• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : الكتاب والقرآن نقد لأدلة التفريق (القسم الثاني) .

الكتاب والقرآن نقد لأدلة التفريق (القسم الثاني)

عبد السلام زين العابدين

مفارقة اعرابية!

ويبدو أن صاحب (القراءة المعاصرة) لم يوفق في اعراب قوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان)، عندما اعتبر الفرقان معطوف على القرآن!!، حيث يقول: (وبما أن الفرقان جاء معطوفاً على القرآن يستنتج ان الفرقان غير القرآن)(1)، ويبني على هذا الاعراب صروحاً من الاستنتاجات.

وكان ينبغي عليه أن يعتني بالاسس والقواعد (Foundations)، لأنها هي التي ستحمل الـ (Dead Laud) و(Jive Loud) كما هو معلوم، ويبدو أن أسس الدكتور شحرور لا يمكن أن تحمل نفسها!

والذي يوقع الدكتور شحرور فيما لا ينبغي ان يقع فيه هو الافكار المسبّقة التي يحملها في انفصال القرآن عن الكتاب، وان القرآن جزء من الكتاب لا جميع الكتاب.. والغريب أنه في بداية كتابه شخّص خمس مشاكل اساسية يعاني منها الفكر العربي المعاصر، كانت المشكلة الثانية منها: (اصدار حكم مسبّق على مشكلة ما قبل البحث في هذه المشكلة)(2).

ومما جاء في كتاب (بيضة الديك) تعليقاً على هذه المفارقة الاعرابية:

(لقد أورد في الصفحة (65) قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان)، ثم علّق على ذلك فقال: (وبما أن الفرقان جاء معطوفاً على القرآن يستنتج أن الفرقان غير القرآن).

وهو كما ترى، قد جعل (الفرقان) المجرور بالكسر، معطوفاً على (القرآن) المعطوف بالواو على (الهدى) معطوفاً على (القرآن)، وذلك من طرائف علم النحو).

ويضيف صاحب (بيضة الديك) قائلاً: (وليت المسألة انتهت هنا، اذاً لهان الخطب، ولكن الطامّة أنّ هذا (العطف)!! قد جُعل أساساً بُني عليه حكم عريض، اذ قال المؤلف: (وبما أنّ الفرقان جاء معطوفاً على القرآن يستنتج أنّ الفرقان غير القرآن))(3).

 

وقد أشار الى هذه الملاحظة صاحب كتاب (الاشكالية المنهجية) قائلاً: وهنا لا يسعنا الاّ أن نعود الى منهجه القاضي بمسح عام لخصائص اللغة العربية، لعلنا نفهم معنى كلمة المسح، فكلمة الفرقان ليست معطوفة على القرآن أصلاً، لأنها مجرورة بالكسرة لعطفها على الهدى، أمّا كلمة (القرآن) فهي مرفوعة بالضمة لنيابتها عن الفاعل. وتابعيّة المعطوف للمعطوف عليه في الحكم الاعرابي معروفة(4).

 الدليل الثاني: القرآن للناس والكتاب للمتقين

يقول الدكتور شحرور: (نلاحظ أنه عندما ذكر الكتاب قال: (هدى للمتقين)، لأن في الكتاب أحكام العبادات والمعاملات والاخلاق أي فيه التقوى بالاضافة الى القرآن، وعندما ذكر القرآن قال: (هدىً للناس) ولفظة الناس تشمل المتقين وغير المتقين. فالمتقون من الناس ولكن ليس كل الناس من المتقين. وهذا وحده يوجب أن نميّز بين الكتاب والقرآن)(5).

وهذا الدليل يذكره الاستاذ شحرور في مواضع عديدة من كتابه، بيد اننا اذا استقرأنا الآيات المباركة نجد أنّ ما اعطاه من قاعدة لم تكن صحيحة على الاطلاق، فكثيراً ما تقرن الآيات المباركة بين القرآن والتقوى، وبين الكتاب والناس: (كتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون)(6). (انّا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق)(7).

