• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : الخشوع في قراءة القرآن الكريم .

الخشوع في قراءة القرآن الكريم

 كاظم نصيري زارع

ترجمة: القسم الثقافي في دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / عباس الجعفري

يهدف هذا المقال إلى بيان مكانة الخشوع في تلاوة القرآن الكريم وتقديم طرق عملية للقراءة الخاشعة لقرّاء القرآن الكريم. وقد قمنا في البداية بدراسة الخشوع لغوياً وأشرنا إلى مكانة الخشوع في دائرة الدين والعرفان والأخلاق الإسلامي، وبيّنّا الطرق والأساليب المساعدة على القراءة الخاشعة استناداً إلى التعاليم الدينية (القرآن الكريم والروايات) وآراء علماء الأخلاق والعرفان الكبار في ذلك.

الخشوع لغةً

ذكر أرباب اللّغة معانٍ متعدّدة لكلمة الخشوع؛ أشهرها: التواضع وإظهار العجز أمام شخص (خشع له)، وأيضاً حينما ينسب الخشوع إلى العين، نقول: خشع بصره، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى بقوله: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} [القلم: 7]؛ {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [القلم: 43]، والتي تفيد معنى الخوف والوحشة في يوم القيامة أيضاً.

وإذا نسب الخشوع إلى الصوت فسيكون المعنى هو: خشوع الصوت؛ أي: إخفاته: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108]، وهو أيضاً في وصف يوم القيامة.

ومن المعاني الأخرى يمكن الإشارة إلى: (خشعت الشمس)، (خشعت الأوراق)، (خشعت الأرض)؛ (جدار خاشع)، وغيرها.

ومن المعاني الأخرى لهذه المفردة هو: الخضوع، والتضرّع، والانكسار، ...

الخشوع في التعاليم الدينية والعرفانية

الخشوع في التعاليم الدينية هو ما يقابل الكبر. فمن أجل معرفة الخشوع، لابدّ من معرفة الكبر. وفي الواقع، من أجل الوصول إلى مرتبة الخشوع في قراءة القرآن الكريم، يجب أوّلاً أن نحيي هذه الصفة في نفوسنا، لهذا لابدّ من تطهير نفوسنا من جميع مظاهر الكبر.

والفرق بين الكبر والعجب هو: أنّ العجب ليس لأحد دخل فيه، والإنسان يعجب بنفسه لما يحمل من فنٍّ وكمال، وينسى أنّ هذا الفنّ أو هذه القابلية المعيَّنة هي من فيض الله سبحانه وتعالى، وأمانة منه إلى عبده؛ يسلبها منه متى شاء. فإن أحسّ القارئ أنّه أفضل من الناس بقراءته القرآن فهو مصاب بالكبر، وإن اعتقد أنّ فنّ القراءة هو بسبب ما يحمله من قابلية واستعداد وينسى أنّ هذا من ألطاف الله سبحانه وتعالى عليه، فهو مصاب بالعجب وسوف يضرّ بشخصيّته القرآنية ضرراً كبيراً.

وبالتأمّل في الآيات والروايات الشريفة يمكننا أن نفهم مقدار مذمومية الكبر، كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]، وقوله عزّ وجلّ: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23]، {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [الأعراف: 146].

وهناك كثير من الروايات تُشير إلى تواضع النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وتواضع أهل بيته الكرام، وفيها دروس وعبر ينبغي على قارئ القرآن الكريم أن يستفيد منها قبل غيره من الناس. ومن تلك الروايات قولهم (عليهم السلام): «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر» [الكافي، ج2، ص310].

من جملة الآثار السيّئة التي ذكرت للتكبّر في شخصية الإنسان هي استحقار الآخرين، الامتناع عن مجالسة الاخرين، الانتظار من اجل ان يسلم الاخرون عليه، والوقوف اجلالا امامه، والاستخفاف بالاخرين عند الحديث معهم و...

الطرق العملية للخشوع في التلاوة

ما ذكرناه بخصوص الخشوع والكبر، عام نوعاً ما لجميع الأفراد سواء كانوا قرّاء أو غير قرّاء، وهنا نريد أن نبيّن كيفية ظهور وبروز الخشوع عند تلاوة القرآن الكريم.

