• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : التفسير .
                    • الموضوع : السنن التاريخية في القرآن الكريم* - القسم (1) .

السنن التاريخية في القرآن الكريم* - القسم (1)

آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر

بسم اللّه الرحمن الرحيم وافضل الصلوات على سيد الخلق الميامين من آله الطاهرين محمد وعلى الهداة. استعرضنا فيما سبق المبررات الموضوعية والفكرية لإيثار التفسير الموضوعي التوحيدي على التفسير التجزيئي التقليدي باعتبار أن التفسير الموضوعي أغنى عطاءً واكثر قدرةً على التحرك والابداع وعلى تحديد المواقف النظرية الشاملة للقرآن الكريم. [ينظر: التفسير التجزيئي والتفسير التوحيدي للقرآن الكريم - القسم (2) / قسم: التفسير].

الآن أود أن أذكر مبررًا عمليًا وهو ان شوط التفسير التقليدي شوط طويل جدًا لأنه يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس، وهذا الشوط الطويل بحاجة من أجل اكماله إلى فترة زمنية طويلة أيضًا. ولهذا لم يحظ من علماء الاسلام الاعلام إلا عدد محدود بهذا الشرف العظيم، شرف مرافقة الكتاب الكريم من بدايته إلى نهايته. ونحن‏ نشعر بأن هذه الايام المحدودة المتبقية لا تفي بهذا الشوط الطويل، ولهذا كان من الافضل اختيار أشواط أقصر لكي نستطيع ان نكمل بضعة أشواط من هذه الجولات في رحاب القرآن الكريم.

من هنا سوف نختار موضوعات متعددة في القرآن الكريم ونستعرض ما يتعلق بذلك الموضوع وما يمكن أن يلقي عليه القرآن من أضواء. وسوف نحاول أن يكون البحث مضغوطًا بقدر الامكان لكي نستطيع أن نصل إلى عدد من المواضيع المهمة. فنقتصر على الافكار الاساسية والمبادئ الرئيسية بالنسبة إلى كل موضوع، وسوف أحرص على أن لا يستوعب كل موضوع إلا عددًا محدودًا من المحاضرات.

الموضوع الاول الذي سوف نختاره للبحث هو «سنن التاريخ في القرآن الكريم». هل للتاريخ البشري سنن في‏ مفهوم القرآن الكريم؟ هل له قوانين تتحكم في مسيرته وفي حركته وتطوره؟ ما هي هذه السنن التي تتحكم في التاريخ البشري؟ كيف بدأ التاريخ البشري؟ كيف نما؟

كيف تطور؟ ما هي العوامل الاساسية في نظرية التاريخ؟

ما هو دور الانسان في عملية التاريخ؟ ما هو موقع السماء أو النبوة على الساحة البشرية؟ هذا كله ما سوف ندرسه تحت هذا العنوان، عنوان سنن التاريخ في القرآن الكريم، وهذا الجانب من القرآن الكريم قد بحث الجزء الاعظم من مواده ومفرداته القرآنية لكن من زوايا مختلفة، فمثلاً قصص الانبياء (عليهم السلام) التي تمثل الجزء الاعظم من هذه المادة القرآنية.

بحثت قصص الانبياء من زاوية تاريخية تناولها المؤرخون واستعرضوا الحوادث والوقائع التي تكلم عنها القرآن الكريم. وحينما لاحظوا الفراغات التي تركها هذا الكتاب العزيز، حاولوا ان يملأوا هذه الفراغات بالروايات والاحاديث، او بما هو المأثور عن أديان سابقة، أو بالأساطير والخرافات، فتكونت سجلات ذات طابع تاريخي لتنظيم هذه المادة القرآنية، كذلك أيضًا بحثت هذه المادة القرآنية من زاوية أخرى، من زاوية منهج القصة في القرآن، مدى ما يتمتع به هذا المنهج من أصالة وقوة وإبداع، ما تزخر به القصة القرآنية من حيوية، من حركة، من أحداث، هذه أيضًا زاوية اخرى للبحث في هذه المادة تضاف إلى زوايا عديدة. نحن الآن نريد ان نتناول هذه المادة القرآنية من زاوية أخرى، من زاوية مقدار ما تلقي هذه المادة من أضواء على سنن التاريخ، على تلك الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكم في عملية التاريخ اذا كان يوجد في مفهوم القرآن شي‏ء من هذه النواميس والضوابط والقوانين.

