• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : كيف نتعرّض للنفحات الإلهية * .

كيف نتعرّض للنفحات الإلهية *

العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

من المواضيع المهمة التي ينبغي استيعابها، هو موضوع النفحات الإلهية المتوجهة للإنسان المؤمن، فهناك الكثير من الأسئلة التي تُطرح في هذا المجال؛ ما هي قواعدها؟ متى تأتي؟ ما هي موانعها؟ كيف نتعرّض لهذه النفحات التي تهبّ على الإنسان بين فترة وأخرى؟ نقاط مهمة ينبغي أن نستوعبها، لأنها ضرورية لكل إنسان له حظ وله ارتباط بعبادة الله عز وجل.

النفحات الإلهية

هي عبارة عن نسمات وهبَّات من عالم الغيب، تعْرِض على القلب، فيعيش الإنسان بشكل فُجائي حالة من الإقبال على الله تعالى، بشكل لم يكن معهودًا من قبل . مثال ذلك: في عالم الأبدان الإنسان الذي يُريد أن يقوم بعمل خارقٍ أو جبّارٍ أو يريد أن يهرب من عدو، يلاحظ في نفسه قدرة غير طبيعية، فهناك نفحات هرمونية أو بدنية ـ إن صح التعبير ـ تجعل الإنسانَ يعيش حالة من القوة المضاعفة. إذن هناك نفحات في عالم الأجسام، وهي أن يعيش الإنسان قدرة غير طبيعية في عالم الأبدان. وهنالك أيضًا نفحاتٌ في عالم الأرواح، كأنْ يكون هناك إنسان غافلٌ مسترسلٌ في عالم الدنيا، فإذا به في لحظة من اللحظات يجد في نفسه شهوة وإقبالاً على العبادة، أو نائم في منتصف الليل وكأنّ هناك من يوقظه لنافلة الليل، في تلك الليلة يعيش حالة من حالات الإقبال التي لا يتوقّعها من نفسه.

ما هو الملاك وما هو القانون للنفحات؟

علينا أن نعتقد بحقيقة النفحات، ولا ينبغي أن ننكر هذه الحقيقة في حياتنا، والدليل على ذلك: القرآن الكريم، فهناك عدة آيات تؤكد على هذه النقطة، منها قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور: 21] معنى هذا أن هناك فضلاً، وهناك رحمة تُسدد الإنسان المؤمن ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83] هذه نفحة تتجلى على شكل إقبال في العبادة مرة، وعلى شكل منع وصد عن الحرام تارة أخرى. وفي آية أخرى نلاحظ أن الله عز وجل يزيّن الإيمان في قلب المؤمن، ويكرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: 7]، وطالما لاحظنا بعض الشباب المراهقين المنغمسين في اللذائذ، لوقفة مع رب العالمين في عبادة، أو في عمرة، أو في حج، أو في إحياء، أو في صلاة خاشعة، وإذا به يمجُّ ويكره ويستقذر ما كان يألفهُ قبل قليل، هذه نفحة خاصة من نفحات عالم الغيب، تهبّ على نفس وقلب المؤمن أو المسلم.

أنواع النفحات

أولاً: النفحات العامة

إن لله عز وجل نفحات عامة، وما ذكرناه هو نفحات خاصة للبعض. هناك أمكنة وأزمنة يُضاعف فيها الله تبارك وتعالى من نفحاته. ليلة القدر ليلة من ليالي السنة، لماذا جعل الله العمل في تلك الليلة خيرًا من ألف شهر؟ هذه نفحة من نفحات الله عز وجل. رُوي عن رسول الله (صلّى اليه عليه وآله) أنّه قال: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرّضوا لها» [بحار الأنوار، ج68، ص221]، وفي نصّ آخر «... ألا فترّصدوا لها». فنفحة ليالي القدر نفحة عامة للجميع، ونفحات الحج والحطيم والمستجار وتحت الميزاب، هذه الأماكن المباركة هي أيضاً نفحاتٌ عامة. فعلى الإنسان المؤمن أن يتعرّض لهذه النفحات التي تهبّ من عالم الغيب، ومعنى ذلك أن على الإنسان المؤمن أن يكتشف المعادلة.

