• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : معجزة السحب والمطر بين القرآن والعلم .

معجزة السحب والمطر بين القرآن والعلم

                                   الأستاذ لبيب بيضون

عدّد الله تعالى في سورةِ الواقعة أربعة نعم أساسية أنعم الله بها على الإِنسان، وهي: نعمة الخلق ونعمة الماء ونعمة النبات ونعمة الطاقة الحرارية.

وسنخصّص حديثنا الآن للنعمة الثانية، لنلحظ كيف تتشكّل السحب في الفضاء، وكيف ينزّل الله منها المطر على هيئة ماءٍ عذب سلسبيل فيُحيي به الأرض بعد موتها، ويُحيي به الحيوان والإِنسان.

يقول جلّ من قائل:

(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنْزَلْتُمُوُهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ) [الواقعة/ 70].

كيف تتشكل السحب؟

نعلم أن للماء ثلاثة أطوار هي: الجليد والماء والبخار. ويتحول الماء إلى بخار بإحدى الطريقتين:
1 ـ عن طريق البخر: ويحدث ذلك بشكل مستمر، في أية درجة من درجات الحرارة.
وهو استبخار بطيء يحدث للسائل عند سطحه الملامس للهواء. وتزيد سرعة البخر بازدياد سطح الملامس للهواء. وتزيد سرعة البخر بازدياد سطح السائل ودرجة الحرارة وينقص الضغط الواقع على السائل، كما تزيد بازدياد حركة الهواء الذي فوقه.
2 ـ عن طريق التسخين: كما يحدث عند غلي الماء، ويكون منشأ البخار من وسط السائل. وهذا لا يحدث في الطبيعة.

ومما لا شك فيه أن كميات هائلة من البخار تتشكّل عندما تسطع الشمس على سطح البحار، ولكن هل هذه الكميات من البخار تشكّل سحباً؟ نحن نعلم بأنّ الابخرة عندما تصعد من البحر فإنها تتبعثر في الهواء وتتلاشى في الفضاء.. وهذا يدل على أن تشكّل السحب له عامل أساسي آخر. فما هو هذا المعمل الذي ينتج ملايين السحب ثم يبعثها إلى اليابسة؟. لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة آيات مؤكداً أن المعمل الذي يولّد السحب هو الرياح.

يقول جل من قائل:

(اللّهُ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السّماءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ) [الروم/ 48].

وفي هذا بيان واضح إلى كيفية تشكّل السحب. وذلك أن الله سبحانه جعل أربعة أخماس سطح الأرض ماء متجمعاً في المحيطات، ويكون الماء السطحي من البحر في ضغط إشباعي متوازن مع طبقة رقيقة تعلوه من بخار الماء، فهذا يدفع البخار في الطبقة الملامسة للماء لأن ينتشر في الهواء، منتقلاً من الضغط العالي إلى الضغط المنخفض، وهكذا تتم عملية (البخر) التي تزيدها حرارة الشمس سرعة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن سقوط أشعة الشمس على سطح البحر يجعل طبقات الهواء القريبة من سطح البحر أسخن من الطبقات العليا، فيصعد الهواء الدافئ إلى الأعلى لخفّته، ليحلّ محلّه الهواء البارد لثقله، وتنشأ عن ذلك دوّامة هوائية ناتجة عن تيارات الحمل، التي هي سبب تشكّل الرياح.. فإذا نشطت هذه الدوّامة الهوائية التي هي في مستوى عمودي على سطح البحر، فإنها تحرّض حال حركتها من الأسفل إلى الأعلى، تحرّض ماء البحر على البَخْر، ثم تسوقه مع حركتها إلى الأعلى، حيث تضغطه وتجمعه بقوّتها. فإذا حملته إلى أعالي الجو حيث البرودة، تكاثف بشكل قطيرات دقيقة معلّقة هي (السحب). ثم تسوقه رياح ذات منشأ أفقي إلى اليابسة حيث تنمو حبيباته المائية لتُصبح قطرات كبيرة، تسقط على هيئة المطر.

فتعالى الحكيم المدبّر والقادر المقدّر، الذي تصرّف بكل شيء، وجعل لكل شيء سبباً وقانوناً.
يقول سبحانه (اللّهُ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً) أي أن الرياح تعطي بخار الماء طاقة حركية تجعله ينفك من سطح البحر ويسير مع الرياح إلى الأعلى.

(فَيَبْسُطُهُ فِي السّماءِ كَيْفَ يَشَاءُ) يُشَكّل منه أنواع السحب المختلفة ذات الأشكال والخصائص المتفاوتة، والمتواجدة في طبقات معينة.

(ويجعله كِسَفاً) أي قِطَعاً.

(فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ) الوَدْقُ هو قطرات المطر. وهنا تظهر المعجزة الإِلهية الكبرى في هذه السحب، كيف يُنَزّل الله الماء منها متى شاء، ويمنعه من النزول متى شاء، وما هي العوامل التي تجعله يتقاطر من السحب، هل هي البرودة فقط، أم هي شيء أعمق من ذلك وأعقد؟. فلو كانت البرودة هي السبب فلماذا في الشتاء البارد تمر ملايين السحب في بعض الأحيان دون أن تنزل منها قطرة مطر، في حين في الصيف القائظ قد تنزل أمطار شديدة من السماء حتى لا يبقى فيها شيء؟.

وقد صوّر الإِمام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة بقوله في حديثه عن البحر: (تُكَرْكره الرياح العواصف، وتَمْخَضُه الغمامُ الذوارف) أي أن السحاب يستخلص خلاصته من ماء البحر، وهو الماء العذب، كما تُستخلص الزبدة من الحليب عن طريق مخْضِه.
وقد ذكر سبحانه آليّة تشكّل السحب في آية ثانية بشكل أكثر تفصيلاً فقال:

(أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلّبُ اللّهُ الّيْلَ وَالنّهَارَ إِنّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ) [سورة النور/ 43].

فالله سبحانه يُزجي سحاباً أي يسوق سحاباً متلاحقاً، على نحو القائد الذي يزجي جيوشه إلى الأعداء، وذلك بواسطة الريح.

(ثم يُؤْلّف بينه) أي يجمعه بعد تفرّقه، وكما قال الإِمام علي (عليه السلام): ((ألّف غمامَها بعدَ افتراقِ لُمَعِِه، وتباينِ قَزَعه)).

يُستفاد من ذلك أن التأليف ليس فقط الجمع والتجميع، بل إيجاد التوافق والتآلف بين قِطَعه غير المتجانسة.

(ثم يجعلُه رُكاماً) أي متراكماً بعضه فوق بعض وهذا مثال السحب الركامية كما سنرى.
(فترى الودقَ يخرجُ من خلاله) أي أن المطر يخرج من بينه. ويتابع الامام علي (عليه السلام) كلامه السابق مُبَيّناً هذه الظاهرة، وهي انتقال ذرات الماء الموجودة في السحابة من وضعيتها المحمولة وهي ذرات دقيقة، إلى وضعيتها الجديدة اذ تصير قطرات من المطر قابلة للهطول بقوله: (حتى إذا تَمَخّضَتْ لُجّةُ المُزْنِ فيه... أرسلَه سَحَّاً مُتَداركاً). أي إذا تجمعت ذراتُ الماء الدقيقة التي يتألف منها السحاب على هيئة قطرات، وصارت السحبُ لُجّةً من الماء (عبّر عنها (بالمُزْن) لأن المزنة هي السحابة الممطرة المليئة بالماء)، أرسل الله المطر سَحّاً متتابعاً. ثم يقول سبحانه: (وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا) أي يُنَزّل من السحب التي جعلها الله في السماء كالجبال (من بَرَدٍ) أي بَرَداً. ذلك أن السحب مهيأة لأن تعطي عدة أشكال للماء، منها المطر والرذاذ والثلج والبَرَد، حسب الشروط التي تتوفر لها حال تشكّلها ونزولها، كما سنرى.

(يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) ذلك أن بعض الغيوم حال تشكّلها من الرياح تكون مشحونة، فإذا اقتربت سحابتان من شحنتين مختلفتين أصبحتا كالمكثفة، وانفرغت بينهما شرارة عظيمة عن طريق الشوارد الناقلة الموجودة بينهما، مما يؤدي إلى حصول البرق، الذي يكون نوره من الشدة بحيث أنه يُعمي عين الناظر اليه.

وسوف نرى كيف أنّ للسحب أنواعاً مختلفة، وأنّ لكل نوعٍ منها مناطق معينة يتواجد فيها في طبقات الجو.

وقد أشار سبحانه إلى هذه الحقيقة وهو يعدّد بعض آياتهِ بقوله (وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالْأَرْضِ) حيث قال:

(إِنّ فِي خَلْقِ السّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [سورة البقرة/ 164].

فالرياح هي العامل الأساسي في صنع السحاب بأنواعه وحملِهِ إلى طبقاته التي أوجدها الله تعالى، حيث سخّر الله السحاب ليقوم بوظائفَ مختلفة حسب الطبقة التي يوجد فيها. فمنه لإِنزال المطر، ومنه لامتصاص الاشعاعات القاتلة الآتية من الشمس، ومنه لحرق الشهب والنيازك... إلى غير ذلك.

