• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : قصص الأنبياء (ع) .
                    • الموضوع : أحسن القصص / موسى والخضر (عليهما السّلام) .

أحسن القصص / موسى والخضر (عليهما السّلام)

أحسن القصص *

بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111].

تعدّ القصّة مرآة للإنسان يستطيع من خلالها أن يرى مظهر الإيمان والكفر، والنّصر والهزيمة، والهناء والحرمان، والسّعادة والشّقاء، والعزّة والزّلّة، وهي تعرض تجارب المجتمعات السّابقة والرّجال العظام. وللقصّة فوائد عدّة منها:

أ ـ إيضاح أسس الدّعوة إلى الله تعالى.

ب ـ تثبيت القلوب على دين الله سبحانه وتعالى، وتقوية ثقة المؤمنين بنصره.

ج ـ تصديق الأنبياء السّابقين وإحياء ذكراهم.

د ـ إظهار صدق النّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) في دعوته.

هـ مقارعة أهل الكتاب بالحجّة فيما كتموه من البيّنات والهدى.

و ـ أخذ العبرة.

وفي النّهاية للقصص القرآنيّة فوائد كثيرة لما لها من أثر في التّربية والتّهذيب، ونفوذ إلى النّفس بسهولة ويسر، لا يملّ منها المستمع والقارئ أبدًا، وهذه الخطوة الأولى نحو التّعرّف على مفاهيم القرآن وتعاليمه وقيمه ومبادئه وتشريعاته وحِكمه وأهدافه وأسلوبه للتّدبّر والعمل به.

وقامت جمعيّة القرآن الكريم بتنظيم وتنقيح ومتابعة هذا الكتاب (أحسن القصص)، فارتأينا نشر بعض تلك القصص لتكون في خدمة أجيالنا ومجتمعنا، سائلين المولى سبحانه لنا ولهم الاستفادة بالتّدبّر والعمل. والحمد لله ربّ العالمين

موسى والخضر (عليهما السّلام)

عن ابن عبّاس، قال: أخبرني أبيّ ابن كعب، قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: إنّ موسى (عليه السّلام) قام خطيبًا في بني إسرائيل فسُئل أيُّ النّاس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه فأوحى الله إليه أنَّ لي عبدًا بمجمع البحرَيْن هو أعلم منك، قال موسى (عليه السّلام) يا ربّ فكيف لي به، قال تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل. ثمّ انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً﴾، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى (عليه السّلام) لفتاه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر الله تعالى به، فقال فتاه: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ قال: وكان للحوت سربًا ولموسى (عليه السّلام) ولفتاه عجبًا، فقال موسى (عليه السّلام): ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾.

عندما رجع موسى (عليه السّلام) وصاحبه إلى المكان الأوّل، أي قرب الصّخرة وقرب مجمع البحرَيْن، فجأة: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾. إن استخدام كلمة «وجدا» تفيد أنّهما كانا يبحثان عن نفس هذا الرّجل العالم، وقد وجداه أخيرًا. أمّا استخدام عبارة عبدًا من عبادنا فهي تبيّن أنّ أفضل فخر للإنسان أن يكون عبدًا حقيقيًّا للخالق جلّ وعلا، وإنّ مقام العبوديّة هذا يكون سببًا في شمول الإنسان بالرّحمة الإلهيّة، وفتح أبواب المعرفة والعلم في قلبه، كما أنَّ استخدام عبارة من لدنّا تبيّن أنَّ علم ذلك العالم لم يكن علمًا عاديًّا، بل كان يعرف جزءًا من أسرار هذا العالم، وأسرار الحوادث الّتي لا يعلمها سوى الله تعالى. أمّا استخدام (علمًا) بصيغة النّكرة فهو للتعظيم، ويتبين من ذلك أنَّ ذلك الرّجل العالم قد حصل من علمه على فوائد عظيمة.

