• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : ثورة الامام الحسين (ع) وموقعها في مسار الامة الاسلامية .

ثورة الامام الحسين (ع) وموقعها في مسار الامة الاسلامية

نوري حاتم

 

تعتبر ثورة الامام الحسين‌ بن‌ علي(ع)من‌ أهـم الاحـداث التـاريخية التي ساهمت في صياغة الثورات التاريخية التي تفجرت علي الساحة، بعد حادثة كربلاء، وفي تكوين الخـط السياسي العام لمدرسة اهل البيت(ع).

و من هنا لا يمكن‌ لباحث في التاريخ أن‌ يتوفّر‌ عـلي دراسة تاريخ الحقبة الامـوية، ومـا عجّت به من ثورات وتناقضات واحداث عظيمة، مالم يتناول آثار ثورة الحسين (ع) في المجتمع الاسلامي بشكل عام، وفي مجتمع مدرسة اهل البيت(ع)الذي تركز‌ وجوده في الكوفة والبصرة، وبعض المدن العراقية الاخرى، وبـعض مدن فارس.

هذه العلاقة الاساسية، بين ثورة الحسين(ع) والتاريخ الثوري لمدرسة اهل البيت(ع)، تستدعي اعطاء مزيد من الاهتمام بآثار ثورة الحسين(ع) وانعكاساتها في‌ المجتمع‌ الاسلامي، ويمكن دراسة تلك الآثار ضمن المحاور التالية: (به تـصوير صـفحه مراجعه شود)هذه العلاقة الاساسية، بين ثورة الحسين (ع) والتاريخ الثوري لمدرسة اهل البيت (ع)، تستدعي اعطاء مزيد من الاهتمام بآثار ثورة‌ الحسين(ع) وانعكاساتها في المجتمع الاسلامي، ويمكن دراسة تلك الآثار ضمن المـحاور التالية:

تأثيرات ثـورة الامام الحسين(ع)في البعد الوجداني

لكل ثورة ناجحة، أو فاشلة، نصيب في الفعل والتأثير في حياة الأمة، وحجم هذا التأثير‌ وأبعاده وميادينه ينبع من هوية الثورة وأهدافها، ومدي ارتباطها بالأمة وقيمها، ونوعية القيادة التـي اشـرفت عليها. وحيث إنّ ثورة الحسين(ع) استهدفت الاطاحة بالحكم الاموي الذي‌ يمثل‌ بؤرة‌ ظلام وظلم وطغيان‌ في‌ حياة‌ الأمة، وحيث إن الامام الحسين(ع)من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الملائكة، وحـيث إن شـهادته زخـرت بالمآسي والمحن...أثرت تأثيرا‌ مباشرا‌ وحـيويا، ومـمتدا فـي واقع الأمة، وفي تشكيل خطها‌ السياسي.

من هنا فإن آثار ثورة الامام الحسين(ع) هزّت ضمير الانسان المسلم، والمجتمع الاسلامي، وساهمت في بـناء المـستقبل، وشـاركت في‌ صياغة‌ الأحداث‌ المصيرية للأمة، ومن هذه المـيادين، البناء العـاطفي للإنسان المسلم، من خلال معالجة‌ الجوانب المرضية في اشواقه وعواطفه.

و الذي يهمنا من هذا الجانب، هو دور شهادة الامام الحسين(ع)في معالجة الواقع‌ العاطفي‌ لأهـل‌ الكـوفة، وإنـقاذهم من مرض الازدواجية، وكيف استطاعت تلك الشهادة إعادة‌ التوازن‌ للمـجتمع الشيعي، وتوحيد الجانب العاطفي مع خياراته السياسية، والذي تجسد بكل وضوح وجلاء في اندفاع «التوابين» و ثورتهم‌ ضد‌ الحكم الاموي، وصـحيح أنـّ الامـام كان ضحية لهذا التناقض في المجتمع الكوفي، الا‌ ان‌ شهادته(ع)‌ المآساوية دفـعت مـجتمع الكوفة الي مراجعة الذات، والندم، والتوبة، والاصرار علي الخروج من هذه‌ الحالة‌ التي‌ ادت الي نتائج مروعة، فثمة تناقض عـاشه اكـثر الكـوفيين، بين قناعاتهم الفكرية والسياسية التي آمنوا‌ بها، وبين مواقفهم السياسية العملية، ففي كثير مـن المـواقف مـارس هؤلاء موقفا عمليا متضادا مع‌ قناعاتهم‌ وفي احيان أخري اتخذت هذه الحالة أسلوب التـقاعس والضـعف عـن التطابق العملي مع‌ تلك‌ القناعات، دون ان تبلغ درجة التضاد.

