• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : مناهج وأساليب القصص القرآني .
                    • الموضوع : النموذج القرآني في قصة إسحاق ويعقوب (ع) .

النموذج القرآني في قصة إسحاق ويعقوب (ع)

قوله تعالى: {وَجَعَلنَاهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ}(1)، فالجعل هنا كالتعريف لبيان حدود المعنى للإمامة، إذ هناك منصب آخر غير النبوّة وهو منصب الإمامة كما ورد في القرآن الكريم، والهداية المعبّر عنها بقوله تعالى: {يَهدُونَ بِأَمرِنَا} هي هداية أمرية وهي هداية ملكوتية في مقابل الهداية الملكية، وقد تقدّم شطر من بيان معنى الأمر من الكلام في الفصل السابق في مباحث ليلة القدر والفصول السابقة أيضاً، وأنّ الأمر هو الروح الأمري وهو روح القدس الذي يتنزّل ليلة القدر وينزل الملائكة معه.

وقوله تعالى: {وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ..}، ممّا يدلّ على أنّ الإمامة هي وحي تسديدي وليس من الوحي النبوي.

وقوله تعالى: {وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ}، ولم يكن التعبير: (وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات) والفرق بين التعبيرين أنّ في التعبير الأوّل متعلّق الوحي ذات فعل الخير تكوينياً، وأمّا في التعبير الثاني متعلّق الوحي ليس هو ذات الفعل وإنّما هو الأمر التشريعي والطلب الإنشائي للفعل، وهو دليل على أنّ الأئمّة (عليهم السلام) لديهم العصمة الفعلية، كما أنّ منصب الإمام ليس هو مجرّد منصب تشريعي اعتباري، بل منصب تكويني لدني.

فهناك عصمة علمية وعصمة عملية لقوله تعالى: {وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ}، ممّا يدلّ على أنّ أفعالهم حجّة إلهية، فضلاً عن أقوالهم صلوات الله عليهم أجمعين.

وقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الارضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}(2)، والآية تدلّ على وجود الهداية الإيصالية في الإمامة لقوله تعالى: {وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}، أي هناك حيثية إيصالية في هدايتهم لبيان الغاية والعاقبة.

وقوله تعالى: {وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(3)، وهنا تبين أنّ الإمامة سنخ غيبي غير سنخ النبوّة، فالأمر الإلهي في القرآن هو جانب الملكوت. والإيقان هو التسليم والمعرفة التامّة، فالإمام لديه اليقين التامّ، أي أنّ الملكوت أمامه دائماً، والروح الأمري وهو غيب عن عالم السماوات وعن عالم الملائكة، لذا فهو يهدي بالهداية الإيصالية.

وقوله تعالى: {أَلَم أَقُل لَكُم إِنِّي أَعلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ}(4)، إنّ التعبير {إِنِّي أَعلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ} دليل على أنّ العلم هذا ليس علماً كسبياً، بل هو علم لدني أوتي به يعقوب غير مرتبط بالنبوّة، هو من غير قناة النبوّة، بل هو من باب الولاية الاصطفائية.

قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِن حَيثُ أَمَرَهُم أَبُوهُم مَا كَانَ يُغنِي عَنهُم مِنَ اللَّهِ مِن شَيء إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفسِ يَعقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلم لِمَا عَلَّمنَاهُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ}(5)، وهذا هو العلم الذي عُلّم به يعقوب، غير مرتبط بالنبوّة، بل مرتبط بتدبير الأُمور على نحو التفصيل في الشؤون المعاشية المرتبط بالولاية، والتعبير لما علّمناه هو تأكيد آخر على كونه علماً لدنياً غير كسبي.

النموذج القرآني في قصة يوسف (عليه السلام)

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الاَرضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأوِيلِ الاَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ}(6)، إيتاء علم تأويل الأحاديث ليوسف ليس كسبباً بل هو لدني، وليس هو من شؤون النبوّة; إذ ليس مرتبطاً بالتشريع أو المسائل الاعتقادية. فما المقصود بتأويل الأحاديث؟

إنّ تأويل الأحاديث ليس هو تأويل الرؤيا وحده، بل هو أحد مهامه إذ تأويل الأحاديث أعمّ من ذلك، حيث إنّ كلّ نشأة تأويل للنشأة السابقة، فعالم الأصلاب هو تأويل لعالم الذرّ وعالم الأرحام تأويل لعالم الأصلاب وهكذا، إذ التأويل من الأول أي الرجوع، فكلّ نشأة راجعة إلى النشأة السابقة، فالتأويل هو منتهى الشيء والمـآل لـه.

