• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : دور المنبر الحسيني في نشر الثقافة القرآنية (*) .

دور المنبر الحسيني في نشر الثقافة القرآنية (*)

 بقلم: سماحة الشيخ جاسم محمد

لا ريب أن نشر الثقافة القرآنية من الأهداف الأساسية للمنبر الحسيني  الذي يؤسس لمواجهة ثقافة هجران القرآن الكريم والتي لها أشكال خطيرة متعددة، لأن الإمام الحسين (عليه السلام) يحتج كجده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على المجتمع قائـلاً: ﴿رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَــذُوا هَــذَا الْقُــرْءَانَ مَهْجُـوراً﴾ [الفرقان / 30]. وإذا كانت الثورة القرآنية رسالة نهوض لفكر وتطلعات الإنسان وتأصيلاً لوعي القضية الإسلامية وأخلاقياتها، وهي كذلك فعلاً، فالمنبر الحسيني كحركة امتداد لخطى الإمام الحسين(عليه السلام) باعتباره عدل القرآن وقرينه ليشكل منبره دوراً فعالاً في نشر الثقافة القرآنية النقية والأصيلة التي تسد فراغاً في المجتمع وتصنع الوعي الإسلامي بتحقيق أهم أهداف المنبر الحسيني في الجوانب القرآنية التي منها:

1- الارتباط الروحي والنفسي والعاطفي بمصادر التشريع الإسلامي: الكتاب العزيز والسنة الثابتة.

2- التأكيد على المرجعية العلمية لأهل البيت(عليهم السلام) وموقعهم في القرآن كدور تفسيري وتطبيقي وتأويلي وأنهم عدل الكتاب العزيز بمعنى المرجعية العلمية الشاملة، فدور المنبر الحسيني في تكوين ونشر ثقافة الإنسان المؤمن الذي يلتزم مرجعية القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) - ثقافة الأمل - تنمية روح التقوى- استماع القول واتباع الأحسن- مواجهة الظواهر الطاغوتية وممارساتها الظالمة.

3- المحافظة على أسس الرسالة الخاتمة كدور عملي في الحياة الإنسانية؛ لأن خط المرجعية والقيادة الإسلامية امتداد للأصل، والدور امتدادي بين المرجعية والحركة المنبرية؛ لأن المرجعية تقوم باستنباط المفاهيم والمناهج التطبيقية، والمنبر يتلقى المفاهيم النظرية والتطبيقية ويتفنن في تبسيطها وتيسير فهمها ومحاولة تجزئ المعارف وتفريع الأصول.

4- تقديم الرؤية الإسلامية في المجلس الحسيني لتقوية مهارات التمييز بين الصحيح والخطأ كمعايير وموازين، فمثلاً من خلال عملية المقارنة بين التصور الأرضي والرؤية الصحيحة لقضية الحكم الإسلامي في التصور القرآني السماوي يساعد المجتمع الإسلامي على وعي ما وراء الأحداث في قضايا الظلم والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

5- توعية الأمة بالوحدة القرآنية الأصيلة، بخلاف التوهيمات التي جعلت مثل الإمام الحسين أنه شق عصا المسلمين ووحدتهم وأنه خرج عن حده فليقتل بسيف جده!

6- تأصيل العلاقات الإنسانية ضمن إطار صحيح وفق الأهداف والأخلاق القرآنية كما في تأسيس العلاقة بين الإنسان وربه وتأسيس علاقته بأخيه الإنسان وعلاقاته بالطبيعة والمحيط من حوله.

7- الإسهام في عمليات التربية والتضحية والفداء والصبر كمفاهيم قرآنية وكحركة تطبيقية في صقع الواقع.

وجدير بالدور المفترض في عمليات النشر القرآني:

- تحقيق آفاق العودة إلى القرآن الكريم ومحاولات الايحاء إلى شباب وناشئة المجتمع الإسلامي أنهم في مستوى من مستويات القدرة على التدبر في القرآن، والبدايات التأسيسية لقراءة القرآن لها ضرورة  شرعية وحضارية حسب نـص الآية الكريمة: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرءَانِ﴾ [المزمل / 20]. والآيــة: ﴿أَفَـلاَ يَتَدَبَّــرُونَ الْقُـــرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَـــا﴾ [محمد / 24]. وهكذا يأتي فن الاستماع والإنصات الخاص للتوصيات القرآنية الكريمة كمهمة عبادية تدريبية أشارت إليها الآيات القرآنية من الأهمية الفائقة وفقاً لمدلول الآية التي تقول: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف / 204].

- تجسيد الأسوة والقدوة وفقاً لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب / 21] لتمتد حركة النشر الحسيني لجوانب التجسيد العملي للتصور القرآني وهو الآخر من الأمور الداخلة في مكونات الدور الحسيني الأساس بما يمثله من ثقل متميز وقدوة حضارية في التغيير الاجتماعي التاريخي خصوصاً وأن القيم التي تتجسد حسينياً من خلال المنبر الحسيني كحركة وعي ونهوض غير قابلة للحياد بين الحق والباطل؛ فهي متحيزة ومنشدة نحو العدل ومتجسدة بالعدالة كقدوة متحركة.

- توسيع تأثير المبدئية للحق والعدل، لأن الهدف من نزول القرآن الكريم وهدف الرسالة الحسينية هو تثبيت القلوب على العدل والحق: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان / 32]، ﴿وَقُرْءَانــاً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيــلاً﴾ [الاسراء / 106].

