• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس الدار التخصصية .
              • القسم الفرعي : بيانات قرآنية .
                    • الموضوع : أهمّية سلامة النفس .

أهمّية سلامة النفس

إعداد اللجنة العلمية

في دار السيدة (رقية عليها) السلام للقرآن الكريم

تضمّنت هذه الدراسة مجموعة من البيانات المهمّة في الجانب التفسيري والعقدي والتربوي، بالإضافة إلى بيانات أهمّ المصادر الشيعيّة ـ (نهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة) ـ تحت عنوان: البيانات العلويّة من النهج والصحيفة السجّاديّة.

كما لا تخلو هذه الدراسة من التحقيق في بعض الأهداف الرئيسة للدار، وهي الإشارة إلى أهمّ الدروس المرتبطة بعلم وفنّ التجويد القرآني.

ولم يكن العمل في هذه الدراسة مقتصـراً على عقل واحد أو فكر شخص لوحده، بل كان مخاضاً لعمل جماعي اتفقت كلمة القائمين عليه، وبعد أن اكتملت الفكرة ونضجت شُرع بالعمل للقيام بإعداد هذه الدراسة القرآنيّة المعاصرة لأجل تحقيق أهدافها المنشودة، حيث وُزّعت الأدوار كلٌّ بحسب اختصاصه ومعرفته ومجاله. فتولّى القيام بهذا العمل ثُلّة من الأساتذة المختصّين في مختلف المجالات العلمية:

1ـ الدكتور الشيخ شاكر الساعدي في بيان النكات العقدية.

2ـ سماحة الشيخ سهيل السهيل في بيان النكات الفقهية.

3ـ الأستاذ السيد حكمت الموسوي في بيان النكات التربوية.

4ـ الأستاذ حيدر الكعبي في مادة التجويد.

5ـ الأستاذ الحافظ حميد الكناني في إبراز البيانات العلوية من (نهج البلاغة والصحيفة السجادية).

وقام الأستاذان أحمد فرج الله وعصام العلي بمراجعة الكتاب تصحيحاً وتقويماً للنصّ.

والشيخ أحمد الخليفة بمتابعة سير العمل خلال فترة إعداده.

البيان العاشر

أهمّية سلامة النفس

الآيات (82ـ86) من سورة المائدة

﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾

النفس أُسّ كلّ قوّة وضعف يبدوان في الإنسان، وهي مبعث كلّ صلاح أو فساد يطرءان على ذلك الكائن البشـري، ثمّ يقوم على سلامة النفس أو سقمها توازن الشخصية الإنسانية أو اضطرابها، فهي مقياس صحة الإنسان أو مرضه، وسعادته أو شقائه، وصلاحه أو طلاحه [انظر: شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين/72].

وقال الريشهري: ليس هناك ما هو أكثر ضرورة من سلامة النفس؛ ذلك لأنّه لولا تمتّع الإنسان بسلامة نفسه لما استطاع أن يتمتّع بالجسم السالم أو بالعلم أو بأيّ شيء آخر، وكما قال الإمام الباقر عليه السلام: «لا علم كطلب السلامة ولا سلامة كسلامة القلب» [الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية1/151].

ثمّ إنّ من علامات المؤمن التي يتمكّن من خلالها كبح شهواته والسيطرة على غرائزه قوّة الإرادة؛ لأنّها الخيط المتين الذي يكبح جموح النفس ويمكنها من السيطرة على رغباتها، فمن يفتقدها يكون حاله كقارب تمزقت حبال مرساته في بحر هائج مائج!

وهنا يبدو من الضـروري بمكان الإشارة الإجمالية إلى علائم نفسية أخرى تميّز المؤمن عن غيره قد تنكشف لنا من خلال نظرته الواعية لمَن حوله وما حوله، كما قد تظهر أيضاً في طبيعة صمته وذكره، أو سرعة رضاه وعفوه عمّن أساء إليه، كما قد ننتهي إليها من نيّته وما يضمره من الخير للغير، ولذا كان اليهود أشدّ عداوة للمؤمنين لما يمتازون به عن غيرهم بسوء السـريرة وعدم الوفاء بالعهود، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة: 82].

وبنظرة دقيقة فاحصة لتاريخ اليهود وما جاء في القرآن والنصوص الروائية عنهم، يستطيع الإنسان أن يقف على أسباب هذه العداوة الشديدة للإسلام وأهله، ولكن بالشـروط التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في حقّ المؤمن، حيث قال: «إذا نظر اعتبر، وإذا سكت تذكّر، وإذا تكلّم ذكر، وإذا استغنى شكر، وإذا أصابته شدّة صبر، فهو قريب الرضا بعيد السخط، يرضيه عن الله اليسير، ولا يسخطه البلاء الكثير، قوّته لا تبلغ به ونيّته تبلغ، مغموسة في الخير يده، ينوي كثيراً من الخير ويعمل بطائفة منه، ويتلهّف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به‏» [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/280].

