• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : علي والقرآن .

علي والقرآن

 ‌‌السـيد‌ عبد الأمير علي‌ خان

الصورة التي يرسمها القرآن الكريم لأمير المؤمنين عليه السّلام تنسجم‌ تـماما‌ مـع‌ مـا ترسمه الأحاديث الشريفة...و تكمل التصور عن ملاكات وأبعاد ولايته التي ترتسم وتتضح‌ من التدبر فـي واقع شخصيته ووجوده عليه السّلام وفي الأحاديث وسيرة الرسول صلّي اللّه‌ عليه‌ وآله وسلّم...

و المـلاحظ أنّ دراسة الأمام عـلي فـي القرآن الكريم لم تستوف لحد الآن فلم أطلع علي دراسة وافية مستوعبة لها وهي تشكل ابحاثا واسعة وتتطلب‌ وقتا طويلا وجهدا كبيرا وتشمل قسما كبيرا من آيات القرآن الكريم...الاّ أننا سنقتصر هنا عـلي ما تتطلبه منهجتنا في هذا الكتاب (1)و بقدر ما يسمح به المجال، مشيرين إشارة عابرة الى الآيات‌ التي تعطي صورة لشخصية الامام ودوره الذي اضطلع به في هذه الدورة الرسالية الخاتمة ولمنزلته عند اللّه سبحانه وبعض مـلاكات وابـعاد ولايته...

و الآيات التي تشارك‌ في‌ هذا المجال كثيره جدا ويمكن أن نصنفها الى عدة أصناف رئيسية، منها الآيات التي تذكر الأنبياء والشهداء والصديقين بصورة عامة، وما ضرب منهم مثلا لأمير المؤمنين‌ عليه‌ السّلام بـصوره خـاصة مثل هارون وداود عليهما السّلام ومنها التي تتحدث في الأيمان والمؤمنين وتعدد صفاتهم وتصف مسؤولياتهم العظيمة ودرجتهم عند اللّه سبحانه‌ والتي‌ تتحدث في اولياء اللّه وقوانين‌ التولي، والآيات التي تتحدث في اصـحاب الجـنّة والأبرار والمتقين والصالحين وورثة جنّة النعيم والآيات التي تتحدث في‌ حال‌ المؤمنين‌ يوم القيامة...فإن بعض هذا القسم من الآيات يكون‌ أمير‌ المؤمنين عليه السّلام مثلها ومصداقها الأعلى من بعد الرسول صلى الله عليه وآلهمباشرة،و منها ما‌ يكون‌ عـليه‌ السـّلام مـع أهل بيته مصداقها الوحيد من هذه الآية...،و منها‌ ما لا يكون لها مصداق غيرهم إلاّ من خلال التمسك بولايتهم.

و يوجد قسم كبير من الآيـات نـزل‌ فـي‌ علي‌ عليه السّلام خاصة أو فيه مع بعض بـني هـاشم وبعض‌ المؤمنين.

وللاختصار سأجعل الحديث في فصلين، الأول في الأمثلة من قصص الأنبياء والشهداء والصديقين، والثاني‌ في‌ الآيات‌ التي يكون أمـير المـؤمنين عـليه السّلام مصداقها الأعلى أو الوحيد أو التي‌ نزلت‌ فيه‌ خاصة أو فيه مـع بعض بني هاشم وبعض المؤمنين.

الأمثلة من ذكر الانبياء‌ والشهداء‌ والصديقين وسوف اقتصر على وصف كيفية الاستفادة من هذا القـسم مـن الآيات‌ بشكل‌ أجمالي، وباختصار بالحد الادنى الذي تتطلبه المنهجة في هذا الكتاب.

و نبدأ بـنوح‌ عـليه‌ السّلام‌ فلو جمعت الآيات التي ذكرته ترتسم لك صورة عن بعض الجوانب من شخصية أمير‌ المؤمنين‌ عـليه السـّلام ولأعـطتك تفسيرا عن بعض سيرته، فمثلا حينما تتمعن الآيات التي‌ ترسم‌ قوة‌ شـخصية نـوح عـليه السّلام وصبره علي الأذى وتحمله المصاعب في الدعوة والثبات‌ علي‌ الحق والاستقامة، رغم انصراف الناس عـنه واسـتهزائهم بـه وكونه وحده‌ في‌ الميدان‌ وأنه وحده كان يعرف سر مسيرته...ترتسم لك صورة لجانب من شـخصية أمـير المؤمنين عليه‌ السّلام‌ وقوة شخصيته وثباته وعدم توحشه من الطريق وان قل‌ سالكوه.

و حينما تـجمع الآيـات التـي تذكر ابراهيم عليه السّلام وتكسيره الأصنام، وانحصار النبوة في ذريته، وملاكات‌ وابعاد ولايته، وإمـامته، وشـدة تفانيه في سبيل اللّه وصدقه‌ مع‌ اللّه سبحانه وجهاده في سبيله وتضحيته‌ بولده‌ الأعز وقـوة ثـقته بـاللّه ورعايته‌ مشروع‌ النبوة من بعده وبعد نظره وطول نفسه وامتثاله لأمر اللّه‌ حتي‌ في ذبـح ابـنه، ومزاولته العمل‌ بنفسه‌ وبنائه‌ البيت‌ الحرام‌ ووصيته لبنيه بالدعوة والجهاد‌ والاستقامة والصـلاة والحـج وتـعاهد البيت ترتسم لك جوانب من‌ شخصية‌ امير المؤمنين عليه السّلام...فان للإمام مناقب‌ مشابهة وحالات ومزايا‌ مـناظرة ومـواقف وادوار‌ مـماثله...و‌ حينما تقرا عن شخصية اسماعيل عليه السّلام وكيف كان وزيرا لأبيه‌ فـي‌ مـهمته العظيمة وطاعته له‌ وصبره‌ علي المشاق وعلي‌ الذبح دون اية مناقشه‌ ومساءلة ترتسم لك صورة عن وزارة امير المـؤمنين عـليه السّلام لرسول اللّه صلّي اللّه‌ عليه‌ وآله وسلّم وتحمله‌ المشاق‌ وصبره‌ للتضحية‌ والفداء والمـوت دونـه‌ وانتظاره لقضاء اللّه سبحانه وامتثاله لأمره وتسليمه له دون اعتراض ونقاش.

و هـكذا‌ قـل بالنسبة لآيات يعقوب عليه السّلام‌ ووصيته‌ لبنيه‌ ورعـايته للنـبوة والامامة‌ من بعده في محافظته علي يوسف وحرصه عليه وعلي أبي الاسباط مـن ولده ـ...و حينما‌ تجمع‌ الآيات‌ التي تـتحدث عـن شخصية موسى عـليه السـّلام‌ وسيرته‌ وشدته‌ وقوته ومباشرته العمل بـنفسه. ترتسم لك صـورة علي بن ابي طالب عليه السّلام وقوته وشجاعته وشدته في ذات اللّه وكيف أنـه لا تـأخذه‌ في اللّه لومة لائم، وحدّيته في تـطبيق الاسلام... وحينما تقرا الآيـات التـي تذكر العصا عند موسى يـستحضر ذهـنك سيف علي ويمينه وما جري عليها من امور عظيمة، و من‌ جانب آخر تـجد فـي موسى عليه السّلام مثلا لأمـير المـؤمنين فـي الاستيعاب والصبر مـع قـومه وعدم مفارقتهم حتي فـي تـيههم وضلالهم وعصيانهم أوامره...و تجد فيه‌ مثلا‌ علي استعداده للحرب، ولو بقي مع أخيه لوحدهما فـي المـيدان...و في هذه الحالة أيضا تجد فـيه مـثلا لبعض حـالات أمـير المـؤمنين عليه السّلام‌ عندما‌ بـقي مع أخيه وحيدين لا‌ يجدان‌ اعوانا على الجهاد...