- بيان القيم وتبليغ القواعد والأسس التربوية والثقافية والاقتصادية كالوفاء بالعقود وبيان القواعد السياسية كالشورى وموقعية الولاية في الحكم وطبيعة دورها المصيري في حياة المجتمع الإسلامي.

وعمليات تكريم الإنسان مع القيم؛ لأنه لا كرامة للإنسان بدون احترام القيم والمثل العليا وتأكيد معيارية ومبدئية الحركة الحسينية القرآنية: ﴿وَمَــا خَلَقْنَــا السَّمَــاوَاتِ وَالاَرْضَ وَمَـا بَيْنَهُمَــا إِلاَّ بِالْحَــقِّ﴾ [الحجر / 85]،  وقال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَآءً غَدَقاً﴾ [الجن/16]، ﴿وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْــهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق / 2-3].

- إيجاد وخلق ظاهرة اجتناب الطاغوت: ﴿وَالَّذِيـنَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُـــوا إِلَى اللـه لَهُـمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُــونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر / 17-18].

فدور المنبر الحسيني في إيجاد وخلق ظاهرة اجتناب الطاغوت: ﴿وَالَّذِيـنَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُـــوا إِلَى اللـه لَهُـمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُــونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر / 17-18].

- ترويج الثقافة التاريخية القرآنية ذات الأبعاد النفسية المتميزة والقيم الحضارية والمضامين التي ترتبط بالقضية الحسينية التي تمثل مقاومة إلى الحالات النفسية الضعيفة المستسلمة للظاهرة الطاغوتية ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الاَرْضِ﴾ [النور / 57] وعدم العناية بما يقوله المنافقون للمجتمعات: ﴿وَإِن يَقُولُوا تَسْمَــعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون / 4].

-التحفيز المعنوي والعلمي والتفنن في أساليب الترغيب. فمثلاً: المرحوم الدكتور الشيخ الوائلي كمدرسة منبرية حسينية رعت الوعي القرآني ونشرته في الآفاق عبر التدريس والتثقيف والبدء بالافتتاح بالآيات القرآنية الكريمة محور الحديث المنبري التفسيري. وهناك اتجاهات أخرى تذكر الأحكام الفقهية والاستدلال بالقرآن الكريم وإن لم تكن البداية قرآنية، لكنها تخدم المضمون نوعاً ما. كما وتوجد مجالس حسينية من طبيعتاها الاستشهاد بالأمثال والقصص القرآني فتكون الفرص الكثيرة للإسهام في نشر وتأصيل الثقافة القرآنية. كما ويظهر اهتمام القرآن الكريم في بيان الأساس العلمي واعتماده كمرتكز: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللـه بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ...﴾ [الحج / 3]، ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ الْسَّمْعَ وَالْبَصَرَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء / 36].

- النشر الاقتصادي والتشجيع على الإنفاق لتأسيس المشاريع القرآنية وتمهيد انطلاقة التكفل الاجتماعي والاقتصادي. فالمنبر الحسيني وإن كانت رسالته تربوية خالصة، لكن من الجوانب التربوية "الاقتصاد" في ترشيد حركة المال وتوجيهها نحو اتجاه يخدم الفعاليات القرآنية. وقد يكون الدور في مواجهة التفسير المحرف للقرآن الكريم فكرياً وسلوكياً. فمثلاً: محاولات تحريف فهم الآية القرآنية التي تقول: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِاَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة / 195]، والذي يظهر تفسير هــذه الآية قوله - تعالى - في صدرها: ﴿وَأَنْفِقُوْا فِي سَبِيلِ اللـه ...﴾ [البقرة / 195].

- النشر الإنساني والتوجيه وتعميق الاهتمام الاجتماعي بالوعي القرآني وظواهره: لأن المنبر الحسيني هو للإنسان لتعهده وحمايته وتحصينه وتذكيره بأيام الله ومن تجسيد سائر المعاني والقيم الإنسانية. حول الإنسان: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَــى * وَأَنَّ سَعْيَــهُ سَوْفَ يُــرَى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ [النجم / 39-41].

- الإسهام بتأصيل الدور المؤسساتي ودعمه معنوياً من خلال العطاء المنبري الحسيني لتنمية المظاهر القرآنية والإسهام في إعداد الكوادر والمؤسسات  القرآنية. فالمنبر الحسيني وخطيبه المتميز له دوره كما عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: ألا أخبركم بالفقيه حقاً؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: من لم يقنّط من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله .. ليكون الخطاب الإسلامي الأصيل يهتم بالحكمة والقول الحسن والتقريب بين المسلمين وتفعيل الحوار الواعي وتوفير متطلباته بما فيها التحذر مما يثير الغير. وهناك دور التكامل بين التخصصات والثقافات ودور تحصين المجتمع من الأخطار ودور نصرة المرجعية الدينية الرشيدة والمؤسسات في خطها والتأكيد على الوحدة الإيمانية وفتح مجالات التعاون كقوله تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْـمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ [المجادلة / 9]، وقوله تعالى: ﴿ِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء/92]. فأمرنا أن نتوجه إلى القبلة أينما كنّا، فالعقيدة القرآنية ليست أساس الأرض ولا على أساس القوميـة واللغة والمصالح، بل تقوم على أساس توحيد الله ﴿إِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء / 92].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) موقع جمعية الذكر الحكيم لعلوم القرآن، بتصرّف يسير. 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2222
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24