ففي الآية الاولى نقرأ هدف نزول القرآن العربي (لعلهم يتقون)، وفي الآية الثانية تصريح بأنّ الكتاب أنزل (للناس بالحق)، فأين ما يدّعيه الاستاذ شحرور من أنّ القرآن هدى للناس والكتاب هدىً للمتقين؟!.

واذا استقرأنا الآيات المباركة نجد مدى تفاهة هذا الدليل الذي يقدّمه صاحب (القراءة المعاصرة):

(انّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين)(8)، (وننزّل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الاّ خسارا)(9)، (طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى الاّ تذكرة لمن  يخشى)(10)، (فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد)، (واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا)، (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).

ففي هذه الآيات المباركة وغيرها أنّ المتقين هم وحدهم الذين يهتدون بهدى القرآن أمّا الظالمون فلا يزيدهم القرآن الاّ خسارا.

الدليل الثالث: القرآن حقّ والكتاب غير حقّ

يقول الدكتور شحرور: (ونلاحظ أنه في سورة الرعد عطف الحقّ على الكتاب، فهذا يعني ان الحق شيء والكتاب شيء آخر. أو أنّ الحق هو جزء من الكتاب وليس كل الكتاب)(11)!.

يؤكد المؤلّف على هذه القرينة ويعتبرها دليلاً قاطعاً وحاسماً على أنّ القرآن غير الكتاب، وأنّ الحق في القرآن فحسب، وليس في الكتاب حق. يقول في قوله تعالى (والذي أوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدّقاً لما بين يديه): (هنا أعطى الجواب القاطع بأنّ الحق هو جزء من الكتاب وليس كل الكتاب وأنّ الحق جاء معرّفاً أي أنّ الحقيقة الموضوعية بأكملها غير منقوصة (الحقيقة المطلقة) موجودة في الكتاب، ولكن ليست كل الكتاب)(12).

بيد أننا اذا استقرأنا الآيات المباركة نجد أنّها تصرّح بأنّ الكتاب حق، وأنه نزل بالحق: (نزّل عليك الكتاب بالحق مصدّقاً لما بين يديه)(13)، (أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس)(14)، (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق)(15)، (انّا أنزلنا عليك الكتاب للنّاس بالحق)(16)، (انّا أنزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين)(17).

ان الدكتور شحرور يحاول أن يتهرّب من هذه الآيات وامثالها ليأتي بآية أو آيتين ليفسرهما بما يحمل من أفكار مسبّقة من أنّ القرآن غير الكتاب، وأنّ القرآن وحده الحق، والكتاب ليس بحق. أنه يأتي بقوله تعالى (والذي أوحينا اليك من الكتاب هو الحق) ويقطع بأنّ (من) هنا تبعيضية والحال أنّها واضحة ليست كذلك، بل هي بيانية جنسية، بقرينة الآيات الاخرى الكثيرة، التي ذكرناها آنفاً، والتي لم نذكرها كقوله تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً كبيرا)(18) (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين)(19)، (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين)(20)، (انّا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس)(21).

ففي هذه الآيات المباركة جاء (الكتاب) معرفة، وليس نكرة، فلا مجال الى القول بأنّ المقصود منه جزء الكتاب لا كلّه.

الدليل الرابع: القرآن تكويني والكتاب تشريعي

يقول الدكتور شحرور: (لايمكن أن نرى آية واحدة من آيات الرسالة (الاحكام) فيها عبارة (قال الله)، لانّه لو جاءت بهذه الصيغة (قال الله صلّوا) أو (قال الله صوموا) مع الأخذ بالحسبان أنّ قول الله هو الحق (قوله الحق)(22)، فهذا يعني أن الصلاة والصوم حقيقة موضوعية موجودة خارج الوعي، ولأصبحت الصلاة ناموساً لايمكن مخالفته...)(23).

