• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : أربعين الحسين (عليه السلام) * .

أربعين الحسين (عليه السلام) *

علي الخفاجي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

كلٌّ منا يعرف أن السنة تتكوّن من أيام لها أسماؤها وأوصافها وأوقاتها لا تختلف عن بعضها البعض في تلك الميزات، ولكن تبرز منها أيام قد تميّزت عن غيرها بوقوع حدث فيها سواء كان هذا الحدث ذا ميزة حسنة فإنه يضفي عليها ما يحمله، فيكون لها وقع في نفوس الناس بالانجذاب إليها وتقديسها كما هو المتعارف بين الأمم، فإذا مات ـ مثلاً ـ رئيس دولة في يوم من الأيام فإنه يقدس ذلك اليوم وتجري فيه الطقوس والمراسيم وغيرها، أو تكون تلك الميزة سيئة فيكون قد أضفي عليها تلك الميزة السيئة ويكون لها وقع أيضاً في نفوس الناس بالابتعاد عنها وإبراز التنفر، وهذا ما تسمعه من تسمية بعض الأيام بأنه يوم نحس، فإذا حدث موت عزيز في يوم من الأيام فإن أصحاب ذلك الميت يطلقون على ذلك اليوم بالنحس.

فيوم الأربعين واحد من تلك الأيام الذي قد تميز على مر السنين والأيام بأنه يوم يقيم الناس فيه المآتم والمراسيم بذكرى من مات من أحبائهم وأعزائهم ويقومون بالعزاء وإطعام الطعام وإظهار الحزن المعبر عن الشوق وشدّة الفراق والحنين لذلك الميت، خصوصاً إذا كان لذلك الميت شخصية ومكانة متميزة في المجتمع من خلال اتصافه بالأخلاق الحميدة والمكانة العلمية المرموقة، فيكون الحزن والعزاء مقارناً وملائماً لمكانة وهيبة تلك الشخصية.

فكيف يكون يوم الأربعين إذا اقترن بشخصية عظيمة قد شق اسمها من اسم الله تبارك وتعالى وقال في حقها رسول الله (صلى الله عليه و آله): «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً»، وكما قال في حقه الأئمة (عليهم السلام).

فمثل هكذا أربعين بعد أن نال شرف حمل اسم الحسين (عليه السلام) حيث تحوّل من يوم يذكر الناس فيه أمواتهم إلى يوم له أثره ورونقه الخاص، فصار منبعاً للثواب الجزيل والخير الكثير والتقرب إلى الله تعالى فيه بالزيارة والأعمال المستحبة، وأن الأئمة (عليهم السلام) قد جعلوا هذا اليوم من علامات الإيمان، حيث قال أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام): «علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين»، ومن ناحية جعله عبرة للمؤمنين حيث ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): «إن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً»، وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يا زرارة إن السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة وإن الجبال تقطعت وانتثرت وإن البحار تفجرت وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين (عليه السلام) وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله وما زلنا في عبرة من بعده‏».

فيوم الأربعين هو يوم رجوع حرم الحسين (عليه السلام) من الشام إلى مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو اليوم الذي ورد فيه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري وكان أول من زار الحسين (عليه السلام) من الناس فكانت زيارة الحسين يوم الأربعين عادة الشيعة قد ورثوها أباً عن جد، فيذهبون إلى قبر الحسين (عليه السلام) مشياً تارةً وأخرى ركوباً، ليتزودوا منه المعنوية وغفران الذنوب وكشف الهموم واستجابة الدعاء، وذلك لأن الله عوض الحسين (عليه السلام) من قتله أربع خصال: جعل الشفاء في تربته وإجابة الدعاء تحت قبته والأئمة من ذريته وأن لا تعد أيام زائريه من أعمارهم. فهذه أصبحت سنة ‌عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأراد الطغاة أن يمحوا هذه السنة بشتى السبل بواسطة القتل وقطع الأيدي والأرجل وأخذ الأموال والذهب ثمناً لزيارة الحسين (عليه السلام)، وكذلك عمدوا إلى تشويش الأفكار وخلق البدع وتحريف الأحاديث التي جاءت في فضل هذه الزيارة.

وهكذا دأب الطغاة والظلمة إلى تحريف عقائد الناس بأهل البيت (عليهم السلام) وإطفاء نورهم ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هذا من جهة، ومن جهة أخرى بما أن الأئمة هم نفس واحدة طاهرة وهي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في الآية الشريفة ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾، حيث دلت الروايات من العامة والخاصة على أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحديث الشريف «أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد» فالآية والرواية تدلان على أن الأئمة هم نفس واحدة طاهرة، ومن هذا تكون زيارة الأربعين زيارة لجميع الأئمة (عليهم السلام) في شهادتهم لأنهم جميعاً قد قدموا أنفسهم لدين الله سبحانه وتعالى وضحوا لأجل إحياء معالمه وشعائره، كما أشار أبو محمد الحسن المجتبى (عليه السلام) بقوله: «لقد حدثني حبيبي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله- إن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته ما منا إلا مقتول أو مسموم‏‏»، فالواجب إقامة ‌المآتم في يوم الأربعين من شهادة كل واحد منهم (عليهم السلام)، فحديث الامام العسكري (عليه السلام) لم تكن فيه قرينة لفظية تشير إلى أن هذه الجملة (زيارة الأربعين) منصرفة فقط إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) إلا أن القرينة الحالية ألزمت العلماء الأعلام بصرف هذه الزيارة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك لأن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) قد ميزت بين دعوة الحق وبين دعوة الباطل، ولذا قيل: إن الإسلام بدؤه محمدي وبقاؤه حسيني، ولذلك يشير حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حسين مني وأنا من حسين» إلى تلك الحقيقة.

إذن، يوم الأربعين إنما كانت له تلك الذكرى والعظمة على مر التاريخ من تلك الشهادة للإمام الحسين (عليه السلام) خصوصاً، والأئمة (عليهم السلام) عموماً، وإنّما كان مصداقه الأمثل هو شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء وشهادة أهل بيته وأصحابه وسبي نسائه لكي تكون راية الحق عالية وراية الباطل في أسفل السافلين، ولكي تكون أحكام الله سبحانه وتعالى هي الحاكم على تصرفات المجتمع البشري بأجمعه.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2304
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 11 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29