ويبدو أن هذه الحالة كانت ملحوظة في‌ الكـوفة‌ فـي‌ عصر الامام علي(ع) وما بعده، فمثلا نلحظ كلمات للإمام علي(ع) وهي تشير الي هذه الحـالة فـقد‌ قـال(ع): «انهم‌ اناس مجتمعة ابدانهم، مختلفة اهواؤهم، وان من فاز بهم فاز بالسهم الأخيب‌ وانه‌ اصبح لا يـطمع فـي نصرتهم ولا يصدق قولهم»1.

و نجد كذلك بعض الكلمات لبعض‌ الهاشميين‌ وغيرهم في وصف تلك الحـالة، فابن عـباس يـقول للإمام الحسين(ع)حين عزم علي الذهاب‌ الى‌ الكوفة: «ان اهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم»2.

و قال الفرزدق وهـو يـصف اهل الكوفة للإمام‌ الحسين(ع) حين‌ لاقاه في الطريق: «قلوب الناس معك وسيوفهم مع بـني امية»3.

و حـين‌ شـاهد‌ الامام زين العابدين بكاء اهل الكوفة علي‌ الحسين‌ قال‌ متعجبا: «ان هؤلاء يبكون وينوحون من اجـلنا‌ فـمن‌ قتلنا؟!»!!4.

و هـذه الكلمات والمواقف العملية تكشف عن تناقض ينطوي عليه اهل الكوفة‌ بين‌ قناعاتهم، ومواقفهم العـملية، حيث يـتغاير‌ موقفهم‌ العملي من‌ موقفهم‌ العقيدي‌ في بعض الاحيان.

وبالطبع، فهذه الحالة‌ الشاذة‌ التي ميزت الكوفة، لم تلغ عنها طـابعها التـاريخي الثابت، بوصفها قاعدة اهل البيت(ع)، ومركز‌ الموالين لهم، فقد قال الامام امير المـؤمنين‌ عـلي(ع) وهو يمدح اهل‌ الكوفة: «يا‌ اهل الكوفة انـتم اخـواني وانـصاري‌ واعواني على الحق بكم اضرب المدبر، وارجـو اتـمام طاعة المقبل».

فأجابوا: «سر بنا‌ يا‌ امير المؤمنين حيث احببت فنحن‌ حزبك‌ وانصارك نعادي مـن‌ عـاداك، ونشايع من اثاب اليك‌ واليـ‌ طـاعتك، فسر بـنا الي عـدوك كـائنا من كان، فانك لن تؤتي من قلة ولا‌ ضـعف‌ فـان قلوب شيعتك كقلب رجل واحد‌ في‌ الاجتماع علي‌ نصرتك‌ والجد في جـهاد عـدوك، فابشر‌ يا امير المؤمنين بالنصر، وأشخص الي اي الفـريقين احببت (اي فريق معاوية والخـوارج)، فانا شـيعتك‌ التي‌ ترجو في طاعتك وجـهاد مـن‌ خالفك‌ صالح‌ الثواب‌ من‌ الله، وتخاف من‌ الله‌ في خذلانك والمتخلف عنك شـديد الوبال»5.

وبـهذا يزول ما يبدو من تـناقض فـي النـصوص.‌ كما‌ يصفهم‌ الامـام الحـسين بن علي(ع) في جوابه لسـليمان بـن‌ صرد: «اما‌ بعد‌ فانكم‌ شيعتنا‌ واهل مودتنا ومن نعرفه بالنصيحة والاستقامة لنا»6.

بل لعلّ اصرار الامـام الحـسين(ع)علي التوجه الي الكوفة، رغم نصح الناصحين، يكشف عـن أن الامام كـان يـعلم ان هـوي‌ الكوفة معه، إضافة الي انّ مـسيره اليها كان بناء على طلب اهلها الملحّ للقدوم.