ثمّ قال موسى (عليه السّلام) للرّجل العالم باستفهام وبأدب كبير: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾؟ ونستفيد من عبارة «رشدًا» أنّ العلم ليس هدفًا، بل هو وسيلة للعثور على طريق الخير والهداية والصّلاح، وأنّ هذا العلم يجب أن يُتَعَلَّم، وأن يُفْتَخَر به. في معرض الجواب نرى أنّ الرّجل العالم مع كامل العجب لموسى (عليه السّلام) قال: ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾. ثمّ بيّن سبب ذلك مباشرة، وقال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾.

لقد كان هذا الرّجل العالم يحيط بأبواب من العلوم الّتي تختصّ بأسرار وبواطن الأحداث، في حين أنَّ موسى (عليه السّلام) لم يكن مأمورًا بمعرفة البواطن، وبالتّالي لم يكن يعرف عنها الكثير، وفي مثل هذه الموارد يحدث كثيرًا أن يكون ظاهر الحوادث يختلف تمام الاختلاف عن باطنها، فقد يكون الظّاهر قبيحًا أو غير هادف في حين أنّ الباطن مفيد ومقدّس وهادف لأقصى غاية. في مثل هذه الحالة يفقد الشّخص الّذي ينظر إلى الظّاهر صبره وتماسكه فيقوم بالاعتراض وحتّى بالتّشاجر، ولكن الأستاذ العالم والخبير بالأسرار بقي ينظر إلى بواطن الأعمال، ولم يُعر أيّ أهميّة إلى اعتراضات موسى (عليه السّلام) وصيحاته، بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر، إلاّ أنّ التّلميذ كان مستمرًّا في الإلحاح، ولكنّه ندم حين توضحت وانكشفت له الأسرار.

قد يكون موسى (عليه السّلام) اضطرب عندما سمع هذا الكلام وخشي أن يحرم من فيض هذا العالم الكبير، لذا فقد تعهّد بأن يصبر على جميع الحوادث وقال: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾. مرّة أخرى كشف موسى (عليه السّلام) عن قمّة أدبه في هذه العبارة، فقد اعتمد على خالقه حيث لم يقل للرّجل العالم: إنّي صابر، بل قال: إن شاء الله ستجدني صابرًا. ولأنّ الصّبر على حوادث غريبة وسيّئة في الظّاهر والّتي لا يعرف الإنسان أسرارها، ليس بالأمر الهيِّن، لذا فقد طلب الرّجل العالم من موسى (عليه السّلام) أن يتعهّد له مرة أخرى، ذهب موسى (عليه السّلام) وصاحبه وركبا السّفينة: فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة قام العالم بثقبها: «خرقها» «خرق» كما يقول الرّاغب في المفردات: الخرق، قطع الشّيء على سبيل الإفساد بلا تدبّر ولا تفكّر حيث كان ظاهر عمل الرّجل العالم على هذا المنوال. وبحكم كون موسى (عليه السّلام) نبيًّا إلهيًّا كبيرًا فقد كان من جانب يرى أنّ واجبه الحفاظ على أرواح وأموال النّاس، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن جانب آخر كان وجدانه الإنسانيّ يضغط عليه ولا يدعه يسكت أمام أعمال الرّجل العالم الّتي يبدو ظاهرها سيّئًا قبيحًا، لذا فقد نسي العهد الّذي قطعه للخضر (العالم) فاعترض وقال: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾. لا ريب أنّ هدف العالم (الخضر) لم يكن إغراق من في السّفينة، ولكن النّتيجة النّهائية لخرق السّفينة لم يكن سوى غرق من في السّفينة، وحقًّا، لقد كان ظاهر عمل الرّجل العالم عجيبًا وسيئًا للغاية، فهل هناك عمل أخطر من أن يثقب شخص سفينة تحمل عددًا من المسافرين! وفي بعض الرّوايات نقرأ أنّ أهل السّفينة انتبهوا إلى الخطر بسرعة وقاموا بإصلاح الثّقب (الخرق) مؤقتًا، ولكنّ السّفينة أصبحت بعد ذلك معيبة وغير سالمة. وفي هذه الأثناء نظر الرّجل العالم إلى موسى (عليه السّلام) نظرة خاصّة وخاطبه، قال: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾. أمّا موسى (عليه السّلام) الّذي ندم على استعجاله، بسبب أهميّة الحادثة، فقد تذكّر عهده الّذي قطعه لهذا العالم الأستاذ، لذا التفت إليه قائلاً: ﴿قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾. يعني لقد أخطأت ونسيت الوعد فلا تؤاخذني بهذا الاشتباه. لقد انتهت سفرتهم البحريّة وترجّلوا من السّفينة: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ﴾، وقد تمّ ذلك بدون أيّ مقدّمات! وهنا ثار موسى (عليه السّلام) مرّة أخرى، حيث لم يستطع السّكوت على قتل نفس بريئة بدون أيّ سبب، وظهرت آثار الغضب على وجهه، وملأ الحزن وعدم الرّضا عينَيْه ونسي وعده مرّة أخرى، فقام بالاعتراض، وكان اعتراضه هذه المرّة أشدّ من اعتراضه في المرّة الأولى، لأنّ الحادثة هذه المرّة كانت موحشة أكثر من الأولى، فقال (عليه السّلام): قال: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾، أي إنَّك قتلت إنسانًا بريئًا من دون أن يرتكب جريمة قتل، ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا﴾.