وقد أكد صاحب (القراءة المعاصرة) على هذه القرينة واعتبرها أحد الادلة على منهجه في التفريق بين القرآن الحق والكتاب الذي ليس بحق. وردّنا عليه:

أولاً: الخلط بين القول التشريعي والقول التكويني.

أن المؤلف لا يميّز بين القولين (التشريعي والتكويني) فآية (قوله الحق) تشمل القولين معاً.. بيد أنّ الأول ممكن مخالفته، لأن: (ولكن اكثرهم للحق كارهون)(24).

فليس كل حق يفرض على الناس، قال تعالى: (وكذّب به قومك وهو الحق)(25)، (واذ قالوا اللهّم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء)(26)، (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه، ولو كره المشركون)(27)، (ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وانتم تعلمون)(28).

ثانياً: الاستقراء ناقص وخاطئ اننا اذا استقرأنا الآيات المباركة لوجدنا أنّ العديد منها يذكر كلمة (قال الله) أو مافي معناها في قضايا الاوامر الشرعية والأحكام والتي يمتلك المكلّف حيالها ارادته، رفضاً أو قبولاً: (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الاّ ابليس ابى)(29)، (اذ قال له ربّه أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين)(30)، (وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين (انّما هو اله واحد فايّاي فارهبون)(31)، (واذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجّداً وقولوا)(32).

لست أدري ماذا يفسّر الدكتور شحرور هذه الآيات المباركة التي فيها صيغة (قال اليه)؟! وقد ادرك هذه الاشكالية فحاول ان يأتي بتأويلات من أجل لي أعناق الآيات لصالح (قراءته المعاصرة) وما يحمل من أفكار مسبّقة، فوقع فيما حذّرنا منه سابقاً.

الدليل الخامس: القرآن من شؤون النبوّة

يرى المؤلف أنّ النبوّة لا علاقة لها بالتشريعات والأحكام، كما لا علاقة لها بالطاعة.. لان الطاعة جاءت للرسالة لا للنبوّة: (وأطيعوا الله والرسول)(33)، وليس في الكتاب آية واحدة فيها (وأطيعوا النبي).

لقد أكد المؤلف في مواقع عديدة من كتابه أن الاحكام والتشريعات لا علاقة لها بالنبوّة، وان النبوّة لا علاقة لها بالطاعة، وهذا ما تكذّبه الآيات المباركة التي تؤكد ان الاحكام من شؤون النبوّة.

1 ـ حكم الجهاد والقتال

(يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين)(34). (يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال)(35). (وكأيّن من نبي قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ...)(36).

2 ـ حكم الحجاب والستر للمرأة

(يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهّن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)(37).

3 ـ المبايعة السياسية

(يا أيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك عى أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولايزنين ولا يقتلن اولادهن) الى قوله (ولا يعصينك في معروف فبايعهن)(38).

فالآية صريحة في التشريع والاحكام، كما هي صريحة في عدم المعصية، أي طاعة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ومبايعته والالتزام بتلك البيعة.

4 ـ شؤون الحكم والدولة

(انّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيّون الذين أسلموا...)(39).

(كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه...)(40).

 

فهذه الآيات وغيرها كثير تؤكد أن التشريعات والاحكام سواء كانت على صعيد الفرد كالحجاب والجلباب أو على صعيد المجتمع كالحرب والقتال والجهاد، انما هي من شؤون النبوّة.. ولذا جاء الخطاب بـ (يا أيها النبي)، وكان ينبغي ان يأتي ـ بحسب القراءة المعاصرة ـ بـ (يا أيها الرسول)، ولصراحة هذه الآيات المباركة حاول الدكتور شحرور ان يتخلص من هذه المحنة، فابتدع نظرية جديدة، تحت عنوان: (التعليمات للنبي)، مفاده : ( انّ الآيات التي جاءت للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مخاطباً ايّاه في مقام النبوة هي آيات تعليمات وليست حدوداً أو تشريعات عينية، أي ليس لها علاقة بالحرام والحلال)!!.

