• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : أصول التفسير .

أصول التفسير

آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي

التفسير هو إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز، فلا يجوز الاعتماد فيه على الظنون والاستحسان، ولا على شيء لم يثبت أنه حجة من طريق العقل، أو من طريق الشرع، للنهي عن اتباع الظن، وحرمة إسناد شئ إلى الله بغير إذنه قال الله تعالى:

(قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ). وقال الله تعالى:  (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).

إلى غير ذلك من الايات والروايات الناهية عن العمل بغير العلم، والروايات الناهية عن التفسير بالرأي مستفيضة من الفريقين.

ومن هذا يتضح أنه لا يجوز اتباع أحد المفسرين في تفسيره، سواء أكان ممن حسن مذهبه أم لم يكن، لانه من أتباع الظن، وهو لا يغني من الحق شيئا.

 مدارك التفسير:

ولا بد للمفسر من أن يتبع الظواهر التي يفهمها العربي الصحيح (لثبوت حجية الظواهر) أو يتبع ما حكم به العقل الفطري الصحيح، فإنه حجة من الداخل كما أن النبي حجة من الخارج، أو يتبع ما ثبت عن المعصومين عليهم السلام فإنهم المراجع في الدين، والذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله بوجوب التمسك به فقال:إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي،ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا(1).

ولا شبهة في ثبوت قولهم عليه السلام إذا دل عليه طريق قطعي لا شك فيه،كما أنه لا شبهة في عدم ثبوته إذا دل عليه خبر ضعيف غير جامع لشرائط الحجية، وهل يثبت بطريق ظني دلّ على اعتباره دليل قطعي؟ فيه كلام بين الاعلام.

 وقد يشكل:

في حجية خبر الواحد الثقة إذا ورد عن المعصومين عليهم السلام في تفسير الكتاب، ووجه الاشكال في ذلك أن معنى الحجية التي ثبتت لخبر الواحد أو لغيره من الادلة الظنية، هو وجوب ترتيب الاثار عليه عملا في حال الجهل بالواقع، كما تترتب على الواقع لو قطع به، وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا كان مؤدّى الخبر حكما شرعيا، أو موضوعا قد رتب الشارع عليه حكما شرعيا، وهذا الشرط قد لا يوجد في خبر الواحد الذي يروى عن المعصومين في التفسير.

وهذا الاشكال خلاف التحقيق، فإنه قد وضح في مباحث «علم الاصول» أن معنى الحجية في الامارة الناظرة إلى الواقع هو جعلها علما تعبديا في حكم الشارع، فيكون الطريق المعتبر فردا من أفراد العلم، ولكنه فرد تعبدي لا وجداني،فيترتب عليه كلما يترتب على القطع من الاثار، فيصح الإخبار على طبقه كما يصح أن يخبر على طبق العلم الوجداني، ولا يكون من القول بغير علم.

ويدلنا على ذلك سيرة العقلاء، فإنهم يعاملون الطريق المعتبر معاملة العلم الوجداني من غير فرق بين الاثار، فإن اليد مثلا امارة عند العقلاء على مالكية صاحب اليد لما في يده، فهم يرتبون له آثار المالكية، وهم يخبرون عن كونه مالكا للشئ بلا نكير، ولم يثبت من الشارع ردع لهذه السيرة العقلائية المستمرة.

نعم يعتبر في الخبر الموثوق به وفى غيره من الطرق المعتبرة،أن يكون جامعا لشرائط الحجية، ومنها أن لا يكون الخبر مقطوع الكذب، فإن مقطوع الكذب لا يعقل أن يشمله دليل الحجية والتعبد، وعلى ذلك فالاخبار التي تكون مخالفة للاجماع أو للسنة القطعية أو الكتاب أو الحكم العقلي الصحيح لا تكون حجة قطعا، وإن استجمعت بقية الشرائط المعتبرة في الحجية.

ولا فرق في ذلك بين الاخبار المتكفلة لبيان الحكم الشرعي وغيرها.