و هكذا ذكر هارون عليه السّلام اضافه الى ما يضربه مـن مـثل في معاناته من الأمة في غـياب موسى عـليه السـّلام، مما‌ يـرسم‌ صورة لمعاناة الإمـام مـن‌ الأمة‌ في غياب النبي صلّي اللّه عليه وآله وسلّم، وكيف انهما عليهما السلام جابها هذه الردة وهذا الاعراض عـنها مـن قـبل الأمة، وكيف حرصا علي حفظ وحدة الأمـه‌ وعـدم التـفريط بـها ولم يـفارقاها حـتي في حالة غدرها بهما...و قد كان امير المؤمنين عليه السّلام يقارن بين حاله وحال هارون ويخاطب الرسول صلّى اللّه عليه وآله‌ وسلّم‌ بما خاطب هارون اخاه موسى

يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا أن يقتلون...

و وزارة هارون‌ لموسى ومنزلته منه جعلت مثلا لوزارة امير المؤمنين للنبي صلّي‌ اللّه‌ عليه‌ وآله وسلّم ومنزلته منه.

و حينما تجمع الآيات التي تتحدث عن داود وسليمان ‌‌عليهما‌ السّلام ترتسم لك صوره عن امـير المـؤمنين عليه السّلام وصورة عن الحسن‌ والحسين‌ ودورهما مع ابيهما... وحينما تقرأ آيات قتل داود لجالوت وبطولته الفائقة وضربته الحاسمة وكيف انها كانت من ملاكات إمامة وملك آل داود‌ ترتسم لك صورة لعلي‌ بـن‌ ابـي طالب عليه السّلام ودوره ومواقفه الحاسمة في قطع دابر الكافرين وتثبيت الدين وما لهذا الدور من ملاك للإمامة والملك لآل علي وفاطمة عليهما السّلام...و‌ وراثة الحـسنين لعـلي من جميع الوجوه كما ورث سـليمان داود...و حـينما تقرا ولاية داود وسليمان التكوينية علي الجبال والريح والحديد والوحوش و الشياطين والجن وعلمهما منطق‌ الطير‌ وسماع سليمان لكلام النملة ترسم لك صورة لما أوتي أمير المؤمنين مـن ولايـة أو لما يمكن ان يؤتي مـن ولايـة تكوينية ومن ملك وولاية تشريعية،...و حينما تقرا‌ آيات‌ جلب عرش بلقيس وكيف كانت قوة وولاية الرجل الذي عنده علم من الكتاب اقوي وأبلغ من قوة وولاية العفريت من الجن يتضح لك مـا يـمكن‌ أن‌ يجعل لأمير المؤمنين عليه السّلام من قدرة وقابلية لأنه عنده علم الكتاب...

وهكذا حينما تقرا آيات آل‌ عمران وأحوال بيت النبوة(أمرأه عمران وزكريا وأمرأته ومريم‌ وعيسي ويحيي عليهم السّلام)‌ يتضح‌ لك‌ جـانب من وضـع أهل البيت، ويلقي لك ضوء علي جانب من شخصية أمير المؤمنين عليه السّلام خاصة من اخبار زكريا وعـيسى‌ عليهما‌ السّلام.

هذا وحينما تقرأ الآيات التي تذكر‌ بعض‌ اولياء اللّه من غـير الانـبياء عـليهم السّلام مثل الرجل الذي جاء من اقصي المدينة يسعي وقال يا قوم‌ اتبعوا‌ المرسلين، و مثل مؤمن آل فرعون وحـواره ‌ ‌مـع قومه ودفاعه‌ عن موسى ودعوته بذلك المنطق الرفيع وتلك الحجج الدامغة والمفاهيم العـالية، ومـثل الرجـلين اللذين‌ أنعم‌ اللّه‌ عليهما، اللذين انتصرا لموسى علي قومه حينما تخاذلوا عن طاعة أمر اللّه‌ فـي‌ الجهاد وما كان منهما من وعظ ومن مفاهيم سامية...،و مثل لقمان وحكمته وتـعاليمه‌ الحكيمة‌ وتوصياته ووعظه الرفـيع...و مـثل ذي القرنين وسيرته الربانية وفتوحاته‌ الموفقة‌ المسددة بعناية اللّه سبحانه وثقته باللّه...، ومثل اصحاب الكهف وآيتهم العجيبة وهدايتهم‌ الربانية‌ وما الهموا من علم الدين...،و مثل العبد الصالح الذي وجده موسى وفتاه، والذي‌ علمه اللّه سـبحانه من لدنه علما خاصا وكلّفه بمهمة خاصة وما‌ كان‌ ينفذه‌ من دور عظيم وعجيب يقوم علي أساس العلم الرباني وليس علي اساس‌ المقاييس‌ المتعارفة... تتضح لك جوانب عظيمة من شخصيه أمير المؤمنين عـليه السـّلام ويظهر‌ لك‌ جليا‌ كيف يكون لبعض اولياء اللّه فضل حتي علي بعض الرسل وإن لم يكونوا انبياء...و‌ في‌ ذلك مؤشر علي ما جعل لأمير المؤمنين من فضل ومنزلة وولاية‌ اوسع‌ مما جعل لبعض الأنـبياء والرسـل ولم يكن نبيا.

و حينما تقرأ أدعية الأنبياء‌ بصورة‌ عامه‌ وأدعية ابراهيم بصورة خاصة ترتسم لك صورة لمصداقية أمير المؤمنين لأدعيتهم‌ أو‌ لكونه جزء من مصاديق الاستجابة.

و يظهر لك وكأنه هو المعني بدعاء أبراهيم عليه السّلام

و‌ اجـعل لي لسـان صدق في الاخرين...

و أنه هو مصداق قوله تعالى

و‌ جعلنا‌ لهم لسان صدق عليا

و يفتح لك‌ ابواب‌ الهداية‌ للحديث النبوي الشريف الذي تكثفت فيه المقارنة‌ بين‌ أمير المؤمنين عليه السّلام وبين الانبياء والصديقين السابقين، وما دأب عـليه أهـل‌ البـيت‌ من اعتبار ذكر الأنبياء والصـديقين‌ أمـثلة لأمـير‌ المؤمنين‌ عليه‌ السّلام بصورة خاصة ولهم كلهم‌ بصوره‌ عامة (2)

القسم الثاني: ويشمل الآيات التي تذكر الايمان وقوانين الولاية بين‌ العبد‌ وبين اللّه تعالى والمـؤمنين‌ المـسلمين لأمر اللّه والمتقين‌ والأبرار وأصحاب الجنّة...و‌ ما‌ الى ذلك من آيـات، والآيـات التي نزلت في امير المؤمنين عليه السّلام وهذا‌ القسم يشمل آيات كثيره جدا‌ سنقتصر‌ علي‌ الإشارة الى بعضها‌ كمثال‌ لمـا نـراه مـن منهجة‌ مفيدة‌ لدراسة هذه الآيات ولدراسة شخصية ومنزلة وولاية أمـير المؤمنين عليه السّلام‌ من‌ خلالها.

و دليلنا في تتبع الآيات‌ لهذا‌ الغرض هو‌ القرآن‌ الكريم‌ والحديث الشريف وواقع أمير المـؤمنين عـليه السـّلام وما تقتضيه السنن الإلهية في الانبياء وذرياتهم وآل‌ الانبياء وبيوتاتهم. فالقران الكريم يـتضمن آيـات‌ نزلت‌ في‌ أمير‌ المؤمنين‌ عليه السّلام بالإجماع‌ والقطع، فتكون دليلا الى آيات اخرى مشابهة أو الى مقاطع قرآنية أخري مـشابهة، وبـذلك يـنفتح باب‌ واسع‌ لبحث‌ قرآني واسع غزير، والحديث الشريف وصف أمير‌ المؤمنين‌ بـصفات‌ سـامية‌ أو‌ أنـه‌ بلّغ عن اتصافه بتلك الصفات، وواقع أمير المؤمنين يدلّك علي الآيات التي تنطبق عـليه مـع غـيره والتي لا تنطبق إلا عليه أو التي يكون هو مثلها‌ الأعلى ومصداقها الأصداق بعد الرسول صلّي اللّه عـليه وآله وسـلّم، وسنة اللّه في الأنبياء وآل الانبياء وذرياتهم تدلّك علي الآيات التي تشمل أهل البيت عـليهم‌ السّلام.

