إلا ابن كثير وابوعمرو، فانهما رفعاه.

وحجة من فتح الياء قوله " أمنة نعاسا يغشى "(1).

فكما اسند الفعل إلى النعاس والامنة، كذلك ههنا.

ومن قرأ بضم الياء وشدد الشين او خففها، فالمعنى واحد.

___________________________________

(1) سورة 3 آل عمران اية 154

[86]

قال الله تعالى " فأغشيناهم فهم لايبصرون "(1) وقال " فغشاها ما غشى "(2) وقال " كأنما اغشيت وجوههم "(3) وحجتهما أنه أشبه بما بعده.

لانه قال " وينزل عليكم من السماء ماء " فكما أن (ينزل) مسند إلى اسم الله كذلك " يغشي ".

و " الغشيان " لباس الشئ ما يتصل به، ومنه غشي الرجل إمرأته، فكأن النعاس قد لا بسهم بمخالطته إياهم.

و " النعاس " ابتداء حال النوم قبل الاستثقال فيه، وهو السنة، تقول: نعس ينعس نعاسا فهو ناعس. وحكى الفراء أنه سمع نعسان.

و " الامنة " الدعة التي تنافي المخافة، تقول: أمن أمنا وأمانا وأمنة.

وانتصب " أمنة " بأنه المفعول له، والعامل فيه " يغشى ".

وقوله " وينزل عليكم من السماء ماء " يعني مطرا وغيثا.

وقوله: " ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان " قال ابن عباس: معناه يذهب منكم وسوسة الشيطان، بأنه غلبكم على الماء المشركون حتى تصلوا وانتم مجنبين، لان المسلمين باتوا ليلة بدر على غير ماء، فأصبحوا مجنبين، فوسوس اليهم الشيطان، فيقول: تزعمون أنكم على دين الله وانتم على غير الماء تصلون مجنبين، وعدوكم على الماء، فأرسل الله عليهم السماء، فشربوا واغتسلوا وأذهب به وسوسة الشيطان، وكانوا في رمل تغوص فيه الاقدام، فشدده المطر حتى تثبت عليه الرجال فهو قوله " ويثبت به الاقدام ". والهاء في " به " راجعة إلى الماء.

وقال ابن زيد: يذهب بوسوسته أنه ليس لكم بهؤلاء طاقة.

وقال الجبائي: لان الاحتلام بوسوسة الشيطان.

وقوله " وليربط على قلوبكم " معناه ليشد عليها بما يسكنها وقوله " ويثبت به الاقدام " قيل في معناه قولان: أحدهما - قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وأكثر المفسرين: لتلبيده الرمل الذي لايثبت عليه القدم.

___________________________________

(1) سورة 36 يس آية 9.

(2) سورة 53 النجم آية 54.

(3) سورة 10 يونس آية 27

[87]

والثاني - الصبر الذي افرغه عليهم عند ذلك حتى ثبتوا لعدوهم - في قول ابي عبيدة والزجاج -. و " إذ " في موضع نصب على معنى وما جعله الله إلا بشرى في ذلك الوقت، ويجوز على تقدير إذكروا " إذ يغشاكم ".

قوله تعالى: إذ يوحي ربك إلى الملئكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان(12)

آية

معنى الاية اذكروا " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم " يعني بالمعونة والنصرة، كما يقال: فلان مع فلان بمعني ان معونته معه.

وذكر الفراء قال: كان الملك يأتي الرجل من اصحاب النبي صلى الله عليه واله فيقول سمعت المشركين يقولون، والله لئن حملوا علينا لنكشفن، فيحدث المسلمون بعضهم فيقوي انفسهم بذلك و " الايحاء " إلقاء المعنى إلى النفس من وجه يخفى، وقد يكون ذلك بنصب دليل يخفى إلا على من إلقي اليه من الملائكة.

وقوله " فثبتوا الذين آمنوا " قيل في معناه قولان: احدهما - احضروا معهم الحرب. والثاني - قال الحسن: قاتلوا معهم يوم بدر.

وقال قوم: معنى ذلك الاخبار بأنه لابأس عليهم من عدوهم.

وقوله " سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب " اخبار من الله تعالى انه يلقي في قلوب الكفار الرعب، وهو الخوف.

تقول: رعبته ارعبه رعبا ورعبانا، فانا راعب، وذاك مرعوب.

و " الرعب " إنزعاج النفس بتوقع المكروه.

واصل الرعب التقطيع من قولهم رعبت السنام ترعيبا: اذا قطعته مستطيلا.

[88]

والرعب يقطع حال السرور بضده من انزعاج النفس بتوقع المكروه.

وجارية رعبوبة اذا كانت شطنة مشبهة بقطعة من السنام.

ورعب السيل فهو راعب: اذا امتلا منه الوادي، لانه انقطع اليه من كل جهة.

والرعيب من الرجال النصير.

قال الراجز: ولا أجيب الرعب ان دعيت(1) وقوله " فاضربوا فوق الاعناق " قيل في معناه ثلاثة أقوال: احدها - اضربوا الاعناق - ذهب اليه عطية - وقال غيره اضربوا على الاعناق.

وقال قوم اضربوا فوق جلدة الاعناق.

وقوله " واضربوا منهم كل بنان " قال ابن جريج والضحاك والسدي: أراد بنان الاطراف من اليدين والرجلين والواحد بنانة.

ويقال: للاصبع بنانة.

واصله اللزوم من قولهم: أبنت السحابة إبنانا إذا لزمت.

وأبن بالمكان اذا لزمه فسمي البنان بنانا، لانه يلزم به ما يقبض عليه، قال الشاعر:

ألا ليتني قطعت مني بنانة *** ولا قيته في البيت يقظان حاذرا(2)

وقال الفراء: أعلمهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والايدي والارجل.

وقال الزجاج: اباح الله قتلهم بكل نوع يكون في الحرب.

و " اذ " في موضع نصب على قوله " وليربط.. اذ يوحي " ويجوز على تقدير واذكروا.

قوله تعالى: ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب(13)

آية.

أخبر الله تعالى أنه فعل بهؤلاء الكفار، ما فعل وامر بقتلهم وضرب اعناقهم وقطع بنانهم جزاء بما شاقوا الله ورسوله.

___________________________________

(1) قائله رؤبة. اللسان (رعب) ويروى (إن رقبت).

(2) قائله عباس بن مرداس اللسان والتاج (بنن) ومجاز القرآن 1 / 242

[89]

قال الزجاج: معناه جانبوا الله، اي صاروا في جانب غير جانب المؤمنين، ومثله حاربوا الله.

و " الشقاق " اصله الانفصال من قولهم: انشق انشقاقا، وشقه شقا، واشتق القوم إذا مر بينهم، وشاقه شقاقا إذا صار في شق عدوه عليه، وتشقق تشققا، وشقق تشقيقا، ومنه اشتقاق الكلام لانه انفصال الكلمة عما يحتمله الاصل.

ومعنى " شاقوا الله " شاقوا اولياء الله كما قال " ان الذين يؤذون الله ورسوله "(1).

وقوله " ومن يشاقق الله " يجوز في العربية الاظهار والادغام، فاما أن يأتي على الاصل للحاجة إلى حركة الاول، وإما ان يحرك الثاني - لالتقاء الساكنين - بالكسر. ويجوز الفتح والاول اجود مع الالف واللام لتأكد سببه.

وقوله " فان الله شديد العقاب " شدة العقاب عظمه بجنس فوق جنس أدنى منه، لان العظم على ضربين: احدهما - بالتضاعف في المرتبة الواحدة. والثاني - بالترقي إلى مرتبة بجنس يخالف الجنس الذي في ادنى مرتبة.

قوله تعالى: ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار(14)

آية.

العامل في " ذلكم " يحتمل احد وجهين: أحدهما - الابتداء على تقدير الامر " ذلكم "، قال الزجاج: من قال: إنه يرفع " ذلكم " بما عاد عليه من الهاء او بالابتداء وجعل " فذوقوه " الخبر، فقد أخطأ، لان ما بعد الفاء لايكون خبر المبتدأ لايجوز " زيد فمنطلق " ولا " زيد فاضربه " الا ان تضمر هذا كقول الشاعر:

وقائله خولان فانكح فتاتهم *** وأكرومة الحيين خلو كما هيا(2)

أي هذه خولان.

الثاني - أن يكون نصبا بذوقوا، كما تقول: زيدا فاضربه.

___________________________________

(1) سورة 33 الاحزاب آية 57.

(2) اللسان (خلا)

[90]

والكاف في قوله " ذلكم " لا موضع له من الاعراف لانه حرف خطاب، ولو كان اسما لجاز أن يؤكد بالنفس وذلك غير جائز اجماعا. والاشارة بذلك إلى ما تقدم من انواع العقوبات، وانما ضم إلى الكاف الميم، لانه خطاب للمشركين.

وقوله " فذوقوه " فالذوق طلب ادراك الطعم بتناول اليسير بالفم كما ان الشم طلب ادراك الرائحة بالانف، وليس بالادراك، لانه يقال ذقتة فلم أجد له طعما، وشممته فلم اجد له رائحة، وانما قال " فذوقوه " والذوق اليسير من الطعام، لان المعنى كونوا للعذاب كالذائق للطعام، لان معظمه بعده.

وقيل: لان الذائق أشد احساسا بالطعم من المستمر عليه، فكأن حالهم ابدا حال الذائق في شدة احساسه نعوذ بالله منه.