ولا شكّ أنّ هناك علاقة وطيدة بين الإيمان والأخلاق، فكلّما سما المؤمن في إيمانه كلّما حسنت أخلاقه، وعليه فالمؤمن المتسلّح بإيمان عميق نجده يتّصف بخلق رفيع. فالأخلاق هي السور الواقي الذي يصون المؤمن من التردّي في مهاوي الضلال والرذيلة؛ فلمّا لم يكن لليهود حظّ في الأخلاق كانوا أسوأ في الإيمان وأشدّ عداوة للمؤمنين، فلو كانوا كما يدّعون الإيمان بعقيدتهم وديانتهم الإلهية لالتزموا بالعهود وتجنّبوا الخيانة، فالمؤمن لا يُخلق على الكذب والخيانة، كما قال الإمام الصادق عليه السلام: «المؤمن لا يُخْلَق على الكذب ولا على الخيانة» [تحف العقول لابن شعبة/ 367].

فالخلق الحسن عنوان صحيفة المؤمن، وإنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخـرة وشـرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة، ولقد خلق الله تعالى الإنسان على أحسن تقـويم، وجعل له الاختيار في تعيين المسار بلا جبر ولا تفويض، إلاّ أنّه من باب لطفه بعباده أن بيّن لهم طريق الخير وطريق الشـرّ، ثمّ أطلـق لهم العنان في اختيار أحدهما، قال تعالـى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان/ 3ـ 5].

وعليه فسلامة النفس أساس كلّ هذه القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي يتّصف بها المؤمنون.

البيانات التفسيرية

﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ﴾

إنّ عداء اليهود للمسلمين أمر تاريخي متجذّر فيهم مُنذ القِدم، وإنّ الدعوة إلى الإسلام أمر أكثر تأثيراً عند المسيحيِّين من غيرهم، ومع أنَّ هؤلاءِ المسيحيِّين يعتقدون بعقيدة التثليث المنحرفة إلاّ أنّهم ـ ولأجل امتلاكهم نفسيّة سليمة أكثر من غيرهم ـ لديهم استعداد أكثر لقبول الحقِّ والانصياع إليه.

﴿قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾

إنَّ ركائز نموّ المجتمع وتكامله تكمن في ثلاثة أشياء، وهي:

أ ـ العلم والمعرفة.

ب ـ مخافة الله.

ج ـ عدم التكبّر.

﴿تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا﴾

البكاء إذا كان مع المعرفة فإنّه يكون دليلاً على الكمال.

﴿وَمَا لَنَا﴾

من السُّبل الناجحة التي توصلنا إلى الكمال الرجوعُ إلى الذات والسؤال منها.

البيانات العقائدية

1ـ تبيّن هذه الآيات أثر الشـرك، بأنّه يصدّ عن الله تعالى وعن اتّباع الحقِّ، هذا بالإضافة إلى كونه من أعظم المظالم.

2ـ أشدَّ أعداء الله تعالى هم المشـركون، ولأجل ذلك فقد وصف الله سبحانه اليهود بأنّهم أشدّ عداوة له.

3ـ التواضع للحقِّ وأهله يقرّب العبد من الله تعالى، ولأجل ذلك فقد وصف الباري عزَّ وجلّ النّصارى ـ لتواضعهم ـ بأنّهم أقرب مودّة للذين آمنوا.

4ـ التأكيد على أنّ قلوب المؤمنين مفعمة بالشوق إلى لقاء الله سبحانه، وأنّها لتخشع عند ذكره؛ منادية: ﴿رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة/ 83].

5ـ التكذيب بالله تعالى وآياتِهِ يُعتبر من أقبح الأعمال وشرِّ الأفعال.

البيانات الفقهية

1ـ يحرم إظهار الودِّ والمحبّة وإسرارهما لأعداء الإسلام.

2ـ تحرم الرهبنة، وهي التخلّي للعبادة وترك الزواج، إذا خشي الوقوع في فعل محرَّم.

3ـ يستحب البكاء عند قراءة القرآن الكريم، والتباكي لمَن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع. قال تعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [سورة الإسراء/ 109].

البيانات التربوية

1ـ الحبُّ والبغض نتيجة طبيعيّة لتعلّق الإنسان بشـيء ما أو عدم تعلّقه، وهما ينفعان إذا اقترنا بالمعرفة والإيمان.

2ـ أنَّ تأثّر الإنسان وتفاعله مع موضوع معيّن قد يظهر على تقاسيم وجهه أو حركاته الظاهرية. عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ» [نهج البلاغة ـ الحكمة/ 26].