و مـيزاننا فـي تقديم أهل البيت عليهم السّلام علي من سواهم عند التعارض أو التزاحم بين الدعاوي والتـصورات يـتكون مما تقتضيه سنة اللّه في الانبياء وآل الانبياء‌ والذريات الطاهرة ومن الواقع التاريخي. فأن الدعـاوي لغـير أهـل البيت لا تنسجم مع سنة اللّه في الانبياء والرسالات الرئيسية ومع‌ ما‌ تقتضيه كرامة النبي الأعظم صـلّي‌ اللّهـ‌ عليه وآله وسلّم علي اللّه ومع فضله علي جميع الانبياء والمرسلين، بينما الدعوي لأهل البـيت تـنسجم مـع ذلك بل هي من‌ مقتضيات‌ السنة الالهية، والواقع التأريخي‌ يجعل‌ الدعوي لغير أهل البيت متهمة بـنفس الوقـت الذي يـكون فيه مقويا للدعوي لأهل البيت، لأن الدعاوي المقابلة لما يذكر لأهل البيت مـن مـقام وفضل وولاية تتهم انها وضعت‌ بعد‌ أن حكم خصوم أهل البيت بتدبير من قبل بعض السلاطين الذيـن قـام سلطانهم علي اساس تقديم البعض علي أهل البيت أو أشراكهم معهم في بـعض الفـضائل، وما قام به بنو‌ أمية‌ من وضـع‌ وكـذب وتـحريف معروف لا يحتاج الى بحث هنا، وكذلك محاولات تجريد أهل البـيت مـن بعض الفضائل‌ السامية تتهم بنفس التهمة، وهذا بعينه يكون من الشواهد علي إن مـا‌ وصلنا‌ من فضائل أهل البـيت عـليهم السلام هـو أقـل مـما كان لهم بالفعل لأن المحاربة الحادة والمـستمرة ‌‌لعـدة‌ قرون حجبت عنا بعض حقهم.

و من هذا كله يتضح أنّ دراسة امير‌ المـؤمنين‌ عـليه‌ السلام في القرآن الكريم موضوع واسـع ومتشعب وغني وغزير جـدا، ومـحاولة‌ استيعابه تستغرق موسوعة ضخمة لكـننا، وكـما ذكرنا سنقتصر على الإشارة والإشارة بالقدر‌ الذي تتطلبه المنهجة ويسمح‌ به المجال...

علي قائد البررة (الأبرار):

أطلق القـرآن الكـريم علي الامام علي بن ابـي طـالب والصديقة فاطمة الزهراء والسـبطين الحـسن والحسين عليهم السلام عـنوان الأبـرار وذلك في سورة الانسان،‌ وذلك نص عليهم لا ريب فيه، ولا بد من الايمان به تصديقا للّه سبحانه، وكـون الآيـات نزلت فيهم خاصة أمر قطعي، وذلك حـينما تـصدّق أهل البـيت النـبوي بـكل طعامهم ثلاثة‌ أيام‌ مـتوالية ولم يذوقوا فيها غير الماء، وكانوا يوفون النذر بالصيام ثلاثة ايام، فنزلت الآيات:

إنّ الأبرار يشربون مـن كـأس كان مزاجها كافورا*عينا يشرب بها عـباد اللّه يـفجّرونها تـفجيرا*يوفون‌ بـالنّذر‌ ويـخافون يوما كان شـرّه مـستطيرا* ويطعمون الطعام علي حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا*إنما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء ولا شكورا*إنّا نخاف من ربـّنا‌ يـوما‌ عـبوسا قمطريرا*فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا *و جـزاهم بـما صـبروا جـنّة وحـريرا* مـتّكئين فيها علي الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا*و‌ دانية‌ عليهم‌ ظلالها وذلّلت قطونها تذليلا*و‌ يطاف‌ عليهم‌ بآنية من فضّة وأكواب كانت قواريرا*قوارير من فضة قدّروها تقديرا *و يسقون فيها كأسا كـان مزاجها زنجبيلا*عينا فيها تسمي سلسبيلا*‌ ويطوف‌ عليهم ولدان مخلّدون اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا*و‌ إذا‌ رأيت ثمّ رأيت نعيما وملكا كبيرا*عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلّوا أساور من فضّة وسقاهم‌ ربّهم‌ شرابا‌ طهورا*ان هـذا كـان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا [الانسان:5-22]

وهذا المقطع القرآني الكريم يكون دليلا لتتبع كثير من الآيات في القرآن الكريم التي يكون امير المؤمنين عليه‌ السّلام‌ مصداقها‌ الأعلى بعد النبي صلّي اللّه عـليه وآله وسـلّم، ومنها‌ آيات‌ الأبرار، فإن النص جعل الامام عليه السّلام مثلا وعلما لهم.

و قد ورد عنوان الأبرار خمس مرات‌ اضافة‌ الى ما جاء في هذه الآيات وفي موردين مـن هـذه الموارد جاء عنوان‌ الأبرار‌ فـي‌ آيـات نزلت في علي عليه السّلام وفاطمة الزهراء وفاطمة بنت أسد أم‌ الامام‌ ومجموعة من المؤمنين هاجروا بحماية امير المؤمنين عليه السّلام بعيد هجرة الرسـول صـلّي اللّه‌ عليه‌ وآله وسلّم، وأحـد العـنوانين ورد في دعاء اولئك الأبرار بأن يتوفاهم‌ اللّه‌ سبحانه‌ مع الأبرار، والثاني جاء ضمن استجابة اللّه سبحانه لهم وتأكيده بأنهم من‌ الأبرار، وسوف نذكر الآيات في فقرة قادمة إن شاء اللّه تعالى. أنظر آل ‌عمران (193-198).و بـقية‌ المـوارد‌ في‌ الآيات التالية:

{ان الأبرار لفي نعيم*على الأرائك ينظرون*تعرف في وجوههم نضرة‌ النعيم*يسقون‌ من رحيق مختوم* ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون*و مزاجه من‌ تسنيم‌ عينا‌ يشرب بها المقربون} (المطففين:22-28)

{كلاّ إنّ كتاب الأبـرار لفـي علّيين* ومـا أدراك ما عليون*كتاب مرقوم*‌ يشهده‌ المقربون} (المطففين:18-21)

و آية الانفطار والآيات 22-28 من المطففين تشبه آيات سورة الانسان، وكأنها‌ جزء منها مـع أنها نزلت في بداية عمر البعثة وسورة الانسان نزلت في اواخـر عـمر‌ النـبي‌ صلّي اللّه عليه وآله وسلّم.

اما الآيات 18-21 من المطففين‌ فإنها‌ تخبر عن موضوع هام آخر وهو‌ وجود‌ كتاب‌ خاص بـالأبرار ‌ وأنـه في عليين، وأنه‌ كتاب‌ مرقوم ويشهده المقربون، وسيأتي بعض الفوائد الهامة من هـذه الحـقائق العـظيمة. ومن‌ ملاحظة مقابلة عنوان الأبرار لعنوان‌ الفجار‌ فوائد علمية‌ هامة‌ تأتي‌ الاشارة الى بعضها ان شاء اللّه‌ تعالى. ومن ذلك آيات البر؛ فانّ عنوان الأبرار مأخوذ من البر، وأن أهل البر‌ المتلبسين‌ بـه دائما هم الأبرار، فـآيات البـر‌ كآيات الأبرار تكون مما‌ يتضمن‌ ذكر أمير المؤمنين عليه السلام‌ وفي كل منها نكتة ودرس وهي:

{ليس البرّ ان تولّوا وجوهكم‌ قبل‌ المشرق والمغرب ولكنّ‌ البرّ‌ من‌ آمن باللّه واليوم‌ الآخر والملائكة والكتاب‌ والنـبيين وآتي المال علي حبّه ذوي القربي واليتامى والمساكين وابن‌ السبيل والسائلين وفي الرقاب‌ وأقام الصلاة‌ وآتي‌ الزكاة والموفون بعهدهم‌ إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا وأولئك‌ هم المتقون} (البقرة: 177)

{وليس البـرّ بـأن‌ تأتوا‌ البيوت‌ من‌ ظهورها‌ ولكن البرّ‌ من‌ أتقي وأتوا البيوت من ابوابها واتقوا اللّه لعلكم تفلحون} لبقرة:189)

... {و تعاونوا على البر والتقوي‌ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا‌ اللّه‌ إنّ‌ اللّه‌ شديد‌ العقاب (المائدة:2)

{يا أيها الذين آمـنوا اذا تـناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبرّ والتقوي واتّقوا اللّه الذي إليه تحشرون} (المجادلة:9)

و أمير المؤمنين عليه السلام مصداق البر في كل هذه الآيات لان القرآن الكريم نص علي أنّه في مقدمة الأبـرار اولا،و لأن المـواصفات التي ذكرت في تفسير وتعريف البر قد‌ اجتمعت‌ فيه، ومن ملاحظة الآيات جيدا يتضح ما لأمير المؤمنين عليه السّلام من امتياز علي جميع الصحابة، وذلك من ملاحظة سهولة ادراك انطباق مـواصفات وشـرائط البـر في شخصه وصعوبة‌ تصور اجـتماعها كـلها بـالدقة في غيره من الصحابة غير فاطمة والحسنين عليهم السلام.

