• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : الإسلام والوالدين .

الإسلام والوالدين

بقلم : الشيخ قاسم الخزعل

قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)  (الاسراء : 23)

لقد أولى الإسلام مسألة الوالدين عناية كبيرة من خلال الآيات والروايات التي حثت على برهما وعدم عقوقهما , ولم يخصص ذلك بكون الوالدان مسلمين بل تجاوز ذلك إلى وجوب برهما حتى وإن كانا كافرين وإطاعة أوامرهما وعدم التضجر من خدمتهما بل عدم التأفف والنظر الحاد إليهما فضلا ً عن عصيانهما إلا في ما يخالف أوامر الله سبحانه وتعالى فإن طاعة الله مقدمة على طاعة أي أحد كان وبان ذلك الاعتناء بمسألة الوالدين في عدة أمور منها:

1- أن القرآن ذكر الوالدين في أربعة مواضع مباشرة بعد التوحيد مقرونة به حيث قال تعالى في الآية 83 من سورة البقرة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ).

 وقال تعالى في الآية 36 من سورة النساء: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ ا للّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).

وقال تعالى في الآية 151 من سورة الأنعام: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

وقال تعالى في الآية 23 من سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) .

وهذا مما يدلل على عظمة أمر الوالدين وبالخصوص في الآية الرابعة والتي قد استفتحنا بها البحث حيث تشير إلى تفاصيل كثيرة منها

أن لفظة قضى التي جاءت في الآية لها مفهوم توكيدي أكثر مما لو قال أمر لأن كلمة قضى تعني القرار المحكم الذي لا نقاش فيه بخلاف لفظة أمر.

ولو لاحظت في الآية التي تليها حيث بدأ القرآن يعطي صورا ً لبر الوالدين وعدم عقوقهما فكأنه يقول أيها الإنسان إذا أصبح والديك مسنين وضعيفين وكهلين لا يستطيعان الحركة أو رفع الخبائث عنهما فلا تنسى أنك عندما كنت صغيرا ً كنت على هذه الشاكلة أيضا ً , ولكن والديك لم يقصرا في مداراتك والعناية بك لذلك لا تقصر أنت في مداراتهما ومحبتهما وخدمتهما ولا تتضجر من خدمتهما حتى بقولك (أف) معنى أنها أصغر كلمة تضجر إلا أنها كبيرة من حيث معناها ومؤداها.

2- أن عناية الإسلام بالوالدين ليس مقصورة في كونهما مسلمين بل حتى إن كانا مشركين وهذا ملتمس من إطلاق الآيات التي تذكر مسألة الوالدين.

 فيجب تنفيذ أوامرهما وبرهما وعدم عقوقهما إلا إذا أمرا بغير ما أمر به الله سبحانه وتعالى فلا طاعة لهما وهذا تجده صريحا ً في الآيتين 14 و 15 من سورة لقمان حيث قال تعال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ  * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

3- رفع الإسلام منزلة شكر الإنسان لوالديه إلى منزلة شكره لله تعالى كما جاء ذلك في الآية 14 من سورة لقمان (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

وهذا مما يؤكد أن الإسلام أولى مسألة الوالدين عمق وبعدا ً كبيرا ً حيث جعل شكرهما شكر لأنعمه مع أن أنعمه لا تعد ولا تحصى.

4- عدم قبول الإسلام بأي أهانة لهما وإن كانت صغيره كما تجده واضحا ً في قوله تعالى: ( ولا تقل لهما أف ٍ ولا تنهرهما ) وكما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: ( لو علم الله شيئا ً أدنى من أف ٍ لنهى عنه, وهو من أدنى العقوق , ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما)

5- برهما أفضل من الجهاد  حيث جاء هذا المعنى في حديث الإمام الصادق (ع) أنه قال: ( أن رجلا جاء الرسول (ص) وقال له إني أحب الجهاد وصحتي جيدة ولكن لي أم لا ترتاح لذلك فماذا أفعل ؟ فأجابه (ص) ( ارجع فكن مع والدتك فوالذي بعثني بالحق لأُنسها بك ليلة خير من جهاد في سبيل الله سنة) وهذا يكون إذا لم يكن الجهاد واجبا ً عينيا ً على كل مسلم وإلا فيقدم الجهاد حتى مع عدم رضا الوالدين.

6- العاقبة السيئة لم يعق والديه ولها أمثلة كثيرة ورد تبيانه في كلام أهل البيت عليهم السلام الذين هم يتكلمون عن الله فمنها:

1 ـ العاق لا يدخل الجنة:

جاء عن الرسول (ص): ( وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة) ويفي هذه العاقبة وهي حرمانه مما كان يسعى من أجله في هذه الدنيا بل مقصود كل شخص فإذا حرم منها فماذا ينفعه عمله , وهذه العاقبة كافية لردعنا عن عقوق والدينا.

2 ـ عدم غفران الذنوب:

قال رسول الله (ص): ( من أدرك والديه ولم يؤد حقهما فلا غفر الله له )

ومن المعلوم أنه ليس منا أحد لا يذنب في اليوم أكثر من ذنب أو على الأقل ذنب واحد فنحن إذا محتاجون لمن يغفر لنا ذنوبنا فأفضل طريق هو بر الوالدين كما في قصة ذلك الرجل الذي أتى النبي (ص) فقال:

يا رسول الله ما من عمل قبيح إلا قد عملته فهل لي من توبة؟

فقال رسول الله (ص): ( فهل من واليك أحد حي؟

قال: أبي

قال: (فاذهب فبره)

3 ـ عدم قبول الأعمال:

ورد عن الإمام الصادق (ع): ( من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة) إذا كان في حالت ظلمهما له لا تقبل صلاته فكيف إذا كانا محسنين له فعلينا أن تستحي ونتوجه إلى آبائنا فكلهم أصحاب إحسان علينا ومن يقول العكس فليراجع رسالة الحقوق وينظر ماذا يقول الإمام السجاد في حقهما: ( وحق أبيك أن تعلم أنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أهل النعمة عليك فيه , فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله)

وقال: ( فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد وأطعمتك من ثمرة قلبها مالا يطعم أحد أحدا ً ....)

4 ـ سوء الخاتمة:

ورد في هذا المعنى قصة لطيفة وهي:

أن رسول الله (ص) حضر شابا ً عند وفاته فقال له : قل لا إله الله , فاعتقل لسانه مرارا ً ، فقال لامرأة عند رأسه : هل لهذا أم ؟

قالت نعم أنا أمه , قال : أساخطة أنت عليه ؟

قالت نعم ما كلمته منذ ست حجج , قال لها : ارضي عنه قالت: رضي الله عنه برضاك يا رسول الله فقال له رسول الله (ص) قل لا إله إلا الله قال : فقالها , فقال النبي (ص)  ما ترى؟

فقال أرى رجلا ً أسود قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح قد وليني الساعة فأخذ بكظمي , فقال له النبي (ص) : ( قل يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت الغفور الرحيم).

فقالها الشاب فقال له النبي (ص) انظر ما ترى؟

قال أرى رجلا ً أبيض اللون حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب قد وليني وأرى الأسود قد تولى عني قال أعد فأعاد قال ما ترى؟

قال لست أرى الأسود وأرى الأبيض قد وليني ثم طفى على تلك الحال)

وقد تبين مما تقدم عناية الإسلام بالوالدين من خلال أوامره ونواهييه وقد علمنا أثر عقوقهما وبرهما فينبغي علينا أن نستيقظ من الغفلة ونعود إلى برهما والأحسان إليهما ونقول كما قال تعالى في سورة نوح: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا )

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=493
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24