• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الإمام الحسن عليه السلام في موقع المسؤولية .

الإمام الحسن عليه السلام في موقع المسؤولية

 الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الولادة والمنزلة

في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة الشريفة ولد نور ثاني أئمّة أهل البيت عليهم السلام السبط المجتبى عليه السلام. وبانت على محيى رسول الله  صلى الله عليه وآله علائم الفرح والغبطة حينما زفّت إليه البشرى بولادته.

وفي أمر تسميته بـ (الحسن) دلالة عميقة، فإنّ نزول جبرئيل لا يكون إلا لأمر ذي شأن أو حدث مهم في حياة الرسالة المحمّدية، وإذا بالأمين جبرئيل ينزل من السماء المباركة ليتدخّل في أمر تسميته، وهذا يكشف عن أنّ تسميته كانت باهتمام السماء؛ لما لهذا الوليد من عظيم المنزلة.

وأشرق بيت الزهراء البتول وعلي أمير المؤمنين عليهما السلام بنور هذه الولادة الميمونة، فصار الإمام الحسن عليه السلام واحداً من أهل البيت عليهم السلام الذين ذكرهم الله في كتابه وخصّهم بالعديد من آياته، فإنّ كتاب الله تعالى قد حمل بين طيّات آياته ما أشاد بفضل وكرامة محمّد وأهل بيته عليهم السلام، حتى ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: «إنّ القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصّة» [مناقب علي بن أبي طالب (ابن المغازلي): 257].

نعم، هناك مجموعة محطّات صرّح بها القرآن بأنّ الحسن المجتبى أحد مصاديقها، كآية التطهير، والمودّة، وحادثة المباهلة.

أمّا السنة التي هي الوجه الآخر لإرادة الله وأمره، فقد جاء الكثير من الأحاديث التي تفصح عن مكانة هذا السبط عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ ما نقله المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الشأن كثير جداً، أشار إلى مكانته في الأمّة وأنّه إمامهم وطريقهم إلى الله، كما في قوله صلى الله عليه وآله: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» [الفصول المهمة (ابن الصباغ المالكي) 2: 1167].

وذكر الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين): إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال للحسن عليه السلام: «أشبهت خلقي وخلقي» [إحياء علوم الدين 4: 112].

وفي هذا إشارة إلى أنّ الإمام الحسن عليه السلام هو امتداد لوجود شخص النبي وامتداد لصفاته الأخلاقية والنفسية والروحية.

إنّ ما تقدّم كان نبذة عن ولادة هذا الإمام العظيم عليه السلام ومكانته عند رسول الله وفي الأمّة الإسلامية.

أمّا ما يتعلّق بسيرته وسمو أخلاقه وما يحمله من سجايا وصفات هي الحميدة بجميعها، فإنّ كتب التراجم والسير والتاريخ قد مُلئت بذكر فضائله وجوده وكرمه وتواضعه وزهده وعبادته، ما يعجز الكتاب عن تدوينه وتحليله، لا سيّما وأنّه تجسيد لخلق رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال عنه القرآن الكريم: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، لذا ننقل الكلام في هذه الوريقات القليلة عمّا هو الأهم ذكره في حياة هذا الإمام العظيم، فإنّ الاحتفاء بذكره عليه السلام يحظى بضرورة بالغة؛ لأنّ له صلةً كبيرةً ووثيقةً بالبعد العقائدي في حياتنا، وبالجانب الفكري والأخلاقي من ثقافتنا وديننا وتاريخنا.

نحن ندرك هذه الضرورة عندما نلحظ أنّ الإمام الحسن عليه السلام يمثّل الامتداد الرسالي والامتداد الطبيعي لوجود النبي صلى الله عليه وآله، وأنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام مارسوا دور الحارس الأمين لمفاهيم الإسلام وديمومة وجودها في الفكر الإسلامي من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، واحتفائنا بالإمام المجتبى يشعرنا بثقل المسؤولية تجاه تراثنا وأصالة فكرنا.

نحتفي به من منطلق أنّه الميزان الذي على أساسه نزن ما نحن عليه، ونحتفي به كي يتجدد ما بُلي من ممارستنا أو نقوّم ما اعوج منها.

المواجهة ووثيقة الصلح

والمهم في حياة الإمام الحسن عليه السلام هو مدّة إمامته التي ملئت بالأحداث في بدايتها؛ إذ كان أمامه ظرف متنوع الاتجاهات، فهو ظرف اجتماعي وسياسي وعلمي وعقدي واجهه هو والأمّة كذلك. فقد واجه شقاق أهل الشام بقيادة معاوية الذي واصل حربه لإمام زمانه المفترض الطاعة، فتصدّى الإمام لهذا الشقاق مستعداً لإجهاضه وقتاله حفاظاً على دين جدّه، لكن الظروف المجتمعة التي أحاطت به وخذلان ضعاف النفوس اضطرته لتوقيع وثيقة الصلح مع معاوية التي أساء فهمها أغلب الناس.