ويقول في مقام آخر: (أمّا التعليمات التي جاءت من الله سبحانه وتعالى والتقيد بها فيه مصلحة للناس دون ان يستدعي ذلك غضباً أو رضى من الله، اي دون أن يكون هناك ثواب وعقاب، أو انها جاءت خاصة للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لمرحلة تأريخية. هذه الآيات بدأت بقوله تعالى: (يا أيها النبي)).

بيد أنه كتم بعض الآيات الصريحة في التشريع والاحكام بما لايقبل التفسيرات كقوله تعالى: (يا أيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لايشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين...)(41).

وفي المقابل نرى ان هناك العديد من الآيات المباركة تعبّر عن السنن والقوانين التأريخية والتي يعتبرها المؤلف من شؤون النبوة فحسب، فانها تذكر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بصفته الرسالية مع انها ليس لها علاقة بالاحكام والتشريعات:

1 ـ (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)(42).

2 ـ (وما كان ربّك مهلك القرى حتى يبعث في أمّها رسولا)(43).

3 ـ (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ...)(44).

4 ـ (ام حسبتم ان تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا ان نصر الله قريب)(45).

5 ـ (انّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد)(46).

 

6 ـ (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ان الله قوي عزيز)(47).

فهذه الآيات وغيرها عشرات ليس لها علاقة بالتشريعات والاحكام، بل هي تطرح القضايا طرحاً سننياً تأريخياً، وترسم المعادلات في ساحة الصراع والتدافع، فكان من الاولى ـ حسب نظر المؤلف ـ أن تذكر (النبي) لا (الرسول)!

ثمار القراءة المعاصرة

يمكننا ان نلخص أهم النتائج (الثمار) التي تمخضت عنها القراءة المعاصرة لـ (الكتاب والقرآن) في التفرقة بينهما:

1 ـ القرآن جزء من الكتاب (المصحف)، لا كل الكتاب، لان القرآن هو الآيات التي تتحدث عن قوانين الكون والحياة والتاريخ فحسب (الآيات غير المحكمات = الآيات المتشابهات + لا محكمات ولا متشابهات)، وهي (علوم) لا (أحكام وتشريعات)، اما الآيات التي تتعلق بسلوك الانسان (العبادات، والمعاملات، والاخلاق، وأساليب الحكم والاحوال الشخصية، والحلال والحرام) فلا علاقة لها بالقرآن من قريب أو بعيد، لأنها احكام وليست علوماً. فآيات الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والجهاد والقتال، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحجاب المرأة، والربا، والخمر، والزنا، وغيرها.. ليست من القرآن على الاطلاق، لأنها آيات محكمات.

2 ـ وبما أنّ محمداً ـ صلى الله عليه وآله ـ هو رسول وهو نبي، فان الكتاب الذي أوحي اليه، يتضّمن نبوّته ورسالته. والنبوة من (نبأ) وهي مجموعة المواضيع الكونية والتاريخية، والرسالة مجموعة التعليمات السلوكية للانسان.. فعليه يكون الكتاب متضمناً كتابين رئيسيين:

ـ الكتاب الاول: كتاب النبوّة (التفرقة بين الحق والباطل) ــــ القرآن.

ـ الكتاب الثاني: كتاب الرسالة (التفرقة بين الحلال والحرام) ــــ الرسالة.

3 ـ الكتاب الاول (القرآن) (كتاب النبوّة) يتألف من كتابين رئيسيين، هما:

ـ الكتاب الاول: سبعاً من المثاني.

ـ الكتاب الثاني: القرآن العظيم.

لان السبع المثاني والقرآن العظيم آيات اخبارية (أنباء) وليست أحكاماً!

4 ـ الكتاب الاول (القرآن) هو الحق، وليس كل الكتاب.. لان آيات الرسالة ليست حقاً.

5 ـ سرّ خلود القرآن في (التأويل)، لانه يتجدد مع تقدم الزمان، بينما سّر خلود الرسالة (الاحكام) في (الاستقامة والحنيفية)، وهما نقيضان، لان الحنيفية تعني الميل والانحراف، والاستقامة تحدد لنا مجالات التغيير(Min) و(Max).

