• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : ولاية الغدير وبيعة الله لعلي (ع) .

ولاية الغدير وبيعة الله لعلي (ع)

 عطية‌ ‌‌‌الإنـسان‌ الكامل في شخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)الذي استحق شرف الإمامة والولايـة‌ عـلي‌ الأمـة والتاريخ بوصفه الإنسان النموذجي الذي لم يمزقه الصراع بين مثله العليا وبين واقعه‌ الحي كما تمزق الكـثيرون. ولم يتوقف عن صنع التاريخ حين نحي مركزه القيادي‌ كما توقف الكثيرون.

و أيا‌ كانت طـبيعة الظروف التي اكتنفت مـأساة مـا بعد علي والغدير إلا أن خصوصية الولاية في مفهوم علي-الولي- أنه استطاع أن يجر التاريخ إلى مشارق ولايته ليدور الحق معه كيفما دار...

و ما ذلك إلا لأن ولاية علي-باختصار-كانت ولا تزال وستبقي أروع تجربة بشرية لتحقيق العدالة بين الناس ولتكوين مجتمع إنـساني متعاون ولصوغ تاريخ إسلامي مضيء ولتقديم نموذج‌ فريد‌ لإنسان الحرية الذي يحرك التاريخ ويصنعه علي عين اللّه ورضاه.

ولاية الغدير وبيعة الله لعلي

إن الحديث عن هذا الإمام العظيم هو الحديث عن حركة امتداد الرسالة الإسلامية‌ بقيادة‌ أهـل البـيت(ع)، وهذه الحركة هي السبيل السوي الذي يوصلنا إلي فهم الإسلام الحقيقي، بعيدا عن كل أشكال الزيف والتحريف، وعن إسلام السلاطين المخادع الذي قضي على النهضة الكبرى لأمة‌ القرآن‌ عبر قرون طويلة.

وإذا أردنا أن نعي روح العلاقة الرسـالية العـميقة التي تربط عليا بالنبوة والإسلام، وأن ندرك الرباط الوثيق بين ولاية محمد (صلى اللّه عليه وآله‌ وسلم)‌ وولاية علي(ع) فليس عينا إلا‌ أن‌ نصغي‌ بتأمل ووعي إلى صوت نبينا محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حيث يقول له: «يا عـلي مـن قتلك فقد قتلني‌ ومن‌ أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني،‌ لأنك‌ مني كنفسي روحك من روحي وطينتك من طينتي، وإن اللّه تبارك وتعالى خلقني وخلقك من نوره، و‌اصطفاني‌ واصطفاك فـاختارني للنـبوة واخـتارك للإمامة فمن أنكر إماتك فـقد‌ أنـكر نـبوتي، يا علي أنت وصيي ووارثي وأبو ولدي وزوج ابنتي، أمرك أمري ونهيك نهيي أقسم‌ بالذي‌ بعثني‌ بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة اللّه على خلقه وأمـينه‌ عـلي سـره وخليفة اللّه على عباده»

وحسبنا أن نعلم أن كثيرا من علماء المـسلمين‌ ومـحدثيهم‌ اتفقوا على نزول آية الولاية في القرآن في شأن علي بن أبي‌ طالب(ع)

فقد‌ ذكر الثعلبي بإسناده إلى أبي ذر الغفاري (رضي) قال: صليت يـوما صـلاة الظـهر في المسجد ورسول‌ اللّه(صلي‌ اللّه عليه وآله وسلم) حاضر فقام سائل فسأل فـلم يعطه أحد شيئا وكان‌ علي(ع) قد ركع فأومأ إلى السائل بخنصره فأخذ الخاتم من خنصره وانصرف يدعو‌ للإمام‌ شاكرا،‌ وعـندما عـلم رسـول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بذلك رفع رأسه إلى السماء‌ وقال: «اللهم إن أخي موسى سـألك فـقال: ﴿رب اشرح لي صدري ويسر‌ لي‌ أمري‌ واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هـارون أخـي‌ اشـدد‌ به أرزي وأشركه في أمري﴾ سورة طه 25-32، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: ﴿سنشد عضدك‌ بأخيك‌ ونـجعل لكـما سـلطانا فلا يصلون إليكما... ﴾.سورة القصص 35.