ان حالات التخاذل المريرة، التي أبداها اهل الكوفة لأهل البـيت فـي المواقف الحرجة نابعة من حالات الضـعف، ولا‌ تـعبّر‌ عـن مـوقف تـاريخي ثابت لاهل الكـوفة، بل ان طـابع الكوفة التاريخي المميز أنها مركز لشيعة اهل البيت(ع)، ومن الضروري، تحليل هذه الظاهرة ومعرفة منشئها ومنابعها، وبـالتالي مـوقع شـهادة الامام‌ الحسين‌ (ع) في علاج هذه الظاهرة الخـطيرة، ويـمكن تـشخيص مـنابعها بما يلي:

1- تـبرز حـالة عدم التطابق هذه في الظروف والمواقف التي تتطلب موقفا مبدئيا مصحوبا‌ بثبات‌ ذلك الموقف مع تحمل الشدائد‌ والصعوبات التي تنشأ من ذلك الالتزام.

2-و تبرز هذه الحالة في ظروف القسر والاكـراه والاجبار على اتخاذ موقف مغاير لموقفهم الفكري، واعتقادهم‌ الوجداني.

و لعل موقف اهل‌ الكوفة‌ من مسلم بن عقيل يمثل نموذجا لهذه الحالة، حيث اكرههم عبيد الله بن زياد-بحد السيف- علي التخلي عن مسلم، ففي مـثل تـلك الظروف، تظهر حالة عدم التطابق بين الخط الوجداني والفكري، وبين‌ الموقف‌ العملي.

3-كما وقد تبرز في ظل العروض المغرية، التي تستهوي بعض الناس ظواهر الاندفاع نحو السلوك العملي المضاد لقناعاتهم وخياراتهم السياسية.

هذه فـي تـقديرنا أهم منابع ظاهرة عدم التطابق‌ بين‌ الموقف الوجداني‌ والموقف العملي.

والذي يلاحظ سياسة عبيد الله بن زياد في مواجهة الاوضاع المستجدة التي تمخضت‌ عن مجيء مـسلم بـن عقيل الي الكوفة، يجد أنها مارست الخـطوط الثـلاثة‌ مجتمعة، الأمر‌ الذي‌ ادي الي ظهور حالة التناقض والشذوذ في هذا المجتمع، وبالتالي أدت الي حدوث مأساة كربلاء.

و ‌‌في‌ ضوء معرفة حقيقة اتجاه أهل الكوفة وهويتهم وتميزهم بتلك الظاهرة يـتجلى مـوقع‌ شهادة‌ الامام الحسين واهـل بـيته، في معالجة هذه الحالة المرضية.

ولا نريد ان نقول هنا‌ إن الامام استشهد من اجل معالجة هذه الظاهرة، انما فرضت شهادته الدموية على اهل‌ الكوفة خطا نفسيا وعمليا، يؤدي سلوكه الى الخروج من حالة الانفصال والازدواجية.

وبعبارة اوضـح، انها فـرضت عليهم اليقظة والالتفات الي حجم المآساة التي أدى اليها انسياقهم مع حالة الازدواجية هذه، حيث أدّت الى قتل‌ سبط رسول الله(ص)، والى تسلط عبيد الله بن زياد على أهل الكوفة، وبالتالي حثهم على اتخاذ موقف عملي يـردم الهـوة بين الفـكر والوجدان، وبين الواقع ومتطلباته، فجاءت حركة التوابين تعبيرا‌ واضحا‌ عن هذا الشعور- أي ارادة استعادة الهوية العملية المتطابقة مـع الهوية الفكرية والعاطفية- وكنتيجة اساسية لشهادة الحسين(ع)، التي صارت مركز اشعاع، لشـيعة اهـل الكـوفة لتوحيد مسارهم، ومواقفهم العملية، تبعا لهويتهم الفكرية‌ الموالية‌ لأهل البيت (ع).

وعلى امتداد حركة التوابين انفجرت حركة المختار الثـقفي، و‌ ‌حـركة زيد بن علي، بل وحركة اهل الكوفة في طرد عمرو بن حريث عامل بـني أمـية مـن‌ الكوفة، وغيرها من الحركات والممارسات الثورية التي نبعت من درس كربلاء الأليم‌7.