وقوله " وأن للكافرين " فموضع " أن " يحتمل النصب والرفع، فالرفع بالعطف على ذلكم كأنه قال " ذلكم، فذوقوه " وذلكم " ان للكافرين عذاب النار " مع ذا والنصب من وجهين: احدهما - وبان للكافرين، والاخر - واعلموا ان للكافرين، كما انشده الفراء:

تسمع للاحشاء منه لغطا *** ولليدين جسأة وبددا(1)

اي وترى لليدين وانما قدم الخبر في قوله: " وأن للكافرين " على الاسم لدلالته على الكفر الذي هو السبب للعذاب. ومرتبة السبب قبل المسبب.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار(15)

آية.

___________________________________

(1) معاني القرآن للفراء 1 / 405. (اللغط) الاصوات المبهمة، والجسأة - بضم الجيم - الخشونة والصلابة والغلظ. والبدد تباعد مابين اليدين.

[91]

هذا خطاب للذين آمنوا من بين المكلفين ناداهم الله ليقبلوا إلى امر الله بما يأمرهم به وانتهائهم عما ينهاهم عنه بالتأمل له والتدبر لموجبه ليعملوا به ويكونوا على يقين منه.

وقوله " اذا لقيتم الذين كفروا " فالالتقاء الاجتماع على وجه المقاربة لان الاجتماع قد يكون على غير وجه المقاربة، فلا يكون لقاء كاجتماع الاعراض في المحل الواحد.

و " الذين كفروا " هم الذين جحدوا نعم الله او من كان بمنزلة الجاحد. فالمشرك كافر، لانه في حكم الجاحد لنعم الله إذا عبد غيره.

وقوله " زحفا " نصب على المصدر، فالزحف هو الدنو قليلا قليلا والتزاحف التداني، زحف يزحف زحفا، وازحفت القوم اذا دنوت لقتالهم وثبت لهم، والمزحف من الشعر الذى قد تدانت حروفه على ما ابطلت وزنه.

وقوله: " فلا تولوهم الادبار " نهي لهم عن الفرار عند لقائهم الكفار وقتالهم اياهم.

قوله تعالى: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير(16)

آية

اخبر الله تعالى ان " من يولهم " يعني الكفار " يومئذ " يوم القتال " دبره فقد باء بغضب من الله ". والتولية جعل الشئ يلي غيره وهو متعد إلى مفعولين. ولاه دبره اذا جعله يليه، ومنه ولاه البلد من ولاية الامارة، وتولى هو اذا قبل الولاية واولاه نعمة، لانه جعلها تليه.

وقوله " يومئذ " يجوز اعرابه وبناؤه، فاعرابه لانه متمكن اضيف على تقدير الاضافة الحقيقية، كقولك هذا يوم ذلك، وأما البناء فلانه اضيف إلى مبني اضافة غير حقيقية، فأشبه الاسماء المركبة، وقوله " الا متحرفا لقتال " فالتحرف الزوال من جهة الاستواء إلى جهة الحرف.

[92]

تقول تحرف تحرفا، وانحرف انحرافا وحرفه تحريفا واحترف احترافا، لانه يقصد جهة الحرف لطلب الرزق، مثل ابعد في طلب الرزق، والمحارف المحدود من جهة الرزق إلى جهة الحرف.

ومنه حروف الهجاء لانها اطراف الكلمة كحرف الجبل، ونحوه.

وقوله " او متحيزا إلى فئة " فالتحيز طلب حيز يتمكن فيه، تحيز تحيزا وانحاز انحيازا وحازه يحوزه حوزا، والحيز المكان الذي فيه الجوهر.

والفئة القطعة من الناس، وهي جماعة منقطعة عن غيرها.

وذكر الفئة في هذا الموضع حسن جدا، وهو من فأوت راسه بالسيف اذا قطعته.

وفي تناول الوعيد لكل فار من الزحف خلاف.

فقال الحسن وقتادة والضحاك: انما كان ذلك يوم بدر خاصة.

وقال ابن عباس: هو عام، وهو قول ابي جعفر وابي عبدالله عليهما السلام.

ثم اخبر تعالى ان من ولي دبره على غير وجه التحرف للقتال، او التحيز إلى الفئة انه باء بغضب من الله. أي رجع بسخطه تعالى واستحقاق عقابه. وان مستقره " جهنم وبئس المصير " هي لمن صار اليها.

وقوله " متحرفا لقتال " نصب على الحال، وتقديره الا ان يتحرف لان يقاتل، وكذلك " متحيزا " نصب على الحال وتقريره حال تحيزه إلى فئة، ويجوز النصب فيهما على الاستثناء، تقديره الا رجلا متحيزا او يكون متفردا، فينحاز ليكون مع المقاتلة. واصل متحيز متحيوز فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء.

قوله تعالى: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم(17)

آية بلا خلاف.

[93]

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف " ولكن الله قتلهم.

ولكن الله رمى " بالتخفيف فيهما ورفع اسم الله فيهما.

والباقون بتشديد النون ونصب " الله ".

نفى الله ان يكون المؤمنون قتلوا المشركين يوم بدر فقال " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم " وإنما نفى القتل عمن هو فعله على الحقيقة ونسبه إلى نفسه وليس بفعل له من حيث كانت أفعاله تعالى كالسبب لهذا الفعل، والمؤدي اليه من إقداره إياهم ومعونته لهم وتشجيع قلوبهم فيه، والقاء الرعب في قلوب اعدائهم المشركين حتى خذلوا وقتلوا على شركهم عقابا لهم.

وقوله " وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى " مثل الاول في انه نفى الرمى عن النبي صلى الله عليه واله وإن كان هو الرامي وأضافه إلى نفسه من حيث كان بلطفه، واقداره. وهذه الرمية ذكر جماعة من المفسرين، كابن عباس وغيره: أن النبي صلى الله عليه واله أخذ كفا من الحصباء فرماها في وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فقسمها الله تعالى على ابصارهم، وشغلهم بأنفسهم حتى غلبهم المسلمون، وقتلوهم كل مقتل.

وقال بعضهم: ارد بذلك رمي النبي صلى الله عليه واله أبي امية بن الخلف الجمحي يوم احد فأصابه فقتله.

وقال آخرون: اراد بذلك رمية سهمه يوم خيبر، فأصاب ابن ابي الحقيق في فراشة رأسه، فقتله. والاول أشهر الاقوال. فأما تعلق من تعلق بذلك من الغلاة، بأن قال: لما قال " ولكن الله رمى " - وكان النبي هو الرامي - دل ذلك على انه هو الله تعالى، فهو جهل وقلة معرفة بوجوه الكلام لانه لو كان على ما قالوه لكان الكلام متناقضا، لانه خطاب للنبي صلى الله عليه واله بأنه لم يرم، فان كان هو الله تعالى فالى من توجه الخطاب؟ وإن توجه اليه الخطاب دل على ان الله غيره.

وأيضا فاذا كان هو الله فقد نفى عنه الرمي فاذا أضافه بعد ذلك إلى الله كان متناقضا على انه قد دلت الادلة العقلية على ان الله ليس بجسم، ولا حال في جسم، فبطل قول من قال إن الله كان حل في محمد صلى الله عليه واله وليس هذا موضع نقضه. وقد ذكرنا الكلام في ذلك واستوفيناه في الاصول.

[94]

وأما من قال: إن الفعل واجد، وهو من الله تعالى بالايجاد، ومن العبد بالاكتساب فباطل، لانه خلاف المفهوم من الكلام، ولو كان كذلك لم يجز أن ينفى عنه إلا بتقييد كما لا ينفى عن الله الا بتقييد.

وقوله " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " معناه لينعم عليهم نعمة حسنة. والمعنى ولينصرهم الله نصرا جميلا ويختبرهم بالتي هي احسن، ومعنى يبليهم - ههنا - يسدي اليهم. وقيل للنعمة بلاء وللمضرة أيضا مثل ذلك، لان أصله ما يظهر به الامر من الشكر أو الصبر، ومنه يبتلي بمعنى يختبر ويمتحن وسميت النعمة بذلك لاظهار الشكر، والضر لاظهار الصبر الذي يجب به الاجر.

وقوله " إن الله سميع عليم " معناه انه يسمع دعاء من يدعوه ويعلم ماله فيه من المصلحة فيجيبه اليه.

قوله تعالى: ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين(18)

آية.

قرأ ابن عامر وحمزة الكسائي وأبوبكر عن عاصم: " موهن " خفيفة منونة.

وقرا ابوعمرو وابن كثير ونافع شديدة.

وقرأ حفص عن عاصم خفيفة مضافة وخفض " كيد ".

وقرأ الباقون بنصب كيد.

تقول: وهن الشئ واوهنته انا كما تقول: فرح وافرحته، وخرج واخرجته فمن قرأ " موهن " مخففا فمن اوهن اي جعله واهنا، ومن شدد فمن قولهم: وهنته كما تقول خرج وخرجته وعرف وعرفته.

ومنه قوله " فما وهنوا لما اصابهم "(1) وتقول: وهن يهن مثل ومق يمق وولي يلي، وهو أيضا ينقل بالهمزة وتثقيل العين ايضا والامران جميعا حسنان، واختار الاخفش القراء‌ة بالتخفيف.

