• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : تنظيم البر نامج اليومي .

تنظيم البر نامج اليومي

المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)

نص الحديث:

((يا أباذر، على العاقل مالم يكن مغلوباً على عقله أن يكون لهُ أربع ساعات:ساعةٌ يناجي فيها ربّه عزوجل؛ و ساعةٌ يحاسب فيها نفسهُ؛ و ساعةٌ يتفكر فيما صنع الله عزوجل اليه؛ و ساعةٌ يخلوفيها بحظِّ نفسه من الحلال؛ فأنَّ هذه الساعة عونٌ لتلك الساعات))

شرح الحديث:

وردت روايات مختلفة حول تقسيم الأوقات اليومية تختلف عن بعضها البعض. ففي بعض الروايات قسمت الأوقات الي ثلاثة أقسام و قسمت في البعض الآخر - و من ضمنها هذه الرواية - الى أربعة أقسام.

طبعاً يمكن الجمع بين الروايات بأن نقول أنّ كلا الصورتين جائز، لكني أعتقد بما أنّ أباذر شخص متميز فقد كلفه النبي (صلى الله عليه وآله) تكليفاً أكثر دقة، و التكليف هو ((على العاقل مالم يكن مغلوباً))، ما أكدت الرواية على كون الانسان عاقلا، أي الانسان الذي يدرك الحقائق، و كذلك الانسان الذي يتغلب على شهواته، لكون الانسان الذي تتغلب شهواته عليه مصاباً بنوع من الجنون.

الخلاصة يجب على هكذا انسان تقسيم أوقاته اليومية الى أربعة أقسام:

1 - ساعة لمناجاة الباري جلّ و علا.

2 - ساعة لمحاسبة النفس، أي يفكر في جزء من اليوم و الليلة أنّه في أي مرتبة؟

ففي السنة الماضية كان في أي مرتبة من الايمان و الأخلاق و... و في هذه السنة في أي المراتب؟ هل انتفع في هذا السوق التجاري (الدنيا) أو تضرر أو كان في حالة من الكساد؟ هل صدر منه ما يرضي الله تعالى؟ هل هو مستمر في تكرار برامج الحياة اليومية أو أنّه فتح برنامجاً و طريقاً جديداً الى الله؟ هل حل مشكلةً من مشاكل الناس؟ وآلاف الأسئلة الأخرى.

و الخلاصة كما يحسب التاجر تجارته كل يوم، يجعل الانسان الدقيق و قتاً لمحاسبة نفسه و المرور على أعماله اليومية أيضاً.

س / يفكر في أي شيء؟

ج / يفكر في ما يبعثه على الشكر و يقوى فيه تلك الروح، أي يفكر في النعم الالهية.

يعتبر الايمان، الاسلام، ولاية أهل البيت (عليه السلام)، معرفة الله، السلامة، التوفيق للطاعة و العلم من أفضل النعم الالهية، فجميعها نعم عظيمة يجب على الانسان التفكير فيها.

لا يعرف الانسان قيمة تلك النعم طالما هي عنده، لكنّه يعرف قيمتها الحقيقة ريثما فقد أحدها و يدرك مقدار تأثيرها، أو كم كان مقدار تأثيرها؟

ذلك التفكير الذي تعادل كل لحظة منه سنةً من العبادة، و من الممكن ان يتغير مصير الانسان على أثر ذلك، و أبرز مثال قصة الحر حيث تبدل مصيره تماماً بعد دقائق من التفكير.

بعض النعم لو لم تسلب منه لا يعرف قيمتها طول عمره، تأملوا مثلا: هناك منافذ و ثقوب صغيرة جداً في أطراف عين الانسان، أحد هذه الثقوب في القسم العلوي و الآخر في القسم السفلي، فتلك التي في القسم العلوي عبارة عن مصدر الدمع، و التي في القسم السفلى عبارة عن مجرى للماء الفائض فتقوم بنقله الى الأسفل ليصب في الأنف و يعمل عى ترطيبه ثم يصب في المرئ، فلو جفت العلوية التي تعتبر مصدراًللدمع يفقد الانسان بصره سريعاً، لأن العين من ضمن الأماكن التي يجب أن تكون مرطوبة دائماً مثل اللسان، و لأجل هذا تحتوي على غذة باسم غدة الدمع،و من المحتمل أنّ الانسان لولم يفقد تلك النعمة لا يليفت الي ذلك أبداً طول عمره،و لا يعرف ما هي هذه الثقوب و ما دورها؟