تأثيرات ثورة الحسين في البناء السـياسي للمجتمع الاسلامي

وفي الوقت الذي ساهمت ثورة الامام الحسين(ع)في تشييد البناء‌ العاطفي‌ في‌ وجدان الانـسان المسلم، وفي تنبيه‌ الضـمائر، ساهمت‌ كـذلك‌ في بعث الفكر الثوري، والسياسي السليم في الامة، ودفعه للمشاركة الحاسمة في صناعة مصيرها السياسي، ويمكن الاشارة الي فكرتين اساسيتين اثارتهما‌ حادثة‌ الطف، أو‌ أجلت الغبار عنهما وهما:

1- المعارضة الثورية للنظام‌ الاموي: لقد‌ مارس مـعاوية بن ابي سفيان سياسة القمع والارهاب والتنكيل بالرأي المعارض، والصوت الرافض لمنهجه وسياسته المخالفة‌ لأحكام‌ الاسلام، وسنة رسول الله(ص)، واستطاع بفعل سياسة القتل والتدمير إسكات‌ أصوات المعارضة، وبعد تولّي يزيد بن معاوية الحـكم، تـعمقت هذه السياسة، واقترنت بالفساد واللهو والمجون، وفي هذه‌ الاجواء‌ المشحونة‌ بالخوف والفساد، كانت الامة بحاجة الي من يوقظ حسها الاسلامي ويعارض‌ هذه الاوضاع الشاذة، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، مهما كان الثمن.

فانبرى الامـام الحـسين(ع)و اعطي للأمة‌ درسا‌ تاريخيا‌ في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتي لو كان ثمن ذلك‌ حياة‌ الانسان، فلنستمع اليه وهو يخطب في اصحاب الحر بن يزيد الرياحي: «ايها الناس ان رسول‌ الله(ص)‌ قـال‌ من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله(ص)‌ يعمل‌ في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول‌ كان‌ حقا‌ علي الله ان يدخله مدخله، الا وان هؤلاء قد لزمـوا طـاعة الشـيطان وتركوا‌ طاعة‌ الرحمن وأظهروا الفـساد وعـطلوا الحـدود واستأثروا بالفي‌ء واحلوا حرام‌ الله‌ وحرّموا حلاله وانا احق من يغير...»8.

وبذلك قطع الامام(ع) بموقفه الرسالي حبل الصمت الطويل، وانطلقت‌ صرخات، وسيوف المـعارضة، وهـي تـلاحق الحكم الاموي وتنغص عليه لذاته بعد‌ شهادة‌ الامـام‌ الحـسين(ع) حتى استطاعت اخيرا اسقاط هذا الحكم الجائر.

وهكذا رسم الامام الحسين(ع) بشهادته شرعية معارضة الطاغوت‌ والظلم‌ والاستبداد علي صفحة التاريخ الاسلامي، في وقـت كـادت ان تـطفئ السياسة الاموية‌ الرهيبة، روح‌ المقاومة والاعتراض على الظالمين.

2- أحقية اهل البيت بـالإمامة: مما لا شك فيه ان اهل البيت(ع) أصحاب الحق‌ الشرعي‌ في قيادة الامة، وهذا الحق ليس ناشئا-فقط-من كونهم أهل بيت النبوة، ومـعدن‌ الرسـالة، واعـرف الناس بتفاصيل الرسالة، وأغناهم فكرا، واكملهم‌ روحا، وأبعدهم عن معصية الله، وأقـربهم الي‌ طاعته، انّما‌ لأن الرسول(ص)، نص عليهم، وأوجب علي الامة طاعتهم والانقياد اليهم.

الاّ ان هذه‌ الحقيقة‌ الواضحة، والتي أبرزها عمار بـن‌ يـاسر‌ وهـو‌ يقول‌ لعبد‌ الرحمن بن عوف وللناس، داعما جانب‌ الامام‌ علي(ع) في مسألة الخلافة: «أيها النـاس ان الله عـز وجـل أكرمنا بنبيه واعزّنا‌ بدينه فاني تصرفون هذا الامر عن‌ اهل بيت نبيكم»9.