والوهن الضعف ومنه قولهم: توهن توهنا اي ضعف، ومن قال قوله " ذلكم " في موضع رفع قال الزجاج: تقديره الامر " ذلكم وأن الله " والامر ان الله.

___________________________________

(1) سورة 3 آل عمران آية 146

[95]

وقوله " ذلكم " اشارة إلى قتل المشركين ورميهم حتى انهزموا وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم وامكانهم من قتلهم واسرهم فعلنا الذي فعلناه.

ومعنى " وأن الله موهن كيد الكافرين " يضعف مكرهم حتى يذلوا ويهلكوا.

وفي فتح " أن " من الوجوه ما في قوله " ذلكم " فذوقوه، وأن للكافرين عذاب النار " - وقد بيناه - والكيد يقع بأشياء منها الاطلاع على عوراتهم، ومنها إبطال حيلتهم، ومنها إلقاء الرعب في قلوبهم، ومنها تفريق كلمتهم، ومنها نقض ما ابرموا باختلاف عزومهم.

قوله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاء‌كم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين(19)

آية

قرأ نافع وابن عامر وحفص " وان الله " بفتح الالف. الباقون بالكسر، من فتح الهمزة فوجهه " ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت " ولان الله مع المؤمنين اي لذلك لاتغني عنكم فئتكم شيئا.

ومن كسر قطعه عما قبله واستأنفه، وقوي ذلك لما روي ان في قراء‌ة ابن مسعود " والله مع المؤمنين ".

والكسر اختيار الفراء، ومن نصب فعلى ان موضعه نصب بحذف حرف الجر، ويجوز ان يكون عطفا على قوله " وأن الله موهن ". والاستفتاح طلب النصرة التي بها يفتح بلاد العدو كأنه قال ان تستنصروا على اعدائكم فقد جاء‌كم النصر بالنبي صلى الله عليه واله.

وقال الزجاج: يجوز ان يكون المراد استحكموا لان الاستفتاح الاستقضاء.

ويقال للقاضي: الفتاح، والمعنى فقد جاء‌كم الحكم من عند الله، وهو قول الضحاك وعكرمة ومجاهد والزهري، والاول قول ابن عباس وغيره، والمعنيان متقاربان.

[96]

وقيل في معنى الاية قولان: أحدهما - قال الحسن ومجاهد والزهري والضحاك والسدي والفراء: انه خطاب للمشركين لانهم استنصروا بان قالوا: اللهم اقطعنا للرحم، واظلمنا لصاحبه فانصرنا عليه روي ان ابا جهل قال ذلك. الثاني - قال ابوعلي: هو خطاب للمؤمنين والمعنى وان تعودوا إلى مثل ما كان منكم يوم بدر في الاشر والبطر بالنعمة بعد الانكار عليكم.

وقال الحسن وان تعودوا لقتال محمد صلى الله عليه واله نعد عليكم بالقتل والاسر يا معشر قريش وجماعة الكفار وان تنتهوا عن الكفر بالله العظيم ورسوله وعن قتال نبيه فهو خير لكم وانفع لكم واقرب إلى مرضاة الله.

والانتهاء ترك الفعل لاجل النهي عنه، تقول نهيته عن كذا فانتهى، وامرتة فاتمر، على فعل المطاوع وقد يطاوع بأن يقال: كسرته فانكسر، وقد يكون الانتهاء بمعنى بلوغ الغاية.

وقوله تعالى " ولن تغني عنكم فئتكم شيئا " معناه انه لن يغني عنكم جمعكم في الدفاع عنكم والنصرة - وان كانوا كثيرين - وإن الله مع المؤمنين بالنصرة لهم والمعونة.

الآية: 20 - 39

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون(20)

آية.

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين، وإنما خصهم بالخطاب، لان غيرهم بمنزلة من لايعتد به في العمل بما يجب عليه مع ما في إفراده إياهم بالخطاب من إعظام لهم واجلال ورفع من اقدارهم، وإن دخل في معناه غيرهم.

والايمان: هو التصديق بما اوجب الله على المكلف او ندبه اليه.

[97]

وقال الرماني: هو التصديق بما يؤمن من العقاب مع العمل به. امر الله تعالى المؤمنين أن يطيعوا الله ورسوله، والطاعة هي امتثال امره وموافقة إرادته الجاذبة إلى الفعل بطريق الرغبة او الرهبة، والاجابة موافقة الارادة فيما يعمل من اجلها.

وقوله " ولا تولوا عنه وانتم تسمعون " معناه ولا تعرضوا عن امره ونهيه وانتم تسمعون دعاء‌ه لكم، فنهاهم عن التولي في هذه الحال.

وقال الحسن: معناه وانتم تسمعون الحجة.

قوله تعالى: ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لايسمعون(21)

آية.

" ولاتكونوا " في موضع جزم وحذف النون دلالة على الجزم. نهى الله تعالى المؤمنين الذين خصهم بالذكر في الاية الاولى عن ان يكونوا كالذين قالوا سمعناوهم لايسمعون، وفي الكلام حذف المنهي عنه، لانه قد دل عليه من غير جهة الذكر له، وفي ذلك غاية البلاغة، والتقدير ولايكونوا في قولهم المنكر هذا " كالذين " والتشبيه على ثلاثة اوجه: أعلى وأدنى واوسط، فالاعلى هو الذي حذف معه أداة التشبيه، كقولهم للانسان: هذا الاسد، والاوسط تثبت معه مجردة كقوله " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة "(1) والادنى تأتي معه مقيدة كقولهم الجسم كالعرض في الحدوث.

ومعنى قوله " قالوا سمعنا وهم لايسمعون " معناه سمعنا سماع عالم قابل، وليسوا كذلك، وهو من صفة المنافقين في قول ابن اسحاق وابي علي.

وقال الحسن: يعني به أهل الكتاب.

وقيل: هو من صفة المشركين، فجعلوا بمنزلة من لايسمع في أنهم لم ينتفعوا بالمسموع.

___________________________________

(1) سورة 24 النور آية 39

[98]

وقال ابوعلي: هي نفي القبول من قولك سمع الله لمن حمده.

وقال الزجاج: يعني الذين قالوا " لو نشاء لقلنا مثل هذا " فسماهم الله لايسمعون لانهم استمعوا استماع عداوة وبغضاء فلم يتفهموا ولم يتفكروا فكانوا بمنزلة من لم يسمع.

وقال ابن اسحاق: أراد به الذين يظهرون الايمان ويسرون النفاق.

قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون(22)

آية بلا خلاف.

اخبر الله تعالى " إن شر الدواب عند الله الصم " والشر إظهار السوء الذي يبلغ من صاحبه وهو نقيض الخير.

وقيل الشر الضر القبيح، والخير النفع الحسن.

وقيل الشر الضر الشديد.

والخير النفع الكثير، واصل الشر الاظهار من قول الشاعر: كما اشرت بالاكف المصاحف(1) اي أظهرت، وشر الرجل يشر شرا وشروت الثوب إذا بسطته في الشمس وشرر النار ما تطاير منه لظهوره بانتشاره وتفرقه، ومنه الشر وهو ما يظهر من الضرر كشرر النار.

والدواب جمع دابة وهي مادب على وجه الارض إلا انه تخصص في العرف بالخيل دب يدب دبيبا. فبين ان هؤلاء الكفار شر مادب على الارض من الحيوان. ثم شبههم بالصم

___________________________________

(1) نسب إلى كعب بن جعيل. وقيل هولا بن الحمام المري.

وقيل لابن جهمة الاسدي راجع: وقعة صفين: 336، 411، واللسان " شرر " وروايته:

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم *** وحتى أشرت بالاكف المصاحف

واشرت - بتشديد الراء المفتوحة، مبني للمفعول - اي أظهرت بكثرة.

[99]

البكم الذين لايعقلون من حيث لم ينتفعوا بما كانوا يسمعون من وعظ الله ولا يتكلمون بكلمة الحق، والصم آفة في الاذن تمنع السمع، ثم يصم صمما وهو اصم.

وصمم على الامر إذا حقق العزم عليه وتصام عن القول إذا تغافل عنه.

وعود اصم خلاف المجوف وأصله المطابقة من غير خلل.

والبكم الخرس: الذي يولد به صاحبه لانه قد يكون لافة عارضة، وقد يكون لافة لازمة.

وقال ابوجعفر عليه السلام نزلت الاية في بني عبد الدار لم يكن اسلم منهم غير مصعب بن عمير وحليف لهم يقال له سويبط.

وقيل: نزلت الاية في النضر ابن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي.

قوله تعالى: ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون(23)

آية.

معنى الاية ان الله تعالى اخبر انه لو علم فيهم. يعني هؤلاء الكافرين انهم يصلحون بما يورده عليهم من حججه وآياته لاسمعهم إياها ولم يخلف عنهم شيئا منها وإن كان قد أزاح علتهم في التكليف بما نصب لهم من الادلة الموصلة إلى الحق، ولكنهم لايصلحون بل يتولون وهم معرضون.

وقال ابن جريج وابن زيد: لاسمعهم الحجج والمواعظ سماع تفهم.

وقال ابوعلي: لاسمعهم كلام الموتى الذين طلبوا إحياء‌هم من قصي بن كلاب وغيره وقال الزجاج: لاسمعهم جواب كل ما يسألون عنه.