و من شهادة القرآن الكريم للأمام بأنه في مقدمة‌ الأبرار‌ يتضح لك أيضا امتيازه عـلي‌ غـيره‌ فـي آيات النجوي وسوف نعود اليها في موضع قـادم ان شـاء اللّه تعالى.

{أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب‌ أفلا‌ تعقلون} (البقرة:44)

فإن شهادة القرآن الكريم‌ لعلي‌ بن ابي طالب بأنه في مـقدمة الأبـرار مـن آيات الاستجابة في سورة آل عمران، وآيات المديح في سورة الانـسان تخبرك أنه عليه السلام أهل للأمر بالبر، لانه متلبس به دائما ولا‌ ينفك عن معني من معانيه ولا عن بعد مـن أبـعاده ولا عـن جانب من جوانبه، وهذا الإخبار لم يحصل لأحد غيره من الصحابة فـيكون التـقدم عليه وتجاوزه‌ في‌ الأمر-بالبر مشكلا‌ بينما يكون تقدمه هو وتجاوزه غيره في الأمر بالبر متيقن الصـحة والاسـتقامة وعـدم التهافت‌ أو التناقض.

و حينما تقرأ قوله تعالى:

{كلاّ إنّها تذكرة*فمن شاء‌ ذكره*‌ في‌ صحف مـكرّمة مـرفوعة مـطهّرة* بأيدي سفرة*كرام بررة} (عبس:11-16)

فإنك تنتبه الى حقيقة اخرى لعلي بن ابي طالب عليه ‌‌السلام، وانه مـن مـستوي هـؤلاء الكرام البررة ومن جوهرهم، وذلك لشهادة القرآن الكريم‌ له‌ بأنه‌ في مقدمة الأبرار لانه كـان كـذلك في كل الآيات التي ذكرت الأبرار وعنته شخصيا‌ من بينهم(3)

و هناك فوائد كثيرة مـن آيـات سـورة الانسان نذكر بعضها فيما‌ يناسبها من آيات، ومنها‌ ذكر‌ الصفات العالية التي شهدت الآيـات لأمـير المؤمنين عليه السّلام بها مثل عباد اللّه، الوفاء بالنذر، يخافون يوم القيامة، وقاهم شر ذلك اليـوم، يطعمون الطـعام عـلي حبه، عملهم لوجه اللّه، أهل الوجوه الناضره، السرور يوم القيامة، إنّهم صبروا، انهم متكئون علي‌ الأرائك، دانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا،عاليهم ثياب سـندس خـضر واستبرق...الخ. هذا والآيات اعطت امتيازا لأمير المؤمنين وأهل بيته علي جميع أهل الجـنّة بـذكر أمـور لم تذكر في أي‌ مورد‌ آخر ومنها:

مزاجه كافورا ويفجّرونها تفجيرا

فإن هذا التعبير بهذا المعني العائد علي نفس المـعنيين بـهذه الآيـات منهم الذين يفجرون العين تفجيرا لم يرد في آيات أخر، و«سرورا» لم يذكر لاحـد‌ انـه‌ يكون مسرورا يوم القيامة الا لهؤلاء الأبرار،نعم ذكر الاستبشار كما سيأتي، ولا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية ظلالها وذللّت قطوفها تذليلا وآنية ومن فضّة فإنها ذكـرت القـوارير‌ والآنية والأساور ولم يذكر ذلك في آيات اخر.

ومزاجها زنجبيلا وسلسبيلا ولؤلؤا منثورا أي وصف الولدان باللؤلؤ المنثور لم يذكر الا في هـذه الآيات ومما يذكر‌ ان‌ الحور‌ العين لم تذكر فـي هـذه‌ الآيـات‌ لأن‌ ذكرها مع وجود فاطمة الزهراء لا يـكون مـدحا، لأن فاطمة الزهراء أرقي من الحور اولا وهيبة لمقامها ثانيا.

وملكا كبيرا وطهورا لم يذكر‌ شراب الجنة بهذا الوصـف الا هـذا الشراب الذي‌ يسقاه‌ أهل البـيت عـليهم السّلام. وكـذلك سـقاهم ربهم

فإن اضـافة السقي الى اللّه سبحانه لم ترد الا في هذا المورد.

و أخـيرا‌ فـأن الآيات لم تذكر الجنّة اولا ثم فرّعت عليها الامتيازات، وانما ذكرت الامتيازات وعدّت مـن ضـمنها جنة خاصة (حديقة خاصة من ضـمن الجنّة)و في ذلك سر عـظيم، لان‌ الآيـات‌ في‌ مقام المدح الخاص وتـعدد امـتيازات أهل البيت علي أهل الجنة، فالجنّة‌ درجات‌ ولأن كونها في الجنّة من المسلمات قبل نـزول هـذه الآيات فلا يشكل الاخبار بـأنهم مـن‌ الجـنة‌ مدحا‌ لهم فـي هـذه المناسبة العظيمة وهذا المـوقف العظيم (4)

علي عـليه السّلام إمام‌ المتقين:

و من وصف النبي صلّي اللّه عليه وآله وسلّم لامير المؤمنين عليه السّلام‌ بأنه‌ إمـام‌ المـتقين يشكل دليل لتتبع آيات المتقين فـي القـرآن الكريم لتـرتسم صـورة لامـامهم الذي هو‌ في‌ مقدمتهم، فهو مـثلهم الأعلى، وهو المصداق الأعلى والاصدق لما جاء في الآيات لقول‌ النبي‌ صلّي‌ اللّه عليه وآله وسلّم ولشـهادة واقـعه عليه السّلام، وشهادة آيات الأبرار‌ التـي‌ وصـفته بـما يـفوق صـفات المتقين،فهو قد احـرز مـنزلة المتقين ثم احرز منزلة‌ الابرار. والآيات‌ التي لها علاقة بهذا الموضوع كثيرة جدا، والدروس التي يمكن ان تـستنبط مـنها كـثيرة‌ وواسعة، ولكننا نكتفي بما تتطلبه منهجتنا فـي هـذا البـحث ذاكـرين اولا بـعض‌ الآيـات‌ التي تصف المتقين ومن ثم بعض الآيات التي تصف مقامهم في الآخرة، وبعد ذلك بعض الآيات‌ التي‌ تبين‌ بعض الخصائص وبعض قوانين الولاية بين اللّه وعباده حسب ما‌ يجر‌ اليه التـدبّر في الآيات.

{الم*ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين*الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة‌ ومما رزقناهم ينفقون *و الذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل‌ من‌ قبلك وبالآخرة هم يوقنون*أولئك على هدى‌ من‌ ربـهم‌ وأولئك هـم المفلحون} (البقرة: 1ـ5)

و انظر الآية‌ 1771‌ المتقدم ذكرها في آيات البر {ليس البر} فإنها تعدد صفات البر العليا وتختتم بقوله‌ تعالى {أولئك الذين صدقوا واولئك‌ هم‌ المتقون}

و سيأتي‌ بعونه‌ تعالى‌ ربطها بآيات الصادقين.