ثانياً: النفحات الخاصة

ولكن الإنسان المؤمن، بلباقته وذكائه وحسن مراقبته وفراسته وما أعطي من النور الإلهي، والذي ينظر بعين الله وبنور الله، عليه أن يكتشف مواطن النفحات الخاصة. من الممكن أن يُعطى الإنسان هذه النفحة بعد برٍّ بوالديه، فعليك أن تترصد ذلك، وتكتشف المعادلة؛ فأن يكون لك أبوان عندما تُدخل عليهما السرور في تلك الليلة، تلاحظ في ذلك اليوم نفحة، وأن يكون لك جار أو مؤمن منكسر الفؤاد ومشوّش البال ومتفرّق الخاطر، فهذا المؤمن كلّما تقترب منه، أو تُحسن إليه، وتُزيل الهم والغم عن قلبه تُلاحظ أن هناك إقبالاً. وهذا فنٌّ ويحتاج إلى خبرة؛ أن يترصد الإنسان متى تأتيه النفحات الإلهية الخاصة.

ذكرنا أنّ للأماكن المعروفة وللمناسبات المعروفة نفحات ثابتة، لكن على المؤمن أن يكتشف في قلبه النفحات الخاصة، التي يُعطى إياها إذا قام بعمل معيَّن، ولا بأس أن يُسجّل الأعمال التي توجب له مثل هذه النفحات، ويترصّدها ويُراقبها بكل دقة.

كيف نتعرّض للنفحات الخاصة؟

إن النفحات العامة أسبابها خارجية  ـ وهي التي تتعلق بليالٍ وأيامٍ وأماكن معهودة ـ هي ليست بأيدينا، ففي السنة ليلة قدر واحدة، المسجد الحرام في الواقع بعيدٌ عنّا، يتطلّب الذهاب إليه استطاعة وقدرة مالية.

أمّا النفحات الخاصة ـ  الداخلية ـ فتأتي إمّا من بعض الأعمال، وإمّا من المجاهدة المستمرّة، نأتي لها بالتفصيل فيما يلي:

النقطة الأولى:

أن تقوم بعمل بطولي واحد فيه مجاهدة كبيرة للنفس؛ كما قام به يوسف (عليه السلام)، معاناة واحدة مهمّة مع زليخة، ومجاهدة النفس في لحظات، أُعطي عليها من النفحات ما بقي أثره إلى يومنا هذا من الذكر الجميل. وكما وقف سحرة فرعون موقفًا واحدًا أمام فرعون نفسه وآمنوا بنبيّ الله موسى (عليه السلام)؛ عملٌ بطولي واحد أعطاهم الخلود. وعندما نقلّب تاريخ المسلمين نرى: كم من الشهداء قُتلوا في ركاب النبي (صلّى الله عليه وآله)؟ لماذا يُسجَّل هذا الخلود بحق حنظلة غسيل الملائكة؟! لأنه في ليلة زفافة، هذه الليلة ليلة الغفلة والاسترسال في المُتَع، هذا الرجل يقوم ويذهب للقتال مع النبي (صلّى الله عليه وآله)!

حقيقة، لو امتلك الإنسان في حياته كم محطّة من هذه المحطات، سيوجب له سعادة الأبد.

