• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : القرآن والمعارف (*) .

القرآن والمعارف (*)

آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (ره)

صرّح‏ الكتاب‏ في‏ كثير من‏ آياته‏ الكريمة بأن محمداً (صلّى الله عليه وآله) أمّي، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بين ملأٍ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم وتربّى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أمّيته، فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الإسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعاً لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الأخير، وهذا من أعظم نواحي الإعجاز.

ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى، ولنفرض أن محمداً (صلّى الله عليه وآله) لم يكن أمّيّاً، ولنتصوره قد تلقّن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد (صلّى الله عليه وآله) بينهم، منهم وثنيون يعتقدون بالأوهام، ويؤمنون بالخرافات، وذلك ظاهر. ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب العهدين التي ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الأنبياء. وإذا فرضنا أن محمداً (صلّى الله عليه وآله) أخذ تعاليمه من أهل عصره، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ضلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي، وتنزيهه‏ لحقائق المعارف عن الموهومات الخرافية التي ملأت كتب العهدين وغيرها من مصادر التعلم في ذلك العصر.

وقد تعرض القرآن الكريم لصفات الله جل شأنه في آيات كثيرة، فوصفه بما يليق بشأنه من صفات الكمال، ونزّهه عن لوازم النقص والحدوث. وهذه نماذج منها:

﴿وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ *. بَدِيعُ السَّماواتِ‏ والْأَرْضِ وإِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏﴾ [البقرة: 116ـ117]؛ ﴿وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏﴾ [البقرة: 163]؛ ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ [البقرة: 255]؛ ﴿إِنَّ اللهَ لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ فِي الْأَرْضِ ولا فِي السَّماءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏﴾؛ [آل عمران: 5ـ6] ؛ ﴿ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ فَاعْبُدُوهُ وهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ‏ * لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ: [الأنعام: 102ـ103] ؛ ﴿قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏﴾ [يونس: 34] ؛ ﴿اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ [الرعد: 2] ؛ ﴿وهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ والْآخِرَةِ ولَهُ الْحُكْمُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏﴾ [القصص: 70]؛ ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏ * هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ‏ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ‏ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏﴾ [الحشر: 22ـ24]

هكذا يصف القرآن إله العالمين، ويأتي بالمعارف التي تتمشّى مع البرهان الصريح، ويسير مع العقل الصحيح، وهل يمكن لبشر أمي نشأ في محيط جاهل أن يأتي بمثل هذه المعارف العالية؟.

ويتعرض القرآن لذكر الأنبياء فيصفهم بكل جميل ينبغي أن يوصفوا به، وينسب إليهم كل مأثرة كريمة تلازم قداسة النبوة، ونزاهة السفارة الإلهية، وإليك نماذج منها:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ‏ [الأعراف: 157]؛ ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏[الجمعة: 2]؛ ﴿وإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ [القلم: 3ـ4]؛ ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفى‏ آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ‏ [آل عمران: 33]؛ ﴿وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ‏ [الزخرف: 26ـ27]؛ ﴿وكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ[الأنعام: 75]؛ ﴿ووَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا ونُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ومِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ وأَيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى‏ وهارُونَ وكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏ * وزَكَرِيَّا ويَحْيى‏ وعِيسى‏ وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ *وإِسْماعِيلَ والْيَسَعَ ويُونُسَ ولُوطاً وكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ‏ * ومِنْ آبائِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ وإِخْوانِهِمْ واجْتَبَيْناهُمْ وهَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام: 84ـ87]؛ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وسُلَيْمانَ عِلْماً وقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى‏ كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل: 15]؛ ﴿واذْكُرْ إِسْماعِيلَ والْيَسَعَ وذَا الْكِفْلِ وكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ [ص: 48]؛ ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ومِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وإِسْرائِيلَ ومِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وبُكِيًّا [مريم: 58].

هذه جملة من الآيات التي جاء بها الكتاب العزيز في تنزيه الأنبياء وتقديسهم، وإظهارهم على حقيقتهم من القداسة والنزاهة وجميل الذكر.