ولهذا فانّ (القرآن) فقط هو المعجز، وليس (الكتاب) كلّه، لان قابلية التاويل المستمر هي سر الاعجاز.

6 ـ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لم يؤول القرآن، لانه ليس قادراً على تأويله تأويلاً كاملاً، لان الله وحده هو القادر على التأويل الكامل.

أمّا الراسخون في العلم، فيؤوّلونه حسب أرضيتهم المعرفية في كل زمان.

وسر عدم تأويل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ القرآن هو تجميد التأويل لو كان تأويله نسبياً (أي: صحيحاً بالنسبة الى عصره وخاطئاً بالنسبة الى العصور الاتية)، ولما فهمه أحد في عصره لو كان تأويله مطلقاً (أي: صحيحاً على مدى الدهور والعصور)، ولأصبح شريكاً لله في علمه، ولفقد القرآن اعجازه(48).

7 ـ انّ الراسخين في العلم هم الذين يحتلّون مركز الصدارة بين العلماء والفلاسفة، وهؤلاء من امثال البيروني، الحسن بن الهيثم، ابن رشد، اسحاق نيوتن، انشتاين، تشارلز داروين، كانت، هيجل.

فالراسخون في العلم ـ اذن ـ هم (مجموعة كبار الفلاسفة وعلماء الطبيعة وأصل الانسان وأصل الكون وعلماء الفضاء وكبار علماء التاريخ مجتمعين. ولم نشترط لهذا الاجتماع حضور الفقهاء، لانهم ليسوا معنيين ـ في رأينا ـ بهذه الآية، لانهم أهل الكتاب)(49) أي الرسالة التي تتضمن التشريعات والعبادات والاحكام.

8 ـ وفقاً (للاستقامة والحنيفية) في الرسالة (الاحكام والتشريعات) فاننا يجب ان نؤسس فقهاً جديداً، لنخلّص الفقه من ازمته القاتلة، لان الفقهاء جميعاً وقعوا في خطأ قاتل، وهو اعتبار آيات أم الكتاب نصّاً، لا اجتهاد فيه، (فوقفوا على الآية أي على الحد لا عند الحد).

وهكذا راح الدكتور شحرور يفتي المسلمين بأحكام دينهم وفق منهجه فكانت الفتاوى الآتية.

الفتوى الاولى: وفقاً لآية الجيوب (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) يجب على المرأة أن تغطي الجيوب فحسب، وهي ما له طبقتان أو طبقتان مع خرق، (وهي مابين الثديين وتحت الثديين وتحت الابطين والفرج والاليتين، فهذه الجيوب يجب على المرأة المؤمنة ان تغطيها، لذا قال: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)(50).

الفتوى الثانية: ووفقاً لآية (ولا يضربن بأرجلهن) (منع الله المرأة المؤمنة من العمل والسعي (الضرب) بشكل يظهر جيوبها أو بعضها، كأن تعمل عارضة (ستربتيز ـ Striptease)، أو تقوم برقصات تظهر فيها الجيوب أو بعضها، ولكنّه لم يحرّم الرقص بشكل مطلق).

لذا يرى انّ (الله سبحانه وتعالى حرّم في حدوده مهنتين فقط على المرأة وهما:

أ ـ التعرية (ستربتيز).

ب ـ البغاء.

أمّا بقية المهن فيمكن للمرأة ان تمارسها دون حرج أو خوف، وذلك حسب الظروف الاجتماعية التأريخية والجغرافية)(51).

الفتوى الثالثة: وفقاً لقوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس) وغيرها من الآيات، انما جاءت للنصيحة لانها ليست من الحدود، لان الاجتناب في قوله: (فاجتنبوه) اقل من التحريم!!