{للذين اتقوا عند‌ ربهم‌ جنات تـجري مـن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان‌ من‌ اللّه واللّه بصير بالعباد*الذين يقولون‌ ربنا إننا آمنا فأغفر‌ لنا‌ ذنوبنا وقنا عذاب النار*‌ الصابرين‌ والصادقين والقانتين والمـنفقين والمـستغفرين بالأسحار}(آل‌عمران:15-17)

{الذين استجابوا للّه والرسول‌ من بـعد مـا أصابهم القرح‌ للذين‌ أحسنوا‌ منهم واتقوا‌ أجر‌ عظيم} (آل عمران: 172)

{إنّ الذين يغضّون‌ أصواتهم‌ عند رسول اللّه أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوي لهم مغفرة وأجر عظيم} (الحجرات:3)

{وجنة عرضها السموات والأرض أعـدّت‌ للمـتقين‌ الذين ينفقون‌ في‌ السـرّاء‌ والضـرّاء والكاظمين‌ الغيظ والعافين عن الناس واللّه يحب المحسنين*و الذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا‌ أنفسهم‌ ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن‌ يغفر‌ الذنوب‌ الاّ‌ اللّه‌ ولم يصرّوا‌ علي‌ ما فعلوا وهم يعلمون*اولئك جزاؤهم مغفرة من ربّهم وجـنات تـجري من تحتها الأنهار خالدين‌ فيها‌ ونعم أجر العاملين...} (آل عمران:133-136). وكذلك الآيات التي‌ تحث‌ علي‌ احراز‌ الصفات‌ السامية‌ التي تكون جزءا من صفات المتقين أو تجمعها يكون أمير المؤمنين عليه السّلام مصداق تـطبيقها، لأننا عـلى يقين مـن توفر تلكم الصفات عنده، لشهادة القرآن له في آيات‌ الأبرار وآيات الصدق والصديقين وآيات الأحزاب والصف وغيرها.

و تتركز صـفات المتقين في قوله تعالى:

{والذي جاء بالصدق وصدّق به اولئك هم المتقون} (الزمر:33)

والذي جاء بالصدق هـو الرسـول صـلّي اللّه عليه وآله وسلّم، والصدق هو كل الإسلام عقيدة ومفاهيم وأحكاما، والذي صدق به جملة وتفصيلا هو المصداق الأعلى‌ لمن‌ قـرن ‌بـالنبي صلّي اللّه عليه وآله وسلّم في الآية. والتصديق الحقيقي هو الايمان والعمل والاستقامة والطاعة، فيكاد يـقتصر‌ المـصداق‌ فـي ذلك الزمن على النبي‌ وعلي وفاطمة. ولكن بركة الآية وفيضها يترشحان على المؤمنين العاملين.

و يتركز ما للمـتقين من ثواب في الآخرة فيما بينه القرآن‌ الكريم‌ لمصداق الآية نفسها بقوله‌ تعالى:

{لهـم ما يشاؤون عند ربـهم ذلك جـزاء المحسنين، ليكفّر عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانون يعملون} (الزمر:34-35)

فإن الآية اطلقت ما للمتقين عند ربهم ولم تحدده ولم‌ تقل لهم ما يشاؤون في الجنّة، أي ان لهم ما يشاؤون من جنان ومن مواصفات الجـنان وفرق أن تكون مشيئتهم محدده بجنّة حصينة وبين ان تكون مطلقة. والآيات‌ التي تصف‌ ما للمتقين عند ربهم من ثواب وتصف احوالهم في الآخرة وفي يوم القيامة كثيرة منها‌ بعض الآيات السابقة ومنها:

{والعـاقبه للمتقين} (الاعراف:128) و(القصص:83)

{إن‌ العاقبة‌ للمتقين} (هود:49)

{يوم نحشر المتقين الى اللّه وفدا* ونسوق المجرمين الى جهنم وردا} (مريم: 85-86)

{أم ‌‌نجعل‌ المتقين كالفجّار} (ص: 28)

{و أزلفت الجنّة للمتقين} (الشعراء:90)

{و أن للمتقين لحسن مآب} ص 49)

{والآخرة‌ عند‌ ربك‌ للمتقين} (الزخرف:35)

{مثل الجنّة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار أكلها دائم وظلّها تلك‌ عـقبي الذيـن اتقوا وعقبي الكافرين النار} (الرعد:35)

{إنّ المتقين في جنات وعيون*ادخلوها‌ بسلام آمنين*و نزعّنا ما‌ في‌ صدورهم من غلّ إخوانا علي سرر متقابلين*لا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين (الحجر:45-48)

{و قيل للذين اتـقوا مـاذا أنزل ربّكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه حسنة والدار‌ الاخرة خير ولنعم دار المتقين*جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي اللّه المتقين *الذين تتوفاهم المـلائكة طـيبين يـقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بـما كـنتم‌ تعملون} (النمل:30-32)

{قـل*أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا*لهم ما يشاؤون خالدين كان علي ربّك وعدا مسؤولا} (الفرقان:15-16)

{الأخلاّء يومئذ بعضهم لبـعض عـدو الا المـتقين*يا عباد‌ لا‌ خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمـنو بـآياتنا وكانوا مسلمين*ادخلوا الجنّة انتم وأزواجكم تحبرون*يطاف عليهم بصحاف من ذهب واكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس‌ وتلذ الأعين وانتم فيها خـالدون*و تـلك الجـنّة التي أورثتموها بما كنتم تعملون*لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} (الزخرف:67-73)

{ان المـتقين في مقام أمين*في جنات وعيون* يلبسون من سندس‌ واستبرق‌ متقابلين *كذلك وزوّجناهم بحور‌ عين*يدعون‌ فيها‌ بكل فاكهة آمـنين*لا يـذوقون فـيها الموت الا الموتة الأولي ووقاهم عذاب الجحيم*فضلا من ربّك ذلك هو الفوز العظيم} (الدخان:50-57)

{مثل الجـنة‌ التـي‌ وعد‌ المتقون فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار‌ من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خـمر لذة للشـاربين*و أنـهار من عسل مصفّي ولهم فيها من‌ كلّ‌ الثمرات‌ ومغفرة من ربهم} (محمد:15)

{فمن اتـقي وأصـلح فـلا خوف‌ عليهم ولا هم يحزنون} (الاعراف: 35)

العاقبة للتقوي} (طه:132)

{...قل متاع الدنيا قليل والأخرة خير لمن اتقي ولا‌ تظلمون‌ فتيلا) (النساء:77)

{و أزلفـت الجـنّة للمـتقين غير بعيد*هذا ما توعدون لكل‌ أواب‌ حفيظ*من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب* ادخـلوها بـسلام ذلك يوم الخلود*لهم ما يشاؤون فيها‌ ولدينا‌ مزيد} (ق:31-35)

{ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتـاهم ربـّهم إنـّهم‌ كانوا‌ قبل‌ ذلك محسنين* كانوا قليلا من الليل ما يهجعون* وبالأسحار هم يستغفرون وفي‌ أمـوالهم‌ حـق‌ للسائل والمحروم} (الذاريات:15-19)

{انّ المتقين في جنّات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربّهم‌ ووقاهم ربّهم عـذاب الجـحيم *كـلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون *متكئين علي‌ سرر‌ مصفوفة‌ وزوّجناهم بحور عين} (الطور:17-20)

{ان المتقين في جنات ونـهر فـي مقعد صدق عند‌ مليك‌ مقتدر} (القمر:54-55)

{انّ المتقين في ظلال وعيون*و فواكه مما يـشتهون*كلوا واشـربوا هـنيئا‌ بما‌ كنتم‌ تعملون*إنّا كذلك نجزي المحسنين}

(المرسلات:41-44)

{انّ للمتقين مفازا*حدائق وأعنابا* وكواعب اترابا*و كأسا دهاقا*لا‌ يسمعون‌ فـيها لغـوا ولا كـذّابا*جزاء من ربك عطاء حسابا} (النبأ:31-36)

هذا وقد‌ ذكرت‌ هذه‌ الآيات كلها لتسهيل احضارها امـام الدارس ليـقارن بينها وليكون صورة عن المتقين في الآخرة،‌ ليكون‌ ذلك‌ دليلا له لتصور ما لأمام المتقين فيها أي فـي الاخـرة ودوره‌ في‌ تلك الحياة الخالدة، وليكوّن صورة عن تكرر الآيات في القـرآن الكـريم وكيف انها تجعل القارئ ابدا‌ امام ذكـر المـتقين، ومـن المقارنة يتضح ان للمتقين درجات ومستويات من‌ الحـياة‌ فـي الحياة الآخرة، وان بعض الآيات تشير‌ الى اوسع‌ دائرة يضمها عنوان المتقين، وبعضها يشير الى دائرة‌ أقـل ودرجة أعلى وصنف اخص، وبـعض الآيـات تشير الى الدائرة الاضيق والصـفوة‌ الأخص، وان بـعض الآيات ذكرت‌ صورة‌ مقاربة لما‌ ذكـرته‌ آيـات‌ الابرار...و بعد هذا كله فإن إمام‌ المتقين‌ وقائد الأبرار يشارك جميع المـتقين فـي درجاتهم ومستوياتهم وفيما‌ اعد‌ لهم مـن انواع الثواب ويمتاز‌ عـليهم بـامتيازات يتضح بعضها‌ من‌ آيات الأبـرار وآيـات اخر‌ سنذكر‌ بعضها ومن الأحاديث الشريفة التي تناولت وصف ما لأمير المؤمنين مـن مـقام‌ في‌ الآخرة وما له من‌ جـنان‌ ومـلك عظيم.