أما كتب العهدين فقد تعرضت أيضاً لذكر الأنبياء ووصفتهم، ولكن بماذا وصفتهم؟ بأي منزلة وضيعة أنزلت هؤلاء السفرة الأبرار، ولنذكر لذلك أمثلة:

1 ـ ذكرت التوراة في الإصحاحين الثاني والثالث من سفر التكوين. قصة آدم وحواء خروجهما من الجنة. وذكرت أن الله أجاز لآدم أن يأكل من جميع الأثمار إلا ثمرة شجرة معرفة الخير والشر. وقال له: «لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت» ثم خلق الله من آدم زوجته حواء وكانا عاريين في الجنة لأنهما لا يدركان الخير والشر، وجاءت الحية ودلتهما على الشجرة، وحرضتهما على الأكل من ثمرها وقالت: إنكما لا تموتان بل إن الله عالم أنكما يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتعرفان الخير والشر فلما أكلا منها انفتحت أعينهما، وعرفا أنهما عاريان. فصنعا لأنفسهما مئزراً فرآهما الرب وهو يتمشى في الجنة، فاختبأ آدم وحواء منه فنادى الله آدم أين أنت؟ فقال آدم:

سمعت صوتك فاختبأت لأني عريان. فقال الله: من أعلمك بأنك عريان، هل أكلت من الشجرة؟ ثم إن الله بعدما ظهر له أكل آدم من الشجرة. قال: هو ذا آدم صار كواحد منا عارف بالخير والشر، والآن يمدّ يده فيأكل من شجرة الحياة، ويعيش إلى الأبد، فأخرجه الله من الجنة، وجعل على شرقيّها ما يحرس طريق الشجرة. وذكر في العدد التاسع من الإصحاح الثاني عشر أن الحية القديمة هو المدعو إبليس، والشيطان الذي يضل العالم كله.

انظر كيف تنسب كتب الوحي الى قداسة الله أنه كذب على آدم، وخادعه في أمر الشجرة، ثم خاف من حياته، وخشي من معارضته إياه في استقلال مملكته فأخرجه من الجنة، وأن الله جسم يتمشى في الجنة، وأنه جاهل بمكان آدم حين اختفى عنه، وأن الشيطان المضل نصح لآدم، وأخرجه من ظلمة الجهل الى نور المعرفة، وأدراك الحسن والقبح.

2 ـ وفي الإصحاح الثاني عشر من التكوين: أن «إبراهيم» ادّعى أمام «فرعون» أن «سارة» أخته وكتم أنها زوجته، فأخذها فرعون لجمالها «وصنع الى إبراهيم خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال». وحين علم فرعون أن سارة كانت زوجة إبراهيم وليست أخته قال له: «لماذا لم تخبرني أنها امرأتك؟ لماذا قلت: هي اختي حتى أخذتها لي لتكون زوجتي». ثم ردّ فرعون سارة إلى إبراهيم.

ومغزى هذه القصة أن إبراهيم صار سبباً لأخذ فرعون سارة زوجة إبراهيم، زوجة له. وحاشا إبراهيم ـ وهو من أكرم أنبياء الله ـ أن يرتكب ما لا يرتكبه فرد عادي من الناس.

3 ـ وفي الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين: قصة «لوط» مع ابنتيه في الجبل، وأن الكبيرة قالت لأختها: «أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا. هلمي نسقي أبانا خمرا، ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة» واضطجعت معه الكبيرة. وفي الليلة الثانية سقتاه الخمر أيضا، ودخلت معه الصغيرة فحملتا منه، وولدت الكبيرة ابنا وسمته «موآب» وهو أب الموآبيين، وولدت الصغيرة ابنا فسمّته «بن عمي» وهو أبو بني عمون إلى اليوم.

هذا ما نسبته التوراة الرائجة إلى لوط نبي الله وإلى ابنتيه، وليحكّم الناظر فيها عقله، ثم ليقل ما يشاء.