الساحة التاريخية كأي ساحة أخرى، زاخرة بمجموعة من الظواهر، كما ان الساحة الفلكية، الساحة الفيزيائية، الساحة النباتية زاخرة بمجموعة من الظواهر، كذلك الساحة التاريخية بالمعنى الذي سوف يفصل من التاريخ ان شاء اللّه بعد ذلك، زاخرة بمجموعة من الظواهر، كما ان الظواهر في كل ساحة أخرى من الساحات لها سنن ولها نواميس، من حقنا أن نتساءل: هل ان الظواهر التي تزخر بها الساحة التاريخية، هل هذه الظواهر أيضًا ذات سنن وذات نواميس؟ وما موقف القرآن الكريم من هذه السنن والنواميس؟ وما هو عطاؤه في مقام تأكيد هذا المفهوم ايجابًا أو سلبًا، اجمالاً أو تفصيلاً؟

وقد يخيل إلى بعض الاشخاص، اننا لا ينبغي ان‏ نترقب من القرآن الكريم أن يتحدث عن سنن التاريخ، لأن البحث في سنن التاريخ بحث علمي كالبحث في سنن الطبيعة والذرة والنبات. والقرآن الكريم لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية، القرآن الكريم لم يكن كتابًا مدرسيًا، لم ينزل على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بوصفه معلّمًا بالمعنى التقليدي من المعلم لكي يدرس مجموعة من المتخصصين والمثقفين، وإنما نزل هذا الكتاب عليه لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجاهلية إلى نور الهداية والاسلام. إذن فهو كتاب هداية وتغيير وليس كتاب اكتشاف.

ومن هنا لا نترقب من القرآن الكريم ان يكشف لنا الحقائق والمبادئ لعامة للعلوم الأخرى ولا نترقب من القرآن الكريم ان يتحدث لنا عن مبادئ الفيزياء أو الكيمياء أو النبات أو الحيوان. صحيح أن في القرآن الكريم إشارات إلى كل ذلك، ولكنها إشارات بالحدود التي تؤكد على البعد الإلهي للقرآن، وبقدر ما يمكن أن يثبت العمق الرباني لهذا الكتاب الذي أحاط بالماضي والحاضر والمستقبل والذي استطاع أن يسبق التجربة البشرية مئات السنين في مقام الكشف عن حقائق متفرقة من الميادين العلمية المتفرقة، لكن‏ هذه الإشارات القرآنية انما هي لأجل غرض علمي من هذا القبيل لا من أجل تعليم الفيزياء والكيمياء. القرآن لم يطرح نفسه بديلاً عن قدرة الانسان الخلاقة، عن مواهبه وقابلياته في مقام الكدح، الكدح في كل ميادين الحياة بما في ذلك ميدان المعرفة والتجربة، القرآن لم يطرح نفسه بديلاً عن هذه الميادين، وإنما طرح نفسه طاقة روحية موجهة للإنسان، مفجرة طاقاته، محركة له في المسار الصحيح. فإذا صار القرآن الكريم كتاب هداية وتوجيه، وليس كتاب اكتشاف وعلم، فليس من الطبيعي أن نترقب منه استعراض مبادئ عامة لكل واحد من هذه العلوم التي يقوم الفهم البشري بمهمة التوغل في اكتشاف نواميسها وقوانينها وضوابطها. لماذا ننتظر من القرآن الكريم أن يعطينا عموميات، أن يعطينا مواقف، أن يبلور له مفهومًا علميًا في سنن التاريخ على هذه الساحة من ساحات الكون بينما ليس للقرآن مثل ذلك على الساحات الأخرى، ولا حرج على القرآن في ان لا يكون له ذلك على الساحات الأخرى، لأن القرآن لو صار في مقام استعراض هذه القوانين، وكشف هذه الحقائق لكان بذلك يتحول إلى كتاب آخر نوعيًا، يتحول من كتاب للبشرية جمعاء إلى كتاب للمتخصصين يدرس في الحلقات الخاصة. قد يلاحظ بهذا الشكل على اختيار هذا الموضوع، الا ان هذه الملاحظة رغم ان الروح العامة فيها صحيحة بمعنى أن القرآن الكريم ليس كتاب اكتشاف، ولم يطرح نفسه ليجمد في الانسان طاقات النمو والابداع والبحث، وإنما هو كتاب هداية، ولكن مع هذا يوجد فرق جوهري بين الساحة التاريخية وبقية ساحات الكون، هذا الفرق الجوهري يجعل من هذه الساحة ومن سنن هذه الساحة أمرًا مرتبطًا أشد الارتباط بوظيفة القرآن ككتاب هداية، خلافًا لبقية الساحات الكونية والميادين الأخرى للمعرفة البشرية، وذلك أن القرآن الكريم كتاب هداية وعملية تغيير هذه العملية التي عبر عنها في القرآن الكريم بأنها إخراج للناس من الظلمات إلى النور.

