• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : حب علي (ع) حسنة لا تضر معها سيئة (*) .

حب علي (ع) حسنة لا تضر معها سيئة (*)

 إن من جملة ما يجازي الله به الإنسان على بعض سيئاته هو إحباط حسناته.. وإبطالها، وعدم قدرته على الاستفادة منها، فقد قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [سورة الفرقان، 23].

والدليل على أن الحبط للأعمال إنما هو على سبيل المجازاة لأعمال بعينها هو، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف، 147] وآية سورة الحجرات، وهي قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات، 2] فإن هذه الآية تدل على أن ثمة أعمالاً غير الكفر توجب حبط الأعمال أيضاً. وقد أشار القرآن الكريم كذلك، إلى أن المشاقة مع الرسول من موجبات حبط الحسنات، فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد، 32-33].

فظهر أن المشاقة للرسول محبطة ومبطلة للعمل. وعدم إطاعة الرسول محبطة ومبطلة للعمل. ورفع الصوت فوق صوت النبي ((ص))، والجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، أيضاً كذلك.

ودلت الآيات أيضاً على أن الارتداد يوجب حبط الأعمال، والكفر وقتل النبيين بغير حق، وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس يوجب الحبط أيضاً..

وفي الروايات ما يدل على أن ثمة ما يوجب الحبط أيضاً، فقد ورد في ثواب التسبيحات الأربع، أن لكل كلمة شجرة في الجنة، وأن رجلاً من قريش، قال لرسول الله ((ص)): يا رسول الله، إن شجرنا في الجنة لكثير. قال: نعم. ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها. وذلك أن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد، 33].

وبعد ما تقدم نقول:

قد يقال في الجواب: إن المراد من الكلمة الشريفة المشار إليها هو أن حب علي ((ع))، لا يمكن أن تحبطه سيئات أخرى، لأنه متصل بأساس الإيمان، وبحقيقته، لأنه ينتهي إلى حب الرسول، وحب الله سبحانه وتعالى، فهو من شروط التوحيد، وفقاً لما ورد عن الإمام الرضا ((ع)) في حديث سلسلة الذهب: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي. ثم قال: بشروطها وأنا من شروطها.

ولذلك صرح الله سبحانه بكفر من ينكر ولاية علي ((ع)) ويحاربها، فقد قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة، 67].

ولكن قد يقال: إن هذا الجواب ربما يكون غير قادر على الوفاء بالمطلوب، وذلك لمكان كلمة: "معها" في قوله ((ص)): "لا تضر معها".

إذ قد يقال: إن هذه الإجابة إنما يناسبها الإتيان بالباء، لا بكلمة مع، فيقال: لا تضر بها سيئة، لأن الحبط إنما يتوجه إلى الحسنة نفسها، فإما أن يضر بها، أو لا يضر بها..

ولذا فقد يقال: إن الأنسب في الجواب أن يقال: إن الناس لا يحبون علياً ((ع)) بما له من ميزات، وصفات، وحالات، ومواقف. وإنما يحب بعضهم خصوصية الشجاعة والفروسية، فيراها متجسدة في علي ((ع)) فيدّعي أنه يحبه، وحين تتجسّد الشجاعة في عنترة فإنه يحب عنترة.. رغم أن عنترة، لا يحبه الله، لأنه لم يكن في خط الهداية. بل كان يتعامل مع الناس بالمنطق الجاهلي.. ويقتلهم ليسلب أموالهم، وليسبي نساءهم، وليكسب رضا رئيس العشيرة، وما إلى ذلك..

ولكنه لا يحب علياً ((ع))، الذي يعاقبه بالجلد أمام الناس على ذنب ارتكبه، ولا يحب علياً ((ع))، حين يقتل له ولده الزاني المحصن. أو حين يجلد، أو يقتل له ابنته الزانية بإحصان.

ولا يحب علياً ((ع))، الذي يقطع يده إذا سرق.. ويواجهه بالحق وبالقصاص حين يفتري ويعتدي، وبالفضيحة حين يستحق الفضيحة.. إنه يبغضه، ولا يحب أن يراه، ولا يريد أن يلتقي به، ولا يطيق أن يذكر أمامه..

وكذلك الحال بالنسبة لمن يحب خصوصية العلم، أو خصوصية السخاء والكرم.

وأيضاً بالنسبة لمن يجتذبه جمال الصورة، أو جمال الصوت.. فإنه لا يحب ذات ذلك الشخص، وإنما هو يحب الجمال، والعلم، والسخاء، والكرم المتجسد فيه. ولذلك تجده يحب عدوه أيضاً إذا تجسدت فيه هذه الخصوصيات، إنه يحب ذلك العالم حتى لو كان هذا العالِم يفسد العالَم بعلمه، ويحب ذلك الجميل والمغني، حتى لو كان يستغل جماله، أو صوته لإفساد أخلاق الناس، واكتساب الأموال، والوصول إلى مواقع ليست له.. وسيصفق له على ذلك كله..

أما لو أحب علياً الحقيقي، ورضي بكل خصائصه وميزاته، وفرح بها، وتعامل معه على أساس أن يرضى ما يرضاه علي ((ع))، وأن يسخط ما يسخطه علي ((ع))، وأن يكون معه كما يكون المحب مع حبيبه، مطيعاً له، راضياً به، سعيداً بكل ما يسعده، ساخطاً لكل ما يسخطه. فيجده علي ((ع))، حيث يحب، ويفقده حيث يكره..

- لو كان كذلك - فإن هذا الإنسان لو صدر منه ذنب، فلا بد أن يتوب منه، وأن يتراجع عنه. لأن حب علي ((ع)) سوف يدعوه إلى ذلك.. وسينتهي الأمر بهذا الإنسان إلى أن يجده الله في مواقع الطاعة, والهدى، والتوبة والإنابة.. لأن حبه لعلي ((ع)) سيفرض عليه ذلك.

فكيف نتصور بعد هذا أن تضر محب علي ((ع))، سيئة، وهو الذي سيجهد في الابتعاد عنها، وفي التوبة منها، لو صدرت منه على حين غفلة، أو حين غلبة الهوى وطغيان الشهوة؟!..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مستفادة من: كتاب (مختصر مفيد) للسيد جعفر مرتضى العاملي: ج2، ص85-90.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1968
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18