ومرّة أخرى كرّر العالم الكبير جملته السّابقة الّتي اتّسمت ببرودة خاصّة، حيث قال لموسى (عليه السّلام): قال: ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾. والاختلاف الوحيد مع الجملة السّابقة هو إضافة كلمة «لك» الّتي تفيد التّأكيد الأكثر، يعني: إنّني قلت هذا الكلام لشخصك! تذكّر موسى (عليه السّلام) تعهّده فانتبه إلى ذلك وهو خجل، حيث أخلّ بالعهد مرّتَيْن ـ ولو بسبب النّسيان ـ وبدأ تدريجيًّا يشعر بصدق عبارة الأستاذ في أنَّ موسى (عليه السّلام) لا يستطيع تحمّل أعماله، لذا فلا يطيق رفقته كما قال له عندما عرض عليه موسى (عليه السّلام) الرّفقة، لذا فقد بادر إلى الاعتذار وقال: إذا اعترضت عليك مرّة أخرى فلا تصاحبني وأنت في حلّ منّي، قال: ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾. بعد هذا الكلام والعهد الجديد: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا﴾. لا ريب أنّ موسى (عليه السّلام) وصاحبه لم يكونا ممّن يلقي بكلّه على النّاس ولكن يتضح أنّ زادهم وأموالهم قد نفدت في تلك السّفرة، لذا فقد رغبا أن يضيفهما أهل تلك المدينة. ثمّ يضيف القرآن: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ وقد كان موسى (عليه السّلام) يشعر بالتّعب والجوع، والأهمّ من ذلك أنَّه كان يشعر بأنّ كرامته وكرامة أستاذه قد أهينت من أهل هذه القرية الّتي أبت أن تضيّفهما، ومن جانب آخر شاهد كيف أنّ الخضر قام بترميم الجدار بالرّغم من سلوك أهل القرية القبيح إزاءهما، وكأنّه بذلك أراد أن يجازي أهل القرية بفعالهم السّيئة، وكان موسى (عليه السّلام) يعتقد بأنّ على صاحبه أن يطالب بالأجر على هذا العمل حتّى يستطيعا أن يعدّا طعامًا لهما. لذا فقد نسي موسى (عليه السّلام) عهده مرّة أخرى وبدأ بالاعتراض، إلا أنّ اعتراضه هذه المرّة بدا خفيفًا فقال: قال: ﴿لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾. وفي الواقع فإنَّ موسى (عليه السّلام) يعتقد بأنّ قيام الإنسان بالتّضحية في سبيل أناس سيّئين عمل مجاف لروح العدالة، بعبارة أخرى: إنّ الجميل جيد وحسن، بشرط أن يكون في محلّه. صحيح أنّ الجزاء الجميل في مقابل العمل القبيح هو من صفات النّاس الإلهيّين، إلاّ أنّ ذلك ينبغي أن لا يكون سببًا في دفع المسيئين للقيام بالمزيد من الأعمال السّيئة. وهنا قال الرّجل العالم كلامه الأخير لموسى (عليه السّلام)، بأنّك ومن خلال حوادث مختلفة، لا تستطيع معي صبرًا، لذلك قرّر العالم قراره الأخير، قال: ﴿هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾. ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾. وبهذا التّرتيب كان ثمّة هدف خير وراء ثقب السّفينة الّذي بدا في حينه عملاً مشينًا سيّئًا، والهدف هو نجاتهم من قبضة ملك غاصب، وكان هذا الملك يترك السّفينة المعيبة ويصرف النّظر عنها. إذن، خلاصة المقصود في الحادثة الأولى هو حفظ مصالح مجموعة من المساكين. بعد ذلك ينتقل العالم إلى بيان سرّ الحادثة الثّانية الّتي قتل فيها الفتى فيقول: ﴿وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا﴾. تحتمل مجموعة من المفسّرين أنّ المقصود من الآية ليس ما يتبيّن من ظاهرها من أنّ الفتى الكافر والعاصي قد يكون سببًا في انحراف أبوَيْه، وإنّما المقصود أنّه بسبب من طغيانه وكفره يؤذي أبوَيْه كثيرًا، ولكنّ التّفسير الأوّل أقرب للصّحة. في كل الأحوال، فإنّ الرّجل العالم قام بقتل هذا الفتى، واعتبر سبب ذلك ما سوف يقع للأب والأمّ المؤمنَيْن في حال بقاء الابن على قيد الحياة. كشف الرّجل العالم عن السّر الثّالث الّذي دعاه إلى بناء الجدار فقال: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾. أنا كنت مأمورًا ببناء هذا الجدار بسبب جميل وإحسان أبوَيْ هذَيْن اليتيمَيْن، كي لا يسقط وينكشف الكنز ويكون معرّضًا للخطر [1].

