• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : فضل القرآن الكريم على اللغة العربية .

فضل القرآن الكريم على اللغة العربية

 انعام أحمد قدوح

ما من شك أن أهمّ وأبرز‌ خصائص‌ اللغة‌ العربية كـونها لغـة القـرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة. وبعبارة أخرى: هي اللغة التي اختارها الله تعالى لتكون‌ لغة وحيه للبشرية جمعاء، «و من هـنا كان اهتمام المسلمين بهذه اللغة، واعتناؤهم بها‌ كاعتنائهم بعقيدتهم‌ الإسلامية، لا لأنها إحدى‌ مـقوّمات‌ الإسلام فحسب، بل لأن الله تعالى شـرّفها، وخـلّدها بخلود كتابه، حيث قال في محكم كتابه:

﴿إنّا أنزلناه قرآنا عربيا [يوسف/2]، إضافة إلى أنها تحمل في مضمونها علم رسولهم، وفقه علمائهم وحضارة أمتهم وثقافتها». [معروف، د. نايف: خصائص اللغة العربية وطرائق تدريسها، 34]

و نضيف لما تقدم إن‌ نزول القرآن باللغة العربية هو «مظهر رائع لامتزاج الشكل‌ العربي بالمضمون الإسلامي، وبالتالي:  فإنّ الطـعن في أحدهما ما هو إلاّ طعن مزدوج‌ يصيب الأمّة العربية بقدر ما يصيب الإسلام».[ كبريت، محمد: اللغة العـربية والتحدّي المستمر، مجلة العرفان. عدد محرّم 1395‌ هـ/كانون‌ الثاني‌ 1977 م.]

و إذا كانت اللغة العربية قبل‌ الإسلام‌ تبحث عن هوية لها-محاولة إستيعاب ما ثبت بين لهجاتها من خلافات صوتية؛ فإنّ القرآن الكريم بلور تـلك اللغـة بما قدّمه من‌ نموذج فريد في أسلوبه، ومضمونه على حدّ سواء.

و إذا ما تجاوزنا ذلك‌ كلّه‌ وبحثنا في صلة اللغة العربية بعلوم المسلمين، عرفنا بعض ما أسداه القرآن الكريم، والرسالة الإسلامية للّغة العربية من فضل ومعروف كبيرين: فاللغة العربية تعدّ أحد المصادر المهمة لعلم أصول الفقه، لأن فهم القرآن الكريم، وفهم‌ السنة النـبوية (و هـما المصدران‌ الرئيسيان‌ من‌ مصادر التشريع) متوقف على اللغة العربية.

فقد نزل‌ القرآن‌ الكريم بلغة العرب، والرسول كان عربيا، يخاطب الناس بلسان عربي‌ مبين. ومن هنا فإن كثيرا من قواعد علم أصول الفقه، إنما هي مـستمدة مـن‌ اللغـة‌ العربية.

فضلا عن توقّف فهم نصوص التـشريع على فـهم اللغة‌ العربية، فاللغوي‌ يبحث في الألفاظ من حيث وضعها واشتقاقها، والأصولي يبحث فيها من حيث دلالتها، واستنباط الأحكام‌ منها، وضبطها تحت قواعد كلية. مثال‌ ذلك: «ان‌ كـلمة (كل) إذا‌ أضـيفت إلى نكرة فإنها تفيد عموم الأفراد، كما في قوله تعالى ﴿كل‌ نـفس ذائقـة الموت [آل عمران/ 185]، وان أضيفت إلى مفرد أوجبت عموم أجزائه، حتي فرّقوا بين قولهم: كلّ رمّان‌ مأكول وبين كل‌ الرمّان‌ مأكول‌ بصدق الأول، وكذب الثاني» [السلقيني، إبراهيم: أصول الفقيه الإسلامي، 20].

وإذ أدركنا ضرورة فـهم اللغـة العـربية لمن‌ يتصدى‌ لمحاولة استنباط الأحكام‌ الشرعية، فإن معني ذلك احتياج الفقيه المسلم إلى تـعلم اللغة العربية، بل واتقان‌ مفرداته وقواعدها، سواء‌ أكان‌ هذا‌ الفقيه صينيا، أم كان باكستانيا، أم منغوليا، أم‌ تايلنديا، أو إيرانيا. وهكذا.

و مع انّ الله سبحانه وتعالي‌ قد‌ شـرّف اللغـة العـربية بأن جعلها لغة وحيه، فانّه- تقدّست أسماؤه-قد اختارها لتكون بالإضافة لذلك لغة الصلة‌ بـين‌ المـسلم‌ وربه.

فالمعلوم ان القراءة في الصلاة اليومية الواجبة منها والمندوبة لا تجوز بغير‌ اللغة‌ العربية،  ولا يجوز إبدال لفظه بلفظ غـير عـربي، سواء أحـسن المصلّي قراءتها بالعربية، أم لم‌ يحسن.

و القرآن‌ الكريم‌ نفسه، لا يقرأ الاّ باللغة العربية، فإن قري‌ء بغيرها لم يـكن ذلك‌ قرآنا. . سواء مـا قرئ منه في‌ الصلاة(الفاتحة‌ والسورة التي تليها)، أو ما يقرأ في غير الصلاة.

