00989338131045
 
 
 
 
 
 

  سورة البقرة ( من آية 181 ـ 196) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن (الجزء الثاني)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

قوله تعالى: فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم(181)

آية بلا خلاف.

الهاء في قوله: " فمن بدله " عائدة على الوصية: وإنما ذكر حملا على المعنى، لان الايصاء والوصية واحد.

والهاء في قوله: " فانما إثمه " عائدة على التبديل الذي دل عليه قوله: " فمن بدله ".

وقال الطبري: الهاء تعود على محذوف، لان عودها على الوصية المذكورة لا يجوز، لان التبديل إنما يكون لوصية الموصي. فأما أمر الله عزوجل بالوصية، فلا يقدر هو، ولا غيره أن يبدله.

قال الرماني: وهذا باطل، لان ذكر الله الوصية إنما هو لوصية الموصي، فكأنه قيل: كتب عليكم وصية مفروضة عليكم، فالهاء تعود إلى الوصية المفروضة التي يفعلها الموصي.

قوله تعالى: " فمن بدله " فالتبديل: هو تغيير الشئ عن الحق فيه. فأما البدل، فهو وضع شئ مكان آخر. ومن أوصى بوصية في ضرار فبدلها الوصي، لايأثم.

وقال ابن عباس: من وصى في ضرار لم تجز وصيته لقوله " غير مضار "(1).

والوصي إذا بدل الوصية لم ينقص من أجر الموصي شئ، كما لو لم تبدل، لانه لايجازى أحد على عمل غيره، لكن يجوز أن يلحقه منافع الدعاء، والاحسان الواصل إلى الموصى له، على غير وجه الاجر له، لكن على وجه الجزاء لغيره ممن وصل إليه ذلك الاحسان، فيكون ما يلحق المحسن إليه من ذلك أجرا له، يصح

___________________________________

(1) سورة النساء آية: 11.

[111]

بما يصل إلى المحسن إليه من المنفعة. وفي الاية دلالة على بطلان مذهب من قال: إن الطفل يعذب بكفر أبويه، لان الله تعالى بين وجه العدل في هذه. وقياس العدل في الطفل ذلك القياس، فمن هناك دل على الحكم فيه. وفيها ايضا دلالة؟ بطلان قول من يقول: إن الوارث اذا لم يقبض دين الميت أنه يؤخذ به في قبره أو في الاخرة، لما قلنا من أنه دل على أن العبد لا يؤآخذ بجرم وغيره وأن لا إثم عليه بتبديل غيره. وكذلك لوقضى عنه الوارث من غير أن يوصي به الميت لم يزل عقابه بقضاء الوارث عنه إلا أن يتفضل باسقاطه عنه.

وقوله تعالى: " إن الله سميع عليم " معناه سميع لما قاله الموصى من العدل، أو الجنف، عليم بما يفعله الوصي من التبديل أو التصحيح، فيكون ذكر ذلك داعيا إلى طاعته.

قوله تعالى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم(182)

آية بلا خلاف.

القراء‌ة: قرأ ابن كثير، ونافع، وأبوعمرو، وابن عامر، وحفص وعن عاصم " موص " بالتخفيف. الباقون بالتشديد. وهما لغتان: وصى، وأوصى بمعنى واحد.

المعنى: فان قيل: كيف قال " فمن خاف من موص " لما قد وقع، والخوف إنما يكون لما لم يقع؟ قيل فيه قولان:

أحدهما - إنه خاف أن يكون قد زل في وصيته، فالخوف للمستقبل، وذلك الخوف هو أن يظهر مايدل على أنه قد زل، لانه من جهة غالب الظن.

الثاني - لما اشتمل على الواقع، وما لم يقع جاز فيه " خاف " ذلك فيأمره بما فيه الصلاح، وما وقع رده إلى العدل بعد موته. والجنف: الجور، وهو الميل عن الحق.

[112]

وقال الحسن: هو أن يوصي من غير القرابة، قال: فمن أوصى لغير قرابته رد إلى أن يجعل للقرابة الثلثان، ولمن أوصى له الثلث. وهذا باطل عندنا، لان الوصية لايجوز صرفها عن من وصي له.

وإنما قال الحسن ذلك لقوله إن الوصية للقرابة واجبة. وعندنا إن الامر بخلافه على ما بيناه.

اللغة: وقال صاحب العين: الجنف: الميل في الكلام والامور كلها.

تقول: جنف علينا فلان، وأجنف في حكمه، وهومثل الحيف إلا ان الحيف من الحاكم خاصه، والجنف عام، ومنه قوله تعالى: " غير متجانف "(1) أى متمايل: متعمد.

ورجل أجنف: في أحد شقيه ميل على الاخر.

وقال ابن دريد: جنف يجنف جنفا إذا صد عن الحق وأصل الباب: الميل عن الاستواء.

وقال الشاعر في الجنف:

هم المولى وإن جنفوا علينا *** وإنا من لقائهم لزور(2)

المعنى: واذا جنف الموصي في وصيته، فللوصي أن يردها إلى العدل، وهو المروي عن أبي عبدالله (ع).

وبه قال الحسن، وقتادة، وطاووس.

وقال قوم، واختاره الطبري: ان قوله " فمن خاف من موص " في حال مرضه الذي يريد أن يوصي فيه، ويعطي بعضا، ويضر ببعض، فلا إثم أن يشير عليه بالحق، ويرده إلى الصواب ويسرع في الاصلاح بين الموصي، والورثة، والموصى له حتى يكون الكل راضين،

___________________________________

(1) سورة المائدة آية: 3.

(2) قائله عامر الخصفي، من بني خصفة، ابن قيس عيلان، مجاز القرآن لابي عبيدة: 66، 67، ومشكل القرآن: 119، واللسان (جنف) (ولي).

قوله: هم المولى: أي هم أبناء عمنا، أقام المفرد مقام الجمع، أراد الموالي.

وان جنفوا: وان جاروا ومالوا عن الحق.

والزور: جمع أزور، وهو الغضب والانحراف.

يقول: هم أبناء عمنا وان مالوا عن الحق وانا لنكره لقاء‌هم.

[113]

ولا يحصل جنف، ولاظلم، ويكون قوله " فأصلح بينهم " يريد فيما يخاف من حدوث الخلاف فيه - فيما بعد - ويكون قوله " فمن خاف " على ظاهره، فيكون مترقبا غير واقع. وهذا قريب ايضا، غير أن الاول أصوب، لان عليه أكثر المفسرين، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع). وإنما قيل للمتوسط بالاصلاح ليس عليه إثم ولم يقل فله الاجر على الاصلاح، لان المتوسط إنما يجري أمره في الغالب على أن ينقص صاحب الحق بعض حقه بسوآله إياه، فاحتاج إلى ان يبين الله لنا أنه لا إثم عليه في ذلك اذا قصد الاصلاح.

والذي اقتضى قوله " غفور رحيم " انه اذا كان يغفر المعصية، فانه لا يجوز أن يوآخذ بما ليس بمعصية مما بين أنه لا إثم عليه. والضمير في قوله " بينهم " عائد على معلوم بالدلالة عليه عند ذكر الوصي، والاصلاح، لانه قد دل على الموصى لهم ومن ينازعهم وأنشد الفراء - في مثل " فأصلح بينهم ".

أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر

ويصم عما كان بينهما *** سمعي وما بي غيره وقر(1)

أراد بينهما وبين زوجها، وإنما ذكرها وحدها، وأنشد أيضا:

وما أدري إدا يممت وجها *** أريد الخير أيهما يليني

هل الخير الذي أنا أبتغيه *** أم الشر الذي لا يأتليني(2)

فكنى في البيت الاول عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده.

وقيل: بل يعود

___________________________________

(1) أمالي الشريف المرتضى 1: 34، 123.

أعمى: أي أغض بصري. والضمير في بينهما عائد على الزوج والزوجة. يقول لا أنظر إلى جارتي الا وهي متسرة ولا أبوح بسرها مع زوجها وكل ما أسمعه منهما فأجعل نفسي كأني لم أسمعه.

(2) لم أجد هذين البيتين فيما حضرني من المصادر. في المطبوعة " هل " ساقطة. " أنهما " بدل " أيهما ".

[114]

على مذكور، هم الوالدان والاقربون. والضمير في قوله " فلا إثم عليه " عائد على الوصي - في قول الحسن - ويجوز أن يعود على المصلح المذكور في (من).

وقوله تعالى: " جنفا " وإنما يريد بالجنف: الميل عن الحق عن جهة الخطأ، لانه لا يدري أنه لايجوز، والاثم: أن يتعمد ذلك، وهو معنى قول ابن عباس، والحسن، والضحاك، والسدي.

وروي ذلك عن أبي جعفر.

والجنف في الوصية: أن يوصي الرجل لابن ابنته، وله أولاد. أويوصي لزوج بنته، وله أولاد، فلا يجوز رده على وجه عندنا. وخالف فيه ابن طاووس، وكذلك إن وصى للبعيد دون القريب لاترد وصيته. وخالف فيه الحسن.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تهتدون(183)

آية بلا خلاف.

هذه الاية ظاهرها يتوجه إلى من كان على ظاهر الايمان. فأما الكافر، فلا يعلم بهذا الظاهر أنه مخاطب بالصيام.

وقوله " كتب " معناه فرض على ما بيناه. فميا مضى.

اللغة: والصيام، والصوم: مصدر صام يصوم صوما قال النابغة:

خيل صيام وخيل غير صائمة *** تحت العجاج وخيل تعلك اللجما(1)

وقال صاحب العين: الصوم، والصمت واحد كقوله تعالى " إني نذرت الرحمن صوما " أي صمتا. والصوم قيام بلا عمل صام الفرس على أريه: اذا لم يعلف.

___________________________________

(1) ديوانه: 106 " ملحق "، واللسان " صوم "، " يملك " وهو من قصيدته الشهيرة التي أولها: بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما

[115]

وصامت الريح: اذا ركدت. وصامت الشمس: حين تستوي في منتصف النهار. وصامت الفرس: موقفه.

والصوم ذرق النعام. والصوم: شجر. وأصل الباب: الامساك، فالصوم: الصمت، لانه إمساك عن الكلام.

المعنى: والصوم في الشرع هو الامساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص ممن هوعلى صفات مخصوصة في زمان مخصوص. ومن شرط انعقاده النية.

وقوله " كما كتب على الذين من قبلكم " قيل فيه ثلاثة أقوال.

أحسنها: انه كتب عليكم صيام أيام، كما كتب عليهم صيام أيام. وهو اختيار الجبائي، وغيره، ويكون الصيام رفعا، لانه ما لم يسم فاعله، ويكون موضع (كما) نصب على المصدر.

والمعنى فرض عليكم فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم. ويحتمل أن يكون نصبا على الحال من الصيام. وتقديره كتب عليكم مفروضا أي في هذه الحال.

والثاني - ما قاله الشعبي، والحسن: انه فرض علينا شهر رمضان كما فرض شهر رمضان على النصارى. وإنما زادوا فيه وحو لوه إلى زمان الربيع.

والثالث - ما قاله الربيع، والسدي: إنه كان الصوم من العتمة إلى العتمة لا يحل بعد النوم مأكل، ولامشرب، ولا منكح، ثم نسخ. والاول هو المعتمد. وقال مجاهد. وقتادة: المعني بالذين من قبلكم أهل الكتاب.

وقوله " لعلكم تهتدون " أي لعلكم تتقون المعاصي بفعل الصوم - في قول الجبائي - وقال السدي: لتتقوا ماحرم عليكم من المأكل والمشرب.

وقالت فرقة: معناه لتكونوا أتقياء بما لطف لكم في الصيام، لانه لو لم بلطف به لم تكونوا أتقياء.

وإنما قلنا: الاول هم المعتمد، لانه يصح ذلك في اللغة، إذا كان فرض عليهم صيام أيام كما علينا صيام أيام وإن اختلف ذلك بالزيادة والنقصان.

[116]

قوله تعالى: أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون(184)

آية واحدة بلا خلاف.

القراء‌ة: قرأ ابن عامر، ونافع " فدية طعام مساكين " على إضافة الفدية وجمع المساكين. الباقون " فدية؟ " طعام مسكين " على التوحيد. والقراء‌تان متقاربتا المعنى، لان المعنى لكل يوم يفطر طعام مسكين. والقراء‌تان يفيدان ذلك.

الاعراب: قوله تعالى: " أياما معدودات " منصوب بأحد شيئين: أحدهما - على الظرف، كأنه قيل: الصيام في أيام معدودات. وهو الذي اختاره الزجاج.

الثاني - أن يكون قد عدي الصيام إليه كقولك: اليوم صمته.

وقال الفراء: هو مفعول ما لم يسمى فاعله كقولك: أعطي زيد المال.

وخالفه الزجاج، قال، لانه لايجوز رفع الايام، كما لايجوز رفع المال. وإذا كان المفروض في الحقيقة هو الصيام دون الايام، فلا يجوز ما قاله الفراء إلا على سعة في الكلام.

وقال عطا، وقتادة: الايام المعدودات كانت ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ.

وكذلك روي عن ابن عباس.