اللهم وأنا محمد صفيك ونبيك فاشرح‌ لي‌ صدري‌ ويسر لي أمري واجـعل لي وزيـرا مـن أهلي عليا اشدد‌ به‌ أزري...

فقال أبو ذر(رض):

فو اللّه ما استتم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) الكلمة حتى‌ نـزل‌ جـبرائيل عليه السلام من عند اللّه تعالى فقال: يا محمد إقرأ: ﴿إنما وليكم‌ اللّه‌ ورسوله والذين آمـنوا الذيـن يـقيمون‌ الصلاة‌ ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [سورة المائدة 55]

هذا‌ وقد سجّل لنا شاعر الرسول حسان بن ثـابت وقـائع هذا المشهد الرائع‌ في‌ بضعة أبيات أنشد فيها:

أبا‌ حسن‌ نقديك روحي‌ ومهجتي‌ وكـل بـطيء فـي الهدى ومسارع‌  فأنت‌ الذي أعطيت إذ كنت راكعا فدتك نفوس الخلق يا خير راكع‌ بخاتمك الميمون‌ يا‌ خـير سـيد ويا خير شار ثم‌ يا خير بايع‌ فأنزل‌ فيك‌ اللّه خير ولاية وبـينّها فـي‌ مـحكمات‌ الشرائع

و في أكثر من مناسبة كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله‌ وسلم) يصف عليا ليحدد موقعه من‌ النـبوة‌ ورتـبته مـن الولاية فيقول (صلى‌ اللّه‌ عليه وآله وسلم):

«إنه أولكم إيمانا معي وأوفاكم بعهد اللّه وأقومكم بأمر اللّه وأعـد لكم‌ فـي‌ الرعية وأقسمكم بالسوية وأعظمكم‌ عند‌ اللّه مزية».

كما‌ كان‌ رسول اللّه (صلى اللّه عليه‌ وآله وسلم) يحذر من وقوع الفتنة بعده ويـناشد المسلمين بالتزام خط علي(ع) لأنه فاروق‌ هذه‌ الأمة، يفرق بين الحق والباطل ومن‌ ذلكـ‌ قـوله (صلى‌ اللّه‌ عليه وآله‌ وسلم).

«ستكون بعدي فتنة فإذا كـان ذلك فـالزموا عـلي بن أبي طالب فإنه أول من يراني وأول‌ مـن‌ يـصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر‌ وهو‌ فاروق‌ هذه‌ الأمة‌ يفرق بين الحق والبـاطل وهـو يعسوب المؤمنين»

«علي مع الحق والحـق مـع علي يـدور حيثما دار والحـق مـعه لا يفترقان».

«علي مع القرآن والقرآن مع عـلي لا يـفترقان حتى يردا على الحوض»

وفي وصية النبي للصحابي الجليل عمار بن ياسر(رض) قال(صلى اللّه عليه وآله وسلم):

«يـا عـمار إن رأيت عليا سلك واديا‌ وسلك النـاس واديا غيره فاسلك مـع عـلي ابن أبي طالب»

ومن المناسبات الجـليلة والمـواقف الشهيرة التي صرّح النبي(صلي اللّه عليه وآله وسلم) فيها بإمامة‌ علي‌ وولايته وأن ذلك بأمر من اللّه لأنه تـعالى أعـلم حيث يجعل رسالته، يوم الغدير بـعد حـجة الوداع.

