• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : وقاية النفس .

وقاية النفس

بقلم : الشيخ قاسم الخزعل

 قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)(1).

إن هذه الآية الكريمة في مقام عرض أمر مهم وخطير جداً وهو وقاية النفس في المرتبة الأولى والأهل في المرتبة الثانية من عذاب النار كما لاحظت ذلك في قوله تعالى , ومن المميزات في هذه النار أن وقودها وحطبها التي تشتعل منه صنفان هما :

1- الناس

2- الحجارة كما تلاحظ ذلك في الآية حيث قال: (وقودها الناس والحجارة).

وأنا أعلم أنك الآن تتساءل مع نفسك , إذاً كيف لي أن أقي نفسي ثم أهلي من هذه النار التي يكون بدني وقوداً لها إذا لم أقه؟

الجواب على سؤالك أخي سهل جدا ً وتراه متواجد في القرآن الكريم والأحاديث والأدعية , فهنا طريقة سهلة وليس بالصعبة وهي مكونة من خمس مراحل من دورها أن توفر لك الوقاية من النار المتلظية إن شاء تعالى فهل ترغب في التعرف عليها؟

إذا كنت من الجادين والعازمين ومن العقلاء الذين يريدون وقاية أنفسهم من النار فتابع حتى النهاية وإلا .....

حدد موقفك بكل قوة وتوكل على الله فليس يوجد من لا يريد النجاة.

بعد اختيارك الوقاية فإني أرحب بك أخي العازم على وقاية نفسك وأهلك من لظى جهنم واعلم أن عزمك على الوقاية يدل على أنك من الناس الذين يحكمون عقولهم في الأمور ولا يتركونها لأهواهم واعلم أنك باختيارك لوقاية نفسك وأهلك من النار قد حصلت على النعيم الدائم الكامل وبتركك النعيم الزائل فهنيئا لك  هذا الأمر.

والآن هيا بنا ننطلق في معرفة المراحل الخمس للوقاية.

المرحلة الأولى:  التوبة

إن أول ما يجب عليك أن تقو به من أجل وقاية نفسك هو الرجوع من ذل المعصية إلى عز الطاعة , الرجوع من ساحة الشيطان إلى ساحة قدس الرحمن سبحانه وتعالى عن طريق باب التوبة فستجده مفتوحاً لك على مصراعيه فقد قال تعالى: (ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات).

ويقول الإمام السجاد عليه السلام: (إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سميته التوبة , فقلت توبوا إلى الله توبة نصوحة) مناجاة التائبين

وغيرها أخي الكريم فاعلم أن الله يقبل توبة ويغفر لك ذنوبك حتى لو كانت ذنوبك أكبر من الأراضين السبع والسماوات السبع ولا يدخلن اليأس إلى قلبك أبدا وتذكر أن الله أكبر من كل شيء في الوجود فالله يقول: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ً) فتدبر يا أخي.

أخي إني أعلم ما يجول في خاطرك الآن فأنت الآن تتساءل عن ماهي التوبة ؟ وكيف أتوب إلى الله؟

أقول لك بأن التوبة هي العودة والرجوع من الذنب إلى الله سبحانه وتعالى .

وأما كيفتها فقد بينها لك الإمام علي عليه السلام في حديث له جميل حيث قال لقائل بحضرته ((استغفر الله))((ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين. وهو اسم واقع على ستة معان ٍ

أولها الندم على ما مضى.

والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً.

والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

الرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.

الخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.

والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول أستغفر الله)).

ولا بد أنك لاحظت دقة التعبير في كلام الإمام عليه السلام , فإنه قد أشار إلى أن التوبة ليست مجرد تلفظ الاستغفار وإنما إدراك حقيقة التوبة ينطوي على ستة أمور وهي :

1- الندم على ما مضى.

ويعني أنك تندم على كل ما عملته من المعاصي والذنوب تجاه الله سبحانه وتعالى وعلى ما أضعته من عمرك.

2- العزم على ترك العود إليه أبداً.

ويعني أن تعزم عزماً حقيقيا ً على أنك لا تعود لمقارفة تلك المعاصي والخطايا.

3- أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

ويعني أنك ترجع الحقوق إلى أصحابها فإذا كنت مثلا ً ظلمت أحدا ً , أو اغتبته , أو سرقة مال أحد , أو أهنته فيجب عليك أن تعتذر منه وترجع له حقه كي تبرأ ذمتك من كل شيء.

أعلم أنك تريد أن تسأل عن هذا السؤال وهو:

إذا كان أدائي لبعض حقوق الآخرين يشكل الضرر على نفسي فهل أرجعها وأضر بنفسي؟

أعلم أنه يجب عليك المحاولة في أداء الحق الذي للناس عليك بأي وسيلة ولو بجعل الواسطة ولكن إذا كان الحال كما ذكرت من أنك تتضرر فاسأل الله أن يغفر لك وادع لصاحب الحق بالخير والمغفرة إزاء حقه وإن كان الحق مالي فتصدق به عن صاحبه والله سبحانه وتعالى يكفيك إياه يوم القيامة.

4- أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.