و بـعض‌ الآيات المتقدمة تـشير الى بعض‌ ما يضطلع بـه المـتقون من دور قيادي وما لهم من ولاية في الآخرة‌ لانها تشير الى نوع ملك ومنصب‌ فـي‌ تـلك الدار، وهذا‌ جانب‌ من قوانين الولاية بـين‌ اللّه وعـباده، ونضيف اليها:

{يـا أيـها الذيـن آمنوا ان تتقوا اللّه يجعل لكـم فرقانا...} (الانفال:28)

{انّه‌ من يتّق ويصبر فانّ اللّه‌ لا‌ يضيع‌ أجر‌ المحسنين...} (يوسف:90)

{...واقيموا الشهادة‌ للّه‌ ذلكم يوعظ به مـن كـان يؤمن باللّه واليوم الآخر ومن يـتقّ اللّه يـجعل له‌ مـخرجا‌ ويـرزقه من حيث لا يـحتسب ومـن‌ يتوكل‌ على‌ اللّه‌ فهو‌ حسبه‌ إنّ اللّه بالغ امره قد جعل اللّه لكل شي‌ء قدرا (الطلاق:2- 3)

{...و من يتق اللّه يجعل له مـن أمـره يسرا}

(الطلاق:4)

{و مـنهم من يستمع اليك حتي اذا‌ خرجوا من عـندك قـالوا للذيـن اوتـوا العـلم مـاذا قال آنفا اولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم واتّبعوا اهواءهم* والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} (محمد:16-17)

{ذلك الكتاب لا‌ ريب‌ فيه هدي للمتقين} (البقرة:2)

{...فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين*فجعلناها نكالا لما بين يديها ومـا خلفها وموعظة للمتقين} (آل‌عمران:138)

{و لقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكري‌ للمتقين} (الانبياء:48)

{و لقد أنزلنا اليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} (النور:32)

{...و إن الظالمين بعضهم أولياء بعض‌ واللّه ولي المتقين}

(الجاثية:19)

{و أنه‌ تذكرة‌ للمتقين} (الحاقه:48)

نجد في هـذه الآيـات اربعة انواع من قوانين وسنن التولي، أحدها: انّ التقوي تدخل في شرائط الانتفاع من الصبر والجهاد وكل عمل‌ صالح، والثانية:انّ تقوي اللّه سبحانه‌ تشكل‌ العامل الرئيسي للهداية والبصيرة والعلم، والثالثة: انّ التقوى تـهيئ اسـباب المخرج من المعضلات سواء كانت معضلات تشريعية أو كانت في الوضع التكويني للانسان والظروف المحيطة به، والرابعة: ان‌ التقوى‌ شرط أساسي في مدي الانتفاع مـن الآيـات سواء كانت آيات كونية أو كـانت مـعاجز وعقوبات أو كانت آيات قرآن أو حكمة نبوية، فالمتقون هم الذين يتعظون بالآيات هم الذين يزدادون إيمانا‌ بها، وهم الذين‌ يتعلمون منها اكثر من غيرهم.

و يؤيد هذه المعاني الآيات التـي تـنص على ان اللّه مع المتقين‌ مـثل آيـة: 186 من سورة آل‌عمران والبقرة:194 والتوبة:36-123.

و قوله‌ تعالى

{انما يتقبل اللّه من المتقين} (المائدة:27) يوضح ان قبول الأعمال وانوع البر والدعاء انما يكون من المتقين، فالتقوى ‌‌من‌ عوامل القبول الاساسية.

و الآيات آل‌عمران:76،و التوبة:4-7 تنص على ان اللّه يحب المتقين.

واخيرا‌ فان النصر والامـداد بـالملائكة يتوقف على توفر حالة من الصبر والتقوى عند الجيش‌ الاسلامي المحارب مع الرسول صلّي اللّه عليه وآله وسلّم

{بلي‌ ان تصبروا وتتقوا‌ ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين} (آل‌ عمران: 125) هذا ومـن الواضـح ان بعض الآيـات يصعب ان تجد لها مصداقا حقيقيا دقيقا ومثلا واقعيا مع النبي غير‌ علي بن ابي طالب عليه السـّلام، لصعوبة تلمس اجتماع الصفات والخصائص المذكورة فيها عند غيره، بينما تجدها متجسده عـنده بـسهولة، وقـد احتفظت ببعض الآيات لآخر الفصل لفوائد سوف اذكرها عند ذكرها بعون‌ اللّه‌ تعالى.

علي أمير المؤمنين:

لقد نص القرآن الكـريم ‌ ‌عـلي امير المؤمنين بأنه (آمن باللّه) وانه (مؤمن) وأنه (المؤمنون) وأنه (الذين آمنوا) وذلك في مواضع اقصى مـدح المـؤمنين فـي القرآن ومن دون الصحابة اجمعين:

{أجعلتم‌ سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجـاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظالمين* الذين آمنوا‌ وهاجروا وجاهدوا في سـبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجـة عـند اللّه وأولئك هم الفائزون*يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم*خالدين فيها‌ ابدا‌ ان‌ اللّه عنده اجر عظيم} (التوبة:19-22)

نزلت‌ هذه‌ حينما‌ تفاخر العباس عم النبي وطلحة كل بما كان يقوم به من خـدمة للبيت الحرام وفاخره العباس بسقاية الحاج وترافعا‌ لعلي‌ بن ابي طالب فقال رادا عليهما جميعا

انا‌ اول‌ من آمن وهاجر

فأهتضموا ورفعوا ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فنزل الوحي المبين ولم‌ يحدث‌ مثل هذا الانتصار الإلهي بـالوحي، وهـذه الشهادة الصريحة لأحد من‌ الصحابة غير علي بن ابي طالب عليه السّلام.

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضي‌ نحبه‌ ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا* ليجزي اللّه الصادقين بصدقهم‌ ويـعذب المـنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورا رحيما*و ردّ اللّه الذين كفروا‌ بغيظهم‌ لم‌ ينالوا خيرا وكفي اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويا عزيزا*‌ وأنزل‌ الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف فـي قـلوبهم الرعب فريقا تقتلون‌ وتأسرون‌ فريقا*و أورثكم أرضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطؤوها وكان اللّه‌ علي‌ كل شي‌ء قديرا} (الأحزاب:23-27)

والرجال الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه هم‌ علي‌ بن‌ ابي طالب عليه السـّلام وحـمزة بـن عبد المطلب وعبيده بن الحـارث بـن‌ المـطلب‌ عليهما الرضوان، وعلي عليه السّلام هو الذي ينتظر الشهادة ولم يمدح احد‌ من‌ الصحابة‌ بمثل هذا المدح وحتي الشهيدان حمزة وعبيدة لم يكن مـدحهما فـي الآيـتين كمدح‌ الامام‌ لأن الحكم للشهيد المقتول في سبيل اللّه لا يـرقى الى الحـكم للحي‌ بأنه‌ صدق‌ ما عاهد اللّه عليه وانه لم يبدل وانه سيجزي جزاء الصادقين، وانه ينتظر‌ الشهادة‌ بصدق‌ مع انه عـليه السـّلام بـقي ينتظر الشهادة بهذا المستوي من بعد نزول‌ الآية‌ ما يـقارب الاربعين سنة.

