• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : موقع الصدق وآثاره التربوية والاجتماعية .

موقع الصدق وآثاره التربوية والاجتماعية

 سماحة السيّد إبراهيم الشخص

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة119]

ما هو الصدق؟

الصدق ـ كما نعلم ـ هو أمر فطريّ يميل إليه الإنسان، وهو أمر حسن، والإنسان تلقائياً يعرف أن الصدق حسن، ويحب أن يكون صادقاً ولا يرغب أحد أن يتصف بالكذب. المعروف والمتداول بين الناس في الوهلة الأولى أن الصدق هو في الإخبار عن الأشياء، أي: حينما يخبر إنسان عن شيء ما وكان هذا الشيء واقعاً، يكون صادقاً. لكن ـ بلا شك ـ إن مسألة الصدق هي أمر أكثر من مجرّد الإخبار عن شيء ما فيكون صادقاً فيه، بل معنى الصدق أوسع من هذا، فمثلا حينما يريد أن يقوم أحدنا بعمل فإن لمس الناس منه سعياً أكيداً في هذا العمل، سيقولون عنه ـ حينئذٍ ـ إنه صادق ومخلص في عمله، فيسمّونه صادقاً، فهذا المعنى أيضاً غير غائب عن ذهن العرف. إذاً، الصدق ليس متعلقا بالإخبار فقط، بل يشمل أيضاً العمل، ويشمل كذلك صدق الإنسان مع نفسه في نياته.

الصادقون حقاً هم النبي ص وأهل بيته:

تقول الآية‌ الكريمة: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، ربما نعلم أن المقصود من (الصادقين) هنا في هذه الآية المباركة هم المعصومون (عليهم السلام) محمد وآل محمد، وذلك للروايات الشريفة التي نصّت على أن المقصود هم المعصومون (عليهم السلام)؛ ولأن الآية تقول: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، يعني: اتّبعوهم، والاتباع الكامل ـ بلا شك ـ إنما هو للمعصوم (عليه السلام)، بخلاف ما لو قالت: وكونوا من الصادقين.

الصدق والوفاء بعهد الله:

هناك آيات أخرى كثيرة تتكلّم عن الصدق؛ منها مثلاً: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177] حيث أعطت الآية الكريمة عدّة‌ صفات، وذكرت الصدق مع صفات أخرى تعدّ من أرقى الصفات؛ بل إن الصدق نفسه يتضمّن صفات كثيرة، فإذا كان الإنسان صادقاً فيما يعتقد وفيما يعمل فهو ـ بلا شك ـ سيكون في أرقى المراتب، فالصدق جاء هنا مع عدّة صفات منها الوفاء بالعهد ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾. وبلا شك، إن أهم عهد وأعظمه هو عهد الإنسان مع ربّه، أي: إن الإنسان حينما يعتنق الإسلام ويعتبره ديناً، فهو يعاهد الله أن يلتزم بما في هذا الدين، وهذا هو أبرز عهد وأخطر عهد عليه أن يلتزم به، وهو يشمل جميع العهود، فكلمّا عاهد الإنسان أحداً في حياته فعليه الوفاء به، لكن الوفاء بعهد الله هو أعظم الوفاء ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾. فالوفاء بعهد الله يتضمن أيضاً هذا الأمر، يعني: لا يمكن أن يفي بعهد الله إلا بصبر وحزم؛ لأن عهد الله عهد الحياة كلّها، فيحتاج الإنسان إلى الصبر وإلى الإرادة القوية لكي يفي بهذا العهد العظيم.

قوله تعالى: ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ له تفسير وله تفاصيل، لكن ـ بالنتيجة ـ الطريق إلى الوفاء بعهد الله ليس طريقاً بسيطاً وسهلاً، بل يتضمّن الكثير من المصاعب والمشاكل ويحتاج إلى صبر.