والاعراض خلاف الاقبال وهو الانصراف بالوجه عن جهة الشئ والاقبال الانصراف بالوجه إلى جهته والاستماع إيجاد السماع بايجاده والتعريض له. فان الله تعالى يسمعهم بأن يوجد السماع لهم. والانسان يسمعهم بأن يعرضهم للسماع

[100]

الذي يوجدلهم، هذا على مذهب من قال: إن الادراك معنى، ومن قال: انه ليس بمعنى، فمعنى الاسماع هو ان يوجد من كلامه الدال على ما يجب أن يسمعوه لكونهم أحياء لا آفة بهم في حواسهم.

وقال الزجاج المعنى " ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم " كلما يسألون عنه ولو اسمعهم كلما يخطر ببالهم لتولوا وهم معرضون.

وقال الحسن: هو إخبار عن علمه كما قال " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه "(1).

وفي الاية دلالة على بطلان قول من يقول: يجوز ان يكون في مقدوره لطف لو فعله بالكافر لامن.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون(24)

آية.

أمر الله المؤمنين ان يجيبوا الله والرسول إذا دعاهم وان يطلبوا موافقته والاستجابة طلب موافقة الداعي فيما دعا اليه على القطع به.

وقال ابوعبيدة والزجاج: معنى استجيبوا اجيبوا.

وقال كعب بن سعد الغنوي.

وداع دعا يا من يجيب إلى الندا *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب(2)

اي لم يجبة.

والفرق بين الدعاء إلى الفعل وبين الامر به أن الامر فيه ترغيب في الفعل المأمور به، ويقتضي الرتبة.

وهي ان يكون متوجها إلى من دونه، وليس كذلك الدعاء لانه يصح من دونك لك.

___________________________________

(1) سورة 6 الانعام آية 28.

(2) مر هذا البيت في 1 / 86 و 2 / 131 و 3 / 88.

[101]

وقوله " إذا دعاكم لما يحييكم " قيل في معناه ثلاثة أقوال: احدها - دعاكم إلى احياء امركم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم، وهو قول ابن اسحاق والفراء والجبائي.

وقال البلخي: معناه لما يبقيكم ويصلحكم ويهديكم ويحيي امركم.

الثاني - معناه لما يورثكم الحياة الدائمة في نعيم الاخرة من اتباع الحق: القرآن الثالث - معناه لما يحييكم بالعلم الذي تهتدون به من اتباع الحق، والاقتداء بما فيه.

وقوله " واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه " قيل في معناه ثلاثة اقوال: احدها - ان يفرق بين المرء وقلبه بالموت او الجنون وزوال العقل. فلا يمكنه استدراك ما فات. والمعنى بادروا بالتوبة من المعاصي قبل هذه الحال.

الثاني - ان معناه بادروا بالتوبة لانه اقرب إلى المرء من حبل الوريد لايخفى عليه خافية من سره وعلانيته وفي ذلك غاية التحذير.

والثالث - تبديل قلبه من حال إلى حال لانه مقلب القلوب من حال الامن إلى حال الخوف ومن حال الخوف إلى حال الامن على ما يشاء.

وروي عن ابي عبدالله عليه السلام في معنى قوله " يحول بين المرء وقلبه " قال لايستيقن القلب أن الحق باطل أبدا ولا يستيقن أن الباطل حق ابدا. فأما من قال من المجبرة: إن المراد إن الله يحول بين المرء والايمان بعد امره إياه به فباطل، لانه تعالى لايجوز عليه أن يأمر أحدا بمايمنعه منه ويحول بينه وبينه، لان ذلك غاية السفه، تعالى الله عن ذلك.

وايضا فلا احد من الامة يقول: إن الايمان مستحيل من الكافر، فانهم وان قالوا إنه لايقدر على الايمان يقولون يجوز منه الايمان ويتوقع منه ذلك، ومن ارتكب ذلك فقد خرج من الاجماع.

[102]

ويحتمل ان يكون المراد ان امر الله بالموت يحول بين المرء وقلبه، كما قال " هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله "(1) أي أمر الله.

وقال قوم: يجوز ان يكون معناه يحول بينه وبين قلبه بان يسلبه قلبه فيبقى حيا بلا قلب وهذا قريب من معنى زوال العقل، قالوا: يجوز أن يكون المراد: انه عالم بما ينظرون اليه، وما يضمره العبد في نفسه من معصيته فهو في المعنى كأنه حائل بينه وبينه، لان العبد لايقدر على اضمار شئ في قلبه إلا والله عالم به، وهذا وجه حسن وروي في التفسير أن الله يحول بين المؤمن وبين الكفر.

والمعنى في ذلك ان الله يحول بينه وبين الكفر بالوعد والوعيد، والامر والنهي، والترغيب في الثواب والعقاب.

فأما ماروي عن سعيد بن جبير وغيره من ان الله يحول بين الكافر والايمان فقد بينا ان ذلك لا يجوز على الله.

والعقل مانع منه. ولو صح ذلك لكان الوجه فيه ان الله يحول بين الكافر وبين الايمان في المستقبل بان يميته، لانه لايجب تبقيته حتى يؤمن، بل لو ابقاه لكان حسنا، وان لم يبقه كان ايضا حسنا.

وقوله تعالى " وانه اليه تحشرون " معناه انكم تحشرون يوم القيامة للجزاء على اعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فلذلك يجب المبادرة بالطاعة والاقلاع عن المعصية بالتوبة وترك الاصرار على القبائح.

قوله تعالى: واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب(25)

آية

امر الله تعالى المكلفين من خلقه أن يتقوا فتنة لاتصيب الذين ظلموا منهم خاصة والفتنة البلية التي يظهر بها باطن امر الانسان فيها. والفتنة الهرج الذي يركب فيه

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 210

[103]

الناس بالظلم قال ابن عباس امر الله المؤمنين ان لايقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب.

وقال عبدالله: هو من قوله تعالى " إنما اموالكم وأولادكم فتنة "(1) وقال الحسن: الفتنة البلية.

وقال ابن زيد: هي الضلالة.

وقال الجبائي: هي العذاب. " لاتصيبن " فالاصابة الايقاع بالشئ بحسب الارادة، وضده الخطأ.

يقال: أصاب الغرض او أخطأه.

وقوله " لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " معناه انها تعم لان الهرج إذا وقع دخل ضرره على كل أحد. ويجوز أن يقال يخص الظالم، ولايعتد بما وقع بغيره للعوض الذي يصل إليه. ويحتمل أن يكون اراد إن هذه العقوبة على فتنتكم لاتختص بالظالمين منكم بل كل ظالم منكم كان أو من غيركم فستصيبه عقوبة ظلمه وفسقه وفتنته واراد بذلك تحذير الناس كلهم، وأنهم سواء في المعصية، وما توجبه من العقوبة ليكون الزجر عاما.

وفي دخول النون الثقيلة في " تصيبين " قولان: احدهما - قال الفراء: لانه نهي بعد أمر وفيه معنى الجزاء كقوله " يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده "(2) ومثله لاارينكم ههنا. والثاني - أن يكون خرج مخرج جواب القسم.

وقال الزجاج: يحتمل ان يكون نهيا بعد أمر وتقديره اتقوا فتنة، ثم نهى، فقال " لا تصيبن الذين ظلموا " أي لايتعرض الذين ظلموا لما ينزل معه العذاب.

ومثله قال في قوله " لا يحطمنكم " فيكون لفظ النهي لسليمان، ومعناه النمل، كما يقول القائل لاأرينك ههنا، فلفظ النهي لنفسك، والمراد لاتكون ههنا، فاني اراك.

و " الخاصة " للشئ ما كان له دون غيره ونقيضة العامة.

___________________________________

(1) سورة 8 الانفال آية 28 وسورة 64 التغابن آية 15.

(2) سورة 27 النمل آية 18

[104]

وقوله " واعلموا أن الله شديد العقاب " معناه لمن لم يتق معاصيه ولم يتبع او امره، وقال الحسن والسدي ومجاهد وابن عباس: نزلت هذه الاية في أهل الجمل.

وقال قتادة قال الزبير: لقد نزلت وما نرى ان أحدا منا يقع فيها ثم اختلفنا حتى اصابتنا خاصة.

وروي ذلك عن الزبير من جهات.

قوله تعالى: واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الارض تخافون أن يتخطفكم الناس فآويكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون(26)

آية.

الذكر ضد السهو، وهو إحضار المعنى للنفس. وإنما أمروا بالتعرض له، لان إحضار المعنى بقلوبهم ليس من فعلهم.

وقوله " إذ انتم قليل " فالقلة النقصان عن المقدار في العدد وكان اصحاب النبي صلى الله عليه واله قليلين في الاصل فلطف الله لهم حتى كثروا وعزوا، وقل اعداؤهم وذلوا وكانوا مستضعفين، فقووا.

والاستضعاف طلب ضعف الشئ بتهوين حاله.

والضعف خلاف القوة.

والاستضعاف استجلاب ضعفه بتحقير حاله، فامتن الله عليهم بذلك وبين انهم كانوا قليين فكثرهم وكانوا مستضعفين، فقواهم بلطفه.

وقوله " تخافون أن يتخطفكم الناس " فالتخطف الاخذ بسرعة انتزاع، تخطف تخطفا وخطف خطفا واختطف اختطافا، فبين انهم كانوا خائفين من ان ينال منهم العدو.

وقوله " فآواكم " اي جعل لكم مأوى حريزا ترجعون إليه وتسكنون فيه

[105]

وقال السدي " آواكم " إلى المدينة.