يعني إذا كنت في يوم من الأيام لم تصلي الفجر مثلا ً فعليك أن تقضيها , أو لم تصم في شهر رمضان بعض الأيام بدون عذر فعليك أن تقضي صيامها , أو فرط في أداء فريضة الحج مع استطاعتك عليه فيجب عليك أن تبادر إلى أدائها وإن كنت لست مستطيعاً عليها.

5- أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.

يعني أن لحم جسمك الذي قد بنيته من المال الذي اكتسبته من الحرام عليك أن تزيله بالحزن الشديد والصوم والتأسف لذلك حتى يذوب وتنشأ عوضا عنه لحما جديدا تبنيه من الزق الحلال الطيب الطاهر المؤدى حق الله منه.

6- أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية , فعند ذلك تقول أستغفر الله.

يعني كما أنك أرحت هذا الجسم ونعمته بالمعاصي وارتكاب المآثم فعليك أن تذيقه مشقة وألم الطاعة  بطول العبادة والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى وأداء الأعمال الحسنة.

فإذا حققت هذه الشروط الستة فقد حققت التوبة النصوحة والمراحل المقبلة تعينك على أنجاز بعض هذه الشروط إن شاء الله تعالى.

إذا تجاوزنا هذه المرحلة المهمة في طريق الوقاية ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي :

المرحلة الثانية : المشارطة

وهذه المرحلة أخي الكريم كما لاحظت ويظهر من اسمها أنها تحتوي على شرط والتزام فالمشارطة هي عبارة عن أنك (( تتعاهد مع الله سبحانه ومع نفسك بأنك لا تقترف أي معصية طوال اليوم))واليوم ليس بالأمر الصعب عليك وأفضل وقت لها هو عند صلاة الفجر.

ولكي يسهل عليك الامتناع عن المعاصي طوال اليوم اشرط على نفسك أداء بعض الأمور الحسنة ولكن انتبه أن تلزمها بما لا تتحمله فإنها تنفر منك وتعصيك , ولكن بعد فترة من عودها على الخير تستطيع أن تحملها أكثر ولكن بنحو تدريجي فانتبه.

وكما رأيت أن هذا الأمر سهل وليس بالصعب فهذه هي المرحلة الثانية في طريق الوقاية والآن ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي:

المرحلة الثالثة : المراقبة

بعد أن تعهدت أنك لن ترتكب أي ذنب طوال اليوم فعليك أن تراقب نفسك فقد تميل أو ترغب في ارتكاب المعصية فإذا حدست نفسك خلال اليوم بارتكاب المعصية فاعلم أن هذا من وساوس الشيطان , فسارع إلى الاستغفار وطرد هذا الوسواس من داخلك وأخبره أنك قد عاهدت الله أنك لن تعصيه لمدة يوم واحد حيث أنه هو الذي أعيش أنا تحت ظل نعمه فلو صرفت عمري في خدمته وطاعته لما أديت له حق نعمة واحدة.

عندها ستنتصر جنود الرحمن على جنود الشيطان بفضل مراقبتك لنفسك.

وإذا تمت هذه المرحلة بالشكل الصحيح تأتي بعدها المرحلة الرابعة وهي:

 

 المرحلة الرابعة : المحاسبة

بعد أن تقضي يومك التي عاهدت فيه الله سبحانه بأنك لا تعصيه اجلس مع نفسك جلسة محاسبة تحاسب فيها نفسك على ما عملت في هذا اليوم فإن كان ما عملته خيرا ً شكرت الله عليه ليزيدك (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وأما إذا كان في خلال هذا اليوم عمل قبيح فيجب عليك أن تعمل ما في المرحلة الخامسة والأخيرة وهي:

المرحلة الخامسة : المعاقبة

تأتي هذه المرحلة فيما إذا ارتكبت - لا سامح الله - شيء قبيحا خلال اليوم فاستغفر الله سبحانه وتعالى مباشرة والجأ إلى معاقبة نفسك كي تتنبه النفس في المرات القادمة ويفضل أن يكون العقاب الذي تتخذه في قبال القبيح الذي صدر يتلاءم معه فمثلا ً إذا كان القبيح الذي ارتكبته هو الغيبة فالغيبة تكون باللسان فتعاقب اللسان بأنك تمنعه عن الكلام غير الضروري, وكذلك في اليد وفي كل جارحة وحتى إذا كانت مخالفة النفس لأمر مستحب مثلا عدم القيام لصلاة الليل فعاقبها بطول المكث والسهر كي تتعود على ذلك.

واعلم أنك إذا عملت هذه المراحل ليوم استطعت أن تعملها ليومين وثلاثة وأربعة و.....

وبهذه المراحل الخمس إن شاء الله تحقق وقاية نفسك من النار التي وقودها الناس والحجارة.   

واعلم أنك تستطيع كتابة رؤوس هذه المراحل وتعلقها في غرفتك أو في مكان أنت ترتاده كثيرا ً كي تكون لك كمنبه إذا غفلت عنها.

في الأخير أقول لك جرب ولن تخسر شيء ولكن استعن بالله وتوكل عليه فإنه (من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره).

والحمد لله رب العالمين.

المصادر

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ سورة التحريم:6 .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=403
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29