وقال ابن أبي ليلى: المعني به شهر رمضان وإنما كان صيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا.

وقوله تعالى: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ارتفع عدة على الابتداء، وتقديره فعليه عدة من أيام أخر.

وروي عن أبي جعفر (ع) أن شهر رمضان كان صومه واجبا على نبي دون أمته. وإنما أوجب على أمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله فحسب.

وإنما قال " أخر " ولا يوصف بهذا الوصف إلا جمع المؤنث التي كل واحدة أنثى - والايام جمع يوم وهو مذكر - حملا له على لفظ الجمع، لان الجمع يؤنث كما يقال جائت الايام ومضت الايام. و " أخر " لايصرف، لانه

[117]

معدول عن الالف واللام، لان نظائرها من الصغر والكبر لايستعمل إلا بالالف واللام، لايجوز نسوة صغر، ويجوز في العربية " فعدة " على معنى، فليعد عدة من أيام أخر بدلا مما افطر.

المعنى: وهذه الاية فيها دلالة على أن المسافر، والمريض يجب عليهما الافطار، لانه تعالى أوجب عليهما مطلقا، وكل من أوجب القضاء بنفس السفر والمرض أوجب الافطار وداود أوجب القضاء، وخير في الافطار، فان قدروا في الاية فأفطر، كان ذلك خلاف الاية، وبوجوب الافطار في السفر قال عمر بن الخطاب، وعبدالله ابن عمر، وعبدالله بن عباس، وعبدالرحمن بن عوف، وأو هريرة، وعروة ابن الزبير، وأبوجعفر محمد بن علي بن الحسين، وروى سعيد بن جبير عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: قال: الافطار في السفر عزيمة.

وروى يوسف ابن الحكم، قال: سألت ابن عمر عن الصوم في السفر قال: أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ألا تغضب، فانها صدقة من الله تصدق بها عليكم، وروى عبدالملك بن حميد قال قال أبوجعفر: كان أبي لا يصوم في السفر وينهى عنه، وروي عن عمر، أن رجلا صام في السفر، فأمره أن يعيد صومه، وروى عطا عن المحرز بن أبي هريرة قال: كنت مع أبي في سفر في شهر رمضان، فكنت أصوم ويفطر، فقال أبي أما أنك اذا أقمت قضيت، وروى عاصم مولى قومه: أن رجلا صام في السفر فأمره عروة أن يقضي، وروى الزهري عن أبى سلمة بن عبدالرحمن ابن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.

وروي عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وآله قدم المدينة، فكان يصوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ ذلك بشهر رمضان في قوله: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " واختار الطبري هذا الوجه قال، لانه لم ينقطع العذر برواية صحيحة أنه كان هاهنا صوم متعبد به فنسخه الله بشهر رمضان.

[118]

اللغة: وأصل السفر الكشف تقول: سفر يسفر سفرا: اذا كشف. وأسفر لونه إسفارا، وانسفرت الابل: اذا انكشفت داهية انسفارا. وسافر سفرا، وسفرت الريح السحاب إذا قشعته.

قال العجاج: سفر الشمال الزبرج المزبررجا(1) الزبرج السحاب الرقيق، ومنه السفر، لانه يظهر به مالم يكن ظهر، وينكشف به مالم يكن انكشف، والسفرة طعام السفر، وبه سميت الجلدة التي يحمل فيها الطعام سفرة، والمسفرة: المكنسة، والسفير الداخل بين اثنين للصلح، والسفير: ورق الشجر إذا سقط، وسفر فلان شعره اذا استأصله عن رأسه، ومنه قوله تعالى: " وجوه يومئذ مسفرة "(2) أي مشرفة مضيئة " والصبح اذا أسفر "(3) اذا أضاء.

والاسفار جمع سفر " بايدي سفرة "(4) أي كتبة.

وقوله تعالى: " وعلى الذين يطيقونه " يقال: طاق يطوق طوقا وطاقة وهي القوة، وأطاقة إطاقة ايضا إذا قوي عليه، وطوقه تطويقا: ألبسه الطوق، وهو معروف من ذهب كان أو فضة كأنه يكسيه قوة بما يعطيه من الجلالة، وكل شئ استدار فهو طوق، كطوق الرحا الذي يدير القطب مشبه بالطوق المعروف في الصورة، وتطوقت الحية على عنقها: أي صارت كالطوق فيه، والطاقة: شعبة من ريحان أو شعر ونحو ذلك، والطاق: عقد البناء حيث ما كان، والجمع الاطواق، وذلك لقوته. وطوقه الامر إذا جعله كالطوق في عنقه.

المعنى: قال الحسن وأكثر أهل التأويل: إن هذا الحكم كان في المراضع، والحوامل، والشيخ الكبير، فنسخ من الاية المراضع، والحوامل وبقى الشيخ الكبير.

___________________________________

(1) اللسان (سفر)، (زبرج). سفر: كشف. الشمال: ريح الشمال. الزبرج - بكسر الزاء وسكون الباء وكسر الراء -: السحاب الرقيق فيه حمرة، وقيل: النمر بسواد وحمرة في وجهه. وقيل: هو الخفيف الاحمر.

(2) سورة عبس آية: 38.

(3) سورة المدثر آية: 34.

(4) سورة عبس آية 15.

[119]

وقال أبوعبدالله (ع) ذلك في الشيخ الكبير يطعم لكل يوم مسكينا.

منهم من قال: نصف صاع وهم أهل العراق.

وقال الشافعي: مد عن كل يوم.

وعندنا إن كان قادرا فمدان، وإن لم يقدر إلا على مد أجراه.

وقال السدي: لم ينسخ، وإنما المعنى وعلى الذين كانوا يطيقونه.

وقوله تعالى: " فمن تطوع خيرا " يعني أطعم أكثر من مسكين في قول ابن عباس، وعمل برا في جميع الدين في قول الحسن، وهو أعم فائدة.

ومنهم من قال: من جمع بين الصوم، والصدقة ذهب إليه ابن شهاب: والهاء في قوله يطيقونه - عند أكثر أهل العلم - عائدة على الصوم، وهو الاقوى، وقال قوم: عائدة على الفداء، لانه معلوم وإن لم يجر له ذكر.

والمعني بقوله " الذين يطيقونه " قيل فيه ثلاثة أقوال: أولها - أنه سائر الناس من شاء صام، ومن شاء أفطر وافتدى لكل يوم إطعام مسكين حتى نسخ ذلك - في قول ابن عباس، والشعبي.

الثاني - قال الحسن وعطا: إنه في الحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، فنسخ من الاية الحامل، والمرضع، وبقى الشيخ الكبير.

وقال السدي: إنه فيمن كان يطيقه إذا صار إلى حال العجز عنه.

" ومن " في قوله: " فمن تطوع " الظاهر، والاليق أنها للجزاء. ويحتمل أن تكون بمعنى الذي.

وما روي في الشواذ من قراء‌ة من قرأ " يطوقونه " قيل فيه قولان: أحدهما - يكلفونه على مشقة فيه، وهم لا يطيقونه لصعوبته. الثاني - أن يكون معناه يلزمونه، وهم الذين يطيقونه، فيؤول إلى معنى واحد.

ومن قرأ " فدية طام مساكين " على إضافة الفدية، وجمع المساكين: عن ابن عامر ونافع، فان معنى قراء‌ته تؤول إلى قراء‌ة من ينون " فدية طعام مسكين "،

[120]

لان المعنى: لكل يوم يفطر طعام مسكين.

والاول يفيد هذا ايضا، لانه إذا قيل: إطعام مساكين للايام بمعنى لكل يوم مسكين، صار المعنى واحدا. وفي الاية دلالة على بطلان قول المجبرة: إن القدرة مع الفعل، لانه لو كانت الاستطاعة مع الفعل الذي هو الصيام، لسقطت عنه الفدية - لان إذا صام لم يجب عليه فدية.

وقوله: " وإن تصوموا خير لكم " رفع (خير)، لانه خبر المبتدا. وتقديره وصومكم خير لكم، كأن هذا مع جواز الفدية، فأما بعد النسخ، فلا يجوز أن يقال: الصوم خير من الفدية مع أن الافطار لا يجوز أصلا.

قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون(185)

آية واحدة بلا خلاف.

القراء‌ة: يقرأ أبوبكر عن عاصم " ولتكلموا " بتشديد الميم. الباقون بتخفيفها.

قال أبوالعباس: أكملت وكملت بمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة.

ومن قرأ بالتخفيف فلقوله " اليوم أكملت لكم دينكم "(1).

اللغة: الشهر: معروف، وجمعه: الاشهر. والشهور والشهرة: ظهور الامر في شنعة.

___________________________________

(1) سورة المائدة آية: 4.

[121]

وشهرت الحديث أظهرته. وشهر فلان سيفه: اذا انتضاه.

والمشهر: الذي أتى عليه شهر. وأشهرت المرأة: اذا دخلت في شهر ولادتها.

وأتان شهيرة: أي عريضة ضخمة.

والمشاهرة: المعاملة شهرا بشهر. وسمى الشهر شهرا، لاشتهاره بالهلال. فأصل الباب الظهور.

وقال ابن دريد: الرمض: شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، والارض رمضاء. ورمض يومنا رمضا: إذا اشتد حره. ورمضان من هذا اشتقاقه، لانهم سموا الشهور بالازمنة التي فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر، وقد جمعوا رمضان، رمضانات.

قال صاحب العين: والرمض حرقة غيظ تقول: أرمضني هذا الامر، ورمضت له. والرمض: مطر يكون قبل الخريف. وأصل الباب شدة الحر.

الاعراب: وشهر رمضان رفع لاحد ثلاثة أشياء: أولها - أن يكون خبر أبتداء محذوف يدل عليه " أياما معدودات " وتقديره هي شهر رمضان.

الثاني - على ما لم يسم فاعله، ويكون بدلا من الصيام، وتقديره " كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان ".

الثالث - أن يكون مبتدأ وخبره " الذي أنزل فيه القرآن " ويجوز في العربية شهر رمضان بالنصب من وجهين: أحدهما - صوموا شهر رمضان.

والاخر - على البدل من أيام.

المعنى: وقوله " أنزل فيه القرآن " قيل في معناه قولان: أحدهما - قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن: إن الله تعالى أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وآله بعد ذلك نجوما.

[122]

وهو المروي عن أبي عبدالله (ع).

والثاني - أنه ابتداء إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان.

فان قيل كيف يجوز أنزاله كله في ليلة، وفيه الاخبار عما كان، ولا يصلح ذلك قبل أن يكون؟ قلنا: يجوز ذلك في مثل قوله: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "(1) وقوله: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين "(2) على اذا كان وقت كذا أنزل " لقد نصركم الله " كما قال تعالى " ونادى أصحاب الجنة "(3) أي إذا كان يوم القيامة " نادى أصحاب الجنة أصحاب النار ".

الاعراب: وقوله تعالى: " هدى للناس " موضعه نصب على الحال، كأنه قال: أنزل فيه القرآن هاديا للناس. ولا يحتمل سواه، لقوله " وبينات من الهدى ".

اللغة: والقرآن إشتقاقه قرأ يقرأ قراء‌ة، وأقرأه إقراء وقال صاحب العين: رجل قارء: أي عابد ناسك، وفعله التقري والقراء‌ة، وأقرأت المرأة: اذا حاضت. وقرأت الناقة: اذا حملت. والفرأ: الحيض، وقد جاء بمعنى الطهر. وأصل الباب الجمع، لقولهم.

ما قرأت الناقة سلا قط: أي ما جمعت رحمها على سلا قط. وفلان قرأ، لانه جمع الحروف بعضها إلى بعض. والفرء الحيض، لاجتماع الدم في ذلك الوقت.

والفرقان: هو الذي يفرق بين الحق، والباطل. والمراد به القرآن هاهنا.

المعنى: وقوله: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " قيل في معناه قولان:

___________________________________

(1) سورة آل عمران: 123.

(2) سورة التوبة آية: 26.

(3) سورة الاعراف آية: 43.

[123]

أحدهما - من شاهد منكم الشهر مقيما.

والثاني - من شهده بان حضره، ولم يغب، لانه يقال: شاهد: بمعنى حاضر وشاهد: بمعنى مشاهد.

وروي عن ابن عباس، وعبيدة السلماني، ومجاهد: وجماعة من المفسرين، ورووه عن علي (ع) أنهم قالوا: من شهد الشر بأن دخل عليه الشهر، كره له أن يسافر حتى يمضي ثلاث وعشرون من الشهر إلا أن يكون واجبا كالحج، أو تطوعا كالزيادة، فان لم يفعل، وخرج قبل ذلك كان عليه الافطار، ولم يجزه الصوم.

وقوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ناسخ الفدية - على قول من قال بالتخيير - وناسخ للفدية ايضا في المراضع والحوامل - عند من ذهب اليه - وبقي الشيخ الكبير، له أن يطعم، ولم ينسخ. وعندنا أن المرضعة والحامل اذا خافا على ولدهما أفطرتا وكفرتا، وكان عليهما القضاء فيما بعد اذا زال العذر. وبه قال جماعة من المفسرين، كالطبري وغيره.