يمثّل الإمام الحسن عليه السلام القمّة في السلوك الأخلاقي، فقد عرف عنه أنّه واجه أعداءه بسعة صدر حتى غيّر ما غرس بأذهان الناس من فكر منحرف بالنسبة لأهل البيت عليهم السلام بحلمه وخطاباته المعتدلة، وهو مع هذا كلّه كان هدفاً لنبال الحقد والحسد، وقد جرى عليه من المظالم ما جرى على أسلافه أبيه وجدّه، فقد تعرّض للتهم والأكاذيب والافتراء، فإنّ البعض الذي لم يتسع عقله لفكر أهل البيت عليهم السلام وبعد رؤيته أنّ الإمام الحسن عليه السلام هو ذلك الشخص المسالم الذي لا يمثّل التحدي مرحلة من حياته، أو لم يكن التحدّي من أبعاد شخصيته، فحمل وكوّن في ذهنه صورة مفادها أنّ الإمام يعيش الضعف في نفسه.

وهذا اللون من التفكير كشف عنه التاريخ محدّثاً عن نماذج أصحاب العقول المنحصرة الضيقة التي خاطب الإمام الحسن عليه السلام بعد كتابة وثيقة الصلح قائلة: (يا خاذل المؤمنين) بدلاً من مخاطبته عليه السلام بـ (يا أمير المؤمنين).

وهذه تهمة مجانية كبيرة يتّهم بها بعض الرعية أمام زمانه وأميره، فإنّ مثل هؤلاء وهم يتواجدون في كلّ حقبة زمنية نظروا إلى مسألة الصلح، لكنّهم لم يدرسوا المرحلة التي سبقته والأحداث التي أحاطت به، فقد كانت أقوالهم ردود فعل ناقصة تنم عن محدودية استنتاجاتهم وعدم الحنكة والعمق في رؤية الإمام للأحداث والساحة الاجتماعية آنذاك.

لكن من أدرك هذه الأمور وقرأ الظروف العصيبة التي رافقت تلك الأحداث يبعد عن الإمام ما اتهمه به أمثال هؤلاء؛ فإنّ الذي يجب أن نفهمه أنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يتجه إلى الصلح برغبة منه أو بظرف طبيعي، بل البحث التحليلي والدراسة العلمية الموضوعية لتلك الظروف والأحداث تثبت وبالدرجة الأساس أنّ ما كان يعتمد عليه الإمام في قيادات الجيش خاصّة، والجيش المسلح عامّة الذي كان من المقرر أن يواجه به جيش الشام بقيادة معاوية، قد أغراهم معاوية بالمال فتركوا قيادة الجيش طمعاً به. بل كان الكثير من جيشه عليه السلام قد اندفعوا للحرب قد قادهم إليها غير الاعتقاد بنصرة الحقّ والمذهب، بل القائد لهم الطمع في الغنائم، أو العصبيات الجاهلية التي كان يحرّكها الزعماء الذين يبحثون عن الجاه والمال، الأمر الذي أفرز التمزّق والاضطرابات والخيانة، فلم يعدّ ذلك الجيش المتوخّى به تحقيق الأهداف السامية للإسلام، ممّا اضطر الإمام ـ وهو في هذه الظروف الصعاب ـ إلى توقيع وثيقة الصلح، إذ لم يتمكّن بعد الحلحلة والتفكك في الجيش القيام بأية حركة عسكرية وصِدام دموي يكون فيه إزهاق أرواح الثلة الباقية ممّن يحمل وعي ومفاهيم أهل البيت عليهم السلام، فأراد الإمام بهذه الخطوة الحفاظ على هذه الثلة أن تبقى لتمارس دور التوعية في الأمّة وتعرّفهم طريق الحقّ.

من وحي التجربة

إنّ هذه التجربة التاريخية التي سجّلها الإمام الحسن توحي بأنّ الإنسان الرسالي هو في موقع المسؤولية، ولابدّ له من دراسة الظروف الموضوعية دراسة عميقة لا سطحية من أجل اختيار الخطوات المناسبة في إعلان الحرب أو الدخول في معاهدات السلام.

ومن وحي هذه التجربة النظر إلى الصالح العام دون المصالح الشخصية، يقول الإمام علي عليه السلام: «لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين» [الصحيح من سيرة الإمام علي 18: 198].

ونستلهم من وحي هذه التجربة أنّ لغة الحوار نوع من الوصول إلى الهدف، فإنّ الظروف الاجتماعية والسياسية والعقدية الحسّاسة التي تواجهنا اليوم تتطلّب منّا دراسة عميقة ثم اتباع لغة الحوار دون التشنج في المواقف التي ربّما تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

إنّ الحفاظ على النخبة الواعية للاستفادة منها في تبليغ الحقّ والفكر الرسالي لهو من أهمّ ما يجب الحفاظ عليه لأجل أن يكون التغيير والإصلاح أسلوباً بدلاً من أسلوب حمل السلاح والحروب.

وإنّ في السلم عدم هدر دماء الثلة كما قال الإمام الحسن عليه السلام: «لست مذلاً للمؤمنين، ولكنّي معزّهم، ما أردت بمصالحتي إلاّ أن أدفع عنكم القتل... فأردت أن يكون للدين داع» [المواجهة مع رسول الله صلى الله عليه وآله (القصة الكاملة): 634].

والحمد لله رب العالمين


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1966
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24