ممَّ تتألف السحب؟

السُّحُب كُتَلٌ من مادة مرئية تطفو في الهواء العالي. وتتكون من عناصر دقيقة هي: قطيرات الماء، أو بلورات دقيقة أيضاً من الثلج، أو من خليط منهما.

وتتشكّل السحب بكل أنواعها العالية منها والقريبة من سطح الأرض (الضباب) عن طريق تكاثف بخار الماء.

وتكون كل قطيرة من القطيرات البالغة الصغر في السحابة متشكلة حول جزيئات صغيرة جداً من الغبار أو الرماد أو الدخان أو غبار الطلع أو الملح.

وتطفو السحابة محمولة على الهواء الذي يملأ جو الأرض، يحملها برفق حيناً وبقسوة أحياناً أخرى، فينقلها من مكان لآخر، وفق نظام خاص، يتعلق بدوران الأرض وبالمناخ في مناطقها المختلفة.

تشكّل المطر:

وتكون قطيرات الماء في السحابة من الصِّغَر بحيث تظل معلقة في الهواء، ومحمولة في الأعلى بواسطة تيارات الهواء الخفيفة. وعندما تكبر قطيرات الماء في الحجم عن طريق تقاربها واندماجها. وتصبح قطرات ثقيلة بشكل كاف، تنفلت تحت تأثير الجاذبية وتسقط على هيئة المطر. ولا زال العلم حتى الآن عاجزاً عن معرفة السبب الذي يجعل القطيرات تتجمع مع بعضها لتؤلف قطرات المطر.

تشكّل الثلج:

من الممكن عادة أن تكون لسحابة مؤلفة في أسفلها من قطيرات من الماء، وفي أعاليها من رقائق من الثلج (كما في المُزْن الركامي). وتكون درجة الحرارة في طبقة رقائق الثلج دون الصفر، لذلك فإن بخار الماء هناك يتكاثف مباشرة إلى بلورات ثلجية، أو ثلج. إن الثلج ليس مطراً جامداً، وإنما هو بخار ماء متجمد. وعندما يتساقط الثلج فربما ينزل على هيئة بلورات منفصلة سداسية الأطراف، أو مندمجة بشكل كتل صوفية من الثلجِ.

تشكّل البَرَد:

يتشكّل البَرَد أحياناً أثناء العواصف الرعدية، ويمكن أن يحصل فقط إذا كانت هناك تيارات شديدة من الهواء الصاعد. يبدأ البَرَد كقطرات من المطر الساقط، ولكن عندما يحمل تيار الهواء الصاعد هذه القطرات عالياً إلى درجات حرارية أبرد، فإنها تتجمد إلى جليد. وربما تسقط الحبات المتشكلة أو تتصاعد ثانية إلى الأعلى. وعندها يتكاثف عليها بخار ماء جديد، فيكبر حجم البرد. ويمكن أن تتكرر هذه العملية عدة مرات، فتنمو البَرَدة إلى حجم بيضة الدجاج.

وعندما تصبح حبات البَرَد بهذا الحجم، بحيث لا يمكنها أن تظل محمولة بتيارات الهواء، فإنها تتساقط إلى الأرض وعليه فإن حبة البَرَد تتألف من عدد من الطبقات المتمركزة التي يمكن ملاحظتها بسهولة إذا كسرنا البردة إلى نصفين. وقد سُجل في أمريكا سقوط حبات من البرد بوزن أكبر من نصف كيلوغرام.

أنواع السحب:

منذ القديم وضعت مبادئ كثيرة لتقسيم السحب. واليوم يتم تصنيف السحب وفق مبدأين أساسيين هما: شكل السحب وارتفاعها.

فأما من ناحية الشكل فنميّز أربعة أنواع أساسية هي: السُّحُب السمحاقية والطبقية والركامية والمُزْن الركامي.

1 ـ فأما السحب السمحاقية: فهي سحب دقيقة منفصلة كالسمحاق، بيضاء كالحرير، لا تلقي أي ظل على الأرض لارتفاعها، وهي مؤلفة من بلورات ثلجية. وتكون مختلفة المظهر، فهي أحياناً بشكل خُصَل وأحياناً بشكل خيوط أو بشكل ريش طيور.
ومعظم هذه السحب تقع على ارتفاعات عالية معدلها الوسطي 6 أميال.

2 ـ وأما السحب الطبقية: فهي عادة رقيقة وحيدة الشكل، تغطي السماء بأكملها وتعطيها لوناً رمادياً، وتحجب نور الشمس، وهي تتألف في الصيف من حبيبات من المطر، وفي الشتاء من بلورات من الثلج. وعندما تهبط إلى الأرض تعطي الضباب.
3 ـ أما السحب الركامية: فهي عبارة عن سحب متراكمة فوق بعضها، وهي سحب سميكة ومنخفضة عموماً، وتعطي ظلالاً على الأرض.