وقوله " وأيدكم بنصره " يعني بالانصار في قول السدي وقيل في المعني بقوله " الناس " قولان: احدهما - مشركوا قريش في قول عكرمة وقتادة.

وقال وهب بن منية يعني فارس والروم، وقوله " ورزقكم من الطيبات " أي أطعمكم غنيمتكم حلالا طيبا " لعلكم تشكرون " أي لكي تشكروه على هذه النعم المترادفة والا لاء المتضاعفة.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانا تكم وأنتم تعلمون(27)

آية.

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين ينهاهم ان يخونوا الله والرسول. والخيانة منع الحق الذي قد ضمن التأدية فيه. وهي ضد الامانة.

وأصل الخيانة ان تنقص من ائتمنك أمانته، قال زهير: بارزة الفقاوة لم تخنها * قطاف في الركاب ولاخلاء(1) أي لم تنقص من فراهتها.

والمعنى لاتخونوا مال الله الذي جعله لعباده فلا يخن بعضكم بعضا فيما ائتمنه عليه في قول ابن عباس.

وقال الحسن، والسدي: لاتخونوه كما صنع المنافقون.

وقال الجبائي: نهاهم ان يخونوا الغنائم.

وقال ابن زيد: الامانة ههنا الدين، نزلت في بعض المنافقين.

والامانة مأخوذة من الامن من منع الحق وهى حال يؤمن معها منع الحق الذي تجب فيه التأدية وقوله " وأنتم تعلمون " قيل في معناه قولان: أحدهما - وأنتم تعلمون انها امانة من غير شبهة.

___________________________________

(1) مقاييس اللغة 1 / 79

[106]

والثاني - وانتم تعلمون ما في الخيانة من الذم والعقاب بخلاف الجهال بتلك المنزلة.

وقوله: " وتخونوا " موضعه الجزم بتقدير، ولا تخونوا في قول ابن عباس وقال السدي: هو نصب على الظرف(1) أي إنكم إذا خنتم الرسول فقد خنتم أماناتكم.

قال الفراء، ومثله قول الشاعر: لاتنه عن خلق وتأت مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم(2) وحكى الفراء في بعض القراآت: " ولا تخونوا أمانتكم " وقال جابر بن عبدالله: نزلت الاية في بعض المنافقين حين انذر أبا سفيان بخروج النبي لاخذ العير.

وقال الزهري: نزلت في ابي لبابة في قصة بني قريظة وهو المروي عن أبي جعفر وابي عبدالله (عليهما السلام).

قوله تعالى: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم(28)

آية.

أمر الله تعالى المكلفين ان يعلموا ويتحققوا ان اموالهم واولادهم فتنة. وإنما يمكنهم معرفة ذلك بالنظر والفكر في الادلة المؤدية إليه، وهو ما يدعوا إليه الهوى في الاموال والاولاد، وما يصرف عنه فمن تفقد ذلك وتحرز منه نجاه من مضرته والمراد بالفتنة ههنا المحنة التي يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى او تجنبه فيخلص حاله للجزاء بالثواب او العقاب بحسب الاستحقاق.

___________________________________

(1) المقصود من الظرف كونه بعد الواو التي بمعنى (مع).

(2) قطر الندى 77 الشاهد 23 وقد مر في أماكن كثيرة من هذا الكتاب

[107]

والولد حيوان يتكون من حيوان بخلق الله له، فعلى هذا لم يكن آدم ولدا وكان عيسى ولد مريم.

والمال هو النصاب الذي تتعلق به الزكاة من ذهب او فضة او ابل او بقر او غنم عند بعض المفسرين. وأصله الكسر من العين والورق. و (العظيم) استحقاق الصفة بالغنى. فالكثير عظيم للاستغناء به عن القليل من جنسه، والقليل لا يستغنى (به) عنه.

بين الله تعالى ان الاموال والاولاد في هذه الدنيا محنة وبلاء وان الله تعالى عنده الثواب العظيم على الطاعات وترك المعاصي.

وروي عن ابن مسعود انه قال: ليس احد منكم إلا وهو مشتمل على فتنة لقوله " واعلموا أنما اموالكم واولادكم فتنة " فاسألوا الله تعالى ان يعيذكم منها.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سياتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم(29)

آية.

هذا خطاب للمؤمنين خاطبهم الله بأنهم ان يتقوا معاصيه ويمتثلوا طاعاته ويتقوا عقابه باجتناب معاصيه يجعل لهم اجرا على ذلك " فرقانا ".

وقيل في معنى الفرقان اقوال: - احدها - قال ابن زيد وابن اسحاق يجعل هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل.

وقال مجاهد: معناه يجعل لكم محرجا في الدنيا والاخرة.

وقال السدي: معناه يجعل لكم نجاة.

وقال الفراء: يجعل لكم فتحاو نصرا

[108]

وعزا كقوله: " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "(1) وقال الجبائي: يجعل لكم نصر وعزا وثوابا لكم، وعلى اعدائكم خذلانا وذلا وعقابا كل ذلك يفرق بينكم وبينهم في الدنيا والاخرة. وانما جاز الشرط في اخبار الله مع اقتضائه شك المخبر منا من حيث ان الله تعالى يعامل عباده في الجزاء معاملة الشاك للمظاهرة في العدل ولذلك جازت صفة الابتلاء والاختبار لما في ذلك من البيان ان الجزاء على ما يظهر من الفعل دون ما في المعلوم مما لم يقع منه. ثم بين انه يضيف إلى ذلك تكفير سيئاتهم وغفران ذنوبهم وسترها عليهم تفضلا منه تعالى.

وقوله " والله ذو الفضل العظيم " قيل في معناه قولان: احدهما - قال الجبائي: معناه ان من ابتدأكم بالفضل العظيم لانه كريم لنفسه لايمنعكم ما استحقيتموه بطاعاتكم له. الثاني - انه الذي يملك الفضل العظيم فينبغي ان يطلب من جهته.

قوله تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين(30)

آية.

خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله فقال: واذكر " إذ يمكر بك الذين كفروا " والمكر الفتل إلى جهة الشر في خفى وأصله الالتفاف من قول ذي الرمة.

عجزاء ممكورة خمصانة قلق *** عنها الوشاح وتم الجسم والقصب(2)

اي ملتفة.

والمكر والختل والغدر نظائر. والفرق بين المكر والغدر ان الغدر نقض العهد الذي يلزم الوفاء به، والمكر قد يكون ابتداء من غير عقد.

___________________________________

(1) سورة 8 الانفال آية 41.

(2) مقايس اللغة 4 / 133

[109]

ووصف الله تعالى بأنه ما كر يحتمل وجهين: احدهما - انه سمى الجزاء على المكر مكرا للازدواج، كقوله " الله يستهزئ بهم "(1) اي يجازيهم على الاستهزاء فيكون التقدير والله خير المجازين على المكر، ذكره الزجاج، والثاني - ان يكون على غير تضمن الحيلة لكن على اصل اللغة.

قال ابو علي: ومكره بهم حق وصواب " وهو خير الماكرين " مكرا.

وقوله " ليثبتوك " قيل في معناه قولان: احدهما - ليثبتوك في الوثاق، في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة: والثاني - قال عطا وعبدالله بن كثير، والسدي " ليثبتوك " في حبس وقال ابوعلي الجبائي: معناه ليخرجوك، يقال: اثبته في الحرب إذا جرحه جراحة ثقيلة.

وقوله " او يخرجوك " قال الفراء: او يخرجوك علي بعير تطرد به حتى تهلك او يكفيكموه بعض العرب. وهو قول ابي البختري وهشام. وكان سبب ذلك أنهم تآمروا في دار الندوة، فقال عمرو بن هشام: قيدوه تتربصون به ريب المنون.

وقال البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم.

وقال أبوجهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه بان يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربونه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فترضى حينئذ بنو هاشم بالدية فصوب إبليس هذا الرأي وخطأ الاولين وزيفهما، فاوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه واله بذلك فامره بالخروج، فخرج إلى الغار، في قول ابن عباس، ومجاهد وقتادة، وهو قوله " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ولا خلاف بين المفسرين أنه بات علي تلك الليلة، وهي الليلة التي أمر النبي صلى الله عليه واله بالخروج على فراشه إلى أن اصبح، وكانوا يحرسونه إلى الصباح، ولما طلع الفجر ثاروا اليه فاذا علي، قالوا له أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فتركوه وخرجوا في أثره.

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 15

[110]

قوله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الاولين(31)

آية.

اخبر الله تعالى عن عناد هؤلاء الكفار ومباهتتهم للحق بأنهم بلغوا في ذلك إلى رفع الحق بما ليس فيه شبهة. وهو أنه " اذا تتلى عليهم آياته " يعني القرآن قالوا " لو نشاء لقلنا مثل هذا " وقد أبان التحدي كذبهم في ذلك وتخرصهم فيه بما ظهر من عجزهم عن سورة مثله، وانما قالوا " لو نشاء لقلنا مثل هذا " ولم يجز أن يقولوا لو نشاء لقلبنا الجماد حيوانا، لانه يتموه هذا على كثير من الناس ولا يتموه ذلك، على أن قوم فرعون ظنوا أن السحرة يمكنهم قلب الجماد حيوانا.