هذه‌ الحقيقة‌ الواضـحة، اصبحت بـعد وفـاة الرسول(ص) وبعد‌ شهادة‌ الامام علي بن ابي طالب(ع) غامضة في ذهن بعض قطاعات من الأمـة، بفعل السـياسة التي‌ اتبعها‌ معاوية، والتي استهدفت التقليل من‌ موقع‌ الامام‌ علي وبنيه‌ في‌ الاسـلام وفـي قـيادة‌ الامة. الى‌ ان تمخضت تلك السياسة الجائرة عن تولّي مثل يزيد بن معاوية أمر الامة، وهـو‌ شـارب‌ الخمر، ضارب الطنبور، المغرم باللهو والفساد، كما‌ يجمع‌ المؤرخون علي‌ ذلك. ولم‌ تتعرض الامة عـلى خـلافة‌ يـزيد، باستثناء اشخاص معدودين، بل ويصل الحال، الى ان يأخذ مسلم بن مسرف البيعة ليزيد‌ من اهل المدينة علي أنّهم عـبيد ليـزيد، يفعل بهم‌ ما‌ يشاء!!

وفي‌ هذه الأجواء الملبدة‌ بالتزوير‌ والخوف والجهل بحق اهل البـيت بالإمامة وقـيادة الامة، تصدّي الامام الحسين(ع)، وعالج هذه‌ الحالة، من‌ خلال تصدّيه الواعي للإمامة وقيادة الامة، والاتـصال‌ بـقواعده‌ والمـوالين‌ له في الكوفة، ومن خلال رفض البيعة ليزيد بن معاوية. وبدأ الامام الحـسين(ع) في ذلك بـكلمته الرائعة، للوليد بن عتبة والي المدينة، حينما طلب منه البيعة ليزيد: «ايها الامير إنّا‌ اهل بيت النبوة ومعدن الرسـالة ومـختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد فاسق، فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق والفجور ومـثلي لا يـبايع مثله»10.

ثم تحرك‌ الامام‌ الحسين(ع) باتجاه الكوفة، بعد ان بـايعه اهـلها، من خـلال كتبهم ورسائلهم التي ملأت خرجين‌11، وشرع(ع) في رفـع الحـجب التي خلقها الامويون حول أحقية اهل البيت بالإمامة، بكلمات صريحة وواضحة، نقتطع فيما يلي‌ جـانبا‌ مـنها، فقد قال عليه السلام، وهو يـخاطب الحـر بن يـزيد الريـاحي وجـنوده: «الا وإنّ هؤلاء لزموا طاعة الشيطان وتـركوا طـاعة الرحمن واظهروا‌ الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا‌ بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله وأنـّا احـق من غير، وقد أتتني كتبكم وقـدمت على رسلكم ببيعتكم انـكم لا تـسلمونني‌ ولا تخذلونني فان أتممتم‌ على‌ بـيعتكم تـصيبوا رشدكم»12

و هكذا راح الامام الحسين(ع)يرفع عنهم حجب الجهل، ويبين لهم حقيقة الامر حتي بانت لبـعضهم، والتـحق بالامام الحسين الحر بن يـزيد الريـاحي. وبـكلماته الصريحة وخطبه الحـاسمة، واخـيرا شهادته، تمزّقت الحجب التي نـسجها الامـويون حول (حق اهل البيت بالامامة) والثمرة الاولي لهذه الأفكار التي كشفتها ثورة الامام الحسين(ع)...كانت ثورة التوابين.

انعكاسات شـهادة الامـام الحسين(ع) في تطوير العمل العسكري المعارض للأمة

ثـورة‌ الامـام‌ لحسين(ع)ضد الحـكم‌ الامـوي، مـزقت الاغطية الشرعية التي تـلفع بها النظام. وكان يحرص عليها لخداع الناس، وفرض طاعة معاوية‌ ويزيد وأمثالهما على الامة. إذ ان الامـام الحـسين كان يحظى‌ باحترام‌ وتقدير الامة، فهو ابـن الرسـالة وابـن الرسـول وابـن فاطمة الزهراء، فـموقفه ضـد الحكم الاموي، علامة فارقة للذين ‌‌لم‌ يعرفوا حقيقة يزيد بن معاوية، وانه رجل غاصب لحق اهل البـيت، فاسق فـاجر قـاتل‌ للنفس‌ المحترمة، فكيف‌ تجوز طاعة من يجب اقـامة حـدود الله عـليه نفسه؟!