والسر في ذلك: أن الراوي مهما بلغت به الوثاقة، فإن خبره غير مأمون من مخالفة الواقع، إذ لا أقل من احتمال اشتباه الامر عليه وخصوصا إذا كثرت الوسائط، فلا بد من التشبث بدليل الحجية في رفع هذا الاحتمال،وفرضه كالمعدوم.

وأما القطع بالخلاف وبعدم مطابقة الخبر للواقع فلا يعقل التعبد بعدمه، لان كاشفية القطع ذاتية، وحجيته ثابتة بحكم العقل الضروري.

وإذن فلا بد من اختصاص دليل الحجية بغير الخبر الذي يقطع بكذبه وبمخالفته للواقع، وهكذا الشأن في غير الخبر من الطرق المعتبرة الاخرى التي تكشف عن الواقع، وهذا باب تنفتح منه أبواب كثيرة، وبه يجاب عن كثير من الاشكالات والاعتراضات فلتكن على ذكر منه.

 

تخصيص القرآن بخبر الواحد:

إذا ثبتت حجية الخبر الواحد بدليل قطعي،فهل يُخصّص به عموم ما ورد في الكتاب العزيز؟

ذهب المشهور إلى جواز ذلك، وخالف فيه فريق من علماء أهل السنة، فمنعه بعضهم على الاطلاق.

وقال عيسى بن أبان: إن كان العام الكتابي قد خص - من قبل - بدليل مقطوع به جاز تخصيصه بخبر الواحد وإلا لم يجز.

وقال الكرخي: إذا خص العام بدليل منفصل جاز تخصيصه بعد ذلك بخبر الواحد وإلا فلا.

وذهب القاضي أبو بكر إلى الوقف(2).

والذي نختاره: هو القول المشهور.

والدليل على ذلك أن الخبر - كما فرضنا - قطعيّ الحجيّة، ومقتضى ذلك أنه يجب العمل بموجبه ما لم يمنع منه مانع.

 شبهات وأقوال:

وما توهم منعه عن ذلك امور لا تصلح للمنع:

1 - قالوا: إن الكتاب العزيز كلام الله العظيم المنزل على نبيه الكريم، وذلك قطعي لا شبهة فيه.

وأما خبر الواحد فلا يقين بمطابقته للواقع، ولا بصدور مضمونه عن المعصوم إذ لا أقل من احتمال اشتباه الراوي.

والعقل لا يجوز أن ترفع اليد عن أمر مقطوع به لدليل يحتمل فيه الخطأ.

والجواب عن ذلك:

أن الكتاب - وإن كان قطعي الصدور - إلا أنه لا يقين بأن الحكم الواقعي على طبق عموماته، فإن العمومات إنما وجب العمل على طبقها من أجل أنها ظاهر الكلام، وقد استقرت العقلاء على حجية الظواهر، ولم يردع الشارع على اتباع هذه السيرة.

ومن البين أن سيرة العقلاء على حجية الظاهر مختصة بما إذا لم تقم قرينة على خلاف الظهور، سواء أكانت القرينة متصلة أم كانت منفصلة، فإذا نهضت القرينة على الخلاف وجب رفع اليد عن الظاهر، والعمل على وفق القرينة.

وإذن فلا مناص من تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد بعد قيام الدليل القطعي على حجيته.

فإنّ معنى ذلك أنّ مضمون الخبر صادر عن المعصومين تعبدا.

وإن شئت فقل: إن سند الكتاب العزيز - وإن كان قطعيا - إلا أن دلالته ظنية، ولا محذور بحكم العقل في أن ترفع اليد عن الدلالة الظنية لدليل ظني آخر ثبتت حجيته بدليل قطعي.

2 - وقالوا: قد صح عن المعصومين عليهم السلام أنْ تُعْرَض الروايات على الكتاب وما يكون منها مخالفا لكتاب الله يلزم طرحه وضربه على الجدار، وهو مما لم يقولوه.

والخبر الخاص المخالف لعموم الكتاب مما تشمله تلك الادلة، فيجب طرحه وعدم تصديقه.