وقوله " قد سمعنا " معناه أدركناه بآذاننا. والسماع إدراك الصوت بحاسة الاذن، ولو لم نذكر الصوت لا نتقض بالحرارة والبرودة والالام واللذة اذا ادرك بها، ولا يسمى سماعا.

وعلى هذا اذا قيل: ما الرؤية بالبصر؟ ينبغي أن يقال: هي ادراك المرئيات بها، لانه قد يدرك الحرارة والبرودة بها. فاذا قلنا المرئيات لم ينتقض بذلك.

ثم أخبر الله تعالى عن قولهم بأن قالوا ليس هذا الذي سمعناه " إلا أساطير الاولين " والاساطير جمع واحده أسطورة في قول الزجاج.

وقال غيره: هو جمع أسطر، واسطر جمع سطر، وزيدت الياء للمد، كما قالوا دراهم، وارادوا ما هذا إلا ماسطره من الاحاديث بكتبه سطرا بعد سطر.

[111]

قوله تعالى: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم(32)

آية بلا خلاف.

تقديره واذكر يا محمد إذ قال هؤلاء الكفار " إن كان هذا " القرآن " هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم " شديد مؤلم.

قال سعيد ابن جبير، ومجاهد: كان الطالب لذلك النضر بن الحارث بن كلدة لانه كان سمع سجع اهل الحيرة وكلام الرهبان، فقتله النبي صلى الله عليه واله يوم بدر صبرا فقال: يا رسول الله من للصبيه؟ قال النار وقيل عقبة بن ابي معيط، والمطعم بن عدي، قتل هؤلاء الثلاثة صبرا من جملة من أسر، وفي النضر نزل قوله " سأل سائل بعذاب واقع للكافرين "(1) يعني ما سأله ههنا. وهذا القول من قائله يجوز أن يكون عنادا، فان المعاند قد تحمله شدة عداوته للحق على اظهار مثل هذا القول. ليوهم انه على بصيرة في أمره. ويجوز أن يكون ذلك لشبهة تمكنت في نفوسهم.

وقال الجبائي: ذلك دليل على اعتقادهم خلاف الحق الذي اتى به النبي صلى الله عليه واله وهو حجة اهل المعارف، لانهم لو عرفوا بطلان ما هم عليه، لما قالوا مثل هذا القول.

فان قالوا كيف طلبوا بالحق من الله العذاب وانما يطلب به الخير والثواب؟. قلنا: لانهم قالوا ذلك على أنه ليس بحق من الله عندهم. واذا لم يكن حقا من الله لم يصبهم البلاء الذي طلبوه.

فان قيل لم قالوا " امطر علينا حجارة من السماء " والامطار لايكون إلا من السماء؟ قلنا عنه جوابان: احدهما - أن امطار الحجارة يمكن ان يكون من عل دون السماء. والثاني - ان يكون على ججة البيان ب‍ (من).

___________________________________

(1) سورة 70 المعارج آية 1 - 2

[112]

والحجارة واحد الاحجار، وهو ما صلب من الاجسام، يقال استحجر الطين إذا صلب، فصار كالحجر. واكثر ما يقال حجر للمدر، مع ذلك فالياقوت حجر ولذلك يقال الياقوت افضل الحجارة، ولا يقال الياقوت افضل الزجاج، لانه ليس من الزجاج وكل شئ من العذاب يقال امطرت ومن الرحمة يقال مطرت.

وقوله " هو " يجعل عمادا في ظننت واخواتها. ويسميه البصريون صلة زائدة وتوكيدا كزيادة (ما) ولايزاد إلا في كل فعل لا يستغنى عن خبره، وفي لغة تميم يرفع ذلك كله، فيقولون " إن كان هذا هو الحق " وكذلك قوله " ولكن كانوا هم الظالمين "(1) و " تجدوه عند الله هو خيرا واعظم اجرا "(2) كل ذلك يرفعونه. وعلى الاول ينصب ما بعدها ومثله قوله " ويرى الذين اوتوا العلم " إلى قوله " هو الحق "(3).

قوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون(33)

آية

اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله على وجه الامتنان عليه واعلامه منزلته عنده انه لايعذب احدا من هؤلاء الكفار بهذا العذاب الذي اقترحوه على وجه الفساد للحق " وانت " يا محمد " فيهم " موجود. والتعذيب تجديد الالام حالا بعد حال، لان اصله الاستمرار، فالعذب من استمرار الشئ لما فيه من الملاذ. والعذاب من استمراره لما فيه من الالام واللام في قوله " ليعذبهم " لام الجحد. واصلها لام الاضافة. وإنما دخلت في النفي

___________________________________

(1) سورة 43 الزخرف آية 76.

(2) سورة 73 المزمل آية 20.

(3) سورة 34 سبأ آية 6

[113]

ولم تدخل في الايجاب لتعلق الخبر بحرف النفي، كما دخلت الباء في خبر (ما) ولم تدخل في الايجاب. وإنما لم يعاقب الله تعالى الخلق مع كون النبي صلى الله عليه واله فيهم على سلامته مما ينزل بهم، لانه تعالى أرسله رحمة للعالمين. وذلك يقتضي ألا يعذبهم وهو فيهم.

وقوله " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " قيل في معناه أقوال: احدها - ان النبي صلى الله عليه واله لما خرج من مكة بفي فيها بقية من المؤمنين يستغفرون، وهو قول ابن عباس، وعطية، وابي مالك، والضحاك، واختاره الجبائي.

وقال آخرون: اراد بذلك لايعذبهم بعذاب الاستئصال في الدنيا، وهم يقولون يارب غفرانك. ويعذبهم على شركهم في الاخرة، وذلك عن ابن عباس في رواية أخرى، وهو قول أبي موسى، ويزيد بن رومان، ومحمد بن مبشر.

الثالث - أنهم لو استغفروا لم يعذبوا، وفي ذلك استدعاء إلى الاستغفار روي ذلك عن ابن عباس في رواية أخرى، وبه قال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد.

وقال الزجاج: معناه لايعذب الله من يؤل إلى الاسلام.

وقال الحسن وعكرمة: هذه الاية منسوخة بالتي بعدها.

قال الرماني: هذا غلط، لان الخبر لاينسخ.

[114]

قوله تعالى: وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياء‌ه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لايعلمون(34)

آية.

(ما) في قوله " وما لهم ان لا يعذبهم الله " خرجت مخرج الاستفهام ومعناه إيجاب العذاب، وجاز ذلك، لانه ابلغ في معنى الايجاب، من حيث انه لاجواب - لمن سأل عن مثل هذا - يصح في نفي العذاب، والمعنى لم لا يعذبهم وهذا فعلهم. وموضع (أن) نصب بمعنى أي شئ لهم في أن لايعذبهم، لكن لما حذف الجار عمل معنى الفعل من الاستقرار، وجاز الحذف مع (أن) ولم يجز مع المصدر لطول (أن) بالصلة اللازمة من الفعل والفاعل، وليس كذلك المصدر. وحكي عن الاخفش ان (أن) زائدة مع عملها.

وقوله " وهم يصدون عن المسجد " والصد المنع، والصد الاعراض عن الشئ من غير حيلولة بينه وبين غيره والمراد ههنا المنع.

وقوله: " وما كانوا اولياء‌ه " جمع ولي وهو الذي يستحق القيام بأمر الشئ ويكون احق به من غيره، فعلى هذا الله تعالى ولي المتقين دون المشركين.

وقال ابوجعفر عليه السلام والحسن قال المشركون: نحن اولياء المسجد، فرد الله ذلك عليهم، فقال " وما كانوا اولياء‌ه ". ثم اخبر الله تعالى " إن اولياؤه " بمعنى ليس أولياء المسجد إلا المتقون الذين يتركون معاصي الله ويجتنبونها.

وقال قوم: المعنى إن اولياء الله إلا المتقون والاول احسن: لانه مما يقتضيه الانكار.

وقيل في معنى (لا) قولان: احدهما - ان معناها الجحد اي ما لهم في الامتناع من العذاب. وقيل هي صلة، لان المعنى ايجاب العذاب، كما قال الشاعر: لو لم تكن غطفان لادنوت لها * إذن للام ذووا احسابها عمرا(1) والاول احسن، لان المعنى لم لا يعذبهم الله.

___________________________________

(1) قائله الفرزدق ديوانه 283 والخزانة 2 / 87 والطبري 5 / 302 و 13 / 519

[115]

فان قيل: كيف تجمعون بين الايتين على قول من لا ينسخ الاولى، فان في الاولى نفى ان يعذبهم الله وهم يستغفرون وفي الثانية اثبت ذلك؟ قلنا عنه ثلاثة اجوبة: احدها - ان يكون أراد وما لهم ان لايعذبهم الله في الاخرة.

والثاني - ان يكون يعني بالاولى عذاب الاستئصال كما فعل بالامم الماضية وبالثانية اراد عذاب السيف والاسر وغير ذلك ويكون قوله " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " اي انه لايعذبهم بعذاب الدنيا، والاخرة إذا تابوا واستغفروا.

الثالث - أنه لايعذبهم مادام النبي فيهم وما داموا يستغفرون وإن كانوا يستحقون العذاب بكفرهم وعنادهم.

وقوله: " ولكن اكثرهم لايعلمون " دليل على بطلان قول من قال المعارف ضرورة.

قوله تعالى: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون(35)

آية.