4 ـ وفي الإصحاح السابع والعشرين من التكوين: أن «إسحق» أراد أن يعطي ابنه «عيسو» بركة النبوة فخادعه «يعقوب» وأوهمه أنه عيسو، وقدم له طعاما وخمرا فأكل شرب، وبهذه الحيلة والكذب المتكرر توسل إلى أن باركه الله. وقال له إسحاق:

«كن سيدا لاخوتك، ويسجد لك بنو أمك ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين» ولما جاء عيسو علم أن أخاه يعقوب قد انتهب بركة النبوة. فقال لأبيه:

«باركني أنا أيضا يا أبي. فقال: جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك». ثم قال عيسو: «أما أبقيت لي بركة»؟ فقال إسحق: «إني قد جعلته سيدا لك، ودفعت اليه جميع إخوته عبيدا، وعضدته بحنطة وخمر. فماذا أصنع إليك يا ابني؟ ورفع عيسو صوته وبكى».

أفهل يعقل انتهاب النبوة؟ وهل يعطي الله نبوته لمخادع كاذب، ويحرم منها أهلها؟ هل أن يعقوب بعمله هذا خادع الله أيضاً كما خادع إسحاق ولم يقدر الله بعد ذلك على إرجاعها إلى أهلها؟!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولعل سكرة الخمر دعت الى وضع هذه السخافة، والى نسبة شرب الخمر الى إسحق.

5 ـ وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من التكوين: أن «يهوذا» بن يعقوب زنى بزوجة ابنه «عير» المسماة «بثامار» وأنها حبلت منه وولدت له ولدين «فارص» و«زارح»، وقد ذكر إنجيل متى في الإصحاح الأول نسب يسوع المسيح تفصيلاً، وجعل المسيح وسليمان وأباه داود من نسل فارص «هذا الذي ولد من زنا يهوذا بكنّته‏ [كنّة: زوجة الابن] ثامار».

حاشا أنبياء الله أن يولدوا من الزنى، كيف وأن تنسب إليهم الولادة من الزنى بذات محرم!! ولكن واضع التوراة الرائجة لا يبالي بما يكتب وبما يقول!!.

6 ـ وفي الإصحاحين الحادي والثاني عشر من صموئيل الثاني: أن داود زنى بامرأة «أوريا» المجاهد المؤمن. وحملت من ذلك الزنى، فخشي داود الفضيحة، وأراد تمويه الأمر على أوريا، فطلبه وأمره أن يدخل بيته فأبى «أوريا» وقال: «سيدي ـ يوآب ـ وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي الى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي، وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر» فلما يئس داود من التمويه أقامه عنده اليوم، ودعاه فأكل عنده وشرب وأسكره وفي الصباح كتب داود الى يوآب: «اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت» وقد فعل يوآب ذلك فقتل أوريا، وأرسل الى داود يخبره بذلك، فضم داود امرأة أوريا الى بيته وصارت امرأة له بعد انتهاء مناحتها على بعلها. وفي الإصحاح الأول من إنجيل متى: أن سليمان بن داود ولد من تلك المرأة.

تأمل كيف تجرّأ هذا الوضّاع على الله؟ وكيف تصح نسبة هذا الفعل إلى من له أدنى غيرة وحمية فضلاً عن نبي من أنبياء الله؟ وكيف يجتمع هذا مع ما في إنجيل لوقا من أن المسيح يجلس على كرسي داود أبيه؟!!

7 ـ وفي الإصحاح الحادي عشر من الملوك الأول: أي سليمان كانت له سبعمائة زوجة من السيدات، وثلاثمائة من السراري، فأمالت النساء قلبه وراء آلهة اخرى «فذهب سليمان وراء عشتورث آلهة الصيدونيين، وملكوم، رجس العمونيين، وعمل سليمان الشر في عيني الرب ... فقال الرب: إني امزق المملكة عنك تمزيقا وأعطيها لعبدك». وفي الثالث والعشرين من الملوك الثاني: أن المرتفعات التي بناها سليمان لعشتورث رجاسة الصيدونيين ول «كموش» رجاسة الموآبيين وملكوم كراهة بني عمون نجسها الملك «يوشيا» وكسر التماثيل وقطع السواري، وكذلك فعل بجميع آثار الوثنيين.

هب أن النبي لا يلزم أن يكون معصوماً ـ والأدلة العقلية قائمة على عصمته ـ فهل يجوز له في حكم العقل أن يعبد الأصنام، وأن يبني لها المرتفعات ثم يدعو الناس الى التوحيد والى عبادة الله؟ كلا!!!

