• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : دروسٌ في علم التفسير - الدرس الأوّل .

دروسٌ في علم التفسير - الدرس الأوّل

سماحة الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

الدرس الأوّل

مقدّمة في أهمية التفسير

تعود أهمية معرفة التفسير وشرف التفسير إلى ضرورة كون القرآن الكريم ربيع القلوب، وشفاء الأسقام، وينبوع العلوم، وكاشف الظلمات، وكتاب هداية وحياة ومعرفة. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «القرآن هدى من الضلال وتبيان من العمى واستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الأحداث وعصمة من الهلكة ورشد من الغواية وبيان من الفتن وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار» [الكافي، ج‏2، ص601]. بل شرف علم التفسير للقرآن لا يخفى على كل ذي بصيرة ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 269] قيل: يؤت الحكمة من يشاء المقصود المعرفة بالقرآن؛ ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدّمه ومؤخّره وحلاله وحرامه وأمثاله وعبره،

ومن خلال هذه المعاني يجب معرفة هذا الكتاب والفحص في جوانبه لخوض أعماقه وما في داخله والأخذ برشده. من خلال هذه العظمة وهذه الخطورة، فإن لمعرفة التفاسير والمفسرين مكانة خاصة، لابتناء بعض التفسير على معرفة التفاسير والاستفادة من تجارب الماضين والالتفات إلى مختلف أطوار الكتب ومراحلها وما انتهجه المفسرون فيها. عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: «إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم» الحديث الذي جاء في المستدرك للحاكم على الصحيحين [ج2، ص 257، دار المعرفة، بيروت]. هنا عبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن القرآن بأنه مأدبة، فما هو المراد من المأدبة لغةً؟ هنا أجمعت كلمة اللغويين على أن المراد من المأدبة: المائدة التي فيها جميع أنواع الأغذية، لا أنه السفرة التي لا يوجد فيها شيء وأنت تأتي بطعامك من خارج وتضعه عليها، المأدبة هي الثرية بكل أنواع الأطعمة التي يوجد فيها، نعم أنت عليك فقط أن تجلس وتنتفع بما هو موجود، لا أن تأتي بشيء من الخارج وتضعه فيها فانتبه.

إننا وفي مسيرة التفسير وتطوّره نشاهد تطوّرات فكرية وثقافية هامة تبيّن لنا الظروف الفكرية والثقافية المحيط بها في زمن التفسير والمفسرين وموقفهم من الواقعيات والمشكلات، فعلى سبيل المثال: يجب أن نعلم سرّ غلبة الأفكار الكلامية في التفسير في عصرٍ ما، والذي يعتمد هذا القسم على إخضاع الآيات للعقائد التي اعتنقها المفسِّر في مدرسته الكلامية، ونجد هذا اللون من التفسير بالعقل غالباً في تفاسير أصحاب المقالات: المعتزلة والأشاعرة والخوارج، خصوصاً الباطنية، فإن لهؤلاء عقائد خاصة في مجالات مختلفة، زعموها حقائق راهنة على ضوء الاستدلال، وفي مجال التفسير حملوا الآيات على معتقدهم، وإن كان ظاهر الآية يأباه ولا يتحمله، غير أن هذا النمط من التفسير بالرأي والعقل، يختلف حسب بعد المعتقد عن مدلول الآية؛ فربما يكون التأويل بعيداً عن الآية، ولكن تتحملها الآية بتصرّف يسير، وربما يكون الأصل الكلامي بعيداً عن الآية غاية البُعد بحيث لا تتحمله الآية حتى بالتصرّف الكثير فضلاً عن اليسير. ومن التفاسير لهذا المذهب (متشابه القرآن) للقاضي عبد الجبّار الهمداني (ت: 415هـ)، وهو شافعيٌّ في المذهب الفقهي، ومعتزليٌّ في الكلام.