روى الحسين العجفي عن ابي بكر " صلاتهم " نصبا " إلا مكاء وتصدية " رفع فيها. والصواب ما عليه القراء، لان " صلاتهم " معرفة و " مكاء وتصدية " نكرة ولايجوز ان يجعل اسم كان نكرة وخبره معرفة. ومن قرأ كذلك فلان الصلاة لما كانت مؤنثة ولم يكن في كان علامة التأنيث اضاف الفعل إلى المذكور وهو " مكاء ". وهذا ليس بصحيح، لان " صلاتهم " لما كان مضافا إلى المذكر جاز ان يذكر كما ان المذكر إذا اضيف إلى المؤنث جاز ان يؤنث، نحو قولهم: ذهبت بعض اصابعه.

[116]

ومعنى الاية الاخبار من الله تعالى أنه لم تكن صلاة هؤلاء الكفار الصادين عن المسجد الحرام " إلا مكاء " لئلا يظن ظان ان مع كونهم مصلين ومستغفرين لايعذبهم الله، كما قال في الاية الاولى، فبين ان صلاتهم كانت مكاء وتصدية.

والمكاء صفير كصفير المكاء. وهو طائر يكون بالحجاز وله صفير قال الشاعر: ومكابها فكأنما يمكو بأعصم عاقل(1) وأصل المكاء جمع الريح للصفير. ويقال مكا يمكوا مكاء إذا صفر بفيه ومنه يمكوا است الدابة إذا انتفخت بالريح.

والاست: الكوة، والمكو ان يجمع الرجل يديه ثم يدخلهما في فيه ثم يصيح.

ومنه قول عنترة: وحليل غانية تركت مجدلا * تمكو فريضته كشدق الاعلم(2) اي يصفر بالريح لما طعنه والتصدية التصفيق يقال صدى يصدي تصدية إذا صفق بيديه. ومنه الصدى صوت الجبل، ونحوه. ومنه تصدى للملك إذا تعرض له ليكلمه.

وقال ابن عباس، وابن عمر، والحسن، وعطية، ومجاهد، وقتادة والسدي: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق، قال الراجز: ضنت بخد وجلت عن خد * فأنا من غرو الهوى أصدي أي اصفق بيدي تعجبا. والغرو: العجب.

وقال ابوعلي الجبائي: كان بعضهم يتصدى لبعض ليراه بذلك الفعل، وكان يصفر له.

وقال سعيد بن جبير وابن زيد: التصدية صدهم عن البيت الحرام.

وقيل: إنهم كانوا يخلطون ويشوشون بذلك على النبي صلى الله عليه واله. وإنما سمي مكاؤهم بأنه صلاة لامرين:

___________________________________

(1) مجاز القرآن 1 / 246.

(2) ديوانه: 24 من معلقته الشهيرة. واللسان (مكا) وتفسير القرطبي 7 / 400 والطبري 13 / 521.

[117]

احدهما - انهم كانوا يقيمونه فعلهم الصفير والتصفيق مقام الصلاة والدعاء والتسبيح. والاخر - انهم كانوا يعملون كعمل الصلاة مما فيه هذا.

وقوله " فذوقوا العذاب " قال الحسن، والضحاك، وابن جريج، وابن اسحاق: إن معناه عذاب السيف.

وقال ابوعلي الجبائي: يقال لهم في الاخرة " ذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " في دار الدنيا وهو قول البلخي. والمعنى باشروه وليس المراد به من ذوق الفم.

قوله تعالى: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون(36)

آية

في الكوفي والمدنيين وآيتان في البصري خاصة.

أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار بأنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله وغرضهم المنع عن سبيل الله. وسبيل الله ههنا، هو دين الله الذي أتى به محمد صلى الله عليه واله وسمي سبيل الله ههنا، لان بسلوكه واتباعه يبلغ ما عند الله، وإن لم يعلموا أنها سبيل الله لانهم قصدوا إلى الصد عنها، وهي سبيل الله على الحقيقة. ويجوز أن يقال قصد الصد عن سبيل الله، وإن لم يعلم. ولا يجوز قصد أن يصد من غير أن يعلم، لان (أن) تفسر الوجه الذي منه قصد، فلا يكون إلا مع العلم بالوجه كقولك قصد أن يكذب، وقصد الكذب من غير ان يعلم أن كذب.

[118]

وإنما قال " ينفقون " ثم قال " فسينفقونها "، لان الاول معناه ان من شأنهم ان ينفقوا للصد، والثاني - معناه انه سيقع الانفاق الذي يكون حسرة بما يرونه من الغلبة. والحسرة الغم بما انكشف من فوت استدراك الخطيئة. والاصل الكشف من قولهم حسر عن ذراعه يحسر حسرا والحاسر خلاف الدارع.

وحسر حسرة وهو حسير قال المراد: ما انا اليوم على شئ خلا * يا بنة القين تولي يحسرا(1) وكان الانفاق المذكور في الاية القائم به أبوسفيان: صخر بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الاحابيش من كنانة في قول سعيد، وابن ابرى، ومجاهد والحكم ابن عيينة.

وفي ذلك قال كعب بن مالك: وجئنا إلى موج من البحر وسطه * احابيش منهم حاسر ومقنع ثلاثة آلاف ونحن نصية * ثلاث مئين ان كثرن فأربع(2) وقال الضحاك: إنما عنى بالاية الانفاق يوم بدر.

وفي الاية دلالة على نبوة النبي صلى الله عليه واله لانه اخبر بالشئ قبل كونه فكان على ما اخبر به.

قوله تعالى: ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا في جهنم أولئك هم الخاسرون(37)

آية بلا خلاف.

___________________________________

(1) اللسان (حسر). الحسر: الندامة. والقين العبد المملوك.

(2) سيرة ابن هشام 3 / 141، طبقات فحول الشعراء: 183.

والطبري 13 / 530 ومقاييس اللغة 2 / 129

[119]

قرأ حمزة والكسائي " ليميز " مضمومة الياء مشددة، والباقون بفتح الياء خفيفا.

اخبر الله تعالى انه يحشر الكفار إلى جهنم " ليميز الخبيث " الذي هو الكافر " من الطيب " الذي هو المؤمن.

(والتمييز) هو إخراج الشئ عما خالفه مما ليس منه، وإلحاقه بما هو منه.

تقول مازه يميزه، وميزه تمييزا.

وامتاز امتيازا وانماز انميازا والخبيث الردئ من كل شئ. وضده الطيب.

ومنه خبث الحديد وخبث الفضة، وخبث الانسان خبثا، وتخبث تخبثا، وتخابث تخابثا وخبثه تخبيثا و (الطيب) المستلذ من الطعام والطيب الحلال من الرزق، والطيب من الولد الذي يفرح به والطيب نقيض الخبيث، وهو الجيد من كل شئ. وقيل المعنى ليميز الله ما انفقه المؤمنون في طاعة الله مما انفقه المشركون في معاصيه.

وقوله " ويجعل الخبيث بعضه على بعض " معناه إن الكافر يكون على اسوء حال كالمتاع والركام، هوانا، وتحقيرا، وإذلالا.

وقوله " فيركمه جميعا " معناه تراكب بعضه فوق بعضه. كالرمل الركام وهو المتراكب. ركمه يركمه ركما وتراكم تراكما وارتكم ارتكاما. ومنه قوله تعالى في صفة السحاب " ثم يجعله ركاما "(1) وقال الحسن يركمهم الله مع ما انفقوا في جهنم، كما قال " يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم "(2) ثم اخبر انه اذا ركمه جميعا يجعله في جهنم واخبر عنهم بأنهم الخاسرون نفوسهم باهلاكهم اياها بارتكاب المعاصي والكفر المؤدي إلى عذاب الابد.

___________________________________

(1) سورة 24 النور آية 43.

(2) سورة 9 التوبة آية 36

[120]

قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الاولين(38)

آية.

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله ان يقول للكفار إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف والمعنى إن انابوا عن الكفر والمعاصي وتابوا منها توبة خالصة، لان الكف عن المعاصي مع الاصرار لايوجب الغفران. وإنما اطلق الوعد في الاية بالانتهاء عن المعصية، لان الانتهاء عنها لايكون مع الاصرار عليها، لان الاصرار معصية.

وقوله " وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين " معناه وان يعودوا، ويرجعوا إلى المعصية " فقد مضت سنة الاولين " في تعجيل العقاب لهم في الدنيا بعذاب الاستئصال وما جرى مجراه من الاسر والقتل، يوم بدر، وبالنصر من الله، من قول الحسن ومجاهد، والسدي.

والسلوف: التقدم، تقول سلف يسلف سلوفا واسلف إسلافا وتسلف تسلفا وسلفه تسلفا وتسليفا واستسلف استسلافا، والسالفة اعلى العنق، والسلافة اخلص الخمر واجودها.

والسلفان المتزوجان باختين والسنة الطريقة التي يجري عليها الامر، ومنه قولهم هذا مستمر على سنن واحد.

الآية: 40 - 59

قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فان الله بما يعملون بصير(39) وإن تولوا فاعلموا أن الله مولكم نعم المولى ونعم النصير(40)

آيتان.

أمر الله تعالى بهذه الاية نبيه صلى الله عليه واله والمؤمنين ان يقاتلوا الكفار " حتى لاتكون فتنة " وهي الكفر من غير اهل العهد، وما جرى مجراه من البغي، لانهم يدعون الناس إلى مثل حالهم بتعززهم على اهل الحق وتطاولهم فيفتنونهم في دينهم.