8 ـ وفي الإصحاح الأول من كتاب «هوشع»: أن «أول ما كلم الرب هوشع. قال الرب لهوشع: اذهب خذ لنفسك امرأة زنى، وأولاد زنى، لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب، فذهب وأخذ «جومر» بنت دبلايم فحبلت، وولد له ابنان وبنت». وفي الإصحاح الثالث: أن الرب قال له: «اذهب أيضا أحبب امرأة ـ حبيبة صاحب وزانية ـ كمحبة الرب لبني إسرائيل».

أهكذا يكون أمر الله، يأمر نبيه بالزنى وبمحبة امرأة زانية؟ تعالى عن ذلك علواً كبيراً. ولا عجب في أن الكاتب لا يدرك قبح ذلك. وإنما العجب من الأمم المثقفة ورجال العصر، ومهرة العلوم الناظرين في التوراة الرائجة، والمطلعين على ما اشتملت عليه من الخرافات، كيف تعتقد بأنها وحي إلهي وكتاب سماوي. نعم ان تقليد الآباء كالغريزة الثانوية، يصعب التنازل عنه إلى اتباع الحق والحقيقة. والله الهادي والموفق.

9 ـ وفي الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى، والثالث من مرقس والثامن من لوقا: أن المسيح فيما هو يكلم الجموع «إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجا طالبين أن يكلموه. فقال له واحد: هو ذا أمك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك.

فأجاب وقال للقائل له: من هم أمي ومن هم إخوتي، ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال:

ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي».

انظر إلى هذا الكلام وتأمّل ما فيه من سخافة. ينتهر المسيح امه القدّيسة البرّة ويحرمها رؤيته، ويعرّض بقداستها، ويفضّل تلاميذه عليها وهم الذين قال فيهم المسيح: «إنهم لا إيمان لهم» كما في الرابع من مرقس، وإنه ليس لهم من الإيمان مثل حبة خردل كما في السابع عشر من متى، وهم الذين طلب منهم المسيح أن يسهروا معه ليلة هجوم اليهود عليه فلم يفعلوا، ولما أمسكه اليهود في الظاهر تركه التلاميذ كلهم وهربوا، كما في الإصحاح السادس والعشرين من إنجيل متى، إلى ما سوى ذلك من الشنائع التي نسبتها إليهم الأناجيل.

10 ـ وفي الإصحاح الثاني من يوحنا: أن المسيح حضر مجلس عرس فنفد خمرهم، فعمل لهم ستة أجران من الخمر بطريق المعجزة. وفي الحادي عشر من متى، والسابع من لوقا: أن المسيح كان يشرب الخمر، بل كان شرّيب خمر «كثير الشرب لها».

حاشا قدس المسيح من هذا البهتان العظيم. فقد جاء في العاشر اللاويين أن الرب قال لهارون: «خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا، فرضا دهريا في أجيالكم، وللتمييز بين المقدس والمحلل، وبين النجس والطاهر». وفي الأول من لوقا في مدح يوحنا المعمدان: «لأنه يكون عظيما أمام الرب خمرا ومسكرا لا يشرب». إلى غير ذلك مما دلّ على حرمة شرب الخمر في العهدين.

هذه أمثلة يسيرة في كتب العهدين الرائجة من سخافات وخرافات، وأضاليل وأباطيل لا تلتئم مع البرهان، ولا تتمشى مع المنطق الصحيح، وضعناها أمام القارئ ليمعن النظر فيها، وليحكّم عقله ووجدانه. وهل يمكن أن يحكم أن محمداً (صلّى الله عليه وآله) قد اقتبس معارفه، وأخذ محتويات قرآنه العظيم من هذه السخافات وهو على ما هو عليه من سموّ المعارف، ورصانة التعليم؟ وهل يمكن أن تنسب هذه الكتب السخيفة إلى وحي السماء وهي التي لوّثت قداسة الأنبياء بما ذكرناه وبما لم نذكره‏؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) البيان فى تفسير القرآن، لآيه الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي، ص48  ـ 57، بتصرّف يسير.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2313
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24