• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : اقتباس الآي القرآني في الشعر العربي .

اقتباس الآي القرآني في الشعر العربي

السيِّد علي حسن مطر

 دَأبَ الشعر ـ مُنذ القديم ـ على تضمين قصائدهم شيئاً مِن القرآن الكريم ؛ ليُكسبوا معانيها قوَّةً ، ويُضفوا على ألفاظها حَلاوةً ورونقاً ، ويُبرزوا بذلك مقدرتهم على التفنُّن في التعبير .

ومِن نماذج توشيتهم للشعر بالآي القرآني ، قول أبي القاسم بن الحسن الكاتبي ( 1 ) :

إنْ  كنتِ أزمعتِ على هَجرنا    مِن غير ما جُرمٍ فصبرٌ جميل

تـبـدلَّتِ بـنا غـــيرنا  ف      ( حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( 2 )  .

وقول بديع الزمان الهمداني ( 3 ) :

لآِلِ فريغونَ في المُكرمات      يـدٌ أوَّلاً واعـتذارٌ أخيراً

إذا  مـا حـللتَ بـمغناهمُ        ( رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ) ( 4 )

 وقول ابن عفيف التلمساني ( 5 ) :

يا عاشقين حاذروا     مُبتسماً  عن ثغرهِ

فطرفُهُ السَّاحرُ مُذ      شَـككتمُ  في أمرهِ

   (يُـرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم    مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ ) ( 6 )

 ولم يقتصر الشعراء ، على الأخذ مِن القرآن الكريم ، بلْ تَعدُّوه إلى تزيين أشعارهم بالأخذ مِن الحديث الشريف، ومِن الأحكام الفقهيَّة .

فمِن أمثلة تضمينهم للحديث ، قول الصاحب بن عبَّاد ( 7 ) :

قـالَ لـي : إنْ رقيبي      سـيء الـخُلْقِ فـدارِه

قـلتُ : دعـني وجهكَ      ( الجَنَّة حُفَّت بالمَكارِه )

وهو مأخوذُ مِن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (حُفَّت الجَنَّة بالمَكارِه ، وحُفَّت النار بالشهوات).

ومِن أمثلة أخذهم مِن الفقه ، قول المُتنبِّي ( 8 ) :

بـليتُ  بلى الأطلالِ إنْ لم أقف بها      وقوف شَحيحٍ ضاعَ في التُّربِ خاتمه

قـفي  تغرم الأُولى مِن اللحظِ مُقلتي      بـثانية  والـمُتلِفُ الـشيءِ غارِمُه

وقد حذا الأُدباء في هذا المجال حَذو الشُّعراء ، وعمدوا إلى تطرير نثرهم بشذرات مِن القرآن والحديث ، وتكشَّف الجميع ، عن براعة في إحكام الصِّلة بين عبائرهم الفَنِّيَّة ، وما يُضيفونه إليها مِن كتاب الله تعالى ، وأحاديث نبيِّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

وقد أدرج علماء البلاغة ، هذا الفنَّ مِن الكلام ، في حَقلِ المُحسِّنات اللفظيَّة مِن علم البديع ، وخَصُّوه بعنوان ( الاقتباس ) ، الذي يعني في اصطلاحهم تضمين الكلام ( شعراً ونثر ) شيئاً مِن القرآن ، أو الحديث ، أو الفقه ؛ تمييزاً له عن نوع ثانٍ مِن الأخذ أسموه : ( التضمين ) ، وهو يختصُّ بـ ( أنْ يُضمَّنَ الشِّعر شيئاً مِن شِعر الغير ... ، مع التنبيه على أنَّه مِن شِعر الغير ، إذا لم يكن ذلك مشهوراً عند البُلغاء ، وبهذا يتميَّز عن الأخذ والسِّرقة ، كقولِ الحريري ـ يحكي ما قاله الغلامُ الذي عرضه أبو زيد للبيع ـ :

عـلى أنِّـي سـأُنشِدُ عند بيعي      ( أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا )

المِصراع الثاني للعرجي ، وتمامُهُ : ليومِ كريهةٍ وسِدادِ ثغرِ  ( 9 ) .

 وثَمَّة شيئان أجازهما الشُّعراء والأُدباء لأنفسهم عند الاقتباس :

 الأوَّل : أنْ يُغيِّروا في النَّصِّ المُقتبَس قليلاً ؛ تبعاً لمُقتضيات الوزن أو المعنى ( 10 ) ، كقول بعض المغاربة عند وفاة أحد أصحابه ( 11 ) :

قد كانَ ما خفتُ أنْ يكون      إنَّـا  إلـى اللهِ راجعونا

ونَصُّ الآية الكريمة : ( إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) ( 12 ) .

 هوامش البحث :

ــــــ

( 1 ) أ ـ معاهد التنصيص على شواهد التلخيص ، عبد الرحيم بن أحمد العبَّاسي 4 / 109 .

ب ـ مُختصر المعاني ، سعد الدين التفتازاني ، ص427 ـ 428 .

والكتابان تحقيق محمد مُحيي الدين عبد الحميد .

( 2 ) سورة آل عمران ـ من الآية 173 .

( 3 ) معاهد التنصيص 4 / 140 .

( 4 ) سورة الإنسان ـ مِن الآية 20 .

( 5 ) معاهد التنصيص 4 / 145 .

( 6 ) سورة الشُّعراء ـ من الآية 35

( 7 ) مُختصر المعاني ، ص428 .

( 8 ) معاهد التنصيص 4 / 145 .

( 9 ) ، ( 10 ) مُختصر المعاني ، ص429 .

( 11 ) أ ـ معاهد التنصيص 4 / 139 .

ب ـ مُختصر المعاني ، ص429 .

( 12 ) سورة البقرة ـ مِن الآية 156 .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=665
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 08 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24