ويلفت أنظارنا الى ان لا يؤدي بنا السكر الى فقدان الوعي فعلينا ان نحذر الافراط في شربها، حيث يقول: (والسكر المؤدي الى فقدان الوعي بالقول والعمل هو الذي ينتج عن الافراط في شرب الخمر وليس بشربها فقط). ثم يدعو الباحثين المسلمين قائلاً: (فعلى الباحثين المسلمين فرز آيات الحدود في أم الكتاب دون أي تشنّج ودون مزاودات هدفها تخويف الناس وزيادة العنت عليهم).

ليت المؤلف اكتفى بتأويل الآيات المتشابهات (القرآن) باعتبارها من اختصاص (الراسخين في العلم) الذين هم على غرار دارون، وترك لعلماء الاسلام تفسير (الكتاب) (الرسالة) التي تتضمن التشريعات والاحكام.

لست ادري هل أن الدكتور شحرور من الراسخين في العلم أو الفقهاء؟ ولو كان كذلك لكان من حقه ـ بحسب منهجه في القراءة المعاصرة ـ ان يفسّر القرآن والآيات البيّنات التي تتعلّق بالعلوم، والتي يستوي في تفسيرها المؤمن والكافر. ليترك آيات الاحكام والتشريعات (الرسالة) الى علماء الاسلام لانه قد نصّ في كتابه انها من شؤون علماء الدين والفقهاء باعتبارهم ( اهل أم الكتاب)(52).

بيد ان الدكتور شحرور قد أخذ الدورين معاً، دور (الراسخين) ودور (الفقهاء) فخبط خبط عشواء، فكان من حقّ الصيداوي ان يؤلف (بيضة الديك)!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكتاب والسنة، 30.

(2) الكتاب والقرآن، 30.

(3) بيضة الديك، 36.

(4) ماهر المنجّد، الاشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن، 94.

(5) الكتاب والقرآن، 57.

(6) سورة الزمر، الآية 28.

(7) سورة الزمر، الآية 41.

(8) سورة الاسراء، الآية 9.

(9) سورة الاسراء، الآية 82.

(10) سورة طه، الآية 1 ـ 2.

(11) الكتاب والقرآن، 57.

(12) الكتاب والقرآن، 57.

(13) سورة آل عمران، الآية 3.

(14) سورة النساء، الآية 105.

(15) سورة المائدة، الآية 48.

(16) سورة الزمر، الآية 41.

(17) سورة الزمر، الآية 2.

(18) سورة الكهف، الآية 1 ـ 2.

(19) سورة السجدة، الآية 2.

(20) سورة البقرة، الآية 2.

(21) سورة النساء، الآية 105.

(22) سورة الانعام، الآية 73.

(23) الكتاب والقرآن، 78.

(24) سورة الزخرف، الآية 78.

(25) سورة الانعام، الآية

(26) سورة الانفال، الآية 32.

(27) سورة التوبة، الآية 33.

(28) سورة البقرة، الآية 42.

(29) سورة البقرة،الآية 34.

(30) سورة البقرة، الآية 131.

(31) سورة النحل، الآية 51.

(32) سورة البقرة، الآية 58.

(33) سورة آل عمران، الآية 132.

(34) سورة التوبة، الآية 73.

(35) سورة الانفال، الآية 65.

(36) سورة آل عمران، الآية 146.

(37) سورة الاحزاب، الآية 59.

(38) سورة الممتحنة، الآية 12.

(39) سورة المائدة، الآية 44.

(40) سورة البقرة، الآية 213.

(41) سورة الممتحنة، الآية 12.

(42) سورة الاسراء، الآية 15.

(43) سورة القصص، الآية 59.

(44) سورة الفتح، الآية 28.

(45) سورة البقرة، الآية 214.

(46) سورة غافر، الآية 51.

(47) سورة المجادلة، الآية 21.

(48) الكتاب والقرآن، 61.

(49) الكتاب والقرآن، 193.

(50) الكتاب والقرآن، 607.

(51) الكتاب والقرآن، 613.

(52) الكتاب والقرآن، 192.

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=407
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 03 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24