• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : العلاقة مع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه .

العلاقة مع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه

بقلم سماحة الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيّدنا محمّد وآله الطاهرين, ولاسيّما بقية الله في الأرضين، إمام العصر المهدي عجل الله فرجه، وسهّل مخرجه، وجعلنا من أنصاره والمجاهدين في سبيل الله تحت رايته.

لا شكّ أنّ من أهمّ العلاقات بعد العلاقة بالله سبحانه هي العلاقة بحججه على الأرض, فهي امتداد لعلاقة الإنسان بربّه، بل هي حلقة الوصل معه سبحانه.

ونحن العباد إذ نُدرك هذا الأمر ونؤمن به ونستشعره وجداناً، لكن عادةً ما ينقصنا تفعيل هذه العلاقة وترسيخها وجعلها منهجاً عمليّاً في الحياة، فالإيمان بهذه العلاقة يعوزه العمل بها، وهذا العمل يتطلّب ترك ما ينافيها أو ما يخلّ بها، ويحتاج كلّ من هذين ـ العمل والترك ـ إلى الاستدامة والمراقبة ليصبحا سلوكاً وملكةً عند صاحبهما.

ولهذه العلاقة مرتكزات ضروريّة لكي تترسّخ في أعماقنا، نستعرض شيئاً منها:

أولاً: النظر والتفكّر والتمعّن والتأمّل في قضيّة الإمام المهدي# وكيفيّة ربط العلاقة به, بالإضافة إلى التسلّح بالثقافة المهدويّة من خلال التعرّف على تفاصيلها عقيدةً وتاريخاً ومستقبلاً. كما يقتضي الأمر كذلك التعرّف على الشبهات التي تُطرح حولها وردودها, فقد كُتب في هذه القضية ما يزوّد القارىء والباحث بمادّة علميّة غنيّة تزيد من ثقافته المهدويّة.

ثانياً: الاستشعار بوجود الإمام شخصاً من خلال الشعور برعايته لأبناء الأمّة في كلّ خير نجده ونراه ونحسّ به في حياتنا. فقد ورد في الأخبار أنّ الإمام7 كتب مخاطباً الشيخ المفيد: >... إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء ـ أي الشدائد ـ واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا اللَّه جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله...< [الخرائج والجرائح 2: 403].

ثالثاً: الإقرار والتصديق بحالة عرض أعمال الموالين على صاحب الأمر والزمان# وأنّه يطّلع عليها، وسيدخل قلبه السرور عندما يجد عملاً صالحاً، وسننال بذلك رضاه وثواب إدخال السرور على قلبه، وسيحزنه ما لو رأى غير ذلك معاذ الله.

رابعاً: المواظبة على أدعية وأعمال مخصوصة تعود منافعها للموالين له، كتقوية العلاقة به# من جهة، والدعاء بتعجيل فرجه وظهوره ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً من جهة أخرى، كدعاء الندبة ودعاء العهد وزيارة ياسين ودعاء الفرج و... إلى غيرها من الأعمال التي ذكرتها الكتب المختصّة، فهي تجدّد العهد معه، والبيعة له.

خامساً: التركيز على فكرة أنّ مراجع التقليد همّ نوّاب الإمام7، والرجوع إليهم هو نوع من الرجوع إلى الإمام7؛ كونه هو الذي أمر بذلك بقوله: >... وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا بها إلى رواة حديثنا...<[كمال الدين 2: 483، الباب 45، ح 4].

سادساً: المشاركة القلبيّة في الأعياد والأفراح والمناسبات الإسلاميّة، وتخصيصه بالتهنئة في أفراح أهل البيت: في ذكرى أيّام ولاداتهم ـ مثلاً ـ ومبعث النبيّ9 وعيد الغدير، وكذلك مشاركته التعازي في المناسبات الحزينة كأيّام عاشوراء وشهادات الأئمّة:.

الإمام المهدي# مصحّح المسيرة البشريّة

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ} [آل عمران: ٣٣ـ ٣٤].

إنّ من المعارف الكبرى في تاريخ البشريّة هي قضيّة الإمام المهدي المنتظر#، والتي أصبحت هدياً للنفوس والعقول المؤمنة بثقافة القرآن القائمة على المضامين التالية: الاصطفاء، الاجتباء، الذريّة الصالحة، العصمة، الإمامة، الشفاعة.

فالمهدي هو من أئمّة أهل البيت:، وهو ممّن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى ومنحه مكانة الاجتباء والشفاعة والذريّة الصالحة المتبقيّة في عالمنا اليوم.

والتصحيح للمسيرة البشريّة مرهون بقيادة مختارة ومصطفاة، وأنّ الإمام المهدي7 هو الذي يمثّل هدف السماء في الآية المباركة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].

إنّ ما طرحه الله على الملائكة من سؤال حتى عجزوا عن الإجابة عنه كان جوابه عند آدم7، بما علّمه الله تعالى؛ لأنّه مؤهّل لحمل ذلك العلم، وبتوارث السلالة المطهّرة من نبي ووصي إلى نبيّنا وآل بيته يستقرّ ويتبلور هذا العلم في شخص خاتم الأوصياء الذي على يديه تُبنى دولة الإسلام العالميّة، وهو الإمام المهدي المنتظر#.

