• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : مراحل وأقسام التحدي في القرآن الكريم .

مراحل وأقسام التحدي في القرآن الكريم

 علي أكبر مؤمني

ترجمة الأستاذ: عباس الجعفري / القسم الثقافي

مفهوم التحدي في القرآن

التحدي ـ لغةً ـ من حاديت فلاناً إذا باريته ونازعته في فعله لتغلبه، [مجمع البحرين، ج 1، ص 97] وفي الاصطلاح هو حقيقة تاريخية قرآنية، عبارة عن أمر الله تعالى لمخالفي وحي القرآن وصدق نبوة النبي (ص) بأن يأتوا بنظير للقرآن إن كان حسب ادعائهم وزعمهم مجعولاً.

آيات التحدي في القرآن

وردت آيات التحدي في القرآن على نحوين:

أ. التحدي العام.

ب. التحدي الخاص.

أما الآيات التي طرحت التحدي بشكل عام وإجمالي فهي بحسب ترتيب النزول:

1. ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلي أَنْ يأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [سورة الاسراء: 88]

2. ﴿أَمْ يقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَهٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سورة يونس: 38]

3. ﴿أَمْ يقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سورة هود: 13]

4. ﴿أَمْ يقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يؤْمِنُونَ فَلْيأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [سورة طور: 33ـ34]

5. ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلي عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَهٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَهُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [البقرة: 23ـ24]

فتارةً تتحدّى الآيات القرآنية الناس بالإتيان بمثل هذا القرآن، وتارةً تتحدّاهم بالإتيان بعشر سور مثله، وتارةً بسورة واحدة من مثله. وهذا النوع من التحدّي يثير هذا التساؤل: ما هو السر من وراء هذه الدعوات المختلفة؟

الجواب المعتاد عن هذا السؤال هو أن القرآن الكريم يثبت إعجازه بأسلوب التحدي من الأشد إلى الأضعف؛ فيطلب منهم أوّلاً أن يأتوا بمثل القرآن. وبعدما يتبيّن عجز الناس عن الإتيان بمثل كل القرآن، يدعوهم أن يأتوا بعشر سور من مثله. وبعد أن تبوء كل محاولاتهم بالفشل ويتبيّن عجزهم، يدعوهم إلى الإتيان بسورة واحدة من مثله.

وبهذا الترتيب يدعو القرآن الكريم الناس ثلاث مرات وبفواصل زمنية إلى الإتيان بمثل القرآن، ويثبت عجزهم عن الإتيان بمثله في ثلاث مراحل بالتدرّج من الأصعب إلى الأسهل.

تستند هذه الإجابة على فرض أن نزول الآيات المذكورة وبلاغها بشكل خاص هو بشكل ترتيبي، وهو ما تمّ طرحه في الجواب؛ أي: إن آيات التحدي تحدّت أوّلاً بكل القرآن، بعد ذلك تحدّت بعشر سور منه، وفي نهاية الأمر تحدّت بسورة واحدة، في حين أنه لا يوجد أي شاهد ودليل  على ذلك في الآيات القرآنية.

إضافة إلى أن ما ذهب إليه المشهور عند علماء التفسير والعلوم القرآنية هو أن سورة يونس المتضمّنة لآيات التحدي بسورة واحدة، نزلت قبل سورة هود المشتملة على آيات التحدي بعشر سور.

لذلك تمّ التشكيك في دليل الفرضية المذكورة واختل معه الجواب. أدى هذا الأمر بالمفسرين إلى تقديم حلول وإجابات أخرى أو القيام بدفاع خاص عن الفرضية المذكورة.

وللاختصار وعدم الاطالة، نغض النظر عن مناقشة الأقوال المذكورة ونكتفي بذكر الوجه الذي نراه الأقرب للآيات.

مع أنه يقرب من اتفاق علماء التفسير والعلوم القرآنية على أن مفاد آيات التحدي بالإتيان بمثل القرآن هي لكل القرآن، إلا أنهم طرحوا بقوّة الاحتمال أن المقصود من القرآن في هذه الآيات هو الجنس لا المقدار؛ أي: مقدار معجزة القرآن، لأن القرآن من مادة القراءة، وكما تصدق القراءة والتلاوة على كل القرآن يصدقان أيضاً على جزئه.

إضافة إلى أن هذه الآيات حينما نزلت لم تكن جميع سور القرآن قد نزلت بعد، لذا لا يمكن أن نعدّ التحدي في هذه الآيات تحدّياً بكل القرآن، وهذا من شأنه التقليل من أهمية الحديث عن «ترتيب التحدّي».