ومن أجلى العوامل التي تضرّ بالخشوع: التركيز على مسألة (الصوت واللحن والتجويد) والغفلة عن معاني القرآن السامية، وإصرار قارئ القرآن على إثارة إعجاب المستمعين من خلال أداء بعض الالحان والاصوات الخاصة.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لابن مسعود: اقرأ، قال: أقرأ وعليك أنزل؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا أحب أن أسمع من غيري [الدرّ المنثور، ج2، ص163].

فإذاً، قارئ القرآن الكريم من خلال حضوره في المحافل القرآنية والاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم يوقد في قلبه لهيب الخشوع والتضرّع عند تلاوة القرآن الكريم، والآية 204 من سورة الأعراف تؤكّد على هذا المعنى وتبيّن أنّ الخشوع في الاستماع أكثر ممّا هو في القراءة {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

لكن، كيف يتجلّى الخشوع في قراءة القرآن ويظهر؟ أي: كيف يمكن أن نشاهد القراءة الخاشعة لقارئ القرآن؟

تقول بعض الروايات أنّ: «أحسن الناس صوتاً بالقرآن من إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله» [كنز العمال، 4127]، «إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا» [المحجة البيضاء، ج2، ص226]. لكن، كيف يفهم أنّ هذا القارئ لديه خشوع أم لا؟ نرجع إلى الروايات أيضاً لنتعرّف على هذا الأمر. الرواية تقول: «إذا قرأتم القرآن فابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا» [غاية الآمال، ج1، ص104]. إنّ البكاء والحزن في الحقيقة يمكن أن يكونا من المظاهر الجليّة للخشوع، والآية 109 من سورة الإسراء تؤيّد هذا المعنى وتقول: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}.

يقول العلامة السيّد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره عند بيانه لمعنى هذه الآية الشريفة يقول: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} تكرار الخرور للأذقان وإضافته إلى البكاء لإفادة معنى الخضوع وهو التذلل الذي يكون بالبدن كما أن الجملة الثانية لإفادة معنى الخشوع وهو التذلل الذي يكون بالقلب فمحصل الآية أنهم يخضعون ويخشعون. [تفسير الميزان، ج 13، ص 222]

إذاً، ما يفهم من الروايات أن مكان الخشوع هو القلب، والخشوع في البداية يستقرّ في القلب وبعدها يظهر في حركات وسكنات وسلوك الإنسان. وروي عن النبي المكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال: أما إنّه لو خشع قلبه خشعت جوارحه. فبما أن تلاوة القرآن الكريم هي مظهر من مظاهر العبادة، فعلى قارئ القرآن الكريم وعند تلاوته لكتاب الله العزيز أن يجتنب بعض التصرّفات التي تخلّ بخشوعه.

وهناك نقطه أودّ الإشارة إليها وهي إنّ المقصود من الخشوع هنا هو الانكسار والخضوع أمام الله سبحانه وتعالى لا لأحد غيره، والأئمّة المعصومون (عليهم السلام) وعلماء العرفان والأخلاق الكبار لم يفسّروا الخشوع والتواضع بالتذلّل أمام غير الله، فعلى قارئ القرآن أن يردّ كل ما من شأنه أن يقلّل من قداسة القرآن، ويكون دائماً مدافعاً ومحافظاً عن القرآن الكريم.

إذاً، إنّ الخشوع ملكة أخلاقية يستطيع أن يصل إليها قارئ القرآن الكريم، والإنسان غير الخاشع لا يمكنه من خلال تمسّكه ببعض الأساليب السطحية أن يتظاهر بالخشوع، والإنسان المتظاهر بالخشوع تكون تلاوته تلاوة باردة وميّتة، والمستمعون من خلال معرفتهم وإدراكهم سوف يشعرون بتظاهر هذا القارئ، فيجب على قرّاء القرآن الكريم أن يجعلوا إرشادات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) نصب أعينهم، ويطبّقوها في حياتهم، حينها سيرون الآثار تظهر في جميع جوانب حياتهم الشخصية والاجتماعية، وكذلك سوف تظهر وبشكل جليٍّ حين تلاوتهم لآيات الذكر الحكيم.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1997
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24