لذا أصبح وجود هذا الإنسان الخليفة لله في الأرض، والذي هو طريق للارتباط مع الله وشرعه والتقرّب إليه، من ضروريّات تهذيب النفس من خلال التواصل القلبي والأخلاقي لتقوية العلاقة مع الإمام#؛ فإنّ عدم التخلّق بالخلق الإسلامي القويم، وعدم التمسّك بالدين لهو جرح ندخله على قلب الإمام؛ ذلك لأنّ الإنسان يسير نحو غاية التكامل، ولا يمكن له أن يبلغ طريقها ما لم يكون هناك مرشِد من قِبل الله تعالى، وهو الذي ذكرته الآية {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.

ومعنى خليفة الله تجسيد ما يريده الله من الأخذ بيد العباد إلى الكمال والرقي الروحي والعقلي، لذا كان لابدّ من توفير كلّ المستلزمات الموصلة لتكامل المجتمع البشري وفق القوانين الإلهيّة والسنن الربّانيّة التي هي بمثابة العلل الفاعليّة لتحقق ذلك التكامل المنشود والغاية المرجوّة.

إنّ المشروع الإلهي في إرسال الرسل، وإنزال الكتب، والتعاليم الإلهيّة لم يقتصر على الغائيّة الفرديّة, وإنّما عمل على تحقيق وبناء الغائيّة النوعيّة بشكل متوازٍ تماماً؛ لإيجاد الترابط الصميمي بين الفرد والمجتمع من جهة، وبين العبد وخالقه من جهة أخرى؛ فإنّ التكامل والرفاه والتطوّر الاجتماعي للنوع البشري غاية أساسيّة من غايات السماء, وإحدى علل بعثة الأنبياء، كما يؤكّد ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. وكذا قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ:  28].

فمقتضى الرحمة للعالمين، والبشرى لهم بالنعيم، والإنذار لهم بالعذاب والجحيم، يقتضي كون غاية الرسالة الإلهيّة إصلاح المجتمع وإيصاله إلى مرحلة النضوج والتكامل في جميع المراحل والجهات.

ومن المعلوم أنّ الإمام المهدي7 سوف يحقّق غاية الرسالات الإلهيّة, وأهداف الأنبياء والأوصياء، فهو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً, وفي حكومته سوف يتكامل النوع الإنساني وتزدهر الحياة، وذلك حسب قوانين العدل الإلهي بإعطاء كلّ ذي حقّه، والاقتصاص من الظالمين الذين أشاعوا الجور والفساد، ونهبوا الحقوق وفعلوا ما فعلوا بالعباد.

إنّ خليفة الله هو رسالته إلى الناس ليهذّب نفوسهم ويطهّرهم من الأدران والموبقات والأرجاس والأنجاس، حتّى تصفو نفوسهم وتطهر قلوبهم، وتسمو أرواحهم، فيمتثلون أوامره، ويطبّقون تعاليمه، ويلتزمون بوصاياه، فلا يحصل منهم تجاوز ولا تعدٍّ، وبذلك تتحقّق سعادتهم.

ولا شكّ أنّ في ذلك تصحيح للمسيرة البشريّة من قِبل الإمام المهدي# لحركة الفكر البشري برفع الأغلاط ودفع الشبهات وسدّ النواقص، وتصحيح لحركة النفس الإنسانيّة في تقلباتها ومسيرتها الحياتيّة، وذلك بتطهيرها وتسديدها.

لهذا كلّه كان لا بدَّ من ترويض النفس على رضا الله والالتزام بطاعته وصولاً إلى الكمال المنشود؛ لأنَّ الثبات على المبدأ والعقيدة يشكّلان الهيكل الإيماني الصحيح للوصول إلى ساحة القرب من الله، والتمتّع في لطفه ورحمته، وحين قيام دولة العدل التي هي دولة الإمام المهدي# لا شكّ أنّ واحدة من إنجازاته للبشريّة من أجل إنقاذهم هي التأكيد على هذه التربية وتنميتها، وذلك لأجل صقل النفوس التي تحتاج إلى المعالجة، لتكون النفوس الإنسانيّة ـ في ظهوره المبارك ـ نفوساً لا سقم فيها، ويكون الإنسان بعيداً عن أنانيّته وغروره في مستوى تفكيره وعلاقاته بالآخرين، بل يكون صاحب رسالة هدفها الوصول إلى الفضيلة والكمال الإنساني المنشود.

إنّ البشريّة تحتاج إلى إنسان كامل يجسّد التعاليم الإلهيّة، وتتمثّل فيه الشرائع والأحكام السماويّة دون نقص أو زيادة، وأن يكون معصوماً عن الخطأ والعصيان وكلّ ما يعتور الإنسان العادي من انحراف، فالإمام وجود ضروري لازم لاستمرار معرفة الله وعبادته، فهو مستودع علم الله وسرّه، وهو كالمرآة تتجلّى فيه حقائق العالم فتنجذب البشريّة إلى نوره؛ كي يعيشوا على بصيرة من أمرهم، منعّمين بلذائذ الكمال.

فكلّ بني البشر ـ من مسلمين وغير المسلمين ـ ينتظرون شخصاً يمثّل هذه المواصفات، ويؤمنون بظهور المصلح والمنقذ والمخلّص الذي يُصلح شأن العالم بعد أن يعمّ فيه الظلم وينتشر الفساد، وذاك هو الإمام المهدي المنتظر المدعوم بقوّة غيبيّة إلهيّة تجعل النصر حليفه.

والحمد لله ربّ العالمين 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2350
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24