فـقد اتفق الصحابة والتـابعون‌ وأئمـة التفسير وأرباب السيرة‌ والحـديث عـلي أن رسول اللّه قد أعلن في ذلك اليوم الخالد بيعة اللّه لعلي بن أبي طالب(ع) حيث قال(صلى اللّه عليه وآله وسلم):

«مـن‌ كـنت مولاه فهذا علي‌ مولاه‌ اللهم وال مـن والاه، وعاد مـن عـاداه وانـصر من نصره واخذل مـن خذله وأدر الحق معه كيفما دار»

و في شأن هذا اليوم التاريخي نزلت آية‌ الإكمال: ﴿اليوم أكملت لكم ديـنكم وأتـممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾

و يـفهم مـن كـل نـصوص الأحاديث المتعلقة بحادثة غـدير خـم، أن الولاية لم تكن خاصة لحالة من الحالات‌ ولا لزمان‌ من الأزمنة، بل جعلها النبي(صلي اللّه عليه وآله وسلم) لكل عصر ومصر، فهي عـامة مـن اللّه تعالى.

و لكـن المسلمين بعد وفاة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله‌ وسـلم) تجاهلوا‌ كـل النـصوص الشـريفة المـثبتة لديهم جميعا، ولم يكتفوا بالابتعاد عن علي وسفينته الناجية بل بدأوا يحرّفون ‌‌كلام‌ اللّه كلام رسوله ويعطون الصفة الشرعية لولاية الحكام والطواغيت بموازين لا‌ أصل‌ لها‌ من الكتاب والسنة، الأمر الذي جـعل من الأمة الإسلامية قطيعا ساذجا تائها تسوقه الأهواء الذاتية‌ والأطماع السياسية حتي أدمنوا على مبدأ الرضوخ والتسليم للأمر الواقع حتى ولو كان مخالفا‌ لروح‌ القرآن وجوهر الإسلام وتعاليم الشريعة.

من هنا نـريد أن نـؤكد لجميع المسلمين أن علاقتنا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)ليست علاقة عاطفية أو وراثية، وإنما هي علاقة رسالية خالصة‌ أمر بها اللّه سبحانه ورسم خطوطها نبيه الكريم لتكون المقياس الشرعي والميزان الثـابت لعـلاقة الأمة بقياداتها على مدي التاريخ.

و كم نتمني لو يجيئنا المسلمون بمقياس غير هذا المقياس‌ وبقائد غير هذا القائد يتحلى بكامل الأوصاف والمواهب التي‌ كان يتحلى بـها الإمـام علي بن أبي طالب (ع)كخلق فـطري ينساب من شخصيته الإنسانية العالمية التي لم يعرف لها التاريخ الإسلامي مثيلا عل الإطلاق، فإذا بعلي الهادي إلى دين اللّه والنبراس الولي فلا يقاس به أحد ممن خـلق اللّه تعالى.

تـلك هي خلاصة حكايتنا مـع الغـدير وولاية علي، فهل‌ يعي‌ باحث التاريخ في راهننا المعاصر أن الدلالة المعرفية لولاية الغدير كانت تعني الانتصار لولاية الإنسان الكامل الذي أطل علي الدنيا فوق حدودها وفوق مداها في هالة من رسالة‌ وفي‌ ظـل مـن نبوة.

مراتب الولاية وولاية‌ الفقيه

من الواضح جدا أن مراتب الولاية في الشريعة الإسلامية تبدأ من التوحيد في الولاية للّه سبحانه وتعالي تكوينا وتشريعا، فهي‌ الولاية‌ المطلقة.

ثم الولاية لرسوله(صلي اللّه عليه وآله وسلم) على‌ المستوى التشريعي وهي مستمدة مـن ولايـة اللّه تعالى وقـد أكدّ النص القرآني على هذه الولاية في قوله‌ تعالى:

﴿النبي‌ أولي بالمؤمنين من أنفسهم﴾

ومن بعده (صلى اللّه عليه وآله وسلم) للأئمة(ع) من المنظار العـقائدي الشيعي، ولذا يري الشيعة الإمامية أن مسألة الشرعية في الحكم تتمحور في قـاعدة‌ الإمـامة‌ وولايـة المعصوم، فالأئمة الاثنا عشر من أهل البيت(ع)هم الشرعية وهم أوصياء‌ النبي‌ محمد(صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وعلي هذا الأساس فـإن ‌‌أي حـكم يبتعد عن خط‌ الإمامة‌ لا‌ يعتبر حكما شرعيا.

 

نقلا عن موقع مجلة المعارج على شبكة الإنترنيت


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2032
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24