فرصة العمر

أحدنا لو وقع في موقع إغرائي سواء في مال حرام مغرٍ أو امرأة أو منصب، فبدلاً عن الاسترسال مع شهوته؛ لماذا لا ينظر إلى أن هذه هي فرصة العمر؟ جاهد نفسك لحظات مع هذه الفتاة كما جاهد يوسف (عليه السلام) واكسب لنفسك لذة الأبد، وشتان بين عملين: (عملٌ تذهب لذته، وتبقى تبعته، وعملٌ تذهب مؤونته، ويبقى أجره) [نهج البلاغة، الحكمة 117]. الإنسان المؤمن عليه أن يبحث عن هذه الفرص بحثًا. البعض يخاف من الإغراء والامتحان، هذا شيءٌ جيد، ولكن البعض في الواقع يتمنّى أن يُبتلى ليُثبت تفوّقَه، هل رأيتم بعض الأبطال الذين يعتمدون على بطولتهم؟ يتمنّى أن يأتيه الخصم ليضربه أرضًا، ويأخذ الجائزة بذلك.

صفقات مُربحة

إن كظم الغيظ من ضمن الصفقات المربحة، فالإنسان قد يُثار من قِبل ولده أو زوجته أو خادمته، ويتذكر غضبَ الله عز وجل، فيكظم غيظه. تقول الروايات: «من كظم غيظه وهو قادر على إنفاذه يُحشى جوفه نورًا»، وما قيمة أن نُنفذ غضبك على هذه الزوجة المسكينة، أو هذه المرأة المستضعفة، أو هذه الخادمة البسيطة؟ أنت بإمكانك أن تتجرع هذا الغيظ لتعيش حلاوة الإيمان بعد ذلك وترفع عن ظهرك جبال الذنوب، فالله عز وجل يطلع على هذا العبد الذي ابتُلي بالشهوة أو الغضب وصبر على ذلك، لعل الله سبحانه وتعالى يُباهي بهكذا إنسان بين ملائكته.

النقطة الثانية:

المجاهدة البسيطة المستمرة، فالإنسان قد لا يقوم بجهاد عظيم كحنظلة وكيوسف وكسَحَرة فرعون ـ مع فارق الدرجات بينهم ـ ولكن الإنسان الذي يُراعي نفسه ويترك الذنوب صغيرها وكبيرها، يُعطى هذه المنحة بين فترة وأخرى. ولهذا يكون دعاؤنا في صلاة الليل: «إِلَهِي تَعَرَّضَ لَكَ فِي هَذَا اللَّيْلِ الْمُتَعَرْضُونَ وَقَصَدَكَ فِيهِ الْقَاصِدُونَ وَأَمَّلَ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ الطَّالِبُونَ وَلَكَ فِي هَذَا اللَّيْلِ نَفَحَاتٌ وَجَوَائِزُ وَعَطَايَا وَمَوَاهِبُ تَمُنُّ بِهَا عَلَى مَنْ تَشَاءُ مِنْ عِبَادِكَ وَتَمْنَعُهَا مَنْ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ الْعِنَايَةُ مِنْكَ ... فَإِنْ كُنْتَ يَا مَوْلَايَ تَفَضَّلْتَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَعُدْتَ عَلَيْهِ بِعَائِدَةٍ مِنْ عَطْفِكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الْخَيِّرِينَ الْفَاضِلِينَ وَجُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ وَمَعْرُوفِكَ وَكَرَمِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ» [مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج1، ص152].

قد يؤدي الإنسان صلاة الليل لمدة سنة كاملة، فلا يُعطى نفحة من النفحات، ولكن  في ليلة، وبلا مناسبة، وإذا به يعيش عالمًا من السير نحو الله سبحانه وتعالى!!

لماذا الاشتياق للنفحات؟ 

وأنتم تعلمون أن هذه النفخات بمثابة الجوائز التي تجعل الإنسان يحنّ إليها دائمًا، لو كُشف لك الغطاء في ليلة من الليالي وتجلّى لك رب العالمين بتجلّياته الجلالية أو الجمالية، أَوَلا تتحوّل إلى إنسان عاشق، تكون مستعدًّا أن تُقيم الليل في كل ليلة، عسى أن تصل إلى ذلك التجلي الذي وقع لك في ليلة من الليالي؟! ما الذي جعل موسى (عليه السلام) يعيش حالة الشوق لله عز وجل؟ لولا هذه القابلية في نفس موسى لما تكلم اللهُ معه. نعم، في وادي طور سيناء  عندما تكلم الله معه فتجلى له، أوجد في قلبه حُرقةً وشوقًا، هذه الحُرقة وهذا الشوق لم ينطفئان أبدًا في نفس يوسف (عليه السلام).

