• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : تجلّيات القرآن وأسرار خلوده .

تجلّيات القرآن وأسرار خلوده

السيّد جواد شبّر

القرآن الكريم كتاب الحقّ والحقيقة، في كلّ أفق من آفاقه منبع ثرّ يغذّي الإنسان لما فيه احتياجه على المستويات المادّية والمعنوية المختلفة والمتنوّعة، آخذاً بيده إلى طريق النجاة والسعادة الأبدية، فهو يجري على مدى العصور والأزمان كما تجري الشمس والقمر.

نطالع في هذا المقال نبذة يسيرة من تجلّيات هذا الكتاب العظيم وأسرار خلوده على مدى الأزمان، منظومة في إشارات والتفاتات.

فمن تجلّيات حقيقة القرآن الكريم أنّه:

1- كتاب الله سبحانه وتعالى وكلامه.

2- صادر عن مَن يعلم السرّ وما هو أخفى من السرّ، عالم الغيب والشهادة خالق الكون والإنسان.

3- منسجم مع العلم وأنظمة وقوانين الكون والحياة المختلفة، ومتطلّبات وتقلّبات الزمان.

4- كتاب هداية يتناسب مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية ومنسجمٌ مع قوانين الثنائية البشرية المرتبطة بتكريم الإنسان وإشباع رغبته في الكمال وحسّه الجمالي، وتفاوت تفضيله، والحكمة من ابتلائه، والعلم والقدرة والحكمة والرحمة الإلهية.

5- يربط بين الدنيا والآخرة ومختلف العوالم  والأزمنة المختلفة الممتدّة.

6- يربط البشرية والمؤمنين بموكب الصالحين، ويفرز الناس على امتداد الزمان إلى معسكرين.

7 - يدعو  إلى كلمة التوحيد ووحدة الكلمة والتحرّر من كلّ الأوثان الداخلية والخارجية وعدم الخوف منها، بل ومواجهتها.

8- وضع أسس وكشف قوانين صياغة وصناعة الإنسان، كما كشف أسباب وعواقب ونتائج الانحرافات المختلفة وطرق علاجها والوقاية منها «كقوانين العاقبة».

9- صيغ صياغة تحرص على: الظاهر الأنيق تصويراً وإيقاعاً، والباطن العميق دلالة.

10- نزل في مكان وزمان وبيئة وطبيعة وجغرافيا وقومية وتقنيات تدوين تمنع تحريفه، كما صيغ بطريقة محكمة مترابطة أشدّ الترابط تدفع نحو الالتذاذ بترداده على الألسن وحفظه في القلوب، والاستشهاد في الكلام والكتابة والخطابة بأساليبه التصويرية والإيقاعية الساحرة العذبة الراقية المقوية والمزينة للكلام تيسّر حفظه وتفضح ـ بسهولة وسرعة ـ أيّة محاولة من محاولات تحريف ألفاظه وبقابليته الواسعة لاختزان المعاني والوجوه المتعدّدة لها، وشغل أعداءه بتحريف معانيه (والانشغال بتلميع صورتهم وترسيخ مشروعيّتهم عن طريق التظاهر بالاهتمام به) عن تحريف ألفاظه (والذي يشكّل خطراً على سلطتهم ومشروعيّتهم واستمرار حكمهم وإضفاء مشروعية على كل ثورة تخرج في وجههم).

من أسرار وعوامل الخلود القرآني

من الدلائل والبراهين التي تساق لإثبات وجود الخالق العظيم لهذا الكون: دليل استراتيجية استمرارية بقاء الأنواع من خلال  طرق التكاثر المختلفة، فمن خلال العملية المستمرّة في خلق البذور يمكن ضمان بقاء استمرارية وجود النباتات المختلفة.

لكنّها قد لا تكون ضمانة لحرص الإنسان على الإكثار من زراعة تلك النباتات، ومن هنا كانت حاجة الإنسان إليها في تغذيته ومعاشه من أهمّ دواعي الإكثار من زراعتها والعناية بها والاستفادة منها.

فمثلاً: تجد أنّك تفهم من تواجد البذور في الفاكهة ذات الطعم اللذيذ، أنّك إذا أردت المزيد ودوام التمتّع بهذا الطعم الرائع فعليك بزراعتها.

وكذلك المؤسّسات والدول تحرص على دوامها واستمراريّتها من خلال عدة استراتيجيّات، منها:

1- وضع عوامل الحماية والوقاية.

2- ضخّ عناصر جديدة.

3- حاجة الناس إليها وعدم استغنائهم عنها وارتباط مصالحهم بها.

4- الشعور بخطورة احتوائها وتفكيكها واستبدالها.

من خلال ما سبق نكون قد عرفنا شيئاً من أسس وعوامل الخلود بشكل عامّ، والأمر نفسه موجود في القرآن الكريم.

ولكن كيف؟

للخلود القرآني عوامل كثيرة ومتعدّدة وفيها كثير من العناية والتقدير والتخطيط النبوي، والإحكام الإلهي الذي قدّر الزمان والمكان والاستمرارية الرسالية وتطوّر العقل البشريّ واللغة العربية، وغير ذلك من أمور.

ومن الأمور التي ساهمت في الحفاظ على خلود القرآن الكريم، يمكن ذكر ما يلي:

1- الاستفادة من تطوّر وسائل الكتابة والنسخ والتدوين.

2- إشباع غريزة حبّ الجمال من خلال جمال الظاهر القرآني صوتيّاً وقصصيّاً.

3 - إحكام بنائه اللفظيّ وتميّزه عن الأسلوب البشريّ، وظهور الخلل الفاضح في كلّ محاولة تقليد أو تحريف.

4- وجود أسلوب الإخفاء والتشابهات في بعض آياته والتي تدفع الراغبين في تحريفه إلى الانصراف عن تلك الرغبة (المزعزعة لسلطتهم ومشروعيّتهم) والاكتفاء بتحريف المعنى عن مواجهة الأمّة المستميتة في الدفاع عنه.

5- احتياج البشرية إلى ما فيه من تشريعات، وسنن وقوانين وحقائق تكشف وتتعلّق بالإنسان والمجتمع والتاريخ السابق والتالي للبشرية، والعلوم التي لم يتمّ التوصّل إليها بعد.

6- إحساس الروح البشرية ـ وخصوصاً المؤمنة ـ بالتعطّش المستمرّ والحاجة الملحّة والدائمة إلى ما فيه من غذاء فكريّ وروحيّ، إضافة إلى وجود الخوف المتبادل، وذلك من خلال إحساس أعداء الأمّة بخطورة القرآن على مشاريعها،  وخوف الأمّة الإسلاميّة ممّا ينتظرها من إذلال على يد أعدائها وشعورها بالقدرة على الانتصار من خلال التعلّق بالقرآن الكريم وآيات التحدّي والعزّة والكرامة والارتباط بالله سبحانه، والتي تدفع نحو المواجهة والإصرار  والثقة بالنصر، ممّا يشعرها بالحاجة إليه وتعلّق مصيرها به فيحرّكها ذلك نحو الحفاظ عليه والاستماتة في الدفاع عنه.

7- وفي الختام لا ننسى التأكيد على الحفظ الإلهيّ لهذا الكتاب العظيم بتهيئة أسبابه المختلفة، ومن هذه الأمور تنصيب الأئمّة الهداة المعصومين السابقين في الخيرات المكلّفين بحفظه والحفاظ عليه.

قال تعالى:

﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ [سورة العنكبوت، 49].

﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [سورة فاطر، 32].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين. 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2449
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24