ونبيّ الله يوسف (عليه السلام) ليس لديه تأويل الرؤيا فحسب، بل لديه علم معرفة مآلات أحداث الدنيا أي عواقب تلك الأحداث الدنيوية.

هذا على مستوى نطاق نبوّة يوسف (عليه السلام)، فكيف بنبيّ الله الخاتم (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه المعصومين؟ فقد حُبوا أكثر وأعظم مما حُبي به يوسف (عليه السلام)، وذلك لقوله تعالى: {وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ}(7)، والضمير في تأويله عائد إلى كلّ الكتاب، وتأويل كلّ الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ولا رطب ولا يابس ولا غائبة في السماء والأرض إلاّ أحصاها، ومعلوم أنّ الراسخين في العلم في هذه الأُمّة هم صلوات الله عليهم أجمعين; وذلك بشهادة آية التطهير، وأنّ أهل البيت هم المطهّرون في هذه الأُمّة، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكنُون * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ}(8).

وأما قوله تعالى: {هَذَا تَأوِيلُ رُؤيَايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}(9)، فالظاهر أنّ ذلك إشارة إلى ما أنعم الله عليه من معرفة تأويل الأحاديث، ومنه تفسير الرؤيا الذي عرف به مآل مستقبل أهله وإخوته.

وهذا نوع من أنواع العلم اللدني الذي حُبي به يوسف (عليه السلام)، ولا ربط له بالرسالة بل بعلوم الولاية. وتأويل الأحاديث أعمّ من تعبير الرؤيا إلاّ أنّه أخصّ من تأويل القرآن; لأنّ تأويل القرآن تأويل لكلّ النشأت السابقة واللاحقة للنشآت الأُخروية، فالذي يحيط بعلم تأويل القرآن هو أعلم ومهيمن على علم من يحيط بتأويل الأحاديث، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الامنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الامرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولاَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاَتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}(10)، إشارة إلى أنّ الاستنباط بالمعنى القرآني لا بمعنى الاجتهاد الظنّي; إذ هو لا يورث العلم ولا يوقي عن اتّباع الشيطان في تدبير النظام الاجتماعي السياسي; إذ يتوقّف ذلك علاوة على العلم المحيط بالتشريعات الإلهية، على العلم اللدني المحيط بالموضوعات في الشؤون المختلفة وعلم الأحداث الذي يزوّد به وليّ الأمر في ليلة القدر، حيث يتنزّل عليه تفاصيل كلّ الأحداث المستقبلية صغيرها وكبيرها وقد تقدّم شطر وافر من الكلام في الفصل السابع من مباحث ليلة القدر، وقرينة على إرادة هذا المفاد من الآية هو التعبير بـ (لَعَلِمَه) الظاهر في حقيقة العلم لا الظنّ، لا سيما قد وصف هذا العلم بأنّه يوقي بنحو دائم بات عن اتّباع الشيطان، وهو أشرف من علم تأويل الأحاديث.

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الارضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأوِيلِ الاحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكمًا وَعِلمًا وَكَذَلِكَ نَجزِي المحسِنِينَ}(11)، إنّ الآية تبيّن أنّ التمكين بيد الله تعالى فزمام الأُمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكلّ دقائق الحياة - كما سيأتي بيانه مفصّلاً - موكول أمره إلى الله تعالى.

وتمكين يوسف في الأرض مقاماً غير النبوّة، بل هو مقام حاكمية من قبل الله تعالى، وهي إحدى الحبوات التي حُبي بها يوسف (عليه السلام).