وعملية التغيير هذه فيها جانبان: «الجانب الأول» جانب المحتوى والمضمون ما تدعو اليه هذه العملية التغييرية من أحكام، من مناهج، ما تتبناه من تشريعات، هذا الجانب من عملية التغيير جانب رباني، جانب إلهي سماوي، هذا الجانب يمثل شريعة الله سبحانه وتعالى التي نزلت على النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) وتحدث بنفس نزولها عليه كل سنن التاريخ المادية لأن هذه الشريعة كانت اكبر من الجو الذي‏ نزلت عليه، ومن البيئة التي حلت فيها، ومن الفرد الذي كلف بأن يقوم بأعباء تبليغها. هذا الجانب من عملية التغيير، جانب المحتوى والمضمون، جانب التشريعات والاحكام والمناهج التي تدعو اليها هذه العملية، هذا الجانب جانب رباني إلهي، لكن، هناك جانب آخر لعملية التغيير التي مارسها النبي (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه الاطهار، هذه العملية حينما تلحظ بوصفها عملية متجسدة في جماعة من الناس وهم النبي والصحابة، بوصفها عملية اجتماعية متجسدة في هذه الصفوة، وبوصفها عملية قد واجهت تيارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائدي والاجتماعي والسياسي والعسكري، حينما تؤخذ هذه العملية التغييرية بوصفها تجسيدًا بشريًا واقعًا على الساحة التاريخية مترابطًا مع الجماعات والتيارات الاخرى التي تكتنف هذا التجسيد والتي تؤيد أو تقاوم هذا التجسيد، حينما تؤخذ العملية من هذه الزاوية تكون عملية بشرية، يكون هؤلاء اناسًا كسائر الناس تتحكم فيهم إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكم في بقية الجماعات وفي بقية الفئات على مر الزمن.

إذن عملية التغيير التي مارسها القرآن ومارسها النبي (صلّى الله عليه وآله) لها جانبان من حيث صلتها بالشريعة وبالوحي، هي ربانية، هي فوق التاريخ ولكن من حيث كونها عملاً قائمًا على الساحة التاريخية، من حيث كونها جهدًا بشريًا يقاوم جهودًا بشرية اخرى، من هذه الناحية يعتبر هذا عملاً تاريخيًا تحكمه سنن التاريخ وتتحكم فيه الضوابط التي وضعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم ظواهر الكون في هذه الساحة المسماة بالساحة التاريخية، ولهذا نرى ان القرآن الكريم حينما يتحدث عن الزاوية الثانية، عن الجانب الثاني من عملية التغيير، يتحدث عن أناس، يتحدث عن بشر، لا يتحدث عن رسالة السماء، بل يتحدث عنهم بوصفهم بشرًا من البشر تتحكم فيهم القوانين التي تتحكم في الآخرين. حينما أراد أن يتحدث عن انتصار المسلمين في غزوة أحد بعد ان أحرزوا ذلك الانتصار الحاسم في غزوة بدر، بعد ذلك انكسروا وخسروا المعركة في غزوة أحد، تحدث القرآن الكريم عن هذه الخسارة، ماذا قال؟

هل قال بأن رسالة السماء خسرت المعركة بعد ان كانت ربحت المعركة؟ لا .. لأن رسالة السماء فوق مقاييس النصر والهزيمة بالمعنى المادي، رسالة السماء لا تهزم، ولن تهزم أبدًا، ولكن الذي يهزم هو الانسان، الانسان حتى ولو كان هذا الانسان مجسدًا لرسالة السماء، لأن هذا الانسان تتحكم فيه سنن التاريخ، ماذا قال القرآن؟ قال ﴿وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ﴾ [سورة آل عمران: الآية 140]. هنا أخذ يتكلم عنهم بوصفهم أناسًا قال بأن هذه القضية هي في الحقيقة ترتبط بسنن التاريخ، المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعية للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا، وخسروا المعركة في أحد حينما كانت الشروط الموضوعية في معركة أحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة. ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ﴾ [سورة آل عمران: الآية 140]. لا تتخيلوا أن النصر حق إلهي لكم، وإنما النصر حق طبيعي لكم بقدر ما يمكن أن توفروا الشروط الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونيًا لا تشريعيًا، وحيث أنكم في غزوة أحد لم تتوفر لديكم هذه الشروط ولهذا خسرتم المعركة. فالكلام هنا كلام مع بشر، مع عملية بشرية لا مع رسالة ربانية. بلّ يذهب القرآن إلى اكثر من ذلك، يهدد هذه الجماعة البشرية التي كانت انظف واطهر جماعة على مسرح‏ التاريخ، يهددهم بأنهم إذا لم يقوموا بدورهم التاريخي، وإذا لم يكونوا على مستوى مسؤولية رسالة السماء فإن هذا لا يعني ان تتعطل رسالة السماء، ولا يعني أن تسكت سنن التاريخ عنهم بل انهم سوف يستبدلون، سنن التاريخ سوف تعزلهم وسوف تأتي بأمم أخرى قد تهيأت لها الظروف الموضوعية الأفضل لكي تلعب هذا الدور، لكي تكون شهيدة على الناس إذا لم تتهيأ لهذه الأمة الظروف الموضوعية لهذه الشهادة ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً، ويَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ولا تَضُرُّوهُ شَيْئاً واللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة التوبة: الآية 39]، ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ واللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة المائدة: الآية 54]. إذن فالقرآن الكريم إنما يتحدث مع الجانب الثاني من عملية التغيير، يتحدث مع البشر في ضعفه وقوته، في استقامته وانحرافه، في توفر الشروط الموضوعية له وعدم توفرها.