و الآيات الأخرى بعضها نزلت تعليقا علي نصر اللّه وفرجه الذي‌ منّ‌ به علي الأمة الأسلامية في معركة الخـندق(الأحزاب) والذي تـم عـلي يدي‌ امير‌ المؤمنين عليه السّلام وجهوده من دون‌ المسلمين‌ وبه كـفي اللّه المـسلمين القتال، ورد الذين‌ كفروا‌ بغيظهم لم ينالوا خيرا، وأمر معركة الخندق وقتل الامام عمرو بن ود‌ العامري‌ وانهزام المـشركين بـسبب ذلكـ‌ معلوم‌ متواتر، وبعضها‌ نزلت‌ فيه وتقدمت الاشارة اليها ولدور‌ امير المؤمنين عليه السّلام.

و الواقـع ان اول مـحور رئيـس من المحاور‌ التي‌ تدور حولها سورة الأحزاب هو الإشادة‌ بذكر أمير المؤمنين عليه‌ السـّلام،‌ وقـد ورد فـيها لفظ(المؤمنون)بمعنيين‌ مختلفين‌ بينهما فرق كبير جدا، احدهما معني المسلمين جميعا ما عدا النبي وعلي بـن‌ ابـي‌ طالب وفيه، وصف لحالهم في‌ ذلك‌ اليوم‌ ولوضعهم النفسي‌ والعسكري الواهي الخائف، والثاني‌ بـمعني‌ عـلي بـن ابي طالب عليه السّلام خاصة وحاله في ذلك اليوم العصيب، ووضعه‌ النفسي‌ والجهادي القوي الرفـيع ضـمن الآيات‌ التي‌ تصف المسلمين‌ في‌ ذلك‌ اليوم

يا أيها الذين‌ امنوا اذكروا نعمة اللّه عـليكم اذ جـاءتكم جـنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها‌ وكان اللّه بما تعملون بصيرا*اذ جاؤكم‌ من‌ فوقكم و‌ من‌ اسفل منكم واذ‌ زاغـت الأبـصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون باللّه الظنونا*هنا لك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا‌ شديدا*و‌ إذ‌ يقول المنافقون والذيـن فـي قـلوبهم مرض‌ ما‌ وعدنا‌ اللّه‌ ورسوله‌ الا غرورا*و اذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فـارجعوا ويـستئذن فـريق منهم النبي يقولون إنّ بيوتنا عورة وما هي بعورة ان‌ يريدون الاّ فـرارا*و لو دخـلت عليهم من اقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا الا يسيرا*و لقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يـولون الأدبـار وكان عهد اللّه‌ مسؤولا*قل‌ لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت أو القتل واذا لا تمتّعون الا قـليلا*قل مـن ذا الذي يعصمكم من اللّه إن أراد بكم سوء أو اراد بكم رحمة‌ ولا يـجدون لهـم مـن دون اللّه وليا ولا نصيرا*قد يعلم اللّه المعوّقين منكم والقائلين لأخـوانهم هـلمّ الينا ولا يأتون البأس‌ إلاّ‌ قليلا*أشحة عليكم فاذا جاء الخوف‌ رأيتهم‌ ينظرون اليك تدور أعـينهم كـالذي يغشي عليه من الموت فـإذا ذهـب الخوف سـلقوكم بـألسنة حـداد أشحة علي الخير اولئك لم يؤمنوا فأحبط اللّه اعـمالهم‌ وكـان ذلك علي اللّه‌ يسيرا*‌ يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وان يأت الأحزاب يودّوا لو أنهم بادون فـي الأعـراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم مـا قاتلوا إلاّ قليلا (الاحزاب:9-20)

و قد أوردت الآيات عـلي‌ طـولها‌ لترتسم الصورة كاملة عن حـال المـسلمين (الصحابة)في ذلك اليوم المخيف صورة كاملة لمؤمنيهم وللمنافقين معا، فالمؤمنون أحيطوا من كل جانب وزاغـت مـنهم الابصار وبلغت القلوب الحناجر وظـنوا‌ بـاللّه‌ الظـنونا وابتلوا وزلزلوا زلزالا شديدا، والمـنافقون كـما وصف اللّه سبحانه، واذا علمت ان المـنافقين عـلي نوعين، نوع واضح‌ معروف ونوع آخر ممن مردوا علي النفاق وهم غير‌ معروفين‌ يتخللون‌ صـفوف المـؤمنين بالحال التي وصفها القرآن الكريم تـعرف مـاذا كان الوضـع الداخـلي للامـة في ذلك اليوم، وإذا ‌‌اضفت‌ الى ذلك تـواطؤ اليهود وتآمرهم مع الأحزاب ضد النبي وأمته وخيانتهم‌ له‌ تعرف الظروف العصيبة التي كانت تـحيط بالمسلمين.

و قـد حرص القرآن الكريم ان يبين حال‌ الرسـول الأعـظم صـلّي اللّه عـليه وآله وسـلّم والفرق بينه وبـين مـا كان عليه‌ المسلمون، وأنه غير مشمول بالوصف المذكور لعامه المؤمنين، بل انه كان علي العكس مـن ذلك وكـان وصـفه حجة علي المؤمنين، وكان عليهم ان يقتدوا بـه ويـتخذوه أسـوة فـي الاطـمئنان وربـاطة الجأش والتوكل علي اللّه والصبر والشجاعة والاستعداد للقتال...:

{لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنه لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه‌ كثيرا} (الأحزاب:22-21)

ثم بين حال ووضع أمير المؤمنين عليه السـّلام الذي يحاكي وضع الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم،و بين الفارق الكبير بينه وبين حال ووضع عامة‌ المسلمين‌ في ذلك اليوم، وأعطاه عنوان «المؤمنون» فهو أذن أمة كما كان المؤمنون أمة، والفارق في الحال والكيف، فهو ارجح واشـرف مـن تلك الأمه المتكونة منهم جميعا:

{و لما رأي‌ المؤمنون‌ الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلاّ ايمانا وتسليما} (الاحزاب: 22)

ثم بين ان المعني هو علي بن ابي طالب‌ عليه‌ السّلام‌ وانـه هـو بقية الرجال‌ الذين‌ صدقوا‌ ما عاهدوا اللّه عليه وانه هو الذي ينتظر وما بدل تبديلا، وأن الفرج انما تحقق علي يديه بأذن اللّه، و‌انّ‌ المدد‌ الإلهي جـاء عونا له.

و اختصاص الآية 22‌ ولفظ(المؤمنون) فـيها بـأمير المؤمنين عليه السّلام واضح، لانه عليه السّلام وحده من بين المسلمين من بعد الرسول كان علي هذه‌ الحال‌ العالية‌ ولم يثبت احد منهم جدارة للمشاركة فـي هـذه الخاصية‌ العظيمة، لأن احجامهم عـن البـراز لعمرو بن ود العامري معلوم ومتواتر وهو شاهد علي انفراد امير المؤمنين‌ بالآية‌ الكريمة.

{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون*اما الذين آمنوا وعملوا‌ الصالحات فلهم جنّات المأوي نزلا بما كانوا يـعملون*و امـا الذين فسقوا فمأواهم النار كلما ارادوا ان‌ يخرجوا‌ منها‌ أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} (السجدة:18-20)

نزلت‌ هذه‌ الآيات انتصارا وتصديقا لأمير المؤمنين عليه السلام حينما ناظره وفاخره الوليـد بـن‌ عقبة‌ بـن‌ ابي معيط، فقال له الامام اسكتّ فانما انت فاسق فنزلت الآيات.

و لم يحدث‌ مثل‌ هذا الانتصار والتصديق القرآني لغير عـلي بن ابي طالب، ففيه تشخيص بمنتهي‌ الصراحة‌ ومنتهي الاختصاص، فعلى هو المـؤمن وخـصمه ابـن ابي معيط هو الفاسق، وعلي عليه السّلام‌ هو‌ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وخصمه هو الذين فسقوا و علي هو‌ صاحب‌ جـنّات‌  ‌المـأوي وهي له نزل بما كان يعمل، ومأوي خصمه النار كلما أراد ان يخرج‌ منها‌ أعيد فـيها وقـيل له ذق عـذاب النار الذي كنت به تكذب...لأن‌ المناظرة‌ حدثت‌ بعد دخول الطلقاء في إطار الإسلام، فالايات تصف ان المـخاصم لعلي فاسق ومن أهل‌ النار، وهذا‌ امر نادر أو لم يحدث ان صرح القرآن بفسق شـخص بعينه وبدخوله‌ النار مـع انـه يدعي الاسلام ويظهر الشهادتين.

{ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن‌ ودّا} (مريم:96)

و هذه الآية نزلت في علي عليه السّلام. راجع الدر المنثور وكتب‌ الفضائل.

{إنّما وليكم اللّه ورسوله والذين‌ آمنوا‌ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم‌ راكـعون*و من يتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا فان حزب اللّه هم‌ الغالبون}

(المائدة:55-56)

نزلت هاتان الآيتان في ولاية‌ امير‌ المؤمنين عليه‌ السّلام‌ في‌ اواخر عمر النبي صلّي اللّه عليه‌ وآله وسلّم وكان امير المؤمنين قد تصدق بخاتمه عـلي فـقير‌ سأل‌ في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه‌ وآله وسلّم‌ والامام قائم يصلي فلم يعطه‌ أحد‌ فتدارك الامام الموقف وأومأ له الى خاتمه وهو راكع، وكان النبي‌ بنفس‌ الوقت يدعو بدعاء موسى عليه‌ السّلام‌ بـأن‌ يـجعل اللّه له‌ وزيرا‌ من أهله عليا أخاه...‌ فلما‌ نزلت الآيتان كبر الرسول صلّي اللّه عليه وآله وسلّم وحمد اللّه‌ سبحانه‌ لاستجابة دعائه وبيان ولاية ابن‌ عمه‌ وأخيه‌ ووزيره‌ امير المؤمنين علي بـن‌ ابـي طالب عليه السّلام.

و هذه الآيات التي ذكرت أمير المؤمنين عليه السّلام بألفاظ «مؤمنا» و«المؤمنون» و«الذين‌ آمنوا» و«من‌ آمن» و«من المؤمنين رجال صدقوا» تكون دليلا للآيات‌ التي‌ نزلت‌ فيه‌ بهذه‌ الألفاظ أو الآيات‌ التي‌ يكون مصداقها الأعـلى أو المـتقين وبـالجمع بين ما جاء في هـذه الآيـات وآيـات الأبرار والمتقين‌ يتكون‌ دليل لتتبع الآيات التي تشير اليه عليه‌ السّلام‌ او‌ التي‌ يكون‌ من‌ مصاديقها العليا كما سنشير بعونه تعالى...

و نقدم الآن بـعض آيـات الأيـمان التي نجد فيها.

و الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجـنّة هـم فيها خالدون وسندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا لهم فيها ازواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا و سندخلهم جنّات تجري مـن تـحتها الأنـهار خالدين فيها أبدا وعد اللّه‌ حقا‌ ومن أصدق من اللّه قيلا

و

...اولئك اصـحاب الجنّة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهرا وقالوا الحمد للّه الذي هدانا‌ لهـذا‌ ومـا كـنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحق ونودوا ان تلكم الجنّة اورثـتموها بـما كنتم‌ تعملون

و

يهديهم ربهم بإيمانهم تجري‌ من‌ تحتهم الأنهار في جنّات النعيم* دعواهم فيها سبحانك اللهم وتـحيتهم فـيها سـلام وآخر دعواهم ان الحمد للّه رب العالمين

و

إنّ الذين آمنوا‌ وعملوا الصالحات وأخبتوا‌ الى ربهم أولئك اصـحاب الجـنّة هـم فيها خالدون

و

و أدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بـأذن ربـهم تـحيتهم فيها سلام

و

ان اللّه يدخل‌ الذين‌ آمنوا وعملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها مـن أسـاور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا الى الطيب من القول وهدوا الى صراط‌ الحميد

و

و‌ الذيـن آمـنوا وعـملوا الصالحات لندخلنّهم في الصالحين

و

و لنبوئنّهم من الجنّة غرفا تجري من تحتها‌ الأنهار خالدين فيها نـعم أجـر العاملين الذين صبروا وعلي ربهم‌ يتوكلون

و

فأما‌ الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضـة يحبرون

و

لهـم جـنّات النعيم خالدين فيها وعد اللّه ‌‌حقا‌ وهو العزيز الحكيم

و

بشر المؤمنين بأنّ لهم من اللّه فضلا كبيرا

و

في‌ روضـات‌ الجـنّات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير

و

فما أوتيتم فمتاع الحياة الدنـيا‌ ومـا عـند اللّه خير وأبقي للذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون

و

إلاّ الذين آمنوا وعملوا‌ الصالحات لهم أجر غير ممنون

و

لهم جـنّات تـجري مـن تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير

و

فيدخلهم ربّهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين

هذا ما تـقرأه فـي الآيات البقرة:82 النساء:57،122، الأعراف:45، يونس:10، هود:22، ابراهيم:23، الحج:23-24، العنكبوت:9،59،الروم:15،لقمان:8،9،‌ الاحزاب:47، الشوري:22،36، محمد:12، التين:6، الجاثية:30.

ونجد فيها و من يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجـات العـلي جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكي

و

أم حسب‌ الذيـن‌ اجـترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سـواء مـحياهم ومـماتهم ساء ما يحكمون

و

يوم تري المؤمنين والمؤمنات يـسعي نـورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنّات‌ تجري‌ من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفـوز العظيم

و هـذا ما نقرأه في الآيات طـه:75،76، الجاثية:21،الحديد:21،21.

و مـا الى ذلك من الآيـات الشـريفة التـي تذكر جنات المؤمنين فإنها اما‌ انـ‌ تـتضمن ذكر امير المؤمنين عليه السّلام، لأنه اعلي مصداق لعنوان المؤمنين بشهادات القرآن الكـريم ولأنـه اعلي مصاديق أهل الدرجات العليا فـي الآخرة بعد الرسول بـشهادات القـرآن أيضا،أو أنها تذكر‌ به‌ وتـبشر بـالمصير الى أهل ولايته‌ لأنه‌ هو‌ امير المؤمنين أصحاب تلك المقامات وذلك الفوز العظيم والمقام الرفيع. وسياق الآيـات ولسـانها ووصف الجنان والمقامات الموعودة‌ هـي‌ التـي‌ تـدلك علي التميز بـين الطـائفتين من الدلالة مما‌ كانت‌ تـتحدث بـسياق ولسان ووصف يشبه ما نص القرآن عليه لأمير المؤمنين نفسه أو مقارب له فإنه يتضمن‌ ذكـره‌ بـالذات‌ وما كانت تتحدث بما دون ذلك من مـستويات، فهي مـن‌ النوع الذي يـذكر بـاللحوق بـأهل ولايته...علي أن اهل الدرجات العـليا يحوزون علي ما عند الدرجات الأقل بينما لا‌ يحوز‌ أهل‌ الدرجات الأقل ما عند أهل الدرجـات الأعـلى مما يميز درجاتهم عنهم.

 

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) و‌ هو كتاب الولايـة فـي الاسـلام، وهـذا المـوضوع فصل من الجـزء الثـاني منه وهو الجزء الخاص‌ بولاية‌ أهل‌ البيت عليهم السلام.

 (2) قصص بعض الأنبياء تكون أمثلة لأمير المؤمنين بـصوره خـاصة‌ اكـثر‌ من‌ غيره من الأئمة،و قصص بعضهم تـكون أمـثله لبـعض الأئمـة كـما يـتخذون يحيي مثلا للحسين‌ عليه‌ السّلام‌ وعيسى مثلا للحسن عليه السّلام والانبياء بصورة عامة امثلة للأئمة بصورة عامة.

 (3) لأنه‌ مصداق آيات سورة الانسان، هم أهل البيت وهو في مقدمتهم وكـذلك آيات‌ آل‌عمران‌ التي‌ نزلت في هجرته والآيات التي فسرت البر ذكرت اوصافا اجتمعت فيه.

(4) لا يفوتنك‌ ربط‌ هذه الصورة التي يرسمها القرآن الكريم لمقام امير المؤمنين عليه السّلام بين الأبرار‌ فيما‌ بـلّغ‌ بـه النبي الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأن عليا عليه السّلام «قائد البررة‌ وقاتل الفجرة»

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2033
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24