وإنّ ما عمله أُخوة يوسف (عليه السلام) هو بنفسه يصبّ في الغرض الإلهي وإن كان معصية من قبلهم، وهذه سنّة لا تتخلّف من أنّ كلّ ما يعمله الظالمون والمفسدون فإنّه غير غالب لتدبير الله تعالى، بل الله تعالى غالب على أمره قد جعل الله لكلّ شيء قدراً {وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِينَ}(12) فإنّه أخيراً سيصبّ في الغرض الإلهي، ولا يعني هذا حسن عمل السوء، فالقبيح يبقى قبيحاً، وعمل السوء يحيق بصاحبه: {وَلاَ يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهلِهِ}(13)، ولا يضرّ الله شيئاً وهو ما تؤكّده الآية التالية ـ نظير عمل إبليس، فإنّ دخول الشرور في منظومة الخلقة الإلهية لا يخرج الأمر عن تدبيره تعالى، ولا يعيق قيد شعرة الخطّة الإدارية التكوينية عن الوصول إلى الغايات الكمالية.

قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ} وهذا تأكيد على أنّ كلّ مجريات العالم بدقائقه وكلّياته مرتبطة بإرادته تعالى، وهذا خلاف ما ادّعته اليهود بأنّ يد الله مغلولة فأجابهم الله تعالى بقوله: {بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ}، فالإرادات التكوينية للمخلوقين لا يمكن أن تتخطّى إرادة الله تعالى، لا بمعنى إلجائهم بنحو يفقدهم الاختيار إلى الجبر، بل بمعنى إنّ ما يفعلوه من أفعال الشرّ يستثمره الباري تعالى بلطيف قضاءه وقدره ومكنون حكمته في تحقيق الغايات الكمالية الإلهية، ففعلهم شرّ، إلاّ أنّ فعله تعالى في تدبير القضاء والقدر لاستثمار ذلك خير تامّ بالغ، فكيف نتصوّر بعد ذلك أنّ الله تعالى قد رفع اليد عن الأُمور الاجتماعية وأهمّها قيادة المجتمع الذي يمثّله تعيين الإمام الخليفة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله).

قوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ}، أي: لا يعلمون أنّ كلّ حدث يجري ويصبّ هو في الإرادة الإلهية.

وبالتدبّر في سيرة حكومة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في القرآن، وتصرّف وإرادات الله تعالى في حكومة النبيّ (صلى الله عليه وآله) المستعرضة في القرآن واضحة جلية، فهل يعقل انقطاع تصرّف الإرادات الإلهية في تدبير النظام البشري بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعدم تعيين الخليفة الذي تتنزّل عليه المشيئة الإلهية والإمام من قبل الله تعالى؟

فالقول بعدم تعيين الإمام من قبل الله تعالى تعطيل محض لإرادات الله تعالى وحكمه وحاكميته في تدبير النظام البشري.

قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكمًا وَعِلمًا وَكَذَلِكَ نَجزِي المحسِنِينَ}، فإيتاء العلم والحكمة جزاء لمن وصل إلى مقام الإحسان; لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجزِي المحسِنِينَ}، ولا علاقة لهذا الإيتاء بالنبوّة.

فالعلم اللدني هنا لمقام المحسنين وليس للنبوّة، وهو ما يتوفّر لدى الأئمّة (عليهم السلام) الذين آتاهم الله تعالى علماً لدنياً بسبب مقامات عدّة ليس لها علاقة بمقام الرسالة، بل لكونهم حججاً مصطفين.

قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المخلَصِينَ}، فصرف السوء والفحشاء ليس لكونه نبيّاً فقط، بل لكونه من عباده المخلَصين، وقد عبّر تعالى بقوله: {لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ}، أي نمنع عنه السوء والفحشاء، ولم يقل ونصرفه عن السوء والفحشاء، أي نبعد السوء عن أن يقترب إليه، وليس إبعاد يوسف عن أن يقترب إلى السوء والفحشاء; إذ لم يكن من قبل النبيّ يوسف إقبال على الفحشاء والسوء كي يُبعد عنه، بل الفحشاء في فعل زليخا حيث أرادت أن تقبل على يوسف فصُرفت عنه، فهذه دلالة على عصمة يوسف ذاتاً بل وعصمته عن أن يُخترق حريم عصمته من البيئة المعاشة.

وبذلك يظهر دلالة قوله تعالى الذي هو بنفس التعبير والتركيب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرُكُم تَطهِيراً}(14) على عصمتهم الذاتية وعلى عصمتهم عن أن يخترق الرجس حريم عصمتهم، كما يشير إلى ذلك أيضاً ما في زيارة سيد الشهداء (عليه السلام): "ولم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها"، وهذا دليل على أنّ يوسف (عليه السلام) لم يهمّ بها بل هي همّت به.