 والجواب عن ذلك:

أن القرائن العرفية على بيان المراد من الكتاب لا تعد في نظر العرف من المخالفة له في شيء، والدليل الخاص قرينة لا يضاح المعنى المقصود من الدليل العام، والمخالفة بين الدليلين إنما تتحقق إذا عارض أحدهما صاحبه بحيث يتوقف أهل العرف في فهم المراد منهما إذا صدر كلاهما من متكلم واحد أو ممن بحكمه،فخبر الواحد الخاص ليس مخالفا للعام الكتابي، بل هو مبين للمراد منه.

ويدل على ذلك أيضا: أنا نعلم أنه قد صدر عن المعصومين عليهم السلام كثير من الاخبار المخصصة لعمومات الكتاب والمقيدة لمطلقاته، فلو كان التخصيص أو التقييد من المخالف للكتاب لما صح قولهم: «ما خالف قول ربنا لم نقله، أو هو زخرف، أو باطل» فيكون صدور ذلك عنهم عليهم السلام دليلا على أن التخصيص أو التقييد ليس من المخالفة في شيء.

أضف إلى ذلك: أن المعصومين عليهم السلام قد جعلوا موافقة أحد الخبرين المتعارضين للكتاب مرجحا له على الخبر الاخر، ومعنى ذلك أن معارضه - وهو الذي لم يوافق الكتاب - حجة في نفسه لو لا المعارضة، ومن الواضح أن ذلك الخبر لو كانت مخالفته للكتاب على نحو لا يمكن الجمع بينهما لم يكن حجة في نفسه ولم يبق معه مجال للمعارضة والترجيح، وإذن فلا مناص من أن يكون المراد من عدم موافقته للكتاب،أنه يمكن الجمع بينهما عرفا بالالتزام بالتخصيص أو التقييد.

ونتيجة ذلك: أن الخبر المخصص للكتاب أو المقيد له حجة في نفسه، ويلزم العمل به إلاّ حين يبتلى بالمعارضة.

3 - وقالوا: لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخه به، والنسخ به غير جائز يقينا فالتخصيص به غير جائز أيضا، والسند في هذه الملازمة:

أن النسخ - كما هو واضح في مبحث النسخ - تخصيص في الازمان، والدليل الناسخ كاشف عن أن الحكم الاول كان مختصا بزمان ينتهي بورود ذلك الدليل الناسخ، فنسخ الحكم ليس رفعا له حقيقة، بل هو رفع له صورة وظاهرا، والتخصيص في الافراد كالتخصيص في الازمان، فكلاهما تخصيص، فلوجاز الاول لجاز الثاني.

 والجواب عن ذلك:

أن الفارق بين النوعين من التخصيص هو الاجماع القطعي على المنع في النسخ،ولو لا ذلك الاجماع لجاز النسخ بخبر الواحد الحجة كما جاز التخصيص به، وقد بينا أن الكتاب وإن كان قطعي السند إلا أن دلالته غير قطعية، ولا مانع من رفع اليد عنها بخبر الواحد الذي ثبتت حجيته بدليل قطعي.

نعم: الاجماع المذكور ليس إجماعا تعبديا، بل لان بعض الامور من شأنه أن ينقل بالتواتر لو تحقق في الخارج، فإذا اختص بنقله بعض دون بعض كان ذلك دليلا على كذب راويه أو خطئه، فلا تشمله أدلة الحجية لخبر الواحد، ومن أجل هذا قلنا: إن القرآن لا يثبت بخبر الواحد.

ومما لا ريب فيه أن النسخ لا يختص بقوم من المسلمين دون قوم، والدواعي لنقله متظافرة، فلو ثبت لكانت الاخبار به متواترة، فإذا اختص الواحد بنقله كان ذلك دليلا على كذبه أو خطئه، وبذلك يظهر الفارق بين التخصيص والنسخ وتبطل الملازمة بين جواز الاول وجواز الثاني.

ـــــــــــــ

(1) كنز العمال - باب الاعتصام بالكتاب والسنة ج 1 ص 103 و 332 طبعة دائرة المعارف العثمانية .

(2) اصول الاحكام للامدي ج 2 ص 472.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=729
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 10 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24