كـما ان شـهادة الامـام(ع) وأصحابه وأهله، بتلك الصورة المفجعة الوحشية كشفت هي الأخرى، عن همجية الخط الاموي ووحشيته، واستعداده للقيام بأبشع‌ الاعمال، من‌ اجل الحفاظ على سلطانه، وبذلك تحولت شهادة الامام(ع)- بحد نفسها-الى هدف وقضية يـسعى الصالحون والاخيار من ابناء الامة للثأر لها والانتقام من مرتكبيها.

وتأتي ثورة التوابين في مقدمة الثورات‌ التي اتصلت بشهادة الامام الحسين(ع)، واستمدت منها دوافع انطلاقها وحركتها، فقد كتب سليمان بن صرد الخـزاعي، وهـو يوضح هذه العلاقة الوثيقة بين حركته وشهادة الامام الحسين، الي سعد بن حذيفة اليمان‌ وشيعة المدائن، وهو يطلب منهم المشاركة في التعبئة العسكرية العامة لإعداد الجيش والقوة اللازمة لمحاربة الجـيش الامـوي: «إن اولياء الله من اخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما‌ ابتلوا‌ به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دعي فأجاب ودعا فلم يجب... فلما نظر اخوانكم وتـدبروا عـواقب ما استقبلوا رأوا ان قد أخطأوا بـخذلان الزكـي الطيب واسلامه‌ وترك مواساته والنصر له خطأ كبيرا ليس لهم فيه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه او قتلهم حتى تفنى على ذلك ارواحهم فقد جدّ اخوانكم فجدّوا واعـدوا‌ واستعدوا»13.

كـما انطلقت الحركات العسكرية‌ فـي‌ ارجـاء‌ العالم الاسلامي ضد الحكم الاموي، ففي مدينة الرسول، خلع اهلها يزيد بن معاوية، وطردوا واليها الاموي، كما طردوا جميع الامويين من تلك المدينة، وفي‌ مكة‌ اعلن ابن الزبير التمرد على حكم يزيد، مستغلا بـذلك‌ الظـروف‌ الجديدة التي نشأت بعد شهادة الامام الحسين(ع).

ثم لم تتوقف حركة الثورة ابدا، فقد ظلت الساحة ملتهبة في وجه الحكم‌ الاموي، حتى‌ استطاعت‌ اسقاطه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الكامل في التاريخ: ابن الأثير، ج 4، ص 38.

(2)حياة الامام الحسين: باقر‌ شريف القرشي، ج 2، ص 421.

(3) المرجع نـفسه ص 40.

(4) المـرجع نفسه ص 421.

(5) الامـامة والسياسة، ابن قتيبة، ح 1، ص 145‌ وما‌ بعدها. وراجع ايضا رسالة الشيعة الى الامام الحسين(ع). ارسلها اهل الكوفة‌ اليه‌ تعزية بوفاة الامام الحـسن(ع) في كتاب تاريخ اليعقوبي ح 2، ص 228، وهي تكشف عن ولاء الكوفة لأهل‌ البيت(ع).

(6) الامامة‌ والسياسة، ح 1، ص 164.

 (7) لا يـخفي أن مـجتمع الكـوفة يضم الوانا من‌ القبائل‌ واصحاب الخطوط السياسية الأخرى الي جانب الشيعة. فالكوفة كانت بمثابة معسكر كبير لجمع الجنود للأعمال‌ ‌العـسكرية. و شيئا‌ فشيئا صارت مدينة كبيرة يسكنها العرب والفرس والاقباط والسريانيون.

كما ينبغي‌ الاشارة‌ الي ان عـبيد الله بـن زيـاد، زجّ بالكثير من قيادات الشيعة ورجالاتهم في‌ السجن، بعد‌ مقتل‌ مسلم بن عقيل وهاني بن عروة. وان كـبار قادة الجيش الذي حارب الامام‌ الحسين(ع)كانوا‌ من الامويين، او من الخط المعادي لخط اهل البيت(ع).

(8) تـاريخ الطبري: الطبري، ج 6، ص 229.

(9) تاريخ‌ الطبري: ج‌ 5، ص‌ 37.

(10) ثـورة الامام الحسين: شمس الدين، ص 172.

(11) تاريخ الطبري، ح 6، ص 228.

(12) المصدر نفسه، ح 6، ص 229.

(13) نفسه، ح‌ 7، ص‌ 50.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2041
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24