• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الزهراء (عليها السلام) المرأة القدوة .

الزهراء (عليها السلام) المرأة القدوة

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

الزهراء (عليها السلام) المرأة القدوة (*)

إنّ القيمة الإنسانية هي المعيار الأوّل في التفاضل في ظل الرؤية الإسلامية، وبناءً على هذا التوجه فإنّنا نجد أنّ الإسلام ينظر إلى المرأة باعتبارها المكوّن الإنساني الآخر في المجتمع، ولمّا كان هذا هو المنطلق في الإسلام فإنّه يرفض كل إشكالات التمييز والظلم في الحقوق تجاه المرأة؛ إذ إنّ النظرة الإسلامية نظرة من عمق الواقع، بمعنى أنّها لا تغفل أيّة خصوصية ـ سواء للرجل أو المرأة ـ في تثبيت الحقوق وتعيين الواجبات.

فلمّا كان الواقع يثبت تفاوت المرأة الجسدي والنفسي والبنيوي مع الرجل، فطبيعي أن يكون لهذا التفاوت أحكامه في رسالتها الإنسانية، فهي كيان يعيش العاطفة والرحمة والحب، ومن هنا كان مصدر الأمومة والتربية والزوجية ـ وهي أصول الرابطة البشرية ـ الوحيد هو المرأة.

ورعاية لهذا الجانب الفطري في شخصية المرأة اعتبرها الإسلام العنصر الحيوي الذي يعطّر الحياة الإنسانية، ويواظب على جماليتها، وفي ذلك يقول الإمام علي (عليه السلام): «المرأة ريحانة وليست قهرمانة» [نهج البلاغة  3: 56], والقهرمانة هي الخادمة أو المستأجرة للخدمة، وفرق بينها وبين زينة الوردة وعطرها.

لكن هذه الخصوصية التي تمتلكها المرأة لا تمنعها من القيام بدورها في بناء المجتمع وممارسة المهام الكبيرة والعظيمة؛ لأنّ الإسلام يعتبر وظيفة الإصلاح في المجتمع هي رسالة المسلم سواء أكان ذكراً أم أنثى، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.[التوبة: 71]

ولا شك أنّنا عندما نتأمّل الشخصية المقدّسة لسيّدة النساء، نجد أنّها جسّدت لنا في الدين الإسلامي نموذج المرأة القدوة للنساء والرجال معاً في مختلف حياة الإنسان في البُعدين الديني والإنساني.

أمّا البُعد الثاني فقد كانت الزهراء (عليها السلام) مثالاً متجسّداً لكل قيم الكمال والقداسة الإنسانية، فهي البنت الرؤوفة التي حاطت بعاطفتها قلب أبيها فصارت أمّ أبيها، وهي الزوجة الصالحة التي طحنت في الرحى حتى مجلت يداها، وكانت تؤثر ضيف زوجها على نفسها وأولادها في الإكرام والضيافة، وهي الأمّ الحانية التي غذّت أولادها العاطفة والمحبّة لجميع الناس، يسمعها ابنها الحسن المجتبى ذات يوم تدعو لجيرانها حتى انفجر عمود الصبح، وسمعها تدعو للمؤمنين وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، وهي لا تدعو لنفسها بشيء، فقال لها: «يا أمّاه، لِمَ لا تَدْعِين لنفسك كما تَدْعِين لغيرك؟»، فقالت: «يا بنيَّ، الجار ثمّ الدار» [بحار الأنوار86: 313].

وهكذا ارتسمت لنا في شخصية بضعة الرسول معالم الإنسان الذي يعيش إنسانيته في كل سلوكياته وأحاسيسه.

وفي البُعد الأوّل فإنّها تُعتبر القدوة التي تمثّل أفعالها لنا الميزان الشرعي في السلوك والعمل، وهذا التصوّر يحمله المسلمون جميعاً عن شخصية الصدّيقة خامسة آل البيت المطهّرين بالإرادة الإلهية والمعصومين من الرجس والدنس.

من هنا، فإنّ الزهراء قد كلّفت بدور إلهي يتوقّف عليه حفظ الإسلام بصورته الصحيحة التي بلّغها النبي الأكرم، وكان ثمن هذا الدور الرسالي هو حياتها وهضمها حقوقها. إنّ تلك الرسالة هي الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو الضمان الوحيد لتطبيق الإسلام وحفظه في نفوس معتنقيه، فأعلنت بضعة الرسول ثورتها في وجه المرجفين وأقطاب السلطة لتهزّ الضمائر وتنير العقول، وما كان لغير الزهراء (سلام الله عليها) أن يقف بهذه الصراحة بوجه التيار الجديد الذي يرى أنّ لنفسه الحق في زعامة المسلمين والسيطرة على مقاليد الأمور، لكنّها (عليها السلام) كلّفت بدور إلهي لا يمكن لأحد أن يقوم به. وبهذا كانت فاطمة الحجّة الإلهية التي قامت بدورها الرسالي في أخطر ظرف مرّت به مسيرة الإسلام.

ولا شك أنّ الثورة لا تصنع بغير الدماء والتضحية، فكانت (سلام الله عليها) الشهيد الأوّل في صراع معركة القيم والانحراف عن خط الإسلام المحمّدي.

وهكذا فقد أعطت الزهراء (عليها السلام) مثال المرأة التي تقوم بواجبها الديني، ولم يمنعها ذلك أن تكون في أعلى الهرم في مواجهة السلطة المتنفّذة في عموم الدولة الإسلامية.

إنّ عظمة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) تجلّت لنا في ما جسّدته في سلوكها الإنساني وفي أدائها لمسؤوليّتها الشرعية والدينية.

وقد أجاد شاعر الولاء السيّد جمال الهاشمي وهو يعبّر عن تلك العظمة الفريدة المتجسّدة في شخصية البتول (سلام الله عليها) فقال:

شعَّتْ فلا الشمسُ تحكيها ولا القمرُ *** زهراءُ من نورها الأكوانُ تزدهرُ

بنتُ الخلودِ لها الأجيالُ خاشعةٌ *** أمّ الزمانِ إليها تنتمي العُصُـرُ

مجبولةٌ من جلال اللهِ طينتُها *** يرفُّ لطفاً عليها الصونُ والخفرُ

ما عابَ مفخرُها التأنيث أنّ بها *** على الرجالِ نساءُ الأرض تفتخرُ

[الأسرار الفاطمية: 321]

__________________

(*) حديث الدار (العدد الرابع - جمادى الآخرة 1432 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2452
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19