وقوله: " ومن كان مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر " قد بينا أنه يدل على وجوب الافطار - في السفر - لانه أوجب القضاء بنفس السفر، والمرض. وكل من قال ذلك أوجب الافطار. ومن قدر في الاية أوعلى سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، زاد في الظاهر ما ليس فيه.

فان قيل: هذا كقوله " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام "(1) ومعناه فحلق.

قلنا: إنما قدرنا هناك فحلق للاجماع على ذلك، وليس هاهنا إجماع، فيجب أن لايترك الظاهر، ولا يزاد فيه ما ليس فيه.

اللغة: وقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر " قال صاحب العين: الارادة: أصلها الواو، لانك تقول: روادته على أن يفعل كذا وكذا، مراودة. ومنه راد، يرود، روادا، فهو رايد بمعنى الطالب شيئا. ويقال أرود فلان إروادا: إذا رفق في مشي أو غيره.

___________________________________

(1) سورة البقرة آية: 19.

[124]

ومنه رويدا فلانا: أي امهله يتفسح منصرفا. ومنه ارتاد ارتيادا كقولك: طلب طلبا، والرود: الميل.

وفي المثل (الرائد لايكذب أهله) أي الطالب صلاحهم لا يكذبهم، لانه لو كذبهم غشهم. وأصل الباب الطلب.

والارادة بمنزلة الطلب للمراد، لانها كالسبب له. واليسر ضد العسر.

يقال: أيسر إيسارا، ويسره تيسيرا، وتيسر تيسرا، وتياسر تياسرا، واستيسر استيسارا.

واليسار: اليد اليسرى. واليسار: الغنى، والسعة.

واليسر: الجماعة الذين يجتمعون على الجزور في الميسر، والجمع: الايسار.

وفرس حسن التيسور: اذا كان حسن السمن(1). وأصل الباب السهولة.

والعسر ضد اليسر. وعسر الشئ عسرا. ورجل عسر بين العسر.

ورجل أعسر: يعمل بشماله.

وأعسر الرجل إعسارا: اذا افتقر.

والعسير الناقة التي اعتاصت فلم تحمل من سنتها. وبعير عسران اذا ركب قبل أن يراض.

وأصل الباب الصعوبة.

وقوله تعالى: " ولتكلموا العدة " يقال: كمل يكمل كمالا، وأكمل إكمالا، وتكامل تكاملا، وكمله تكميلا، واستكمل استكمالا، وتكمل تكملا. أصل الباب الكمال، وهو التمام.

الاعراب: وعطف باللام في قوله تعالى: " ولتكملوا العدة " على أحد أمرين: أحدهما - عطف جملة على جملة، لان بعده محذوفا، كأنه قال: ولتكملوا العدة شرع ذلك أو أريد. ومثله قوله تعالى: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين "(2) أي أريناه. هذا قول الفراء.

الثاني - أن يكون عطفا على تأويل محذوف دل عليه ما تقدم من الكلام، لانه لما قال: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " دل على أنه فعل ذلك ليسهل عليكم، فجاز " ولتكملوا العدة " عطفا عليه.

___________________________________

(1) حسن ساقطة من المطبوعة، والسمن - بكسر السين وفتح الميم.

(2) سورة الانعام آية: 75.

[125]

قال الشاعر:

يارب غير آيهن مع البلى *** إلا رواكد جمرهن هباء

ومشجج أما سواء قذاله *** فبدوا وغيب ساره المعزاء(1)

فعطف على تأويل الكلام الاول كأنه قال: بها رواكد، ومشجج. وهذا قول الزجاج وهو الاجود، لان العطف يعتمد على ما قبله، لاعلى ما بعده. وعطف الظرف على الاسم في قوله " ومن كان مريضا أو على سفر " جائز، لانه معنى الاسم، وتقديره أومسافرا، ومثله قوله: " دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " كأنه قال مضطجعا أو قائما أو قاعدا.

المعنى: واليسر المذكور في الاية: الافطار في السفر - في قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك.

والعسر: الصوم فيه وفي المرض.

والعدة: المأمور باكمالها، والمراد بها: أيام السفر، والمرض الذي أمر بالافطار فيها.

وقال الضحاك، وابن زيد: عدة ما أفطروا فيه.

وقوله " ولتكبروا الله " المراد به تكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات: المغرب، والعشاء الاخرة، وصلاة الغداة، وصلاة العيد - على مذهبنا -.

وقال ابن عباس، وزيد بن أسلم، وسفيان، وابن زيد: التكبير يوم الفطر. وفي الاية دلالة على فساد قول المجبرة من ثلاثة أوجه: أحدها - قوله " هدى للناس " فعم بذلك كل إنسان مكلف، وهم يقولون ليس يهدى الكفار.

___________________________________

(1) اللسان (شجج) ذكر البيت الثاني فقط.

غير: بدل. آيهن جمع آية وهي العلامة. والرواكد هي حجارة توضع تحت القدر. مشجج: مضروب.

تذال: مجمع عظم الرأس بدا ظهر وبان. ساره: جميعه. المعزاء: الارض الصلبة ذات الحجارة.

يقول رب لاتترك لهن علامة، وافنهن جميعا سوى حجارة الموتد، ومكسرات الرأس، واجعل أرضهن صلبة وفيها حجارة قد رماها العدو حتى غطت عليهن جميعا.

[126]

الثاني - قوله تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " والمجبرة تقول: قد أراد تكليف العبد ما لا يطيق ممالم يعطه عليه قدرة، ولا يعطيه، ولا عسر أعسر من ذلك.

الثالث - لو أن إنسانا حمل نفسه على المشقة الشديدة التي يخاف معها التلف في الصوم لمرض شديد لكان عاصيا، ولكان قد حمل نفسه على العسر الذي أخبر الله أنه لا يريده بالعبد. والمجبرة تزعم أن كلما يكون من العبد من كفر أو عسر أو غير ذلك من أنواع الفعل يريده الله.

مسائل من أحكام الصوم

يجوز قضاء شهر رمضان متتابعا، ومتفرقا، فالتتابع أفضل. وبه قال مالك، والشافعي. وقال أهل العراق: هو مخير.

ومن أفطر في شهر رمضان متعمدا بالجماع في الفرج لزمه القضاء، والكفارة - عندنا - والكفارة: عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. وبه قال أبوحنيفة، والشافعي. وقال مالك هو بالخيار. وفي أصحابنا من قال بذلك.

والاطعام لكل مسكين نصف صاع - عندنا - وبه قال أبوحنيفة، فان لم يقدر فمد. وبه قال الشافعي، ولم يعتبر العجز.

فان جامع ناسيا، فلا شئ عليه. وقال مالك: عليه القضاء.

ومن أكل متعمدا أو شرب في نهار شهر رمضان لزمه القضاء، والكفارة - عندنا - وهو قول أبي حنيفة ومالك. وقال الشافعي: لا كفارة عليه، وعليه القضاء.

والناسي لاشئ عليه عندنا - وعند أهل العراق، والشافعي. وقال مالك عليه القضاء.

ومن أصبح جنبا متعمدا من غير ضرورة لزمه - عندنا - القضاء والكفارة. وقال ابن حي عليه القضاء استحبابا. وقال جميع الفقهاء لاشئ عليه.

ومن ذرعه القئ، فلا شئ عليه، فان تعمده كان عليه القضاء. وبه قال أبوحنيفة والشافعي ومالك. وقال الاوزاعي: إن غلبه، فعليه القضاء بلا كفارة. وإن استدعاه فعليه القضاء، والكفارة.

[127]

ومن أكل حصى أو نوى متعمدا فعليه القضاء، والكفارة. وبه قال مالك والاوزاعي: وقال اهل العراق عليه القضاء بلا كفارة. وقال ابن حي لا قضاء ولا كفارة.

واذا احتلم الصبي يوم النصف من شهر رمضان صام ما بقي، ولا قضاء عليه فيما مضى، ويمسك بقية يومه تأديبا، فان أفطر فيه فلا قضاء عليه. وبه قال أهل العراق. وقال مالك: أحب الي أن يقضي ذلك اليوم، وليس بواجب. وقال الاوزاعي: يصوم ما بقى، ويقضى ما مضى منه.

وحكم الكافر اذا أسلم حكم الصبي اذا احتلم في جميع ذلك. والمجنون، والمغمى عليه في الشهر كله لا قضاء عليه - عندنا - بدلالة قوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر ، فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " وإنما أراد من شهد الشهر وهو ممن يتوجه اليه الخطاب، والمجنون والمغمى عليه ليس بعاقل يتناوله الخطاب.

وقوله " ومن كان مريضا أو على سفر " المراد به إذا كان مريضا عاقلا، يشق عليه الصوم، أو يخاف على نفسه منه، فيلزمه " عدة من أيام أخر ".

وقال أهل العراق: إن لم يفق المجنون في جميع الشهر، فلا قضاء عليه، وان أفاق في بعضه فعليه قضاؤه كله.

وأما المعنى عليه في الشهر كله، فعليه قضاؤه، لانه بمنزلة المريض.

وقال حسن بن صالح، ومالك: المجنون، والمغمى عليه سواء، عليه قضاء الشهر كله إن جن في الشهر كله، وأغمى عليه فيه.

وقال الاوزاعي: المجنون، والمغمى عليه سواء، ولا قضاء على واحد منهما ما مضى من الشهر، ويقضى ما بقى منه، فان أفاق بعد ما خرج الشهر كله فلا قضاء عليه.

وهذا مثل ما قلناه.

وقال الشافعي: يقضى المغمى عليه، ولا يقضى المجنون.

والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير اذا أفطروا، قال أهل العراق: في الحامل، والمرضع، يخافان على ولدهما: يفطران، ويقضيان يوما مكانه، ولا صدقة عليهما، ولا كفارة، وبه قال قوم من أصحابنا. وقال مالك الحامل تقضي، ولا تطعم والمرضع: تقضي، وتطعم لكل يوم مدا. وقال الشافعي في رواية المزني:

[128]

عليهما القضاء في الوجهين، وتطعم لكل يوم مدا، وهو مذهبنا، والمعمول عليه. وفي رواية البزنطي عن الشافعي مثل قول مالك.

والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويتصدق مكان كل يوم نصف صاع في قول أهل العراق، وهو مذهبنا. وقال الشافعي: مد لكل يوم. وقال مالك: يفطر ولا صدقة عليه.

والسفر الذي يوجب الافطار: ما كان سفرا حسنا، وكان مقداره ثمانية فراسخ: أربعة وعشرين ميلا. وعند الشافعي: ستة عشر فرسخا. وعند أبي حنيفة: أربعة وعشرون فرسخا. وقال داود: قليله، وكثيرة يوجب الافطار.

والمرض الذي يوجب الافطار: ما يخاف معه التلف أو الزيادة المفرطة في مرضه. وروي أنه كل مرض لا يقدر معه على القيام مقدار صلاته، وبه قال الحسن، وعبيدة السلماني.

في ذلك خلاف بين الفقهاء ذكرناه في الخلاف.

ومن قال: إن قوله تعالى: " ولتكلموا العدة " يدل على أن شهر رمضان لا ينقص أبدا، فقد أبعد من وجهين: (الاول)، لان قوله " ولتكلموا العدة " معناه ولتكلموا عدة الشهر سواء كان الشهر تأما أو ناقصا.

والثاني - أن ذلك راجع إلى القضاء، لانه قال عقيب ذكر السفر، والمرض: " فعدة من أيام أخر يريد الله بكم السير ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة " يعنى عدة ما فاته، وهذا بين.

قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون(186)

آية بلا خلاف.

[129]

النزول: روي عن الحسن: أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وآله أقريب ربنا فتناجيه أم بعيد فتناديه، فنزلت الآية.

قال قتادة: نزلت جوابا لقوم سألوا النبي صلى الله عليه وآله كيف تدعو.

المعنى: وقوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب " معناه: إن اقتضت المصلحة إجابته، وحسن ذلك، ولم تكن فيه مفسدة(1). فأما أن يكون قطعا لكل من يسأل فلابد أن يجيبه. فلا. على أن الداعي لا يحسن منه السؤال إلا بشرط ألا يكون في إجابته مفسدة، لا له، ولا لغيره، وإلا كان الدعاء قبيحا. ولا يجوز أن يقيد الاجابة بالمشيئة بأن يقول: إن شئت، لانه يصير الوعد به لا فائدة فيه، فمن أجاز ذلك فقد أخطأ.

فان قيل: إذا كان لا يجيب كل من دعا، فما معنى الآية؟ قلنا معناه أن من دعا - على شرائط الحكمة التي قدمناها، واقتضت المصلحة إجابته - أجيب لا محالة، بان يقول: اللهم إفعل بي كذاإن لم يكن فيه مفسدة لي أو لغيري في الدين(2) أو دنيوي. هذا في دعائه.

وفي الناس من قال: إن الله وعد باجابة الدعاء منه عند مسألة المؤمنين دون الكفار، والفاسقين.

والمعتمد هو الاول.

