• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : أساليب الإمام الرضا(ع) التربوية وتعاليمه الراقية .

أساليب الإمام الرضا(ع) التربوية وتعاليمه الراقية

بقلم : سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني

قال تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ )

قال الإمام الرضا (عليه السلام) : (إن الإيمان أفضل من الإسلام بدرجة والتقوى أفضل من الإيمان بدرجة ولم يُعط بنو آدم افضل من اليقين) .

خلف لنا الإمام الرضا (عليه السلام) مجموعة قيمة من التعاليم والوصايا التربوية والحضارية لكي تنير لنا طريق الصواب وتضع في النفوس صنيع الغيث في التربة الصالحة ولقد كانت تلك التعاليم والوصايا التربوية يمكن أن نقسمها إلى أربعة دوائر كل دائرة تنظم علاقة الإنسان بنفسه وبربه ونبيه وإمامه وأبناء جنسه.

أولاً : علاقة الإنسان بنفسه

للإمام الرضا ( عليه السلام) تعاليم تربوية وحضارية تساعد الإنسان المسلم على السيطرة على نفسه وكبح جماحها وتسعى إلى استئصال كل جذور الشر في نفوس البشر ومن مجموعها يستفاد أن الإمام يريد للإنسان لي ولك ولهذه الأمة من خلال السيطرة على نفسي ونفسك الارتفاع إلى مستوى الإيمان الأعلى إنطلاقاً من إن الإيمان يزيد وينقص ويشتد ويضعف فلقد روي عن الفضيل بن يسار عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) بما تصدرنا به المقام فالإمام يريد للمؤشر الإيماني أن يرتفع لدينا وأن نصل إلى حقيقة اليقين المتمثل بالصبر عند الابتلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء ولقد روي عنه عن أبيه ( عليه السلام ) قال: (رفع إلى رسول الله قوم في بعض غزواته فقال: من القوم ، فقالوا : مؤمنون يا رسول الله ، فقال : وما بلغ من إيمانكم ؟ قالوا : الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء، فقال رسول الله : حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء، إن نحتم كما تصفون فلا تبغوا مالا تسكنون ولا تجمعوا مالا تأكلون واتقوا الله إليه ترجعون).

ومن جانب آخر نجد الإمام ( عليه السلام ) يدعوا الإنسان إلى أن يضع نصب عينه دائما حقائق أساسية في الحياة : هي الموت وأنه لابد منه والقدر وتحكمه فيه والحياة وتحولها من حال إلى حال فمن تيقن بالموت فسوف يحسب ألف حسب لما بعده من البعث والجزاء وعندها سيسيطر على سلوكه ويهذبه خوفا من الحساب المرتقب وللإمام ( عليه السلام ) وصايا وإرشادات تربوية وحضارية تسلك بالإنسان المسلم قصد السبيل وتستأصل شأنة الشر من نفسه الأمارة بالسوء وتساهم في طهارة نفسه وبدنه يمكننا الإشارة إليها أو إلى بعضها:

1 ـ  التزام الصمت: لا يخفى بأن أكثر مشاكلنا تتأتى من إطلاق العنان لألسنتنا بدون ضابط وأن الكثير منا يرغب في الكلام اكثر من الاستماع وحينما تستدعي الضرورة في أحيان كثيرة أن نتربى على الاعتصام بالصمت في حالات الانفعال أو المواقف الحرجة ولقد أشاد الإمام ( عليه السلام ) بالصمت فهو عنده من علامات الفقه وباب من أبواب الحكمة ويرى بأن له معطيات اجتماعيه عديدة فلقد روي عنه ( عليه السلام) : من علامات الفقه : ( الحلم والعلم والصمت إن الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير) ولا عجب في ذلك ألا يلاحظ التفكر إن هناك علاقة بين العبادة التي يرجى فيها الصفاء وتفريغ العقل والنفس عن المشاكل واللسان المهذار أحد الأسباب التي تكدر صفو العبادة وعموماً إطلاق العنان للسان كثير ما يحصل منه العثرات والزلات ويقع بالإنسان في شرك الشيطان الذي يوحي له بالسوء والفحشاء الأمر الذي ينعكس سلباً على العبادة والى هذا أشار الإمام الرضا (عليه السلام ) بقوله: (كان الرجل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين) .

2 ـ  الحلم : بحث الإسلام والعقلاء وأهل الفكر على الحلم وهو من أمهات الفقه والعلم، فلقد نبه على ذلك :من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ، وتحديد الحلم بقاعدتين تربويتين : هما السكوت عن الجاهل وعدم عتاب الصديق ولقد صبه الإمام أي الحلم في قالب جميل من الشعر عندما طلب منه المأمون العباسي بقوله: هل رويت من الشعر شيئاً، فقال : فلقد رويت منه الكثير ، فقال: أنشدني ما رويته في الحلم فقال:

إذا كان دوني من بلـيت بجهـله**** أبيت لنفسي أن تقـابل بالجـهل

وإن كان مثلي في محلي من النهي**** أخذت بحمـلي كي اجل عن المثل

وإن كنت أدنى منه في الفضل والنهي****عرفت له حق التقـدم و الفضـل

وانشد أيضا في السكوت عن الجاهل وترك عتاب الصديق :