أو غلبة الأبحاث الأدبية والتي تحدّثت عن بلاغة علوم القرآن وإعجازه وأوضحت معانيه ومراميه وأظهرت ما فيه من سنن الكون الأعظم. ووقفت بين القرآن وما أثبته العلم من نظريات صحيحة وجلت للناس أن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي يستطيع أن يساير التطور الزمنيّ والبشريّ.

ودفعت ما ورد من شُبهٍ على القرآن وفنّدت ما أثير حوله من شكوك وأوهام، كل هذا بأسلوب شيّقٍ جذّابٍ يستهوي القارئ ويستولي على قلبه ويحبِّب إليه النّظر في كتاب الله ويرغِّبه في الوقوف عند معانيه وأسراره، ولم تشوّه التفسير بالإسرائيليّات والرّوايات الخرافيّة المكذوبة, ولم تتطرّق إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة. أو المنهج العقلي والاجتهادي. وكذلك ملاحظة تباطؤ النشاط العلمي في عصر الحضارة الإسلامية وغلبة تحشية كتب الماضين ثم رواج التأويلات والتفسيرات العرفانية في وقت آخر.

عرّف بعض الباحثين (دروس في المناهج والاتجاهات التفسيريّة، لمحمّد علي الرضائي، تعريب قاسم البيضاني، ص 18ـ 19، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، 1426 هـ) المنهجَ والاتجاهَ بما يلي:

المنهج: هو الاستفادة من الوسائل والمصادر الخاصّة في تفسير القرآن والتي يمكن من خلالها تبيين معنى ومقصود الآية والحصول على نتائج مشخَّصة.

وبعبارة أخرى: إنّ كيفية كشف واستخراج معاني ومقاصد آيات القرآن الكريم هو ما يطلق عليه (منهج التفسير)، أي: إيضاحها.

والاتجاه: هو تأثير الاعتقادات الدِّينية، الكلاميّة، والاتجاهات العصريّة وأساليب كتابة التفسير، والتي تتكوّن على أساس عقائد واحتياجات وذوق وتخصُّص المفسِّر. أي: التي تحدّ وتبيّن الطريق الذي يلتزمه المفسر في تفسير القرآن الكريم. وربما يُقال: إن أصول التفسير والاتجاه هو بمثابة علم النحو لعلم النطق العربي والكتابة العربية؛ فكما أن علم النحو يضبط القلم واللسان ويمنعهما من الخطأ في آخر الكلام، فكذلك أصول التفسير والاتجاهات، هي بمثابة ميزان للمفسِّر يضبطه ويمنعه من الخطأ في التفسير، فمن خلاله يميّز التفسير الفاسد من الصحيح.

سؤال وإجابة:

أما السؤال: فربما يُتصوّر أن حاجة القرآن إلى التفسير ينافي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾، بل ربما يمكن القول إنه لا حاجة لكلام المفسرين في فهم القرآن الكريم والتعرّف على المناهج التفسرية، فإنه ينافي قوله سبحانه في الآية السابقة. ونظيره قوله سبحانه في موارد مختلفة: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾، فإن توصيف القرآن باليسر وكونه بلسان عربي مبين، يهدفان إلى غناه عن أيّ إيضاح وتبيين. ويكفي فيه الاطلاع على الأدب العربي واللغة، يكتفي بنفسه بأن يكون الإنسان المطّلع على دراسة القرآن سوف يكون في غنى عن تلك الأقاويل المملّة.

الإجابة: إن توصيفه باليُسر، أو بأنه نزل بلغةٍ عربيةٍ واضحةٍ يهدفان إلى أمر آخر، وهو أن القرآن ليس ككلمات الكهنة المركّبة من الأسجاع والكلمات الغريبة، ولا من قبيل الأحاجي والألغاز، وإنما هو كتاب سهل واضح؛ من أراد فهمه، فالطريق مفتوح أمامه. وهذا نظير ما إذا أراد رجل وصف كتاب ألّف في علم الرياضيات، أو في الفيزياء أو الكيمياء؛ يقول: ألّف الكتاب بلغة واضحة، وتعابير سهلة، فلا يهدف قوله هذا إلى استغناء الطالب عن المعلم ليوضح له المطالب ويفسِّر له القواعد. ولأجل ذلك قام المسلمون بعد عهد الرسالة بتدوين ما أثر عن النبي أو الصحابة والتابعين أو أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في مجال كشف المراد وتبيين الآيات، ولم تكن الآيات المتقدّمة رادعة لهم عن القيام بهذا الجهد الكبير. نعم، إن المفسرين في الأجيال المتلاحقة ارتووا من ذلك المنهل العذب (القرآن) ولكل طائفة منهم شرعة ومنهاج في الاستفادة من القرآن والاستضاءة بأنواره، فالمنهل واحدٌ والمنهاج مختلفٌ:﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48].