فان قيل: إذا كان ما تقتضيه الحكمة لابد أن يفعل به، فلا معنى للدعاء ! قلنا عنه جوابان:

أحدهما - أن ذلك عبادة كسائر العبادات. ومثله قوله: " رب احكم بالحق ".

والثاني - انه لايمتنع أن تقتضي المصلحة إجابته اذا دعا.

ومتى لم يدع لم تقتض الحكمة إجابته.

فان قيل: هل يجوز أن تكون الاجابة غير ثواب؟ قلنا فيه خلاف.

___________________________________

(1) في المطبوعة " فئة ".

(2) هكذافي المطبوعة والاولى أن يكون " في أمرديني.

[130]

قال أبوعلي لا يكون إلا ثوابا، لان من أجابه الله، يستحق المدح في دين المسلمين، فلا يجوز أن يجيب كافرا، ولا فاسقا. وكان أبوبكر بن الاخشاد يخبر ذلك في العقل على وجه الاستصلاح له. وهذا الوجه أقرب إلى الصواب. والدعاء: طلب الطالب للفعل من غيره.

ويكون الدعاء لله على وجهين: أحدهما - طلب في مخرج اللفظ، والمعنى على التعظيم والمدح، والتوحيد: كقولك: يا ألله لا إله إلا أنت، وقولك: ربنا لك الحمد.

والثاني - الطلب لاجل الغفران أو عاجل الانعام كقولك: أللهم اغفر لي وارحمنى، وارزقني، وما أشبه ذلك.

وقوله: " فاني قريب " قيل في معناه قولان: أحدهما - إني قريب الاجابة: سريع الاجابة، فجاز ذلك لمشاكلة معنى قريب لسريع. الثاني - قريب -، لانه سمع دعاء‌هم كما يسمعه القريب المسافة منهم، فجاز لفظة قريب، فحسن البيان بها. فأما قريب المسافة، فلا يجوز عليه تعالى، لانه من صفات المحدثات.

اللغة: وقوله " أجيب دعوة الداعي إذا دعاني " فالاجابة من الجواب، وهو القطع.

يقال: جاب البلاد يجوب جوبا اذا قطع.

ومنه قوله تعالى: " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد "(1) أي قطعوه. وأجاب الله دعاء‌ه إجابة، وأجاب فلان عن السؤال جوابا. وأجاب الظلام اذا قطعه. واستجاب له استجابة. وجاوبه مجاوبة، وتجاوب تجاوبا، وانجاب السحاب: اذا انقشع. وأصل الباب القطع، فاجابة السائل: القطع مما سأل، لان سوآله على الوقف أيكون أم لا يكون.

___________________________________

(1) سورة الفجر آية: 9.

[131]

الاعراب: وقوله تعالى " فليستجيبوا لي " هذه لام الامر، لابد منها للغائب. وأما للحاضر(1)، فيجوز فيه إثباتها وإسقاطها. كقولك قم ولتقم. والاصل فيها أن تكون مكسورة. ويجوز فيها السكون إذا اتصلت بحرف واحد كالفاء فأما ثم، فالوجه معها الكسر، لانها منفصلة. وإنما جاز فيها السكون دون لام كي، لانه لما كان عملها التسكين جاز فيها، لايذانه بعملها.

المعنى: وقال أبوعبيدة: استجاب، وأجاب بمعنى واحد.

وأنشد لكعب بن سعد الغنوي:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب(2)

أي لم يجبه.

وقال المبرد: هذا لا يجوز، لان في الاستجابة معنى الاذعان، وليس ذلك في الاجابة.

وقوله " لعلهم يرشدون " في لعل جوابان: أحدهما - ليرشدوا، فتكون دالة على العوض في الاجابة، من الله تعالى للعبد. الثاني - على الرجاء والطمع، لان يرشدوا، ويكون متعلقا بفعل العباد.

والرشد: نقيض الغي.

يقال: رشد يرشد رشدا، ورشيد رشدرا، وأرشده إرشادا واسترشد إسترشادا، وهو لرشدة خلاف لزنية.

وأصل الباب إصابة الخير، فمنه الارشاد: الدلالة على وجه الاصابة للخير.

وروى عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: " وليؤمنوا بي " أي وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوا.

___________________________________

(1) في المطبوعة " قلنا الحاضر " وهو تحريف.

(2) أمالي القالي 2: 151. والاصمعيات: 14، واللسان " جوب " وهو من قصيدة ؟ بها أخاه أبا المغوار.

[132]

قوله تعالى: أحل لكم ليله الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون(187)

آية واحدة بلا خلاف.

المعنى: الرفث الجماع هاهنا بلا خلاف، وفي قراء‌ة ابن مسعود " فلا رفوث "، وقيل: أصله فاحش القول فكنى به عن الجماع قال العجاج: عن اللغا ورفث التكلم(1) والرفث والترفث: قول الفحش يقال رفث يرفث رفثا.

وروى عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) كراهية الجماع في أول ليلة من كل شهر، إلا أول ليلة من شهر رمضان لمكان الآية والآشبه أن يكون المراد بليلة الصيام ليالي الشهر كله. وإنما ذكر بلفظ التوحيد، لانه اسم جنس يدل على التكثير.

ومعنى قوله: " هن لباس لكم " أنهن يصرن بمنزلة اللباس، كما قال النابغة الجعدى:

___________________________________

(1) ديوانه: 59 من رجز له طويل، حمد فيه الله ومجده بقوله:

فالحمد لله العلي الاعظم *** ذي الجبروت والجلال الافخم

إلى أن قال:

ورب أسراب حجيج كظم *** عن اللغا ورفث التكلم

والاسراب: القطيع من القطا أو الظباء أو الشاء أو النساء. يقصد به الججاج والكظم بفتح الكاف والظاء - السكوت عن الكلام وحبس النفس في الصدر.

الغا: ما لا يعتد به من لكلام. رفث التكلم: عطف بيان على اللغا.

[133]

اذا ما الضجيع ثنى عطفه *** تثنت عليه فكانت لباسا(1)

وقال قوم: معناه هن سكن لكم، كما قال: " وجعلنا الليل لباسا "(2) أي سكنا. واللباس الثياب التي من شأنها أن تستر الابدان، ويشبه بها الاغشية فيقال لبس السيف بالحلية.

وقوله تعالى: " علم الله إنكم كنتم تختانون أنفسكم " معناه أنهم كانوا لما حرم عليهم الجماع في شهر رمضان بعد النوم. خالفوا في ذلك فذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلك الفريضة.

فان قيل: أليس الخيانة انتقاص الحق على جهة المساترة، فكيف يساتر نفسه؟ قلنا عنه جوابان: أحدهما - أن بعضهم كان يساتر بعضا فيه فصار كأنه يساتر نفسه، لان ضرر النقص والمساترة داخل عليه.

الثاني - أنه يعمل عمل المساتر له فهو يعمل لنفسه عمل الخائن له.

ويقال: خانه يخونه خونا وخيانة، وخونه تخوينا، واختانه اختيانا، وتخونه تخونا، والتخون: التنقص، والتخون: تغيير الحال إلى ما لا ينبغي " وخاينة الاعين ":(3) مشارفة النظر الي مالا يحل. وأصل الباب منع الحق.

وقوله تعالى: " فتاب عليكم " أي قبل توبتكم على ما بيناه فيما تقدم.

وقوله تعالى: " وعفا عنكم " فيه قولان: أحدهما - غفر ذنبكم. الثاني - أزال تحريم ذلك عنكم، وذلك عفو عن تحريمه عليهم.

وقوله تعالى: " فالآن باشروهن " أي جامعوا هن، ومعناه الاباحة دون الامر، والمباشرة إلصاق: البشرة بالبشرة، وهي ظاهر أحد الجلدين بالآخر.

وقوله تعالى: " وابتغوا ما كتب الله لكم " قيل في معناه قولان: أحدهما - قال الحسن، وغيره: يعني طلب الولد.

___________________________________

(1) الشعر والشعراء: 225، ومجاز القرآن لابي عبيدة: 67. وتأويل مشكل القرآن: 107، وفي بعضها (تداعت) بدل (تثنت).

(2) سورة عم آية: 10.

(3) سورة المؤمن آية: 19.

[134]

الثاني - قال قتادة: يعني الحلال الذي بينه الله في الكتاب، والابتغاء: الطلب للبغية، وقوله " وكلوا واشربوا " إباحة للاكل والشرب " حتى يتبين " أي يظهر، والتبين: تميز الشئ الذي يظهر للنفس على التحقيق " الخيط الابيض من الخيط الاسود " يعني بياض الفجر من سواد الليل.

وقيل: خيط الفجر الثاني مما كان في موضعه من الظلام. وقيل النهار من الليل، فأول النهار طلوع الفجر الثاني لانه أوسع ضياء.

قال أبوداوود(1).

فلما أضاء‌ت لنا سدفة *** ولاح من الصبح خيط أنارا(2)

وروي عن حذيفة، والاعمش، وجماعة أن الخيط الابيض: هو ضوء الشمس، وجعلوا أول النهار طلوع الشمس، كما أن آخر غروبها بلا خلاف في الغروب. وأكثر المفسرين على القول الاول، وعليه جميع الفقهاء، لا خلاف فيه بين الامة اليوم.

اللغة: والخيط في اللغة معروف يقال خاط يخيط خياطة، فهو يخيط، وخيطه تخييطا. والخيط: القطيع من النعام.

ونعامة خيطاء: قيل: خيطها طول قصبتها، وعنقها.

وقيل: اختلاط سوادها ببياضها، وكلاهما يحتمل، فالاول، لانه كالخيط الممدود.

والثاني - لانه كاختلاط خيوط بيض بسود. والمخيط الابرة. ونحوها مما يخاط به. والابيض نقيض الاسود.

والبياض ضد السواد يقال: أبيض، وابياض بيضاضا وبيضه تبييضا، وتبيض تبيضا.

وبيضة الطير، وبيضة الحديد، وبيضة الاسلام مجتمعه، وابتاضوهم أي استأصولهم، لانهم اقتلعوا بيضهم وأصل الباب البياض.

واسود، واسواد اسودادا، وسوده تسويدا، وتسود تسودا، وساوده

___________________________________

(1) هو أبوداود: الايادي.

(2) اللسان (خيط) والاصمعيات: 28 ورواية الاصمعيات (خير أنارا) في المطبوعة (غدوة) بدل (سدفة ومعناهما متقارب، لان السدفة: ظلمة الليل في لغة نجد، والضوء في لغة قيس. وهى أيضا اختلاط ضوء والظلمة جميعا.

[135]

سوادا: أي ساده سوادا، لان الخفاء فيه كخفاء الشخص في سواد الليل.

وسواد العراق: سمي به لكثرة الماء، والشجر الذي تسود به الارض.

وسواد كل شئ شخصه. والاسود من الحبة يجمع أساود.

وسويداء القلب، وسوداوه دمه الذى فيه في قول: ابن دريد.

وقيل حبة القلب، لانه في سواد من الظلمة.

وساد سؤددا، فهو سيد، لانه ملك السواد الاعظم، والمسود الي قد ساده غيره المعنى.

وقوله " من الفجر " يحتمل معنيين: أحدهما - أن يكون بمعنى التبعيض لان، المعنى من الفجر، وليس الفجر كله. هذا قول ابن دريد.

الثاني - بمعنى تبين الخيط، كأنه قال: الخيط الذي هو الفجر.

وقوله: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " قد بينا حقيقة الصيام فيما مضى. والليل هو بعد غروب الشمس، وعلامة دخوله على الاستظهار سقوط الحمرة من جانب المشرق، وإقبال السواد منه، وإلا فاذا غابت الشمس مع ظهور الآفاق في الارض المبسوطة وعدم الجبال، والروابي، فقد دخل الليل.

وقوله تعالى: " ولا تباشروهن " قيل في معناه قولان هاهنا: قال ابن عباس، والضحاك، والحسن، وقتادة، وغيرهم: أراد به الجماع.

وقال ابن زيد، ومالك: أراد الجماع. كلما كان دونه من قبلة، غيرها. وهو مذهبنا.

وقوله تعالى: " وأنتم عاكفون في المساجد " فالاعتكاف - عندنا - هو اللبث في أحد المساجد الاربعة: المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد البصر، للعبادة من غير اشتغال بما يجوز تركه من أمور الدنيا. وله شرائط - ذكرناها في كتب الفقه - وأصله اللزوم.

[136]

قال الطرماح:

فبات بنات الليل حولي عكفا *** عكوف البواكي بينهن صريع(1)

وقال الفرزدق:

ترى حولهن المعتفين كأنهم *** على صنم في الجاهلية عكف(2)

اللغة: وقوله تعالى: " تلك حدود الله ".

فالحد على وجوه: أحدها - المنع، يقال: حده عن كذا حده عن كذا حدا أى منعه. والحد الدار.

والحد الفرض من حدود الله أي فرائضه، الحد الجلد للزاني، وغيره.

والحد: حد السيف، وما أشبهه. والحد في الحلق: الحدة.

والحد: الفرق بين الشيئين. والحد منتهى الشئ. وحد الشراب: صلابته.