3ـ التكبّر يورد الإنسان أخطر المزالق في سيره نحو أهدافه وغاياته، فهو يصوّر له نفسه أكبر ممّا هي عليه، وحينئذٍ تغيب عنه الكثير من الحقائق والمعارف التي هو بحاجة إليها؛ لأنّه يستحقرها ويستصغرها ويغضّ النظر عنها، ونتيجة هذا الأمر يصل الإنسان إلى مخالفة الحقائق الواضحة وعصيان الأوامر الصادحة، لذا فإنّ التكبّر يُعتبر من أخطر العقبات التي تعترض طريق الإنسان وتسوقه إلى الانحراف والزيغ.

4ـ اُسلوب الحوار مع النفس يمثّل خطوة ناجعة نحو الرجوع إلى الذات، ثمَّ الاستضاءة بنور الفطرة التي تمثّل الاستعدادات والهبات الكاملة من قِبل الله تعالى للإنسان، هذا من جانب. ومن جانب آخر أنَّ الحوار مع النفس فيه نوع من التلقين والتذكير لها وتنبيهها بأن تختار علامات الهداية الموجودة على الطريق، وألاّ تخرج من حالة الوعي واليقظة إلى حالة اللاشعور والغفلة.

البيانات العلوية من النهج والصحيفة السجادية

1ـ من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَإِنَّ الآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ، أَلا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ. أَفَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ؟! أَلا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ؟! أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ، فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ، وَمَنْ قَصَّـرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ.

أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ. أَلا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا. أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ، وَمَنْ لا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلالُ إِلَى الرَّدَى. أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ، وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الأمَلِ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 28].

2ـ من خطبة له عليه السلام: «... طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ! وَطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ!» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 176].

3ـ من خطبة له عليه السلام: «فَاللهَ اللهَ عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بِكُمْ عَلَى سَنَنٍ وَأَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ فِي قَرَنٍ، وَكَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا، وَأَزِفَتْ بِأَفْرَاطِهَا، وَوَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِرَاطِهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلازِلِهَا وَأَنَاخَتْ بِكَلاكِلِهَا، وَانْصَـرَمَتِ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا وَأَخْرَجَتْهُمْ مِنْ حِضْنِهَا، فَكَانَتْ كَيَوْمٍ مَضَى أَو شَهْرٍ انْقَضَى، وَصَارَ جَدِيدُهَا رَثّاً وَسَمِينُهَا غَثّاً، فِي مَوْقِفٍ ضَنْكِ الْمَقَامِ وَأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ، وَنَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا، عَالٍ لَجَبُهَا، سَاطِعٍ لَهَبُهَا، مُتَغَيِّظٍ زَفِيرُهَا، مُتَأَجِّجٍ سَعِيرُهَا، بَعِيدٍ خُمُودُهَا، ذَاكٍ وُقُودُهَا، مَخُوفٍ وَعِيدُهَا، عَمٍ قَرَارُهَا، مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا، حَامِيَةٍ قُدُورُهَا، فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا. ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ، وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ، وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ. الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً، وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً، وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً، تَخَشُّعاً وَاسْتِغْفَاراً، وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلاً تَوَحُّشاً وَانْقِطَاعاً، فَجَعَلَ الله ُلَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً، وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً، وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها، فِي مُلْكٍ دَائِمٍ وَنَعِيمٍ قَائِمٍ. فَارْعَوْا عِبَادَ اللهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ، وَبِإِضَاعَتِهِ يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ، وَمَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ. وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْمَخُوفُ فَلا رَجْعَةً تَنَالُونَ وَلا عَثْرَةً تُقَالُونَ، اسْتَعْمَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَعَفَا عَنَّا وَعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ.

الْزَمُوا الأرْضَ وَاصْبِرُوا عَلَى الْبَلاءِ، وَلا تُحَرِّكُوا بِأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَلا تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اللهُ لَكُمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَاسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاتِهِ لِسَيْفِهِ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةً وَأَجَلاً» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 190].

من خطبة له عليه السلام: «أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ، وَامْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْكَدَرِ. عِبَادَ اللَّهِ، لا تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلا تَنْقَادُوا لِأَهْوَائِكُمْ؛ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ، يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لا يَلْتَصِقُ، وَيُقَرِّبَ مَا لا يَتَقَارَبُ، فَاللهَ اللهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لا يُشْكِي شَجْوَكُمْ، وَلا يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ. إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الإمَامِ إِلاّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ: الإبْلاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، وَالِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالإحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا، فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَنَاهَوْا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْيِ بَعْدَ التَّنَاهِي» [نهج البلاغة ـ الخطبة/ 105].