ثانياً: إننا نعلم أن المدلولات الظاهرية والعلائم اللغوية ليست تمام حقيقة القرآن فيتوصل إليها بالتدبّر البسيط والعلائم اللغوية، فإن للقرآن بطوناً أيضاً وله حقائق متعدّدة معقّدة لا يستطيع طلب غوره إلا مَن نظر إلى التجارب التفسرية المتنوّعة في أبعادها المختلفة، ونهل من علوم المتقدّمين المستفاضة، ولذا قال الإمام علي (عليه السلام) : «إن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تَفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به» [نهج البلاغة، الخطبة 18].

التفسير في اللغة هو الكشف والإظهار، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: 33]؛ أي: بياناً وتفصيلاً، فالتفسير لغةً: يستعمل في الكشف الحسي وفي الكشف عن المعاني المنقولة والمعقولة.

وفي الاصطلاح: توضيح معنى الآية وشأنها وقصّتها والسبب الذي نزلت فيه، بلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة.

وهنا نقول: لا فرق بين الأخذ بكلٍّ من المعاني المذكورة في التفسير، فإن مجموعها دالٌّ على معنى الكشف والإبانة والإظهار، وهو المعنى الأصلي والمشترك لمصطلح التفسير، وهناك من يشترط قيداً إضافياً وهو (الإبانة والإظهار بقصد بيان مقاصد القرآن).

ملاحظة: إن مصطلح أهل التفسير، وإن كان غير محدود ومقيَّد، إلا أنه ما زال في حوزة الإدارك والفهم البشري على أساس قدرات الإنسان الفكرية، لذلك فإن البعض قد ضمّن في تعريف التفسير ما يشير إلى اعتبار حدود طاقات الإنسان وقدراته الفكرية، وقالوا: بقدر الطاقة البشرية وليس كل ما ينطوي تحت القرآن [الزرقاني، عبد العظيم، مناهل أهل العرفان ج٢ص٥]. وبناءً عليه، فلا يُعدّ ـ حقيقة ـ تفسيراً.

لذلك نرى السيّد الإمام الخميني يؤكّد في تعريفه للتفسير "أن العلماء الكبار على مر التاريخ كانوا فسروا القرآن وكشفوا عن معانيه على حسب اختصاصهم في فنٍّ من الفنون وإن لم نسلم أن عملهم لم يكن يعتريه النقصان" [تفسير الحمد، ص٩٥-٩٣]، مع ملاحظة أن بعضهم لا يجد إظهار المعاني الظاهرية للقرآن الكريم من التفسير، بل الكشف عن بطون القرآن وعن لطائفه وإزاحة الأستر ومعرفة المقاصد على قدر معرفة الإنسان وعلى قدر استجوابه.

وعلى ذلك، لا يمكن عدّ كل ما يقع في دائرة التفكّر والتدبّر في آيات القرآن الكريم في عداد التفسير، فالاستنباطات الأخلاقية والعرفانية لا ترتبط بالتفسير أصلاً حتى يُقال عنها أنها من التفسير بالرأي. ومثال ذلك: إن من يستنج من الحوار الدائر بين موسى والخضر (عليهما السلام) أهمية التعلّم وأدب سلوك المتعلم أمام المعلم، فإن هذا لا يُعدّ من التفسير لأنه لا يكشف عن مقاصد القرآن حتى يُعدّ تفسيراً.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2287
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24