وإحداد المرأد على زوجها: امتناعها من الزينة والطيب.

وإحداد السيف: إشحاذه.

وإحدا - النظر إلى الشئ التحديق إليه.

والحديد معروف، وصانعه الحداد. والحداد السجان. والاستحداد حلق الشئ بالحديد.

وحاددته: عاصيته، ومنه قوله تعالى " ان الذين يحادون الله ورسوله "(3) وأصل الباب المنع.

والحد، نهاية الشئ التي تمنع أن يدخله ما ليس منه، وأن يخرج عنه ما هو منه.

أحكام الاعنكاف

ولا يجوز الاعتكاف إلا بصوم، وبه قال أبوحنيفة، وأصحابه، ومالك ابن أنس.

وقال الشافعي يصح بلا صوم، وبه قال الحسن إلا أن يشرط.

___________________________________

(1) ديوانه: 153، واللسان (بني) وروايته (تظل) بدل " فبات " و " قتيل " بدل " صريع ".

بنات الليل: الهموم. وقيل الاحلام. والاول أليق في هذا. كأنه يقول: ان الهموم؟ علي. كتراكم النساء على القتيل.

(2) ديوانه: 561، والنقائض: 563. وفي المطبوعة " العقين " بدل " ملعتفين " والمعتفون: الذين جاؤا يطلبون الرزق، يصفهم: جمعا قد وقفوا ينتظرون الطعام والعطاء متلهفين. وهو ليس بذم لهم بل مدح بالمعطي لهم.

(3) سورة المجادلة آية 5، 20.

[137]

وعندنا لايكون أقل من ثلاثة أيام، وبه قال أهل المدينة.

وقال أهل العراق: الاعتكاف جائز به كل مسجد يصلى فيه جماعة.

وقال مالك: لا إعتكاف إلا في موضع يصلى فيه الجمعة من المصر.

وقال أهل العراق: المرأة تعتكف في مسجد بيتها.

وقال مالك: لا تعتكف إلا في مسجد جماعة.

وقال الشافعي: المرأة والعبد يعتكفان، وكذلك المسافر حيث شاء‌وا. وقد بينا ما عندنا في ذلك. ولا فرق بين الرجل والمرأة فيه.

وقال مالك: لا يكون الاعتكاف أقل من عشرة أيام. وعند أهل العراق يكون يوما.

ومسائل الاعتكاف قد بيناها في النهاية، والمبسوط في الفقه، لا نطول بدكرها. والختلف فيها ذكرناه في مسائل الخلاف.

سبب النزول: وقيل أن هذه الآية نزلت في شأن أبي قيس بن صرمه، فكان يعمل في أرض له، فأراد الاكل، فقالت امرأته: يصلح لك شيئا فغلبت عيناه، ثم قدمت إليه الطعام، فلم يأكل، فلما أصبح لاقى جهدا، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فنزلت هذه الآية.

وروي أن عمرا أراد أن يوقع زوجته في الليل، فقالت: إني نمت فظن أنها تعتل عليه، فوقع عليها، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك من الغد، فنزلت الآية فيهما.

المعنى: وقوله تعالى: " كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون " يعني ما بين لهم من الادلة على ما أمرهم به، ونهاهم عنه، لكلي يتقوا معاصي، وتعدي حدوده التي أمرهم الله بها، ونهاهم عنها، وأباحهم إياها. وفي ذلك دلالة على أنه تعالى: أراد التقوى من جميع الناس: الذين بين لهم هذه الحدود.

وروي عن أبي عبدالله (ع) أنها نزلت في خوات من جبير مثل قصة أبي قيس بن صرمه. وأنه كان ذلك يوم الخندق.

وروي عن أبي جعفر (ع) حديث أبي قيس سواء.

[138]

قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون(188)

آية المعنى: قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قيل في معناه قولان:

أحدهما - أن يكون ذلك على الجهة الظلم، نحو الخيانة، والسرقة، والغصب، ويكون التقدير لا يأكل بعضكم أموال بعض بالباطل كأكل مال نفسة بالباطل، ومثله " ولا تلمزوا أنفسكم "(1) ومعناه لا يلمز بعضكم بعضا.

وقوله: " ولا تقتلوا أنفسكم "(2) والمعنى لا يقتل بعضكم بعضا.

الثاني - لا تأكلوه على وجه الهزء واللعب، مثل ما يوجد في القمار والملاهي ونحوها، لان كل ذلك من أكل المال بالباطل.

وقال أبوجعفر (ع) " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " يعني باليمين الكاذبة يقتطعون بها الاموال، وقال أبو عبدالله (ع): علم الله أنه سيكون في هذه الامة حكام يحكمون بخلاف الحق، فنهى الله المؤمنين أن يتحاكموا إليهم، وهم يعلمون أنهم لا يحكمون بالحق.

وقوله تعالى: " وتدلوا بها إلى الحكام " فالحكم هو الخبر الذي يفصل به بين الخصمين يمنع كل واحد من منازعة الآخر.

وقيل في معناه قولان: أحدهما - قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: إنه الوديعة وما تقوم به بينة.

الثاني - قال الجبائي: في مال اليتيم الذي في يد الاوصياء، لانه يدفعه إلى الحاكم إذا طولب به، ليقتطع بعض، ويقوم له في الظاهر حجة.

[139]

اللغة: يقال أدلى فلان بالمال إلى الحاكم إذا دفعه إليه. وأدلى فلان بحقه وحجته: اذا هو احتج بها وأحضرها، ودلوت الدلو في البئر أدلوها: إذا أرسلتها في البئر، وأدليتها إدلاء: اذا انتزعتها من البئر، ومنه قوله تعالى: " فأدلى دلوه "(1) أي انتزعها.

وقال صاحب العين: أدليتها اذا أرسلتها أيضا. وأدلى الانسان شيئا في مهوى، ويتدلى هو بنفسه. والدالية معروفة.

الاعراب: وموضع " تدلو " يحتمل أمرين: أحدهما - أن يكون جزما على النهى، وعطفا على قوله: " لا تأكلوا ".

والثاني - أن يكون نصبا على الظرف، ويكون نصبها باضمار أن كقول الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأني مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم(2)

لا تجمع بينهما. والاول أجود.

المعنى: وقيل في اشتقاق " تدلو " قولان: أحدهما - أن التعلق بسبب الحكم كتعلق الدلو بالسبب الذي هو الحبل. والثاني - أنه يمضي فيه من غير تثبت، كمضى الدلو في الارسال من غير تثبت.

والباطل هو ما تعلق بالشئ على خلاف ما هو به، خبرا كان أو اعتقادا أو تخيلا أو ظنا. والفريق: القطعة المعزولة من الشئ. والاثم الفعل الذي يستحق به الذم.

وقوله: " وأنتم تعلمون " معناه إنكم تعلمون أن ذلك التفريق من المال

___________________________________

(1) سورة يوسف آية: 19.

(2) مرتخريجه في 1: 190.

[140]

ليس بحق لكم لانه أشد في الزجر، وفي الاية دلالة على أن تفرقة الحاكم بشهادة الزور غير جائزة، ولا يستباح به النكاح لاحد الشاهدين كما لا يحل ذلك في المال.

قوله تعالى: يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون(189)

آية واحدة بلا خلاف.

القراء‌ة: البيوت والسيوح والغيوب والجيوب - بكسر أولها - شامي والكسائي، والاعشى لا يكسرون، الغيوب، ويكسرها حمزة، ويحيى إلا الجيوب. ويكسرها ابن كثير إلا الجيوب والغيوب. وابن فليح يكسرها كلها.

وقالون يكسر منها البيوت فقط. وأبوعمرو يضمها كلها.

اللغة: الاهلة جمع هلال وسمي الهلال، لرفع الصوت بذكره عند رؤيته، ومنه أهل بالحج: اذا رفع الصوت بالتلبية. واختلف أهل العلم إلى كم يسمى هلالا، فقال قوم: يسمى ليلتين هلالا من الشهر.

ومنهم من قال: يسمى هلالا ثلاث ليال، ثم يسمى قمرا.

وقال الاصمعي: يسمى هلالا حتى يحجر.

تحجيره: أن يستدير بخطة دقيقة.

ومنهم من قال: يسمى هلالا حين يبهر ضوء‌ه سواد الليل، فاذا غلب ضوء‌ه، سمي قمرا. وذلك لايكون إلا في الليلة السابعة.

وقال الزجاج: يسمى هلالا لليلتين.

واسم القمر الزبرقان، واسم دارته الهالة.

والفخت اسم ضوء‌ه، أو ظلمته على خلاف فيه.

واسم ظله السمر. ومنه قيل: سمار الذين يتحدثون بالليل.

[141]

وإنما اقتصر في جمعه على أهلة، وهو لاد؟ العدد، دون الفعل الذي هو للجمع الكثير، استثقالا له في التضعيف، كما قالوا، فيما ليس بمضعف: حمار وأحمرة وحمر.

المعنى: فان قيل عما كان وقع السؤال من حال الاهلة قيل عن زيادتها ونقصانها، وما وجه الحكمة في ذلك، فاجيب بأن مقاديرها تحتاج إليه الناس في صومهم، وفطرهم، وحجهم وعدد نسائهم، ومحل ذنوبهم، وغير ذلك. وفيها دلالة واضحة على أن الصوم لا يثبت بالعدد، وأنه يثبت بالهلال، لان العدد لو كان مراعى، لما أحيل في مواقيت الناس في الحج على ذلك بل أحيل على العدد.

اللغة: وقوله تعالى: " قل هي مواقيت " والميقات: هو مقدار من الزمان، جعل علما لما يقدر من العمل، ومنه قوله تعالى: " إلى يوم الوقت المعلوم "(1) والتوقيت: تقدير الوقت. وقت توقيتا، ومنه قوله تعالى: " واذا الرسل أقتت "(2) وكلما قدرت غاية، فهو موقت.

والميقات: منتهى الوقت، ومنه قوله تعالى: فتم ميقات ربه "(3) فالاخرة ميقات الخلق. والاهلال: ميقات الشهر.

وإنما لم يصرف مواقيت، وصرف قوارير، لان قوارير فاصلة في رأس آية، فصرفت لتجري على طريقة واحدة في الايات، كالقوا في، وليس ذلك تنوين الصرف.

المعنى: وقوله تعالى " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى " قيل في معناه وجهان: أحدهما - " ولكن البر من اتقى " كما قلنا في قوله " ولكن البر من آمن بالله ".

___________________________________

(1) سورة الحجر آية: 38، وسورة ص آية 81.

(2) سورة المرسلات آية: 11.

(3) سورة الاعراف آية: 41.

[142]

والثاني - على وقوع المصدر موقع الصفة، كأنه قال: ولكن البار " من آمن بالله ".

قيل في معنى الاية قولان:

أحدهما - أنه كان قوم من الجاهلية إذا أحرموا، نقبوا في ظهر بيوتهم نقبا، يدخلون منه، ويخرجون، فنهوا عن التدين بذلك، وأمروا أن يأتوا البيوت من أبوانها في قول ابن عباس، والبراء، وقتادة، وعطا.

و (الثاني) - قال قوم، واختاره الجبائي: إنه مثل ضربه الله لهم.

" وأتوا البيوت من أبوابها " أي أتوا البر من وجهه الذي أمر الله به، ورغب فيه، وهذا الوجه حسن.

وروى جابر عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) في قوله: " وليس البر بأن تأتوا البيوت " الاية، قال يعني أن يأتي الامر من وجهه أي الامور.

وروى أبوالجارود عن أبي جعفر (ع) مثل قول ابن عباس سواء.

وقال قوم: أراد بالبيوت النساء، لان المرأة تسمى بيتا على ما بيناه فيما مضى، فكأنه نهى عن إتيان النساء في أدبارها، وأباح في قبلهن. والاولان أقوى وأجود.

والباب: هو المدخل، تقول منه: بوب تبويبا إذا جعله أبوابا.

والبواب: الحاجب، لانه يلزم الباب. والبابة القطعة من الشئ كالباب من الجملة.

فان قيل أي تعلق لقوله: " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " بسؤال القوم عن الاهلة؟ قلنا: لانه لما بين ما فيه من وجه الحكمة، اقتضى لتعلموا على أمور مقدره، ولتجري أموركم على استفامة فانما البر أن تطيعوا أمر الله.

ومن كسر (الباء) من البيوت، فلاستثقال الخروج من الضم إلى الياء.

ومن ضم غيوب وكسر البيوت، فلان الغين لما كان مستعليا، منع الكسر، كما منع الامالة.

وأما الحج، فهو قصد البيت الحرام، لاداء مناسك مخصوصة بها في وقت مخصوص.

والبر: النفع الحسن. والظهر: الصفيحة المقابلة لصفيحة الوجه.

وقوله: " واتقوا الله لعلكم تفلحون " يعني واتقوا ما نها كم الله عنه، وزهدكم فيه، لكي تفلحوا بالوصول إلى ثوابه الذي ضمنه للمتقين.

 [143]

الآية: 190 - 199

قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين(190)

آية بلا خلاف.