لكن مع فرض قبول قول المفسّرين في هذا المجال يمكن القول بأن آيات التحدي تطلب من البشر في المرحلة الأولى إن كان هناك شكٌّ في كون القرآن كلاماً ربانياً فليأتوا بمثل هذا القرآن، وبعد إثبات عجزهم سهَّل عليهم الأمر بالقول: فليأتوا بسورة واحدة تشبه السور القرآنية من كل الجوانب، وبعدما تبيَّن عجزهم عن ذلك قال لهم: فليأتوا إذاً بعشر سور تتضمّن كل واحدة منها جهةً من جهات الإعجاز القرآني بحيث تتوفّر في هذه السور العشر صفات سورة قرآنية واحدة.

ومن الطبيعي أن الاتيان بسورة واحدة تشبه السور القرآنية من كل جوانبها أصعب من الاتيان بعدة سور تشبه كل واحدة منها جانباً من السور القرآنية. فثبت أن التحدي من الأشد إلى الأخف أمر معقول.

وهناك مجموعة أخرى من الآيات طرحت التحدي بشكل خاص، نشير هنا إلى عناوين موضوعاتها فقط:

1. التحدي بمن جاء بالقرآن

2. التحدي بالفصاحة والبلاغة

3. التحدي بالتنسيق وعدم الاختلاف

4. التحدي بالأخبار الغيبية

نطاق التحدي

إن أوسع نطاق طرحته الآيات القرآنية للتحدّي هو في الآية 88 من سورة الاسراء، والمخاطبون في التحدّي هم الجن والانس؛ أي: كل العالم، ويستفاد من هذه الآية بشكل واضح على أن أبعاد الاعجاز القرآني لا تختص بالجانب البلاغي ولغته الخاصة فقط؛ أي اللغة العربية وفصاحتها، وإنما هو مطروح من جهات مختلفة، وإلا، فلا تناسب هنا في التحدّي بدعوة غير العربي بالمجيء بكتاب عربي.

تجدر الاشارة إلى أن المقصود من التحدي ليس هو الاتيان بكلام يكون مطابقاً لكلام الله سبحانه وتعالى بشكل تام من حيث أسلوب البيان وطريقة التعبير؛ إذ إن هذا لا يتأتى إلا بالتقليد، بل إن المقصود من التحدّي هو الاتيان بكلام شبيه بكلام القرآن في المراتب الروحية السامية والدرجات العليا من البلاغة والفصاحة، مشتملاً على القوّة والرصانة في النظم والمحتوى.

وقام علماء البيان بوضع معايير معيّنة لمعرفة درجة قوّة كل كلام وضعفه، يتمّ من خلالها تشخيص أفضلية كلام على آخر. وجاء تفصيل تلك المعايير في علم (البلاغة).

المعارضة مع آيات التحدي

ذهب بعض المتكلمين المسلمين إلى أن الله سلب عن المدعين القدرة على الاتيان بمثل القرآن وصرف نظرهم عن ذلك، ويطلق على هذه النظرية بـ «الصرفة».

والقول بالصرفة لا يسلم من الخدشة في الجانب النظري حسب، بل يتضح بطلانه أيضاً في الجانب العملي، لأن التاريخ قد وثّق لنا عدّة حالات من التحدّي للقرآن لكريم، وهو أمر يستحق العبرة والاستغراب، اذاً كانت هناك حالات من التحدّي والمعارضات لم يحصد أصحابها سوى الخزي والخسران، ونذكر هنا نماذج من هؤلاء المعارضين:

مسيلمة الكذاب مدّعي النبوة والرسالة، فقد عارض سورة الفيل بقوله: «الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وبيل وخرطوم طويل... » [راجع: تفسير الميزان، ج1، ص 68]

وقد قام أحد الكتاب المسيحيين بإنشاء سورة من عنده مقتبسة من سورة الحمد يدّعي فيها معارضة القرآن الكريم، قال فيها: «الحمد للرحمن رب الأكوان، الملك الديان، لك العبادة، وبك المستعان، اهدنا صراط الايمان»(16)، وذكر جملاً اخرى اقتبسها من سورة الكوثر وحوّر بعض ألفاظها وزعم أنه يعارض بها القرآن الكريم، فقال: «إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وجاهر، ولا تعتمد قول ساحر». ويقول مسيلمة في معارضة سورة الكوثر: «انا اعطيناك الجماهر، فصل لربك وهاجر وانّ مبغضك رجلٌ كافر» [راجع: البيان: 94] وغيرها من النماذج الواهية والهزيلة، أُلقيت وللأبد في مزابل التاريخ.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2172
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 08 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24