من دعاء للإمام زين العابدين عليه السلام: «إلهِي، إنَّهُ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إلاَّ حِلْمُكَ، وَلاَ يُنْجِي مِنْ عِقَابِكَ إلاَّ عَفْوُكَ، وَلاَ يُخَلِّصُ مِنْكَ إلاَّ رَحْمَتُكَ وَالتَّضَـرُّعُ إلَيْكَ. فَهَبْ لِي يا إلهِي فَرَحاً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا تُحْيِي مَيْتَ الْبِلادِ، وَبِها تَنْشُـرُ أَرْواحَ الْعِبادِ، وَلا تُهْلِكْنِي، وَعَرِّفْنِي الإجابَةَ يا رَبِّ، وَارْفَعْنِي وَلا تَضَعْنِي، وَانْصُـرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَعافِنِي مِنَ الآفاتِ. يا رَبِّ، إنْ تَرْفَعْنِي فَمَنْ يَضَعُنِي؟ وَإنْ تَضَعْنِي فَمَنْ يَرْفَعُنِي؟ وَقَدْ عَلِمْتُ يا إلهِي أَنْ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ، وَيَحْتاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ، وَقَدْ تَعالَيْتَ عَنْ ذلِكَ يا سَيِّدِي عُلُوَّاً كَبِيراً. رَبِّ لا تَجْعَلْنِي لِلْبَلاءِ غَرَضَاً، وَلا لِنَقِمَتِكَ نَصَباً، وَمَهِّلْنِي وَنَفِّسْنِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَلا تُتْبِعْنِي بِالْبَلاءِ، فَقَدْ تَرى ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، فَصَبِّرْنِي، فَإنّي يا رَبِّ ضَعِيفٌ مُتَضَـرِّعٌ إلَيْكَ يا رَبِّ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ فَأَعِذْنِي، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْ كُلِّ بَلاء فَأَجِرْنِي، وَأَسْتَتِرُ بِكَ فَاسْتُرْنِي يا سَيِّدِي مِمَّا أَخافُ وَأَحْذَرُ» [الصحيفة السجّاديّة ـ الدعاء/ 52].

5ـ من دعاء للإمام السجاد عليه السلام: «وَالْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى مَا عَرّفَنَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِهِ، وَفَتَحَ لَنَا مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّتِهِ، وَدَلّنَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ، وَجَنّبَنَا مِنَ الْإِلْحَادِ وَالشّكّ فِي أَمْرِهِ. حَمْداً نُعَمّرُ بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَنَسْبِقُ بِهِ مَنْ سَبَقَ إِلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ. حَمْداً يُضِـيءُ لَنَا بِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ، وَيُسَهّلُ عَلَيْنَا بِهِ سَبِيلَ الْمَبْعَثِ، وَيُشَـرّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الْأَشْهَادِ، يَوْمَ تُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ. حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنّا إِلَى أَعْلَى عِلّيّينَ، فِي كِتَابٍ مَرْقُومٍ يَشْهَدُهُ الْمُقَرّبُونَ. حَمْداً تَقَرّ بِهِ عُيُونُنَا إِذَا بَرِقَتِ الْأَبْصَارُ، وَتَبْيَضّ بِهِ وُجُوهُنَا إِذَا اسْوَدّتِ الْأَبْشَارُ. حَمْداً نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللّهِ إِلَى كَرِيمِ جِوَارِ اللّهِ» (الصحيفة السجّاديّة ـ الدعاء/ 1).

ملاحظات في الوقف والوصل والابتداء

1ـ يجوز الوقف في الآية ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ على ﴿مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾؛ لأنّ الجملة التي تليها يمكنها أن تكون استئنافيّة، ويكون تقديرها هكذا: هم ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا﴾.

2ـ لا يجوز الوقف في الآية ﴿وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾ على ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾؛ لأنّ الجملة التي تليها حالية، وتقديرها: ونحن ﴿وَنَطْمَعُ﴾، لذلك يجب وصلها بها.

أسئلة المناقشة

س1: ما هي الطوائف التي أشار إليها القرآن الكريم ووصفها بأنّها أشدُّ عداوةً لله تعالى؟

س2: في أيِّ شيء تكمن ركائز نمو المجتمع وتكامله؟

س3: حينما تخشع قلوب المؤمنين المفعمة بالشوق إلى الله تعالى عند ذكره فبماذا ينادون؟

س4: ما هي الرهبنة، وما هو حكمها؟

س5: ما هو حكم الوقف على ﴿مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ في الآية: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾؟ ولماذا؟ وكيف يكون التقدير فيها؟

س6: لماذا لا يجوز الوقف على ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾ في الآية: ﴿وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾، وما هو الواجب فيها؟

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2444
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19