• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : قصص الأنبياء (ع) .
                    • الموضوع : قصة أصحاب الفيل .

قصة أصحاب الفيل

آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

ذكر المفسِّرون والمؤرِّخون هذه القصة بأساليب مختلفة ، واختلفوا في سنة وقوعها ،  لكن أصل القصة متوافرة ، ونحن نذكرها ـ بتلخيص ـ استناداً إلى الروايات المعروفة في :

[ أ ـ ] " سيرة ابن هشام " .

[ ب ـ ] و" بلوغ الأرب " .

[ جـ ـ ] و" بحار الأنوار " .

[ د ـ ] و" مجمع البيان " .

" ذو نواس " ملك اليمن اضطهد نصارى نجران قرب اليمن ؛ كي يتخلُّوا عن دينهم (ذكر القرآن قصة هذا الاضطهاد في موضوع أصحاب الأخدود في سورة البروج ، وبيَّناها بالتفصيل هناك) . بعد هذه الجريمة نجا من بين النصارى رجل اسمه (دوس) ، وتوجَّه إلى قيصر الروم ، الذي كان على دين المسيح ، وشرح له ما جرى .

ولمَّا كانت المسافة بين الروم واليمن بعيدة ، كتب القيصر إلى النجاشي (حاكم الحبشة) لينتقم من (ذو نواس) لنصارى نجران ، وأرسل الكتاب بيد القاصد نفسه .

جهَّز النجاشي جيشاً عظيماً يبلغ سبعين ألف محارب بقيادة (أرياط) ، ووجَّهه إلى اليمن . وكان (أبرها) أيضاً من قوَّاد ذلك الجيش . اندحر (ذو نواس) وأصبح (أرياط) حاكماً على اليمن . وبعد مدة ثار عليه (أبرها) ، وأزاله من الحكم وجلس في مكانه .

بلغ ذلك النجاشي ، فقرَّر أن يقمع (أبرها) . لكن أبرها أعلن استسلامه الكامل للنجاشي ووفاءه له . حين رأى النجاشي منه ذلك ، عفا عنه وأبقاه في مكانه .

و(أبرها) من أجل أن يثبت ولاءه ، بنى كنيسة ضخمة جميلة غاية الجمال ، لا يوجد على ظهر الأرض مثلها آنذاك، وقرَّر أن يدعو أهل الجزيرة العربية لأن يحجُّوا إليها بدل (الكعبة) ، وينقل مكانة الكعبة إلى أرض اليمن.

ارسل (أبرها) الوفود والدعاة إلى قبائل العرب في أرض الحجاز ، يدعونهم إلى حج كنيسة اليمن ، فأحسَّ العرب بالخطر ؛ لارتباطهم الوثيق بمكَّة والكعبة، ونظرتهم إلى الكعبة على أنَّها من آثار إبراهيم الخليل (عليه السلام).

تذكر بعض الروايات أنَّ مجموعة من العرب جاؤوا خفية وأضرموا النار في الكنيسة ، وقيل : إنَّهم لوَّثوها بالقاذورات ؛ ليعبِّروا عن اعتراضهم على فعل (أبرها) ويهينوا معبده . غضب (أبرها) وقرَّر أن يهدم الكعبة هدماً كاملاً ؛ للانتقام ، ولتوجيه أنظار العرب إلى المعبد الجديد .

فجهَّز جيشاً عظيماً كان بعض أفراده يمتطي الفيل ، واتَّجه نحو مكَّة . عند اقترابه من مكَّة ، بعث مَن ينهب أموال أهل مكَّة . وكان بين النهب مائتا بعير لعبد المطَّلب .

بعث (أبرها) قاصداً إلى مكَّة ، وقال له : ابحث عن كبير القوم ، وقل له : إنَّ (أبرها) ـ ملك اليمن ـ يدعوك [ ويقول لك : ] أنا لم آتِ لحربٍ ، بل جئتُ لأهدم هذا البيت . فلو استسلمتم ، حُقِنَت دماؤكم .

جاء رسول (أبرها) إلى مكَّة ، وبحث عن شريفها ، فدلُّوه على عبد المطَّلب ، فحدَّثه بحديث (أبرها) ، فقال عبد المطلب : نحن لا طاقة لنا بحربكم ، وللبيت ربٌ يحميه .