وفي خاتمة الحديث، ولأجل أن تنتفي أيّ شبهة محتملة، أو شكّ لدى موسى (عليه السّلام)، يبيّن الخضر (عليه السّلام) له أنّ ما قام به إنّما كان بأمر من الله وليس من عنده، وهذا هو العلم اللّدني أي العلم المباشر من قبل الله تعالى ومن غير واسطة.

نعم، لقد أظهر له السرّ الّذي لم يستطع تحمّله، ثمّ تركه ومضى [2].

ويمكن إجمال بعض المسائل والدّروس المهمّة من قصّة موسى مع الخضر (عليهما السّلام) بحيث تعدّ في حدّ ذاتها أسوة في الحياة الدّنيا.

1 ـ إنّ البحث عن القائد العالم وإيجاده للاستفادة من علمه ومعرفته والاستضاءة بنور معارفه مهمّ إلى درجة أنّ أنبياء أولي العزم كموسى (عليه السّلام) تحمّل مشقّة السّفر وترك قومه وعمله من أجل العلم والمعرفة.

2 ـ إنّ الصّورة الظّاهريّة والباطنيّة للأشياء والحوادث مسألة مهمّة وهي خارج إدراكنا وحساباتنا العلميّة، وهذا يدعونا إلى عدم التّسرّع بالحكم على بعض الظّواهر الّتي نعدّها سيّئة وغير مفيدة، فلعلّ ما نراه سيّئًا يكون جيّدًا والعكس صحيح، وكثير من الحوادث الّتي نرى في ظاهرها السّوء لنا، لكن في الحقيقة تخفي خلفها ألطافًا إلهيّة جمّة، وهذا ما يعبّر عنه القرآن الكريم صراحة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [3].

______________________

(*) موقع: جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد، بتصرّف.

https://www.qurankarim.org

[1] راجع: تفسير مجمع البيان: ج5 ـ 6، ص742 ـ 744، كذلك، تفسير الأمثل: ج9، ص 317 ـ 324.

[2] راجع: مجمع البيان، وروح الجنان وتفاسير أخرى.

[3] سورة البقرة، الآية: 216.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2484
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19