إني ليهجـرني الصـديق تجـنباً ****فأريـه أن لهجــره أســبابا

وأراه إن عـاتبتـه أغــريـته**** فأرى لـه تـرك العـتاب عـتابا

وإذا بلـيت بجــاهل مسـتحكم**** يجـد المحـال من الأمور صوابا

أوليـته من الســكوت وربـما****كان السـكوت عن الجواب عتابا

3 ـ  الحياء: أيضا مما يستفاد من مدرستهعليه السلام في سلوك الإنسان مع نفسه الحياء وهي رأس الخصال الكريمة وأصل المروءة وسبب العفة والعلاقة وثيقة بين الإيمان والحياء فكلما زاد حياء الإنسان دل على مدى عمق إيمانه وأما من خلع ثوب الحياء فلا إيمان لـه بقول الرسول الأعظم : الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه ، وأكد الإمام الرضا ( عليه السلام ) على هذه الحقيقة المهمة فقال: الحياء من الإيمان . إذا الإيمان التزام وشعور متغلغل في أعماق النفس يحكي عنه الحياء بجلاء .

4 ـ  التواضع: وأيضا فيما ذكر من الأمور الخاصة في تنظيم الإنسان مع نفسه التواضع في الصفة التي تجعل الإنسان في صورة جمالية هي الصفة التي احتلت مكانا واضحاً في فكر وسلوك إمامنا الرضا( عليه السلام ) فمن يتمعن في الرواية التالية يكتشف نفاذ رؤية الإمام وشمول نظرته وعمق تناوله فلقد روي عنه صلوات الله عليه قال: (التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تُعطاه) .

وفي حديث آخر قال: (التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتى إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عافٍ عن الناس والله يحب المحسنين).

هنا تمعن تجد الرؤيا الدقيقة التي مفادها أن يعرف المرء أولاً وقبل كل شيء قدر نفسه ومنزلتها ولا يرتفع بها فوق مقامها ويشير الإمام إلى بعد التواضع في جنبة اجتماعية ويتمثل بدرأ السيئة بالحسنة وكظم الغيظ والعفو عن الناس هذا على صعيد الفكر إما على صعيد العمل فنجده في سلوكه يتواضع إلى الدرجة القصوى في تعامله مع الناس ومن الأمثلة الحية على مقدار تواضعه أنه دخل الحمام فقال لـه رجل: بعض الناس دلكني يا رجل فجعل يدلكه فعرّفوه، فجعل الرجل يستعذر منه وهو يطيب قلبه ويدلكه ، هكذا يعلمنا التواضع .

5 ـ العمل لوجه الله تعالى: هذا العمل الذي يكون شعار المؤمن وهو الذي يسهم في إيصاله إلى أعلى الدرجات ويفجر طاقات النفس الإبداعية فتنطلق في آفاق أرحب وتحيى حياة طيبة لقوله تعالى: (ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) .

ومن هذا المجال دعا الإمام الرضا المؤمن إلى معرفة دافع العمل الذي يقوم به هل هو خالص لله أم لا فليس المجرد في الإسلام هو المطلوب وإنما العمل المقترن بدوافع نبيلة ونية خالصة ولذلك كان يقول لمحمد بن عرفه : (ويحك يا بن عرفة اعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ويحك! ما عمل أحد عملاً إلا ردّاه الله إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشر ٌ)، وعنه كان يقول : (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له) .

فنجد الإمام كيف يريد بالمؤمن الرقي إلى أعلى الدرجات .

6 ـ  الاستغناء عن الناس: ومن جهة أخرى يريد العزة والكرامة للمسلم وأن لا يكون كلاً على غيره وإن كان ولا بد من الطلب فينبغي أن تطلب الحاجة من الأفراد الصالحين وأن لا تكون الحاجة خسيسة وغير ذات قيمة فلقد روي عن احمد بن محمد بن نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا : جعلت فداك اكتب لي إلى إسماعيل بن داود الكاتب لعلي أصيب منه، قال: أنا اضمن لك أن تطلب مثل هذا وشبهه ولكن عول على مالي . وهذا ما عبر عنه : بالاستغناء عن الناس.

7 ـ الاهتمام بالمظاهر : ثم يدرج الإمام في أمر آخر يختص بأمر حضاري وهو الاهتمام بالمظهر فهو يعبر عن درجة الرقي لأفراد أي أمة علما بأن الإسلام قد حث من اعتنقه على الاهتمام بالنظافة عموماً ولقد كان الرضا (عليه السلام) يلفت النظر إلى أهمية الطيب وفي هذا المجال يقول: لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا فإن لم ففي عل جمعة ولا يدع ذلك ولقد عرف بمظهره .

وبهذا نرى كيف ترك لنا ثروة معنوية مجموعة تعاليم تربوية وحضارية رائعة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا من أجل الصعود والرقي إلى المراتب العليا والوصول إلى مدارج الكمال والرفعة

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=785
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 10 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24