و مع هذا الصلة الحـميمة بـين‌ اللغـة‌ العربية، والقرآن الكريم، تبرز في هذا المجال‌ صلاة الجماعة في الإسلام، وتبرز معها إحدى الصفات المـطلوبة فـي إمام‌ الجماعة‌ إذ لا تجوز الصلاة خلف إمام لا يحسن‌ اللغة‌ العربية.

أمّا العقود التـي تـتم بـين أفراد الأمّة الإسلامية، فإذا جاز الاستغناء عن اللغة العربية في إبرام بعض العقود‌ الإسلامية، «فإن‌ ذلك‌ لا يـجوز فـي عقد الزواج، إلاّ في حال العجز عن النطق بالعربية». لعلّ في التجويز‌ في‌ خالات العجز إنـما هـو مـن باب التيسير من‌ الباري-جلّ وعلا-على عباده.

انّ الذي استفادته اللغة العربية من‌ كتاب‌ الله لا ينحصر في زاوية واحدة. فلقد كان للقرآن الكـريم الفـضل في جمع العرب‌ على لغة واحدة، هي لغة قريش التي «سادت‌ في مختلف البقاع‌ العـربية، بعد‌ انـ‌ كـانت العوائق الجغرافية والحواجز القبلية تباعد‌ فيما بنها، ولولا الرباط القرآني، لتحوّلت تلك اللهجات-مع مرور الزمن-إلى لغات مستقلّة شأنها فـي ذلك شـأن اللهـجات‌ الاتينية‌ التي أصبحت لغات متعددة لأمم‌ مختلفة‌ في‌ أوروبا» [عباس، د. فضل حسن: بلاغتنا المفتري عليها. 22، ط دار النور-بيروت 1410 هـ/19889 م.].

بيد ان‌ ما‌ حصل‌ للغة العـربية غـير ذلك تماما؛ فق توحدت‌ هذه‌ اللهجات في لهجة واحدة، لأنّ القرآن الكريم حفظ هذه اللغة، دون أن تتشعّب بها الأهواء، أو‌ تختلف‌ بها الألسن.

ومـن أوجـه الفضل للقرآن الكريم‌ على اللغة العربية هو «ان‌ القرآن‌ الكريم ساعد على اتساع عـالم اللغـة‌ العربية‌ الجغرافي. فحملها من موطنها الأصلي في بـلاد العـرب، إلى وطن الإسـلام الشامل في مختلف الأصقاع والبقاع‌ في مـشارق الأرض ومغاربها» [معروف، د. نايف: الأدب الإسلامي في عصر النـبوة والخـلافة‌ الراشدة، 6 النفائس-بيروت‌ 1410 هـ/1990 م].

أمّا إذا‌ أردنـا‌ أن نتناول أثر‌ القرآن‌ الكريم في الأدب العربي، فنري‌ ان‌ هذا الأثر كان واضحا في مبناه ومـعناه، ومـضامينه الفكرية، «إذ أبعد الشعراء والخطباء عـن‌ غـرابة اللفظ، ووعورة المـسالك اللغـوية. وجدّد فـي أغراضهم الأدبية‌ بموضوعات‌ لم يألفوها‌ قبل، وادخل عليهم‌ قـيما‌ إنسانية‌ أحلّت‌ مكان‌ إثـرة الفـرد وعصبية‌ القبيلة إيثار الجماعة،  ووحـدة الأمّة».

لقد فـتح القرآن الكريم الباب واسعا أمام البلغاء، والكتّاب من أبناء الأمة‌ الإسلامية لأن‌ يؤلّفوا‌ فـي شـتّي الفنون والموضوعات الإسلامية؛ فكانت كتب‌ التـفسير‌ لشـرح‌ مـا‌ بطن‌ من‌ القرآن‌ الكـريم، ومـا عسر فهمه، إضافة إلى كتب الأدب والنـحو والصـرف، والبلاغة،  والحديث، مما أغني رفاف المكتبة الإسلامية، والعربية، بكتب كان لها الأثر الفعّال في‌ الحفاظ-مع القرآن الكـريم-علي هـذه اللغة‌ من الدس والتحريف.

وفي هذا المجال يـمكننا ان نـعتبر كتاب(نهج البـلاغة) لسيد البـلغاء، وإمـام‌ الحكماء، أمير المؤمنين على بن أبـي طالب(عليه السلام)، والذي قام بجمعه الشريف‌ الرضي، من أبرز الكتب التي ساهمت مساهمة فاعلة‌ في‌ المحافظة على أصـول اللغـة الرضي، من أبرز الكتب التي ساهمت مساهمة فـاعلة فـي المـحافظة على أصـول اللغة العربية، لما نعرفه مـن الدراسـات المعمّقة التي تناولت النهج شرحا، وتحقيقا، وتعليقا.

ومن الخير اختتام حديثنا‌ عن‌ فضل القرآن على اللغة العـربية بـما كـتبه ابن فارس،  حيث يقول:

«كانت العرب في جاهليتها على إرث مـن إرث آبـائهم. . في لغـاتهم وآدابـهم‌ ونـسائكهم. فلما جـاء‌ الله-جلّ‌ ثناؤه-بالإسلام، حالت أحوال، ونسخت ديانات، وأبطلت‌ أمور، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر بزيادات زيدت، وشرائع‌ شرّعت، وشرائط شرطت. فعفي الآخر على الأولي» [ابن فارس، أحمد: فقه اللغة، 74].

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2149
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19