ذهب عبد المطَّلب مع القاصد إلى النجاشي . فلمَّا قدِم عليه ، جعل النجاشي ينظر إليه ، وراقه حسنه وجماله وهيبته ، حتى قام من مكانه احتراماً وجلس على الأرض ، وأجلس عبد المطَّلب إلى جواره ؛ لأنَّه ما أراد أن يجلس عبد المطَّلب على سرير ملكه ، ثمَّ قال لمترجمه : أسأله ما حاجتك ؟ قال عبد المطَّلب : نُهبت إبِلي ، فمرهم بردِّها عليَّ . فاندهش أبرها وقال لمترجمه : قل له إنَّه احتل مكاناً في قلبي حين رأيته ، والآن قد سقط من عيني ؛ أنت تتحدَّث عن إبِلك ولا تذكر الكعبة ! وهي شرفك وشرف أجدادك ، وأنا قدمت لهدمها . قال عبد المطَّلب: أنا ربُّ الإبل ، وللبيت ربٌّ يحميه .

عاد عبد المطَّلب إلى مكَّة ، وأخبر أهلها أن يلجأوا إلى الجبال المحيطة بها ، وذهب هو وجمع معه إلى جوار البيت ليدعو ، فأخذ حلقة باب الكعبة وانشد أبياته المعروفة :

لاهُمَّ  إنَّ المرءَ يمنعُ رَحْ      لــه فـامـنع رحـالك

لا  يَـغْلِبَنّ صليبُهم ومحا      لـهـم أبــداً مـحالك

جرُّوا جميع بلادهم والفي      ل كـي يـسبوا عـيالك

لاهُمَّ  إنَّ المرءَ يمنعُ رَح      ْلــه فـامـنع عـيالك

وانـصر على آل الصلي      ب وعـابديه الـيوم آلك

ثمَّ لاذَ عبد المطَّلب وجمع من قريش بإحدى شِعاب مكَّة ، وأمر أحد ولْده أن يصعد على جبل (أبو قبيس) ليرى ما يجري . عاد الابن مسرعاً إلى أبيه ، وأخبره أنَّ سحابة سوداء تتَّجه من البحر (البحر الأحمر) إلى أرض مكَّة . استبشر عبد المطَّلب وصاح : " يا معشر قريش، ادخلوا منازلكم ! فقد أتاكم الله بالنصر من عنده " .

من جانب آخر ، توجَّه (أبرها) راكباً فيله المسمَّى "محموداً " مع جيشه الجرَّار ، مخترقاً الجبال ومنحدراً إلى مكَّة ، لكن الفيل أبى أن يتقدَّم . أمَّا حينما يوجِّهوه نحو اليمن ، يهرول . تعجَّب (أبرها) من هذا وتحيَّر .

وفي هذه الأثناء وصلت طيور قادمة من جانب البحر كأنَّها الخطاطيف ، وهي تحمل حجراً في منقارها وحجرين في رجلها ، بحجم الحمُّصة ، وألقوها على جيش أبرها ، فأهلكتهم . وقيل : إنَّ الحجر كان يسقط على الرجل منهم ، فيخترقه ويخرج من الجانب الآخر .

ساد الجيش ذعرٌ عجيب ، فهلك منه مَن هلك ، وفرَّ مَن استطاع الفرار ، صوب اليمن ، وكانوا يتساقطون في الطريق . (أبرها) أصيب بحجر وجُرح ، فأعيد إلى صنعاء عاصمة ملكه ، وهناك فارق الحياة . وقيل : إنَّ مرض الحصبة والجدري شُوهد لأوَّل مرَّة في أرض العرب في تلك السنة . وقيل : إنَّ (أبرها) جاء بفيل واحد كان يركبه ، واسمه محمود ، وقيل : بل ثمانية أفيال ، وقيل : عشرة ، وقيل : اثني عشر .

وفي هذا العام ولد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حسب الرواية المشهورة ، وقيل : إنَّ بين الحادثتين ارتباطاً .

على أيِّ حال ، فإنَّ أهمية هذه الحادثة الكبرى ، بلغت درجة تسمية ذلك العام بـ : " عام الفيل " ، وأصبح مبدأ تاريخ العرب .

المصدر : " الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل " ، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، ج20 ، ص465

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=747
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 10 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19