بعض أنواعها يهطل منه المطر، والبعض أنواعها يهطل منه المطر، والبعض الآخر يهطل منه الثلج أو البَرَدَ. وهي بشكل طبقات معتمة أو شبه شفافة أو متموجة أو مشققة، وعندما تعلو عدة أميال تعطي الرعود.

4 ـ وأما المُزْن الركامي: فهي سحب منخفضة، تكون معتمة عادة، وتنمو في اتجاه شاقولي، وتتخذ مظاهر غريبة.

وأحياناً تبدو وكأنها مضاءة من الداخل. يسقط منها الثلج والمطر بغزارة، وتتخذ شكل السَّنْدان، يتألف رأسها العلوي من بلورات الثلج. وهي أكثر الأنواع شيوعاً وتميزاً. وعندما تنفصل القمة السندانية عنها تتحول إلى سحاب رعدي مصحوب بالعواصف. وتتخذ أحياناً شكل القلنسوة أو شكل القوس فتسمى بالسحب الثديية.

ويمكن تصنيف السحب السابقة وفق العلو: فالعالية تكون على ارتفاعات تتراوح حين 12 و6 كم، والمتوسطة على ارتفاعات تتراوح بين 6ـ1.8 كم، والمنخفضة على ارتفاعات حتى 1800 متراً.

فانظر في آثار نعمة الله في خلقه، وقدرته في سمائه وأرضه، كيف أرسل الرياح فأنشأ بها السحاب الثقال، رحمةً للأنام والأنعام، وعبرة لأولي الألباب.

يقول القزويني في كتابه القيّم (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) (لنتأمل السحابَ الكثيف المظلم كيف اجتمع في جوّ صافٍ لا كدورة فيه، وكيف حُمل الماءُ فيه، وكيف تتلاعب به الرياح وتسوقه وترسله فترات متفاصلة، لا تُدرك قطرةٌ منها قطرة، ليصيبَ وجه الأرض برفق، فلو  صبّ صُبّاً لافسد الزرع بخدشه وجه الأرض.
ثم إلى اختلاف الرياح، فإن منها ما يسوق السحب، ومنها ما ينشرها، ومنها ما يجمعها، ومنها ما يعصرها، ومنها ما يلقح الأشجار).

ثم لننظر إلى هذا التوازن في الجو، بين الأرض والسماء. إنه توازن عجيب حقاً.. بين هذا الماء الذي يتبخر بواسطة أشعة الشمس بقَدَر معين، وذاك الماء الذي ينزل من السماء بقدر معلوم، مصداقاً لقوله تعالى:

(وَإِن مّن شَيْ‏ءٍ إِلّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).

وهناك أنواع من السحب تبقى في الطبقات العليا دون أن تنزل، كما أن هناك مياهاً في أعماق الأرض لا زالت مخزونة مختومة في أجوافها، لم ترَ نورَ الشمس منذ أن خلقها الله.

تشابك العوامل:

ونختم حديثنا عن السحب والأمطار لنقول: إنه لم يظهر عجزُ الإنسان في شيء مثل عجزه عن الاحاطة بما يحدث حوله في الجو، والسيطرة على الحالة الجوية الحادثة. وسبب ذلك هو تشابك العوامل المؤثرة فيه.

إذ لو كان الذي يؤثر في تبخر الماء هو عامل واحد مثل الحرارة، لكان بالإِمكان تحديد الظاهرة ودراسة نتائجها. ولكن الذي يؤثر في تبخر ماء المحيطات وتشكل السحب هو عدة عوامل منها: تغير الحرارة وتغير الكثافة وتغير الضغط ودرجة الاشباع، ثم تأثير الرياح وحركة الأرض حول نفسها. ومع تشابك تأثير هذه العوامل وغيرها يصبح من المتعذر تقدير ما ينشأ من السحب ووصف الحالة القادمة لها والاحاطة بحركاتها، وبالتالي التنبؤ الدقيق بما سيحدث في الجو بعد ساعة واحدة.

وعلى هذا لا نستغرب نشوء بعض الأعاصير والسيكلونات في لحظة واحدة، دون أي سابق انذار. ومهاجمتها لليابسة مشيعة فيها الخطوب والأخطار والخراب والدمار.
يقول تعالى في سورة الحاقة عن قوم عاد:

(وَأَمّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى‏ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى‏ لَهُم مِن بَاقِيَةٍ) صدق الله العلي العظيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) أحد المصادر الرئيسية لهذا الموضوع كتاب:
Elementaryschool sclence glenn o.blough, Julius schwarts and albert . j. huggett.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=857
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 12 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24