ثم يقول: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ ها هم الذين صدقوا؛ صدقوا بأنهم آمنوا وصدَّقوا إيمانهم بالعمل،‌ لأن الإنسان ـ في الواقع ـ له عقيدة وله عمل، وهذا ما يمثل حياة كلها الإنسان، وفي الضمن الكلام فهو قد يخبر الآخرين بما يؤمن به وبما يعمل ويتكلم عن أفكاره ومعتقداته، لكن الكلام يحكي عن ذلك، والأصل هو الاعتقاد والعمل، فإذا صدق في عقيدته وصدق بعمله فهذا هو الصادق، ومن يعمل وفق عقيدته فهو الصادق؛ صادق مع ربه ومع نفسه.

المحاسبة والصدق:

والصدق مع النفس يتطلّب من الإنسان أن يُراجع نفسه دائماً، والانسان ـ بفطرته ـ يعرف الخير والشرّ، ويعرف ما هو يتناسب مع الطاعة لله، ويعرف ما يتنافى مع الطاعة لله عز وجل ومع ما يعتبر عصياناً لله، حتى إن في رواية عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنّ رجلاً سأله عن الغناء فقال له الإمام: يا فلان إذا ميَّز الله بين الحق والباطل فأنَّى يكون الغناء فقال: مع الباطل فقال: قد حكَمْتَ. [الكافي، ج6، ص435] يعني: أنت تعرف. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: 7]. إذاً، الإيمان والتقوى والعمل الصالح هو محبَّب عند الإنسان، لكن هذا يحدث إذا ما كان الإنسان صادقاً مع نفسه ولا يخدع نفسه، يؤمن بشيء ويعمل بشيء ويبرّر لنفسه. وإذا ما كان الإنسان صادقاً مع نفسه، حينها سيعرف أين أخطأ وأين أصاب، وإذا قصّر في عمل أو في حق أحد، حينها، سيسعى لرفع هذا التقصير.

من آثار الصدق:

السيّدة الزهراء (سلام الله عليها) والأئمّة المعصومون (عليهم السلام) بلا شك إنهم المصداق الأبرز والأوضح للصادقين، ولذلك نؤمر باتباعهم، فهم الأحق بالاتباع وصدقهم له أثر على من يتبعهم ومن يقرأ سيرتهم ويستفيد منها.

ويظهر أثر الصدق على الإنسان الصادق، إذا أخلص الصدق في نفسه وكان صادقاً مع نفسه ومع غيره، سيظهر أثر الصدق على نفسه بل حتى على الآخرين، ويكون أكثر ثقة بنفسه وأكثر معرفة بالحق والباطل، ويرى أبواب الهداية تتفتح له، فمَن كان صادقاً فإن الله يهديه أكثر فأكثر، وسيكون الآخرون كذلك أكثر ثقة به، فيطمئنون له ويتأثرون بكلمته، فإذا قال كلمة عن صدق حتى إذا كانت كلمة عادية، فإنها تقع في قلب الطرف المقابل وتؤثّر فيه.

أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً هم كذلك بسبب صدقهم، القلوب تهفو وتتأثّر بهم وبصدقهم، فإذا ما قدّموا شيئاً أو عملوا شيئاً فسيكون خالداً، والسيّدة الزهراء (سلام الله عليها) بقت كلمتها إلى اليوم خالدة، والمناداة بظلامتها وكلمة الحق التي قالتها نجد آثارها إلى اليوم في إثبات الحق وفي إبطال الباطل، فقد ظُلمت وضحَّت، وصدقها في تضحيتها هو الذي يبقي كلمتها، أُخفي قبرها (سلام الله عليها) وإخفاء قبرها كان أيضاً أحد أسباب خلود ذكرها ووضوح مصيبتها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبّتنا على الحق، وأن يجعلنا من الصادقين مع أنفسنا ومع غيرنا، ومع الصادقين من آل محمد صلى الله عليه وآله.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2232
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28