من هنا يظهر بأن البحث في سنن التاريخ مرتبط ارتباطًا عضويًا شديدًا بكتاب الله بوصفه كتاب هدى، بوصفه اخراج للناس من الظلمات إلى النور لأن الجانب العملي من هذه العملية، الجانب البشري والتطبيقي من جانب هذه العملية جانب يخضع لسنن التاريخ، فلا بد اذن ان نستلهم، ولا بد اذن ان يكون للقرآن الكريم تصورات وعطاءات في هذا المجال لتكوين اطار عام للنظرة القرآنية والاسلامية عن سنن التاريخ.

إذن هذا لا يشبه سنن الفيزياء والكيمياء والفلك والحيوان والنبات، تلك السنن ليست داخلة في نطاق التأثير المباشر على عملية التاريخ، ولكن هذه السنن داخلة في نطاق التأثير المباشر على عملية التغيير. باعتبار الجانب الثاني، إذن لا بد من شرح ذلك ولا بد ان نترقب من القرآن اعطاء عموميات في ذلك، نعم لا ينبغي ان نترقب من القرآن ان يتحول أيضًا إلى كتاب مدرسي في علم التاريخ وسنن التاريخ بحيث يستوعب كل التفاصيل وكل الجزئيات، حتى ما لا يكون له دخل في منطق عملية التغيير التي مارسها النبي (صلّى الله عليه وآله)، وانما القرآن الكريم يحتفظ دائمًا بوصفه الاساسي والرئيسي، يحتفظ بوصفه كتاب هداية، كتاب اخراج للناس من الظلمات إلى النور، وفي‏ حدود هذه المهمات الكبيرة العظيمة التي مارسها في صدور هذه المهمة يعطي مقولاته على الساحة التاريخية ويشرح سنن التاريخ بالقدر الذي يلقي ضوءًا على عملية التغيير التي مارسها النبي (صلّى الله عليه وآله) بقدر ما يكون موجهًا وهاديًا وخالقًا لتبصّر موضوعي للأحداث والظروف والشروط. ونحن في القرآن الكريم نلاحظ أن هذه الحقيقة حقيقة ان للتاريخ سننًا، ان الساحة التاريخية عامرة بسنن كما عمرت كل الساحات الكونية الأخرى بسنن. هذه الحقيقة نراها واضحة في القرآن الكريم، فقد بيّنت هذه الحقيقة بأشكال مختلفة وبأساليب متعددة في عدد كثير من الآيات، بيّنت على مستوى اعطاء نفس هذا المفهوم بالنحو الكلي، ان للتاريخ سننًا وإنّ للتاريخ قوانين، وبيّنت هذه الحقيقة في آيات اخرى على مستوى عرض هذه القوانين وبيان مصاديق ونماذج وأمثلة من هذه القوانين التي تتحكم في المسيرة التاريخية للإنسان وبيّنت في سياق آخر على نحو تمتزج فيه النظرية، أي بيّن المفهوم الكلي وبيّن في إطار مصداقه، وفي آيات اخرى حصل الحث الأكيد على الاستفادة من الحوادث الماضية وشحذ الهمم لإيجاد عملية استقراء للتاريخ، وعملية الاستقراء للحوادث ـ كما تعلمون ـ هي عملية علمية بطبيعتها، تريد أن تفتش عن‏ سنة، عن قانون، وإلا فلا معنى للاستقراء من دون افتراض سنة أو قانون، إذن هناك السنة متعددة درجت عليها الآيات القرآنية في مقام توضيح هذه الحقيقة وبلورتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصدر: المدرسة القرآنية (مجموعة محاضرات قرآنية للسيّد الشهيد محمد باقر الصدر قدّس سرّه)، ص 41 ـ 54، بتصرّف يسير.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2357
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29