• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الدور الرسالي للمرأة .

الدور الرسالي للمرأة

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلّاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

الدور الرسالي للمرأة *

لمّا مرضت فاطمة (سلام الله عليها) المرضة التي توفّيت فيها دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقالت لهن: «أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكنّ، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحدّ، واللعب بعد الجدّ، وقرع الصفاة، وصدع القناة، وختل الآراء، وزلل الأهواء، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. لا جرم  لقد قلّدتهم ربقتها، وحمّلتهم أوبقتها، وشننت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

 ويحهم أنّى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبّوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا والدين؟! [الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شي‏ء] ألا ذلك هو الخسران المبين. وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلّة مبالاته لحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنّمره في ذات الله...

 أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً، وذعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسّس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً، وطمئنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم، وأنّى بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون» [الاحتجاج 1: 286ـ 291].

لا زال الكثير من القضايا في شؤون المرأة يعاني القلق والاضطراب في الخطاب الإسلامي المعاصر؛ إذ كثيراً ما تتنازع هذا الخطاب نظرات الإفراط والتفريط تارة، والنظرات البعيدة عن مضمون النصوص والتعاليم الإسلامية أخرى.

إنّ واحداً من أهمّ الأسباب ـ حسب الظاهر ـ هو عدم تحرير مسألة دور المرأة كما يقرّره الإسلام وتعاليمه المقدّسة، ممّا سبّب كثيراً من التشوّه على الصعيد الثقافي في النظرة إلى المرأة، كما في بعض الفتاوى الفقهية التي ساهمت في تكريس النظرة السلبية والقاتمة تجاه حياة المرأة وكيانها الاجتماعي والإنساني.

وقد رافقت هذا النمط ممارسة تثقيفية تزعم وعيها للنصّ وتطبيقها الكامل لما يأمر به الدين، ممّا شكّلت ـ في النهاية ـ صدمة وأزمة في واقع المرأة المتديّنة.

هناك كلمة معروفة ومتداولة على الألسن تقول: إنّ المرأة نصف المجتمع. وهذه الكلمة ناظرة إلى البعد المادي والخلقة التكوينية، وقد يكون المبنى لهذا المبدأ مسألة المساواة وإلغاء الفارق والامتياز بين الرجل والمرأة التي طرحها الفكر الغربي المعاصر في فلسفته الأخلاقية والحقوقية لحقوق الإنسان وخاصة المرأة.

لكن الإسلام لا يبني نظرته تجاه المرأة وتقييم دورها من مفهوم المساواة الذي أسقط تلك الامتيازات والفوارق المادية والنفسية والروحية وحوّل المرأة إلى كيان مادي بحت خسرت بسببه المرأة كثيراً من حقوقها الإنسانية والمجتمعية العظيمة.

ومن هذا المنطلق نرجع إلى الخطاب العظيم الذي أطلقته سيدة النساء والقدوة المثلى للمرأة في المجتمع الإسلامي والإنساني فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهو خطاب ذو مضامين عظيمة وجليلة كشفت فيه الزهراء (عليها السلام) النقاب عن أسباب الضعف والتمزّق والانحراف الذي مُنيتْ به الأمّة الإسلامية بعد أن عاشت حياة القيم الإلهية والإنسانية العظيمة في زمان الرسول الكريم، لكن ـ وللأسف ـ سرعان ما خفت نور الإسلام في النفوس واضمحل دوره في توجيه المجتمع حتى عادت نبرات الجاهلية في واجهة الصراعات والنزاعات.

لقد حاولت الزهراء (عليها السلام) أن توجّه الخطاب لجميع العالم من خلال النسوة اللائي تجمّعن حولها للتعرّف على أحوالها وصحتها، ففتحت بذلك البتول آفاق ذلك المجلس على دور المرأة وإشراكها في خضم الأحداث، فليس المرأة المسلمة بمنأى عمّا يجري من الأحداث المريرة والمظلومية الكبيرة التي تتعرّض لها الزهراء من السلطة الغاصبة المدّعية للإسلامية والمتزعّمة للأمّة، فالزهراء كانت بصدد شرح الوضع السياسي الذي يواجهه البيت النبوي في لعبة سياسية صودر فيها الدور الديني والإنساني الذي كلّف به أمير المؤمنين.

فقد بيّنت الزهراء الدور الخبيث الذي مارسته السلطة في التمويه على مطالبة الزهراء بحقوقها المادية والمعنوية باعتبارها سيّدة نساء الإنسانية وقدوة المجتمع في منهج رسالة السماء.

وكشفت ـ في الوقت نفسه ـ لعبة السلطة في تبديل الموقف المبدئي الذي اتخذته الزهراء إلى دور سياسي ونفعي لا علاقة له بأمر الخلافة الشرعية، وهو  تمويه خطير لا زالت الأجيال الإسلامية تعيش أجواءه المضلّلة.

إنّ الزهراء (عليها السلام) كشفت ملابسات الأحداث في حاضر الأمّة في وقتها، وكذا كشفت النقاب أمام تلك النسوة عن مستقبل الأمّة وخطورة الانحراف العقائدي والديني الذي سوف تسير فيه إثر هذه الأحداث، مبيّنة الملامح الكاملة لخطّة الحزب المتسلّط الذي حقّق الانقلاب على وريث النبي الشرعي وخليفته المنصوص علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وما نريد أن نقوله في الختام: إنّ الزهراء (عليها السلام) مارست عملية تثقيفية للمرأة المسلمة ونبّهتها على دورها في أحداث الأمّة، فليست هي كيان أعزل محجّر عليه في أمور بيتية وأسرية فقط، بل إنّ للمرأة شأناً في هموم الأمّة وقضاياها المصيرية والجوهرية؛ سيّما إذا كانت تتعلّق بالقضايا العقيدية والشرعية المقدّسة.

وليست زينب الكبرى ببعيدة عن خطاب أمّها الزهراء (عليها السلام)، فقد تمثّلت دور أمّها البتول في الدور الثاني للصراع بين الحقّ والباطل وبين الإسلام والجاهلية الأموية، فكانت المدافعة الأولى بعد أخيها سيّد الشهداء عن مبادئ الإسلام وتعاليمه وشرعه الحنيف، مجلجلة بصوتها العلوي في فضح الحكم اليزيدي الأموي الجاهلي، معلنة ثورتها الرافضة للذلّة والاستضعاف والإذلال الذي مارسه الأمويون ضد الأمة الإسلامية.

فالسلام على صوت الحقّ الأوّل المدوّي في دنيا الإسلام فاطمة الزهراء، والسلام على صوت الثورة الحسينية الحوراء زينب، والسلام على كلّ مؤمنة اختطّت نهج سيّدة النساء وتمثّلت سيرتها المباركة.

____________

(*) حديث الدار (العدد الخامس عشر- جمادى الأولى 1432 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2474
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 04 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24