فأذا جفت هذه الثقوب و المنافذ يجفّ سطح عين الانسان، و عندما يحرك أجفانه كأنّه مسح قطعة قماش خشنة و صلبة على عينيه، فيشعر بألم شديد، و تتلف عيناه بالتدريج؛ و لوجاء الماء بأكثر من المقدار الطبيعي، ولم يستطع ذلك الثقب سحبه الى الأسفل فسوف تجري الدموع على الوجه بصورة مستمرة، و يجب أن يمسك منديلا بيده دائماً؛ هذا شيئ بسيط و صغير ومع ذلك لا يعلم أغلب الناس بوجود هكذا منافذ في عيونهم.

يجب أن يفكر الانسان لحظةً وساعةً بالنعم العقلية والجسمية والمادية والمعنوية وبنعم الشرف والحيثية والأمان و... فهذا يؤدي الى حصول حركة في وجوده لأداء الشكر الالهي، والخلاصة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أمر أبا ذر بأن يخصص ساعةً لهذه الموارد.

كم هو جيد مثلا أنّ الانسان عندما ينهي صلاته يفكر لحظات في خلقة الله و نعمه بدل التعقيبات، فهذا الأمر يهب الانسان روحاً و حياةً جديدةً.

التفكر في الروايات الاسلامية:

1 - قال الامام الحسن المجتبى (عليه السلام):((عليكم بالفكر فأنّه حياةُ قلب البصير و مفاتيح أبواب الحكمة))(1)

2 - نقل عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:((أفضلُ العبادة ادمانُ التفكر في اللهِ و في قدرتهِ))(2)

3 - نقل عن الامام الصادق(عليه السلام) أنّه قال أيضاً:((كان أكثر عبادة أبي ذرٍّ - رحمة اللهِ عليه التفكر و الاعتبارُ))(3)

4 - قال الامام الصادق(عليه السلام):((التفكر يدعو الى البرِّ و العمل به))(4)

5 - نقل عن الامام الصادق(عليه السلام):((تفكر ساعة خيرٌ من عبادة سنة انّما يتذكر أولو الألبابْ))(5)

6 - قال الامام علي(عليه السلام):

أ- ((الفكر مرآةٌ صافيةٌ))(6)

ب - ((لا علم كالتفكر))(7)

ج - ((من تفكر اعتبرَ، و من اعتبر اعتزلَ و من اعتزل سلم))(8)

د - ((العقول أئمةُ الأفكار، و الأفكار أئمةُ القلوب،و القلوبُ أئمةُ الحواسِّ،والحواس أئمة الأعضاء))(9)

هـ - ((فكرُ ساعة قصيرة خيرٌ من عبادة طويلة))(10)

4ـ تلك الساعة التي يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال تحتمل معنيين:

أـ يحتمل أن يكون معناه إصلاح المعاش، لأنّ إمرار المعاش لم يذكر في هذا المقطع من الحديث لأنّه حلال.

ب ـ يحتمل أنّه إشارة الى الترفيه السليم، فالانسان ليس كالماكنة الحديدية يجبرونها على العمل متى ما شاؤا، بل له روح تتعب كما يتعب جسمه، فكما يحتاج الجسم الى الاستراحة و النوم تحتاح روحه الى التسلية و الترفيه السليم.

لقد أكدت التجارب أنّ الانسان الذي يستمر في عمله على شاكلة واحدة و منوال واحد و برتابة سوف تنخفض محصلة عمله بالتدريج نتيجة نقصان نشاطه،و أمّا العكس فبعد ساعات من التسلية و الترفيه السليم يحصل نشاط كبيرللعمل يؤدي الى ازدياد كمية و كيفية العمل، لذا فأنّ الساعات التي تقضي في التسلية و الترفيه تساعد ساعات العمل.

بُيّنت هذه الحقيقة في الروايات الاسلامية بصورة جميلة و جذابة و بعنوان أمر،كما قال الامام علي(عليه السلام) في كلماته القصار:((للمؤمن ثلاث ساعات فساعةٌ يناجي فيها ربّه و ساعة يرمي معاشه، و ساعة يخلي بين نفسهِ و بين لذّتها فيما يحل و يجمل))(11)

الملفت أنّ هذه الجملة اضيفت في حديث آخر:((و ذلك عونٌ على سائر الساعاتِ))حسب قول البعض،التسلية و الترفيه كغسل و تشحيم و تزييت عجلات المكائن و الآلات،فعلى رغم أنّ الماكنة ستتوقف ساعةً، لكنها ستحصل لاحقاً على قوة و قدرة جديد مضاعفة تتدارك بموجبها تلك الساعة،بالاضافة الى ازدياد عمر المكانه أيضاً .