فهنيئًا لمن فُتح له بابٌ! هذا الإنسان لا يحتاج بعد ذلك إلى توصيات كثيرة وردع وحث، أو ذكر الحور والقصور، فهو في الدنيا يتنعّم بهذه الأمور!! ذلك الشاب الذي كان في مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله)، قال له النبي (صلّى الله عليه وآله): كيف أصبحت؟ قال: «أصبحت بالله موقنًا»؛ شاب في حياة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) كُشف له الحجاب، فأصبح يعيش حالة الإيمان، وحالة الاطمئنان بعالم ما وراء الغيب. نعم، هذه ثمرة النفحات. قال الصادق (عليه السلام):  «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرًّا لونه، نحيف جسمه، وغارت عيناه في رأسه. فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقنًا. فعجب رسوله الله (صلّى الله عليه وآله) من قوله، وقال له: إنّ لكل يقين حقيقة، فما حقيقة يقينك؟ فقال: فإنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري، فعَزَفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة، ويتعارفون على الأرائك متكئين، وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبين يصطرخون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي» [المحاسن، البرقي، ج‏1، ص250].

الأمور السالبة للنفحات

كل فرد منا لابد وأن تعرض لهذه النفحات في شهر رمضان، أو في ليالي الجمعة، أو في صلوات الليل المتقطعة؛ لماذا حُرم ثانية؟ لماذا البعض يحنّ إلى أيامه القديمة؟

فمن الأمور السالبة للنفحات والمانعة لها:

أولاً: عدم تقدير هذه النعمة

النفحة الإلهية بمثابة الضيف الإلهي الذي حلَّ عليك فلم تُكرمه، لذا يُقال: (إن الإدبار بعد الإقبال مباشرة يكسر المؤمنَ كسرًا بليغًا). كأن تكون في المسجد في حالة روحية راقية، أو في جوف الليل، وإذا بك بعد ذلك مباشرة تخرج إلى الشارع، فتنظر نظرة محرمة، يُقال لك: لماذا؟! أنت كنت في ضيافتي، ووهبتك شيئًا من إقبالي، ومن نفحاتي، لماذا استهترت بهذه النعمة؟! فيُبتلى بقسوة شديدة، لا ترتفع عنه إلا بالبكاء الشديد، والإنابة إلى الله عز وجل. ومع عدم الاستغفار يبقى فيما هو عليه من الإدبار إلى ما شاء الله. هذه النقطة يجب أن نراعي أنفسنا فيها عند كل نفحة.

ثانيًا: عدم تحويل النفحة إلى عمل

البعض يتحول إلى عاشق للنفحات، يحب دائمًا أن يعيش حالة الهيام والغرام والتحليق، دون أن يحول النفحات إلى عمليات ... إلى عمل،  يقوم الليل حتى يعيش حالة من البكاء والخشوع، فإذا صار النهار يعيش حالة الغفلة والسهو والاسترسال. حاول أن تحوّل النفحة إلى موقف، ما دام هناك انفتاحٌ من عالم الغيب، هناك دعوة من الله عز وجل، لا تبحث عن النفحة وراء النفحة، ولكن ابحث عن العمل وراء النفحة، حوّل هذه النفحة إلى حالة من التقوى وحالة من الورع، قل: يا رب، منحتني هذه النفحة، أعاهدك على ترك معصية من المعاصي، جرّب ذلك، فإذا عملت بهذا الوعد، كلما منحت نفحة تركت حرامًا، فبعد ذلك وإذا بالنفحات تترى، لأن هذا مقتضى قوله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، والشكر على نعمة الإقبال يتمثل في أن تلتزم بأوامره ونواهيه، هذه من الأمور الواجب الالتفات إليها جيدًا.