المعنى: القتال هو المقاتلة، وهو محاولة الفاعل لقتل من يحاول قتله، والتقاتل محاولة كل واحد من المتعاديين قتل الاخر.

والخطاب بقوله " وقاتلوا " متوجه إلى المؤمنين. ولو قال: " تقاتلوا " لكان أمرا للفريقين.

وذهب الحسن، وابن زيد، والربيع، والجبائي: إلى أن هذه الاية منسوخة، لانه قد وجب علينا قتال المشركين وإن لم يقاتلونا بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم "(1) وقوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "(2).

وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعمر بن عبدالعزيز: أنها غيرمنسوخة.

وقال بعضهم: أمروا بقتال المقاتلين دون النساء.

وقيل: إنهم أمروا بقتال أهل مكة.

والاولى حمل الاية على عمومها إلا من أخرجه الدليل.

وقوله تعتدوا " قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها - لا تعتدوا بالقتال بقتال من لم تؤمروا بقتاله.

الثاني - لا تعتدوا إلى النساء، والصبيان، ومن قد أعطيتموه الامان.

الثالث - لا تعتدوا بالقتال على غير الذين.

فان قيل: إذا كان الاعتداء في قتال من لم يقاتلهم فكيف يجوز ان يومروابه فيما بعد؟ قيل: انماكان اعتداء من أجل أنه مجاوزة لما حده الله لهم مما فيه الصلاح للعباد، ولم يكن فيما بعد على ذلك، فجاز الامر به.

وقوله: " في سبيل الله " يعنى دين الله، وهو الطريق الذي بينه للعباد، ليسلكوه على ما أمرهم به ودعاهم إليه.

___________________________________

(1) سورة التوبة آية: 6.

(2) سورة البقرة آية: 193.

[144]

وقوله: " لا يحب المعتدين " معناه لا يريد ثوابهم، ولا مدحهم، كما يحب ثواب المؤمنين. وقد بينا فيما مضى أن المحبة هي الارادة. وإنما قلنا إنها من جنس الارادة، لان الكراهة تنافيها، ولا يصح إجتماعهما، ولانها تتعلق بما يصح حدوثه لا كالارادة، فلا يصح أن يكون محبا للايمان كارها له، كما بينا في أن يكون مريدا له وكارها. وتعلق المحبة بأن يؤمن، كتعلق الارادة بأن يؤمن. وانما اعتيد في المحبه الحذف، والم يعتدذلك في الاراده، فيقال: الله يحب المؤمن، ولا يقال: الله يريد المؤمن.

وقوله: " لا يحب المعتدين " ظاهره يقتضي أنه يسخط عليهم، لانه على وجه الذم لهم إذ لا يجوز أن يطلق على من لا ذنب له من الاطفال، والمجانين. والاعتداء مجاوزة الحق. وأصله المجاوزة، يقال: عدا اذا جاوز حده في الاسراع.

وروي عن أئمتنا (ع). أن قوله تعالى: " وقاتلوا في سبيل الله " ناسخ لقوله: " كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "(1) وكذلك قوله: " واقتلوهم حيث ثقفتموهم " ناسخ لقوله " ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم "(3).

قوله تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين(191)

آية واحدة بلا خلاف.

___________________________________

(1) سورة النساء آية: 90.

(2) سورة البقرة آية: 191.

(3) سورة الاحزاب آية: 48

[145]

القراء‌ة: قرأ حمزة، والكسائي، " ولاتقتلوهم " " حتى يقتلوكم " " فان قتلوكم " كله بغير ألف. الباقون بألف في جميع ذلك.

المعنى: والمعنى لا تبدؤهم بقتل ولا قتال حتى يبدؤكم. إلا أن القتل يقض بنية الحياة، والقتال محاولة القتل ممن يحاول القتل.

وقوله: " واقتلوهم " أمر للمؤمنين بقتل الكفار " حيث ثقفتموهم ".

الاعراب: ويجوز في حيث ثلاثة أوجه: ضم الثاء، وفتحها، وكسرها، فالضم لشبهها بالغاية، نحو قبل وبعد، لانه منع الاضافة إلى المفرد مع لزوم معنى الاضافة له، فجرى لذلك مجرى قبل وبعد في البناء على الضم، ولا يجب مثل ذلك في (إذ) لانها مبنية على الوقف، كما أن (مذ) لايجب فيها ما يجب في منذ. والفتح، لاجل الياء، كما فتحت (أين، وكيف) والكسر فعلى أصل الحركة، لالتقاء الساكنين. وإنما كتبت بغير ألف - في الثلاث والكلام(1) في المصحف للايجاز، كما كتبوا الرحمن بلا ألف. وكذلك صالح وخالد، وما أشبهها، من حروف المد واللين، لقوتها على التغيير.

اللغة: وقوله " ثقفتموهم " تقول: ثقفته أثقفه ثقفا: اذا ظفرت به، ومنه قوله: " فأما تثقفنهم في الحرب "(2) وثقفت الشئ ثقافة: اذا حذقته، ومنه اشتقاق الثقافة بالسيف، وقد ثقف ثقافة فهو ثقف. والثقاف حديدة تكون مع القواس، والرماح يقوم بها المعوج. وثقف الشئ ثقفا: إذا لزم، وهو ثقف اذا كان سريع التعلم.

وثقفته تثقيفا: إذا قومته. وأصل الباب: التثقيف التقويم.

___________________________________

(1) هكذا في المطبوعة. وفي العبارة سقط.

(2) سورة الانفال آية: 58.

[146]

المعنى: وقوله " والفتنة أشد من القتل " قال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والربيع، وابن زيد، وجميع المفسرين: إنها الكفر. وأصل الفتنة الاختبار، فكأنه قال: والكفر الذي يكون عند الاختبار أعظم من القتل في الشهر الحرام ووجه قراء‌ة من قرأ " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه " أنه جاء في كلام العرب إذا قتل بعضهم، قالوا: قتلنا، فتقديره حتى يقتلوا بعضكم.

ومعنى قوله " وأخرجوهم من حيث أخرجوكم " أي أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها.

وروى أن هذه الاية نزلت في سبب رجل من الصحابة قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام، فعابوا المؤمنين بذلك فبين الله تعالى أن الفتنة في الدين أعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام وإن كان محظورا لا يجوز.

قوله تعالى: فان انتهوا فان الله غفور رحيم(192)

معنى قوله تعالى: " فان انتهوا " يعني عن كفرهم بالتوبة منه، في قول مجاهد، وغيره من المفسرين.

والانتهاء الامتناع يقال: نهى نهبا، وأنهى إنهاء، وتناهى تناهيا، والنهي الزجر عن الفعل بصيغة (لا تفعل) والامر الدعاء إلى الفعل بصيغة (افعل) مع اعتبار الرتبة. والنهي الغدير يكون له الحاجز يمنع الماء أن يفيض، فالنهي بمنزلة المنع. ونهاية الشئ غايته.

ونهية الوتد: الفرض، وهو الحز في رأسه الذي يمنع الحبل أن ينسلخ، لانه ينهاه عن ذلك.

والنهى: جمع نهية. وهي العقل.

والتنهية وجمعها تناهي، وهي مواضع تنهبط. ويتناهى إليها ماء السماء.

والانهاء إبلاغ الشئ نهايته وفي الاية دلالة على أنه يقبل توبة القاتل عمدا، لانه بين أنه يقبل توبة المشرك، وهو أعظم من القتل، ولا يحسن أن يقبل التوبة من الاعظم، ولا يقبل من الاقل، فان قيل فما معنى جواب الشرط، والله غفور

[147]

رحيم وإن لم ينتهوا، الجواب: إن معناه فان الله غفور لهم رحيم بهم، ويجوز فان الله يغفر لهم، لانه غفور رحيم، واختصر الكلام لدلالة ما تقدم على أنه في ذكرهم وإن الذي اقتضى انتهاء‌هم إنما هو ذكر المغفرة لهم، فكان الدلالة عليها بغير إفصاح عنها أحسن لما في ذلك من الايجاز، والاحالة على الاستدلال لتمكين الاشعار لمتضمن الكلام، والمغفرة: تغطيه الذنب بما يصير به بمنزلة غير الواقع في الحكم.

قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين(193)

آية.

المعنى: هذه الاية ناسخة للاولى التي تضمنت النهي عن القتال عند المسجد الحرام حتى يبدء‌وا بالقتال فيه، لانه أوجب قتالهم على كل حال حتى يدخلوا في الاسلام في قول الجبائي، والحسن، وغيره، وعلى ما حكيناه عن ابن عباس، وعمر ابن عبدالعزيز: أن الاولى ليست منسوخة، فلا تكون هذه ناسخة بل تكون مؤكدة، والفتنة الشرك في قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والربيع، وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر (ع).

وإنما سمى الكفر فتنة، لان الكفر يؤدي إلى الهلاك كما تؤدي الفتن إلى الهلاك، ولان الكفر إظهار الفساد عند الاختبار، والفتنة إنما هي الاختبار. والدين هاهنا قيل في معناه قولان: أحدهما - الاذعان لله بالطاعة كما قال الاعشى:

هو دان الرباب إذكر هو الد *** ين داركا بغزوة وصيال(1)

___________________________________

(1) ديوانه: 11، رقم القصيدة 1.

قيل: انه قالها في مدح الاسود بن المنذر اللخمي أخي النعمان بن المنذر لامه، وأم الاسود من تيم الرباب.

وقيل: انه قالهما في مدح المنذر بن الاسود لما غز الحليفين، وأسدا وذبيان، ثم أغار على - رمط الاعشى - بني ساعدة بن ضبة بن ثعلبة وكان الاعشى غائبا، فلما قدم وجد الحى مباحا فأتاه، فأنشده، وسأله أن يهبه الاسرى، ففعل.

والرباب - بكسر الراء - بنو عبد مناة بن أد، وهم تيم وعدي وعوف وثور، اجتمعوا فتحالفوا مع بني عمهم ضبة تيم بن أد، فجاء‌وا برب (تمر مطبوخ) فغمسوا أيديهم فيه، فسموا الرباب.

وقوله: دان الرباب أي أذلهم وحملهم على الطاعة. وقوله: دراكا أي تتابعا.

[148]

والثاني - الاسلام دون الكفر.

وأصل الدين العادة في قول الشاعر:(1)

تقول إذا درأت لها وضيني *** أهذا دينه أبدا وديني(2)

وقال آخر:

كدينك من أم الحو يرث قبلها *** وجارتها أم الرباب بما سل(3)

وقد استعمل بمعنى الطاعة في قوله تعالى: " ما كان ليأخذ في دين الملك "(4) واستعمل بمعنى الاسلام، لان الشريعة فيه يجب أن تجري على عادة قال الله تعالى: " إن الدين عند الله الاسلام "(5).

قوله: " فان انتهوا " معناه امتنعوا من الكفر وأذعنوا بالاسلام، " فلا عدوان إلا على الظالمين " أي فلا قتل عليهم، ولا قتل إلا على الكافرين المقيمين على الكفر، وسمي القتل عدوانا مجازا من حيث كان عقوبة على العدوان، والظلم، كما قال: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه "(6) وكما قال " وجزاء سيئة سيئة مثلها "(7) وكما قال: " وإن عاقبتم فعاقبوا "(8) وحسن ذلك لازدواج الكلام، ومزاوجته هاهنا على المعنى، لان تقديره " فان انتهوا " عن العدوان، " فلا عدوان إلا على الظالمين ".

فان قيل: أيجوز أن تقول لاظلم إلا على الظالمين كما جاز " لا عدوان إلا على الظالمين "؟ قلنا: على القياس لا يجوز، لان ذلك مجاز، والمجاز لا يقاس عليه - عند المحصلين - لئلا تلتبس الحقيقة بالمجاز. وإنما جاز في المزاوجة، لان الكلام

___________________________________

(1) هو المثقب العبدي.

(2) اللسان (دين)، (درأ)، (وضن) وروايته (دأبه) بدل (دينه).

ردأت لها وضيني: أي وضعت عنها حملها، والوضين هو المنسوخ من أي شئ كان.

(3) لم أجد هذا البيت فيما حضرني من المصادر.

(4) سورة يوسف آية: 76.

(5) سورة آل عمران آية: 19.

(6) سورة البقرة آية: 194.

(7) سورة الشورة آية: 40.

(8) سورة النحل آية: 126.

[149]

معه أبلغ، وأبلغ، كما قال عمرو بن شاس الاسدي:

جزينا ذوى العدوان بالامس فرضهم *** قصاصا سواء حذوك النعل بالنعل(1)

وأصل الظلم الانتقاص. من قوله تعالى " ولم تظلم منه شيئا "(2) وحقيقة ما قدمنا ذكره من أنه ضرر محض لا نفع فيه يوفي عليه عاجلا ولا آجلا ولا هو واقع على وجه المدافعة.

قوله تعالى: ألشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين(194)

آية واحدة بلا خلاف.

أشهر الحرم أربعة: رجب، وهو فرد وثلاثة أشهر سرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.

والمراد هاهنا: ذو العقدة، وهو شهر الصد عام الحديبة.