لذا فإنّ لدى المعصوم شعاع من العصمة يمنع السوء عن المعصوم فضلاً عن عصمته الذاتية. وفي سورة الدهر أكّدت أنّ أهل البيت (عليهم السلام) من عباد الله المخلصين حيث أخلصوا مع الله تعالى فانتجبهم واجتباهم، وحيث جعلوا فوق مقام الأبرار فهم يسقون الأبرار من عين الكافور فيمزجون شرابهم منه.

قوله تعالى: {وَقَالَ المَلِكُ ائتُونِي بِهِ أَستَخلِصهُ لِنَفسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَومَ لَدَينَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الارضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الارضِ يَتَبَوَّأُ مِنهَا حَيثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجرَ المحسِنِينَ}(15).

وهذه المرتبة حيثية أُخرى غير النبوّة يمكن أن تجعل النبيّ حاكماً في الأرض، والشرائط الشرعية في كونه حاكماً أن يكون حفيظاً عليماً، وهي بعينها شرائط الإمامة، وهي كونه تتوفّر لديه العصمة العلمية (عليم)، فضلاً عن العملية (حفيظ)، بخلاف من قال بتقديم المفضول على الفاضل كما ذهبت إليه المعتزلة.

وفي الآية مفهوم من أقوى المفاهيم، وهو مفهوم التعليل حيث علّلت العلم علّة لمنصب الحاكمية والجاهل ليس له ذلك، وهذا ما تلتزم به الإمامية من كون الإمام والخليفة لابدّ أن تتوفّر لديه العصمة العلمية فضلاً عن العملية، فيكون عليماً بنظم التدبير في النظام الحاكم في مجالاته المختلفة، ولا يجهل أوفق البرامج الموصلة إلى المثل العليا في الكمال في الأنظمة الاجتماعية في الميادين المختلفة، ويكون حافظ لهذه الأمانة في الحاكمية فلا يميل به الهوى ولا تستولي عليه العصبية ولا يغلبه التجبّر ولا يقعده الجبن، إلى غير ذلك من الصفاة المانعة من حفظ الأمانة.

قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرفَعُ دَرَجَات مَن نَشَاءُ وَفَوقَ كُلِّ ذِي عِلم عَلِيمٌ}(16) وهي إشارة إلى أنّ الأُمور لدى الأنبياء فضلاً عمّن دونهم كلّياتها وجزئياتها تجري وفق التدبير الإلهي وضمن مسارات الإرادة الإلهية، فأخذ يوسف أخاه في دين الملك لم يكن بتدبير يوسف منعزلاً عن الإرادة الإلهية والمشيئة الربّانية.

قوله تعالى: {إِذهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلقُوهُ عَلَى وَجهِ أَبِي يَأتِ بَصِيرًا وَأتُونِي بِأَهلِكُم أَجمَعِينَ}(17)، فخاصّية قميص يوسف أنّه إذا أُلقي على أبيه يرتدّ بصيراً، فكيف ببدن يوسف (عليه السلام)، لذا فإنّ الله تعالى يكرّم أولياءه بخاصّيات تكوينية.

قوله تعالى: {رَبِّ قَد آتَيتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَنِي مِن تَأوِيلِ الاحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالارضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسلِمًا وَأَلحِقنِي بِالصَّالِحِينَ}(18) وهذا أيضاً تأكيد على أنّ ما أُوتي من مقامات لا ترتبط بمقام النبوّة والرسالة بل بمقام الولاية.

ــــــــــــــــ

1- سورة الأنبياء 21: 73.

2- سورة القصص 28: 5.

3- سورة السجدة 32: 24.

4- سورة يوسف 12: 96.

5- سورة يوسف 12: 68.

6- سورة يوسف 12: 21.

7- سورة آل عمران 3: 7.

8- سورة الواقعة 56: 77 - 80.

9- سورة يوسف 12: 100.

10- سورة النساء 4: 83.

11- سورة يوسف 12: 21 - 22.

12- سورة الأنفال 8: 30.

13- سورة فاطر 35: 43.

14- سورة الأحزاب 33: 33.

15- سورة يوسف 12: 54 - 56.

16- سورة يوسف 12: 76.

17- سورة يوسف 12: 93.

18- سورة يوسف 12: 101.

منقول من الموقع العالمي للدراسات الشيعية

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=835
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 11 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24