يذهب أحدُهم إلى الحج، يقوم بأعمال توجب له النفحات، وبالمقابل له أعمالٌ سلبيةٌ كثيرة من المعصية؛ الغيبة أو اللغو، وهو لا ينظر إلى سلبيات أعماله، بل ينظر إلى النفحات المجردة. إن النفحة المجردة من العمل، نعتقد ألا قيمة لها كثيرًا، وبالعكس، قد توجب له الغرور، ويعيش حالةً من التضخم الكاذب، أعماله أعمال البسطاء في الدين، ولكن له من النفحات في جوف الليل، هذا أمرٌ جيد، ولكن هذا الإنسان الذي له نفحات من دون عمل في معرض الابتلاء بالعُجب والغرور، ولطالما كانت الحالات الإيجابية من موجبات التقاعس والتباطؤ وعدم تغيير الجوهر.

كيف تستبقي النفحة؟

النفحة إذا جاءت حاول أن تستبقيها قدر الإمكان، لأنها حالة غالية جدًا، أنت بعد فترة من الإدبار رُزقت الإقبال، لا تقطع هذه الحالة، حتى أن بعض علماء الأخلاق يقول: إذا رُزقت الإقبال في موقف من مواقف الصلاة، حاول أن تبقى في ذلك الموقف. في السجود جاءتك نفحةٌ إلهية؛ حالة من حالات الرقة، ابقَ فيها، فلعلك لو تحولت إلى أمر آخر لفقدت هذه النفحة. كنت تقرأ القرآن الكريم أثناء القراءة جاءتك نفحة إلهية، استمر في قراءة القرآن، لعلك إذا حوَّلت القرآن إلى دعاء تفقد هذه النفحة، حتى أن البعض ينصح، ابقَ في المكان الذي أنت فيه، أنت الآن في المنزل وتعيش حالة من حالات القرب والشفافية الروحية، وإذا خرجت من المنزل ورأيت ما رأيت من الممكن أن تفقد هذه الحالة، إذن عليك أن تبقى في الوضعية التي أنت تعيشها من النفحات.

المحطّات اليومية لنزول النفحات

أيضًا في حياتنا اليومية هنالك محطات جيدة لأن نعيش هذا الجو. الإنسان قد يكون مُرشحًا لكي يعيش هذا الجو من النفحات الإلهية، لكن طبيعة حياته عمله والبيئة التي يعيش فيها لا تسمح له، فما الحل؟ عليه أن يلجأ إلى الأمور التي تستبطن النفحات وأهمها الصلاة. حقيقة، المؤمن يتخذ من الصلاة مجالاً للعروج إلى الله عز وجل، ومجالاً للتنفس، فالغوّاص عندما ينزل لأعماق البحر ويعيش الاختناق يصعد إلى السطح، يستنشق الهواء ثم يغوص مرة أخرى. فنحن في حياتنا اليومية نعيش في ظلمات حالكة؛ كظلمة العمل وظلمة المعاشرة الاجتماعية وبعض الظلمات التي تسلب الإنسان روحه، عليه أن يلجأ إلى عالم الصلاة والقرآن والدعاء؛ ليستنشق شيئًا من هذا الرحيق، ويرجع مرة أخرى إلى واقعه.

حالة الإدبار

أن نشتكي إلى الله عز وجل من قسوة القلب، وينبغي أن تكون هذه الشكوى ديدن المؤمن. حقيقة، إن الإعراض الإلهي من أسوأ صور التعذيب، لهذا نلاحظ في يوم القيامة أن الله عز وجل يعذب مجموعة من أهل المحشر بعدم النظر إليهم، لا ينظر إليهم، ولا يكلمهم. نعم، هذا الإعراض من صور العقوبة، الإنسان المؤمن إذا عاش حالة الإدبار ولم يتأثر بذلك فليعلم أنه إنسان مريض، عليه أن يجأر إلى الله عز وجل. في سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3] يُقال: إنها نزلت بعد فترة من انقطاع الوحي، النبي (صلّى الله عليه وآله) اشتاق إلى الوحي، فجاءته الآية لتطيب من خاطره عندما تقول له: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3].