وإنما سمي الشهر حراما، لانه كان يحرم فيه القتال، فلو أن الرجل يلقى قاتل أبيه أو ابنه لم يعرض له بسبيل وسمي ذو القعدة، لقعودهم فيه عن القتال.

الاعراب: والشهر مرتفع بالابتداء، وخبره بالشهر الحرام، وتقديره: قتال الشهر الحرام أي في الشهر الحرام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ويحتمل أن يكون تقديره: الشهر الحرام على جهة العوض لما فات من الحج في السنة الاولى.

المعنى: وقوله: " والحرامات قصاص " قيل في معناه قولان: أحدهما - " الحرامات قصاص " بالمراغمة بدخول البيت في الشهر الحرام.

___________________________________

(1) تفسير الطبري 3: 573.

(2) سورة الكهف آية: 33.

[150]

قال مجاهد: لان قريشا فخرت بردها رسول الله صلى الله عليه وآله - يوم الحديبة - محرما - في ذي القعدة - عن البلد الحرام، فأدخله الله عزوجل مكة في العام المقبل في ذي القعدة، فقضى عمرته، وأقصه بما حيل بينه وبينه يوم الحديبة، وهو معنى قول قتادة، والضحاك، والربيع، وابن زيد.

وروي عن ابن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي (ع) مثله.

والقول الثاني - " والحرمات قصاص " بالقتال في الشهر الحرام أي لا يجوز للمسلمين إلا قصاصا.

وقال الحسن: إن مشركي العرب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله: أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام، قال نعم، فأراد المشركين أن يغزوه في الشهر الحرام، فيقاتلوه، فأنزل الله تعالى: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرامات قصاص " أي إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا، فاستحلو منهم مثل ما استحلوا منكم. وبه قال الزجاج، والجبائي.

وإنما جمع الحرمات لاحد أمرين: أحدهما - إنه يريد حرمة الشهر، وحرمة البلد، وحرمة الاحرام. الثاني - كل حرمة تستحل، فلا يجوز إلا على وجه المجازاة وفي الناس من قال: إن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: " قاتلوا المشركين كافة "(1) وقال آخرون ليست منسوخة، لانه يجوز اجتماعه مع تلك الفريضة - وهو الاولى - لانه لا دلالة على نسخها.

والحرام: هو القبيح الممنوع من فعله.

والحلال: المطلق المأذون فيه.

والقصاص الاخذ للمظلوم من الظالم، من أجل ظلمه إياه.

فان قيل: كيف جاز قوله: " إن الله لا يحب المعتدين " مع قوله " فاعتدوا عليه "(2) قلنا الثاني ليس باعتداء على الحقيقة، وإنما هو على وجه المزاوجه، ومعناه المجازات على ما بينا. والمعتدي مطلقا لايكون إلا ظالما لضرر قبيح، وإذا كان مجازا فانما يفعل ضررا حسنا.

___________________________________

(1) سورة التوبة آية: 37.

(2) سورة البقرة آية: 194.

[151]

فان قيل: كيف قال بمثل ما اعتدى عليكم، والاول جور، والثاني عدل؟ قلنا، لانه مثله في الجنس وفي مقدار الاستحقاق، لانه ضرر، كما أن الاول ضرر، وهو على مقدار مايوجبه الحق في كل جرم. وقيل إن عدا، واعتدى لغتان بمعنى واحد، ومثله قرب واقترب، وجلب واجتلب.

وقال قوم: في افتعل مبالغة ليس في فعل.

ومعنى قوله: " واعلموا أن الله مع المتقين " يعني بالنصرة لهم، كأنه قال: " إن الله مع المتقين " بالنصرة أو إن نصرة الله معهم. وأصل (مع) المصاحبة في المكان أو الزمان.

قوله تعالى: وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين(195)

آية بلا خلاف.

المعنى: أمر الله تعالى جميع المكلفين المتمكنين من الانفاق في سبيل الله: أن ينفقوا في سبيله، وسبيل الله: هو كل طريق شرعه الله تعالى لعباده، يدخل فيه الجهاد، والحج، وعمارة القناطر، والمساجد، ومعاونة المساكين، والايتام، وغير ذلك، والانفاق: هو إخراج الشئ عن ملك مالكه إلى ملك غيره، لانه لو أخرجه إلى هلاك لم يسم إنفاقا.

وقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " معناه لا تطرحوا أنفسكم في الهلاك، بأن تفعلوا ما يؤدي إليه. وحقيقة الالقاء تصير الشئ إلى جهه السفل. وإنما يقال: ألقى عليه مسألة مجازا، كما يقال: طرح عليه مسألة.

[152]

الاعراب: والباء في قول بأيديكم يحتمل وجهين: أحدهما - أن تكون زائدة كقولك تعلقت زيدا، وتعلقت بزيد وجذبت الثوب، وجذبت بالثوب، وعلمته، وعلمت به.

قال الشاعر:

ولقد ملات على نصيب جلده *** بمساء‌ة إن الصديق يعاتب(1)

والمراد ملات جلده مساء‌ة.

والثاني - أن يكون على أصل الكلام من وجهين: أحدهما - أن كل فعل متعد إذا كني عنه أو قدر على المصدر دخلته الباء، كقولك ضربته ثم تكني عنه فتقول فعلت به.

والآخر أن تقول: أوقعت الضرب به فجاء على أصل الافعال المتعدية.

والوجه الاخر: أنه لما كان معناه: لاتهلكوا أنفسكم بايديكم، فدخلت الباء ليدل على هذا المعنى، وهو خلاف أهلك نفسه بيد غيره.

المعنى: وقيل في معنى الاية وجوه: أحدها - قال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وهو المروى عن حذيفة، وابن عباس: إن معناها " لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " بالامتناع من الانفاق في سبيل الله.

الثاني - ما روي عن البراء ابن عازب، وعبيدة السلماني: لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة.

الثالث - ما قال البلخي، من أن معناها: لاتتقحموا الحرب من غير نكاية في العدو، ولا قدرة على دفاعهم.

والرابع - ما قاله الجبائي لا تسرفوا في الانفاق الذي يأتي على النفس.

والاولى حمل الاية على عمومها في جميع ذلك.

اللغة: والتهلكة، والهلاك واحد. وقيل: التهلكة: ما أهلكهم الله عنده. وأصل الهلاك الضياع، وهو مصدر ضاع الشئ بحيث لا يدري أين هو، ومنه يقال للكافر: هالك، وللميت: هالك، وللمعذب: هالك.

والهلوك: المهواة البعيدة، لان الذي يهوي فيها هالك.

والهلوك: الفاجرة. والهلوك: المتحيرة، تشبيها بالهلوك: الفاجرة

___________________________________

(1) لم أجد هذا البيت الا في مجمع البيان وروايته (يعاقب) بدل (يعا؟ ب).

[153]

التي تمايل في مشيتها، تقول: هلك يهلك هلكا، وهلاكا، وأهلكه إهلاكا، وتهالك تهالك تهالكا، واهتلك اهتلاكا: إذا ألقى نفسه في المهالك.

واستهلكه استهلاكا، وانهلك انهلاكا.

إذا حمل نفسه على الامر الصعب.

والهالكي: الحداد.

وأصل ذلك أن بني الهالك بن عمر، كانوا قيونا، فسمي بذلك كل قين: هالكيا.

والتهلكة: كلما كان عاقبته إلى الهلاك.

والهالك: الفقير الذي بمضيعة.

والاحسان: هو الافضال إلى المحتاج، في قول زيد بن أسلم.

وحد الاحسان هو إيصال النفع الحسن إلى الغير، وليس المحسن من فعل الفعل الحسن، لان الله تعالى يفعل العقاب وهو حسن، ولا يقال: إنه محسن به، لا يسمى مستوفي الدين محسنا، وإن كان حسنا، فان أطلق ذلك في موضع، فعلى وجه المجاز، وإنما اعتبرنا أن يكون النفع حسنا، لان من أوصل نفعا قبيحا إلى غيره لا يقال: إنه محسن اليه. وقد بينا حقيقة المحبة، فيما مضى، فلا وجه لاعادته، ومحبة الله للمحسنين، إرادة الثواب بهم والمنعفة لهم.

وقال عكرمة: أحسنوا الظن بالله يراكم.

وقال ابن زيد: أحسنوا بالعود على المحتاج " إن الله يحب المحسنين ".

وروى عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن ولا وفق لقوله " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " يعني المقتصدين.

[154]

قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رء‌وسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فاذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب(196)

آية واحدة بلا خلاف.

المعنى: وروي عن الشعبي: أنه قرأ " والعمرة لله " رفعا، وذهب إلي أنها ليست واجبة، كما قال أهل العراق. وعندنا، وعند الشافعي: أنها واجبة، كوجوب الحج. والقراء كلهم على النصب، والعمرة عطفا على قوله " وأتموا الحج " وتقديره، وأتموا العمرة لله. وأمر الله تعالى جميع من توجه إليه وجوب الحج أن يتم الحج والعمرة. وقيل في إتمام الحج والعمرة أقوال:

أحدها - أنه يجب أن يبلغ آخر أعمالها بعد الدخول فيهما وهو قول مجاهد، وأبي العباس المبرد، وأبي علي الجبائي.

والثاني - قال سعيد بن جبير، وعطا، والسدي: إن معناه إقامتهما إلى آخر ما فيهما، لانهما واجبان.

الثالث - قال طاووس: أتمامهما إفرادهما.

الرابع - قال قتادة: الاعتمار في غير أشهر الحج.

وأصح الاقوال الاول.

والحج هو القصد إلى البيت الحرام، لاداء مناسك مخصوصة بها في أوقات مخصوصة. ومناسك الحج تشتمل على المفروض، والمسمون. والمفروض يشتمل على الركن، وغير الركن، فأركان الحج أولا: النية، والاحرام، والوقوف بعرفة، والوقوف بالمشعر، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة.

والفرائض التي ليست بأركان: التلبية، وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف له.

والمسنوات: الجهر بالتلبية واستلام الاركان، وأيام منى، ورمى الجمار، والحلق أو التقصير، والاضحية إن كان مفردا. وإن كان متمتعا فالهدي واجب عليه، وإلا فالصوم الذي هو بدل عنه، وتفصيل ذلك ذكرناه في النهاية، والمبسوط، والجمل والعقود، لا نطول بذكره.

[155]

وفي هذه المناسك خلاف كثير - بين الفقهاء - ذكرناه في مسائل الخلاف.

والعمرة واجبة كوجوب الحج، وبه قال الحسن، وابن عباس، وابن مسعود. وابن عمر، وعطا، وابن جبير، وعمرو بن عبيد، وواصل بن عطا، والشافعي.

وقال ابراهيم النخعي، والشعبي، وسعيدبن جبير، وأهل العراق: إها مسنونة.

وعن بن مسعود فيه خلاف، فمن قال: إنها غير واجبة قال: لان الله تعالى أمر باتمام الحج والعمرة، ووجوب الاتمام لا يدل على أنه واجب قبل ذلك، كما أن الحج المتطوع به يجب إتمامه وإن لم يجب الدخول فيه، قالوا: وإنما علينا وجوب الحج بقوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت "(1) وهذا ليس بصحيح، لانا قد بينا أن معنى أنموا الحج والعمرة أقيموهما، وهو المروي عن علي (ع) وعن علي بن الحسى مثله، وبه قال مسروق، والسدي.

والعمرة هي الزيارة في اللغة. وفي الشرع عبارة عن زيارة البيت لاداء مناسك مخصوصة أي وقت كان من أيام السنة.

وأفعال العمرة الواجبة: النية، والاحرام، والطواف، والصلاة عند المقام، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء. وفي بعض ذلك خلاف ذكرناه في الخلاف.

وقوله " فان أحصرتم " فيه خلاف، قال قوم: فان منعكم خوف، أو عدو، أو مرض، أو هلاك بوجه من الوجوه، فامتنعتم لذلك.

وقال آخرون: إن منعكم حابس قاهر.

فالاول قول مجاهد، وقتادة، وعطا، وهو المروي عن ابن عباس. وهو المروي في أخبارنا. والثاني ذهب اليه مالك بن أنس. فالاول أقوى لما روي في أخبارنا، ولان الاحصار هو أن يجعل غيره بحيث يمتنع من الشئ. وحصره منعه، ولهذا يقال: حصر العدو، ولا يقال: أحصر.

___________________________________

(1) سورة آل عمران آية: 97.

[156]

اللغة: واختلف أهل اللغة في الفرق بين الاحصار، والحصر، فقال الكسائي، وأبوعبيدة، وأكثر أهل اللغة: إن الاحصار المنع بالمرض، أو ذهاب النفقة. والحصر بحبس العدو.

وقال الفراء: يجوز كل واحد منهما مكان الاخر.

وخالف في ذلك أبوالعباس، والزجاج، واحتج المبرد بنظائر ذلك. كقولهم حبسه أي جعله في الحبس وأحبسه أي عرضه للحبس، وقتل: أوقع به القتل، وأقتله: عر؟ للقتل، وقبره: دفنه في القبر، وأقبره: عرضه للدفن في القبر، فكذلك حصره: حبسه أي أوقع به الحصر، وأحصره: عرضه للحصر.