أما المسألة المهمة هي أن تكون التسلية سليمة و إلاّ لاتحل أية مشكلة ،بل تزداد المشاكل أيضاً.فما أثر التسالي غير السلمية التي تنهك قوى الانسان و ترهق روحه و أعصابه، الى درجة سلب قدرته على العملو نشاطه الي مدة أو على الأقل توصل أنتاجه الى اضعف مرتبة.

و لا نغفل عن هذه النقطة أيضاً و هي أنّ الاسلام أهتم بمسألة التسلية السليمة كثيراً الى درجة أنّه أجاز مجموعة من السباقات حتى مع الشرط أيضاً، و يحكي لنا التاريخ أنّ بعض هذه السباقات حصلت بحضور شخص النبي (صلى الله عليه وآله) و تحت اشرافه و بتحكيمه،حتى أنّه كان يضع ناقته أحياناًتحت تصرف أصحابه لاجراء سباق الجمال. نقرأ في رواية عن الامام الصادق(عليه السلام) أنّه قال:((انّ النبي (صلى الله عليه وآله) أجرى الابل مقبلةً من تبوكِ فسبقت الغضباء و عليها أسامةُ،فجعل الناس يقولون: سبق رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله)،و رسول ُ اللهِ يقولُ: سبق أسامةُ)) (12)

النقطة الأخرى: كما جاء في القرآن الكريم في قصة يوسف (عليه السلام)، يستغل الانسان أحياناً حب الآخرين و خاصةً الشباب و اليافعين منهم للنزهة و التسلية للوصول الى هدفه.

ففي حياتنا العصرية تسئ الأيادي الخفية لأعداء الحق و العدالة الاستفادة من مسألة الرياضة والتسلية لتسميم أفكار جيل الشباب،لذا يجب الانتباه و الحذر،للحيلولة دون قيام القوى الاستكبارية المتوحشة بتمرير مخططاتها المشؤومة حول الشباب باسم الرياضة و التسلية و المسابقات الاقليمية و العالمية.

لا ننسى أنه في زمن الطاغوت عندما كانوا يريدون أن ينفذوا مخططاً خاصاً،و يبيعوا ثروات و ذخائر البلاد بأثمان بخسة،كانوا ينظمون سلسلة من المسابقات الرياضية الطويلة و العريضة، و يشغلون الناس بهذه الألعاب حتى لا يتمكنوا من ادراك حقيقة ما يجرى و التدخل في المسائل الرئيسية للمجتمع.(13)

يكمل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك الحديث مباشرةً و يقول: ليس هذا هدفاً أصيلا، بل هو هدف تمهيدي و آلي؛ أي أنّ هذه الساعة لا يجاد الاستقرار النفسي لكي يستطيع الانسان الاستفادة بصورة صحيحة من الساعات الثلاث الأخريات؛ و بعبارة اُخرى هذا جانب ((لما به ينظر)) لا ((ما فيه ينظر)).

في الحقيقة لوكان لناجميعاً برنامج يومي كما أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) أباذر الغفاري هنا فهذا يعني أنّنا ندعو اللّه بالمعنى الحقيقي،و نؤدي عبادتنا بالحضور القلبي،و نصل الى الدرجات الانسانية العليا، و نحصل على خيرالدنيا و الآخرة.

المصادر :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. بحار الانوار، ج78،ص115

2. نفس المصدر،ج68،ص321

3. نفس المصدر،ج22 ،ص431

4. نفس المصدر،ج68،ص 327

5. نفس المصدر،ج71،ص327

6. نهج البلاغة، الحكمة 365

7. نفس المصدر،الحكمة 113.

8. كنز الفوائد، ج2،ص83

9. نفس المصدر، ج1،ص200

10. غرر الحكم، ج2،ص 58

11. نهج البلاغة، الكلمات القصار، الرقم 290

12. اشارة الى أنّ المهم هو الراكب لا المركب، فما أكثر ما تقع مطية سريعة السير بأيدي أناس غير مجربين فلا يستطيعون فعل شيء بها.

13. التفسير الامثل،ج9،ص 334-335


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=550
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 06 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19