الإنسان المؤمن إذا صلى فرضًا أو فرضين، يومًا أو يومين أو أسبوعًا، ولم يجد حلاوة في عبادته، حقيقة، يعيش حالة من القلق والفزع، لعله وقع ما وقع، بحيث سلب الحالة من التوجه بين يدي الله عز وجل.

أرزاقنا من النفحات

«إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها»، البعض رِزقه من النفحات في كل ليلة واحدة، والبعض سهمه من هذه النفحات في أيام دهره بعض النفحات، وشتان ما بين المرزوق في كل ليلة وبين ذلك الذي لا يُرزق إلا بين الفترة والفترة «ألا فترصدوا لها» هناك حالة من حالات الانتظار، ليصل لهذه النفحة من قبل الله عز وجل، وهنيئًا لمن رُزق النفحة كلّما شاء؛ بجلوس في المحراب، يفترش سجادة العبادة، يأخذ كتاب الدعاء، يقرأ وإذا بدموعه تجري على خدّيه، صنفٌ من الناس هكذا كلّما وقف للصلاة، كلّما قرأ الدعاء، كلّما تلى القرآن الكريم ... يعيش هذا الجو من دون تكلّف،  هنيئًا لهذا الإنسان الذي يعيش هذه الحالة، طبعًا هذه ثمرة مجاهدات طويلة.

من التوصيات العملية:

1- على المؤمن أن يكتشف مواطن النفحات الخاصة، متى تأتيه؟ بعد أي عمل؟ أن يترصدها، ولا بأس من تسجيل الأعمال التي تُوجب له مثل هذه النفحات.

2- السبيل للنفحات الخاصة: إما أن تقوم بعمل بطولي واحد فيه مجاهدة كبيرة للنفس، وإما المجاهدة البسطة المستمرة.

فرصة العمر: أحدنا لو وقع في موقع إغرائي سواء في مال حرام مغرٍ أو امرأة مغرية، أو منصب مغرٍ، بدلاً من الاسترسال مع شهوته، لماذا لا ينظر إلى أن هذه فرصة العمر؟ جاهد نفسك لحظات مع هذه الفتاة، كما جاهد يوسف (عليه السلام)، واكسب لنفسك لذة الأبد.

3- من ضمن الصفقات المُربحة: إن كظم الغيظ من ضمن الصفقات المربحة، الإنسان قد يُثار من قِبل ولده أو زوجته أو خادمته، ويتذكر غضبَ الله عز وجل، فيكظم غيظه، تقول الروايات : «من كظم غيظه وهو قادر على إنفاذه يُحشى جوفه نورًا» أنت بإمكانك أن تتجرع هذا الغيظ لتعيش حلاوة الإيمان.

4- إن هذه النفخات بمثابة الجوائز التي تجعل الإنسان يحن إليها دائمًا.

5- إن النفحة الإلهية بمثابة الضيف الإلهي الذي حلَّ عليك فأكرمه بعدم الانصراف السريع عنه، وبعدم التحول إلى ارتكاب الذنوب بعده. وتذكر أن المعاصي أعداءٌ للنفحات.

6- لا تبحث عن النفحة وراء النفحة، ولكن ابحث عن العمل وراء النفحة، حاول أن تحوّل النفحة إلى موقف، أو إلى حالة من التقوى.

7- كنت تقرأ القرآن الكريم أثناء القراءة جاءتك نفحة إلهية، استمر في قراءة القرآن، لعلك إذا حوَّلت القرآن إلى دعاء تفقد هذه النفحة، حتى إن البعض ينصح: ابقَ في المكان الذي أنت فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   

* شبكة السراج على الانترنت ـ http://www.alseraj.net، بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2355
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24