ويقال: أحصره احصارا: اذامنعه، وحصره يحصره حصرا اذا حبسه، وحصر حصرا: إذا عيي في الكلام.

وحاصره محاصرتا: إذا ضيق عليه في القتال. والحصر الضيق. هذا حصر شديد.

والحصر: الذي لايبوح بسره، لانه قد حبس نفسه عن البوح به.

والحصير: الملك.

والحصير: المحبس، ومنه قوله تعالى: " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " "(1) والحصور: الذي لا إربة له في النساء.

والحصور: الغيوب المحجم عن الشئ.

والحصر البخيل لحبسه رفده، وأصل الباب: الحبس.

الاعراب: وقوله " فما استيسر من الهدي " موضع (ما) رفع، كأنه قال: فعليه " ما استيسر من الهدي ". ويجوز النصب وتقديره: فليهدي ما استيسر من الهدي. والرفع أقوى لكثرة نظائره، كقوله " فقدية من سيام " وقوله " فعدة من أيام أخر "(2) وقوله " فصيام ثلاثة أيام ".

المعنى: وفي معنى " ما استيسر " خلاف، فروي عن علي (ع)، وابن عباس، والحسن، وقتادة: أنه شاء.

وروي عن ابن عمر، وعائشة: أنه ما كان من الابل والبقر دون غيره، ووجها التيسر على ناقة دون ناقة، وبقرة دون بقرة. والاول هو المعمول عليه عندنا.

___________________________________

(1) سورة الاسراء آية: 8.

(2) سورة البقرة آية: 184، 185.

[157]

اللغة: وفي اشتقاق الهدي، وأصله قولان: أحدهما - أنه من الهدية، يقال منه: أهديت الهدية إهداء، وأهديت إلى البيت الهدي إهداء، فعلى هذا يكون هديا لاجل التقرب به إلى الله باخلاص الطاعة فيه، على ما أمر به.

الثاني - من هديته هدى: اذا سقته إلى طريق الرشاد، وواحد الهدي هدية، وروى أبوعبيدة عن أبي عمرو: أنه لا يعرف له نظير إلا جدية السرج وجدي، وقال المبرد: وهو مطرد في الاجناس، كتمرة وتمر، وشرية وشري، وهو الحنظل.

وقوله " ولا تحلقوا رؤوسكم " معناه لا تزيلوا شعور رؤوسكم: يقال حلق يحلق حلقا، وحلق تحليقا، وانحلق انحلاقا.

والحلق: مجرى الطعام، والشراب في المري.

والحلقة: حلقة القوم، وحلقة الحديد، والحلقة السلاح، ويقال أيضا بالتخفيف.

وحلق الطائر في الهواء إذا ارتفع، وهوى من حالق أي من علو إلى سفل.

وحلق ضرع الناقة إذا ارتفع لبنها.

وحلاق المنية، وجاء بالحلق اذا جاء بالمال الكثير.

والملحق: محلق الشعر كالموسى.

وحلوق الارض مجاريها في أوديتها.

والمحلق: موضع حلق الرأس بمنى.

وأصل الباب الاستمرار.

والرؤوس جمع رأس يقال: رأس يرأس رآسة، وترأس ترأسا، ورأسه ترئيسا. والرأس أعلى كل شئ، الرواسي العظيم الرأس فوق قدره، وكلبة رؤس: وهي التي تساور رأس الصيد.

وسحابة رأيسة: وهي التي تتقدم السحاب. ورجل مرء‌وس إذا أصابه البرسام في رأسه. ورأس فلان فلانا إذا ضربه على رأسه. وأصل الباب الرأس.

وقوله: " حتى يبلغ الهدي محله " معناه حتى ينتهى إليه، يقال: بلغ يبلغ بلوغا، وأبلغه إبلاغا، وبلغه تبليغا، وبالغ مبالغة، وتبالغ تبالغا، وتبلغ تبلغا، وبلغ الرجل بلاغة اذا صار بليغا.

والبلغة: القوت. وأصل الباب البلوغ، وهو الانتهاء فمنه البلاغة، لانها تبلغ بالمعنى إلى القلب.

[158]

المعنى وقيل في محل الهدي قولان: أحدهما - ما روى عن ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وعطا: أنه الحرم فاذا ذبح به يوم النحرأحل.

والثاني - قال مالك: إنه الموضع الذي صد فيه، وهو المكان الذي يحل نحره فيه قال. لان النبي صلى الله عليه وآله نحر الهدي، وأمر أصحابه فنحروا بالحديبية.

وعندنا: أن الاول حكم المحصر بالمرض، والثاني حكم المحصور بالعدو، وروي أيضا أن محله منى إن كان في الحج، وإن كان في العمرة فمكة.

وقوله تعالى: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه " فالاذى كلما تأذيت به. ورجل آذ إذا كان شديد التأذي تقول: آذى يآذى أذى. وأصله الضرر بالشئ، وروى أصحابنا أن هذه الاية نزلت في إنسان يعرف بكعب بن عجرة. الاية، لكنها محمولة على جميع الاذى.

وقوله " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فالذي رواه أصحابنا أن الصيام ثلاثة أيام أو صدقة ستة مساكين.

وروي عشرة مساكين. والنسك شاة. وفيه خلاف بين المفسرين.

وروي عن كعب بن عجزة الانصاري، ومجاهد، وعلقمة، وابراهيم، والربيع، واختاره الجبائي: مثل ما قلناه: إن الصوم ثلاثة أيام والاطعام لستة مساكين.

وقال الحسن وعكرمة: صوم عشرة أيام أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع بلا خلاف. ولم يختلفوا في النسك أنه شاة. والنسك: جمع نسيكة، ويجمع أيضا نسائك، كصحيفة وصحائف وصحف.

وقوله " فاذا أمنتم " معناه أمنتم أن يحصر كم العدو أو أمنتم المرض " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج "، ففرض التمتع - عندنا - هو اللازم لكل من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وحد حاضري المسجد الحرام: من كان على إثنى عشر ميلا من كل جانب إلى مكة، ثمانية وأربعين ميلا، فما خرج عنه فليس من الحاضرين، لا يجوز له مع الامكان غير التمتع، وعند الضرورة، يجوز له القران والافراد.

[159]

ومن كان من حاضري المسجد الحرام، لايجوز له التمتع، وإنم فرضه القران أو الافراد على ما نفسره في القران والافراد، وسياق المتمتع أن يحرم من الميقات في أشهر الحج وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، ثم يخرج إلى مكة، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويقصر، ثم ينشئ إحراما آخر بالحج من المسجد الحرام، ويخرج إلى عرفات، ويقف هناك، ويفيض إلى المشعر، ويغدوا منها إلى منى، ويقضى مناسكه هناك، ويدخل في يومه إلى مكة، فيطوف بالبيت طواف الزيارة، ويسعى بين الصفا والمروة، ويطوف طواف النساء، وقد أحل من كل شئ ويعود إلى منى، فبيت ليالي بها، ويرمي الجمار في ثلاثة أيام - على ما شرحناه في النهاية، والمبسوط - وفي بعض ذلك خلاف بين الفقهاء ذكرناه في الخلاف وللمفسرين في التمتع أربعة أقوال:

فالاول رواه أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وآله أهل بعمرة وحجة، وسموه قارنا، وأنكر ذلك ابن عمر.

والثاني روى ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطا، واختاره الجبائي: وهو أن يعتمر في أشهر الحج ثم يأتي مكة، فيطوف، ويسعى، ويقصر ثم يقيم حلالا إلى يوم التروية، أو يوم قبله، فيهل فيه بالحج من مكة، ثم يحج. وهذا مثل ما قلناه سواء. وقال البلخي: إن هذا الضرب كرهه عمر، ونهى عنه، وكرهه ابن مسعود.

الثالث - هو الناسخ للحج بالعمرة رواه جابر بن عبدالله، وأبوسعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرهم - وقد أهلوا بالحج، لاينوون غيره - أن يعتمروا ثم يحلوا إلى وقت الحج. هذا عندنا جائز أن يفعل. وروي عن أبي ذر: أنها كانت لاصحاب النبي صلى الله عليه وآله خاصة. وكذلك يقولون: إن عمرا أنكر هذه المتعة.

الرابع - قال ابن الزبير: إن المحصر اذا دخل مكة بعد فوت الحج، تمتع بالعمرة، لانه يحل بها إلى وقت الحج، وكذلك من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج تلك السنة، فهو المتمتع، ولا هدي عليه. وهذا عندنا فاسد بما قدمناه.

[160]

وقوله تعالى: " فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " فالهدي واجب على المتمتع بلا خلاف، لظاهر التنزيل، على خلاف فيه أنه نسك أو جبران، فعندنا أنه نسك، وفيه خلاف فان لم يجد الهدي ولا ثمنه، صام ثلاثة أيام في الحج، وعندنا أن وقت صوم الثلاثة أيام: يوم قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، فان صام في أول العشرة جاز ذلك رخصة. وإن صام يوم التروية ويوم عرفة قضى يوما آخر بعد التشريق فان قاته يوم الترويه صام بعد القضاء من التشريق ثلاثة أيام متتابعات.

وروي عن ابن عباس، وابن عمر، والحسن، ومجاهد: أنه يجوز ما بين إحرامه في أشهر الحج إلى يوم عرفة. واستحبوا أن يكون يوما قبل التروية، ويوم عرفة. ورقت صوم السبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وبه قال عطا، وقتادة. وقال مجاهد: إذا رجع عن حجه في طريقه.

فأما أيام التشريق، فلا يجوز صومها عندنا، وبه قال جماعة من المفسرين، واختاره الجبائي، لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن صوم أيام التشريق. وروي عن ابن عمر، وعائشة جواز ذلك.

وقوله: " تلك عشرة كاملة " اختلفوا في معناه، فقال الحسن، والجبائي، وهو المروي عن أبي جعفر (ع) أن المعنى كاملة من الهدي أي اذا وقعت بدلا منه، استكملت ثوابه.

الثاني - ما ذكره الزجاج، والبلخي أنه لازالة الايهام لئلا يظن أن (الواو) بمعنى (أو) فيكون كأنه فصيام ثلاثة أيام في الحج سبعة أيام اذا رجعتم، لانه اذا استعمل (أو) بمعنى (الواو) جاز أن يستعمل (الواو) بمعنى (أو) كما قال: " فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " والمراد " أو " فذكر ذلك لارتفاع اللبس.

الثالث - قاله المبرد: إنه أعادذلك للتأكيد قال الشاعر:

ثلاث واثنتان فهن خمس *** وسادسة تميل إلى شمام(1)

___________________________________

(1) في مجمع البيان نسبه إلى جرير ولم أجده في ديوانه.

في المطبوعة " سمام " بدل " شمام " " واثنان " بدل " اثنتان ".

[161]

اللغة: وتقول: ثلثت القوم أثلثهم، فأنا ثالثهم، وربما قالوا: ثلثت الرجلين أي صرت لهما ثالثا. والثلث جزء من ثلاثة. والمثلث: شكل على ثلاثة أضلاع. والمثلوث: ما أخذ ثلثه.

والثلاثاء: اليوم الثالث من الاحد. والثلاثي: ما نسب إلى ثلاثة أشياء، وأصله الثلاثة من العدد.

وأهل الرجل: زوجته. والمتأهل: المتزوج. وأهل الرجل: أخص الناس به. وأهل البيت: سكانه. وأهل الاسلام: من تدين به. وأهل القرآن: من يقرأه، ويقوم بحقوقه. وأهلته لهذا الامر أي جعلته أهلا له. والاهلي: خلاف البري. وقولهم مرحبا وأهلا أي اختصاصا بالتحية، والتكرمة.

المعنى: وقد بينا أن (أهل حاضري المسجد الحرام) من كان من بينه وبينها إثنا عشر ميلا من أربع جوانبها.

وقال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: إنهم أهل الحرم، فروي في أخبارنا أيضا ذلك.

وقال مكحول: وعطا: من بين مكة، والمواقيت.

وقيل: ثم أهل الحرم، ومن قرب منزله منها، كأهل عرفة، ذهب اليه الزهري ومالك.

اللغة: وقوله تعالى: " واعلموا أن الله شديد العقاب " تقول: عقب الشئ يعقب بمعنى خلف بعد الاول. وأعقب إعقابا، وتعقب الرأي تعقبا. " والعاقبة للمتقين "(1) أي الاخرة. ونرد على أعقابنا أي نعقب بالشر بعد الخير.

والعقبة: ركوب أعقبه المشي. " له معقبات "(2): ملائكة الليل تخلف ملائكة النهار.

___________________________________

(1) سورة الاعراف آية: 127.

(2) سورة الرعد آية: 12.

[162]

وعقب الانسان: نسله، وعقبة، مؤخر قدمه. والعقبة: المصعد في الجبل. والعقب: الصعب. والعقاب: الطائر. واليعقوب: ذكر القبج. " ولا معقب لحكمه " أي لا راد لقضائه. وأصل الباب: العقب: الخلف بعد الاول.

 

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21331170

  • التاريخ : 28/03/2024 - 09:48

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net