[121]

وقال ابن عباس، والحسن: معناه حتى لايكون شرك.

وقال ابن اسحاق حتى لايفتن مؤمن عن دينه.

والفرق بين قوله " حتى لايكون فتنة " وبين قوله حتى لايكون كفر هو ان الذليل والاسير والشريد لايفتن الناس في دينهم لان الذل لايدعوا إلى حال صاحبه كما يدعو العز.

وقوله " ويكون الدين كله لله " معناه ان يجمع اهل الباطل وأهل الحق على الدين الحق فيما يعتقدونه ويعملون به، فيكون الدين كله حينئذ لله بالاجتماع على طاعته وعبادته، والدين ههنا الطاعة بالعبادة.

وقوله " فان انتهوا فان الله بما تعملون بصير " معناه فان رجعوا عن الكفر وانتهوا عنه فان الله يجازيهم مجازاة البصير بهم وبأعمالهم باطنها وظاهرها لايخفى عليه شئ منها.

وقوله " وإن تولوا فاعلموا ان الله مولاكم " قيل في معناه قولان: احدهما - وان تولى هؤلاء الكفار واعرضوا عن الدين الحق واتباعه فثقوا بالله وتذكروا ما وعدكم به ايها المؤمنون تسكينا لنفوسهم وتمكينا للحق عندهم. والثاني - فاعلموا ان الله ينصركم عليهم على طريق الامر بعلم هذا ليكونوا على بصيرة في ان الغلبة لهم وقوله " وإن تولوا " شرط.

وقوله " فاعلموا أن الله " امر في موضع الجواب، وإنما جاز ذلك لان فيه معنى الخبر، فلم يخرج من ان يجب الثاني بالاول، كأنه قال فواجب عليكم العلم بأن الله مولاكم او فينبغي ان تعلموا ان الله مولاكم. والمولى ههنا هو الناصر. وهو الذي يوليكم عن الغلبة.

والمولى على اقسام بمعنى الناصر وبمعنى الحليف، وبمعنى المعنق والمعتق. وبمعنى الاولى والاحق كما قال لبيد: فقدت كلا الفرحين يحسب انه * مولى المخافة خلفها وامامها(1)

___________________________________

(1) مقاييس اللغة 2 / 212

[122]

ومنه قول النبي صلى الله عليه واله " ايما امراة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل "، اي من هو اولى بالعقد عليها.

وقال الاخطل يمدح عبد اللملك بن مروان: فاصبحت مولاها من الناس كلهم * واحرى قريش ان تهاب وتحمدا(1) وقال ابوعبيدة: ومنه قوله " النار مولاهم " معناه الاولى بهم واستشهد ببيت لبيد المتقدم ذكره.

وقد استوفينا اقسام مولى في غيره هذا الموضع(2) فلا نطول بذكره ههنا.

والتولي عن الدين هو الذهاب عنه إلى خلافه وهو والاعراض بمعنى واحد والتولي في الدين هو الذهاب إلى جهة الحق ومتابعة النبي صلى الله عليه واله والنصرة له والمعونة له.

قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فان الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى المساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير(41)

آية.

الغنيمة ما اخذ من اموال اهل الحرب من الكفار بقتال. وهي هبة من الله تعالى للمسلمين. والفئ ما اخذ بغير قتال في قول عطا بن السائب، وسفيان الثوري وهو قول الشافعي، وهو المروي في اخبارنا.

وقال قوم: الفئ والغنيمة واحد.

وقالوا هذه الاية ناسخة للتي في الحشر من قوله " ما افاء الله على رسوله من اهل القرى، فلله وللرسول ولذي

___________________________________

(1) مر هذا البيت في 3 / 187.

(2) في 3 / 186، 187.

[123]

القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل "(1) لانه بين في هذه الاية ان الاربعة اخماس للمقاتلة. وعلى القول الاول لايحتاج إلى هذا، وعند اصحابنا ان مال الفئ للامام خاصة يفرقه فيمن شاء بعضه في مؤنة نفسه وذوي قرابته. واليتامى والمساكين وابن السبيل من اهل بيت رسول الله ليس لسائر الناس فيه شئ.

واما خمس الغنيمة، فانه يقسم عندنا ستة اقسام: فسهم الله، وسهم لرسوله للنبي، وهذان السهمان مع سهم ذي القربى، للقائم مقام النبي صلى الله عليه واله ينفقها على نفسه وأهل بيته من بني هاشم، وسهم لليتامى: وسهم للمساكين: وسهم لابناء السبيل من أهل بيت الرسول لايشركهم فيها باقي الناس لان الله تعالى عوضهم ذلك عما اباح لفقراء المسلمين ومساكينهم وابناء سبيلهم من الصدقات إذا كانت الصدقات محرمة على أهل بيت الرسول عليهم السلام وهو قول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن على الباقر ابنه عليهم السلام رواه الطبري باسناده عنهما.

وقال الحسين بن علي المغربي حاكيا عن الصابوني من اصحابنا، إن هؤلاء الثلاثة فرق لايدخلون في سهم ذي القربى وإن كان عموم اللفظ يقتضيه، لان سهامهم مفردة، وهو الظاهر من المذهب.

والذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبدالمطلب، لان هاشما لم يعقب إلا منه: من الطالبيين والعباسيين والحارثيين واللهبيين، فاما ولد عبد مناف من المطلبيين، فلا شئ لهم فيه، وعند اصحابنا الخمس يجب في كل فائدة تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه. ويمكن الاستدلال على ذلك بهذه الاية، لان جميع ذلك يسمى غنيمة.

وقال ابن عباس، وابراهيم، وقتادة، وعطا: الخمس يقسم خمسة أقسام فسهم الله وسهم الرسول واحد.

وقال قوم: يقسم أربعة أقسام سهم لبني هاشم وثلاثة للذين ذكروا بعد ذلك من سائر المسلمين، ذهب اليه الشافعي.

___________________________________

(1) سورة 59 الحشر آية 7

[124]

وقال اهل العراق: يقسم الخمس ثلاثة اقسام، لان سهم الرسول صرفه الائمة الاربعة إلى الكراع والسلاح.

وقال مالك: يقسم على ما ذكره الله. ويجوز للامام ان يخرج عنهم حسب ما يراه وإنما جاء على طريق الاولى في بعض الاحوال.

وقال ابوالعالية - وهو رجل من صالحي التابعين - يقسم ستة اقسام، فسهم الله للكعبة، والباقي لمن ذكر بعد ذلك.

وقال ابن عباس ومجاهد: ذو القربى هم بنو هاشم، وقد بينا نحن ان المراد بذي القربى اهل بيت النبي صلى الله عليه واله: وبعد النبي القائم مقامه، وبه قال علي بن الحسين عليه السلام وروى جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه واله انهم بنو هاشم، وبنوا المطلب واختاره الشافعي وقال الحسن وقتادة: سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى لولي الامر من بعده وهو مثل مذهبنا.

وقال ابوعلي الجبائي: إن الائمة الاربعة جعلوا سهم الرسول وذي القربى في الكراع والسلاح واجمعوا على ان سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل شائع في الناس بخلاف ما قلناه.

واليتيم من مات أبوه وهو صغيرقبل البلوغ.

وكل حيوان يتيم من قيل أمه إلا ابن آدم، فانه من قبل ابيه.

واما ابن السبيل، فهو المنقطع به في سفره.

وإنما قيل ابن السبيل بمعنى اخرجه إلى هذا المستقر، كما يخرجه ابوه من مستقره لقي محتاجا.

والمسكين المحتاج الذي من شأنه ان تسكنه الحاجة عما ينهض به الغنى.

وقوله " فأن الله خمسه " قيل في فتح (ان) قولان: احدهما - فعلى ان لله خمسه وحذف حرف الجر فنصب. الثاني - انه عطف على (ان) الاولى وحذف خبر الاولى لدلالة الكلام عليه، وتقديره اعلموا ان ما غنمتم من شئ يجب قسمته واعلموا ان لله خمسه.

قال الفراء: إنه جزاء بمنزلة " الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا "(1) قال الرماني: هذا غلط لان (ان) لاتدخل على الجزاء إلا مع العماد، كما لاتدخل (ان) إلا على هذا الوجه.

[125]

وقوله " إن كنتم آمنتم بالله واما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " معناه اعلموا أنما غنمتم من شئ لهؤلاء الذين ذكرناهم ان كنتم مؤمنين بالله مصدقين له في اخباره وما انزله على عبده محمد صلى الله عليه واله من القرآن.

وقال الزجاج يجوز ان يكون قوله " إن كنتم آمنتم بالله " متعلقا بقوله " فاعلموا ان الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير. ان كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان " اي فايقنوا ان الله ناصركم إذ كنتم شاهدتم من نصره ما شاهدتم.

ومعنى " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " يوم بدر وسمي يوم الفرقان لانه تميز اهل الحق مع قلة عددهم من المشركين مع كثرة عددهم بنصر الله المؤمنين.

وقيل كان يوم السابع عشر من شهر رمضان وقيل التاسع عشر، سنة اثنتين من الهجرة؟ وهو المروي عن ابي عبدالله عليه السلام ثم قال " والله على كل شئ قدير " اي هو قادر على مجازاة من اطاعه بجزيل الثواب، وعلى عقاب من عصاه بأليم العذاب.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21404056

  • التاريخ : 20/04/2024 - 04:23

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net