• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير الجزء الثلاثين .
                    • الموضوع : 99 ـ في تفسير سورة الزلزلة .

99 ـ في تفسير سورة الزلزلة

العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى ‏لَها (5)

1 ـ إنّ التركيز على القيامة وما يجري فيها من الأهوال هي سمة من سمات القرآن الكريم، وذلك عندما يُراد سوق العبد إلى العمل الصالح؛ ليتمّ الربط دائماً بين العمل في الدارين. وهذه السورة واقعة في هذا السياق؛ حيث تبتدئ بذكر القيامة وأهوالها، ثم تُختم بذكر تجسّم الأعمال في تلك النشأة؛ ليكون العبد على حذر في أول الطريق؛ لئلا يفاجأ بالخواتيم.

والمطلوب في المحصّلة النهائية لهذه السورة هو انبعاث العبد نحو العمل الدائب، فلا يستصغر قليلاً من الخير ولو بمقدار ذرّة، فلعلّه هو المنجّي، ولا يستصغر قليلاً من الشرّ، فلعلّه هو المُهلك؛ إذ به قد ترجح كفّة السيئات كما هو الحال في عالم المثاقيل والموازين.

 2 ـ إنّ الزلازل ـ في نظر عامة البشر ـ من أهم المخوّفات الأرضية من جهة الدمار الذي يخلّفه في ثوانٍ معدودةٍ، ومن هنا استعمل القرآن الكريم خصوص هذه الظاهرة لبيان ما يجري يوم القيامة، كأول حدث من أحداث خروج البشر من القبور ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ و ﴿كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، ولكن التعبير عن هذا الزلزال كان بـ ﴿زِلْزالَها المشعر بأنه زلزال خاص متعلق بالأرض ادّخره الله تعالى لذلك اليوم، وهو لا يختص ببقعة من البقاع كما في زلازل الدنيا، بل هو منسوب إلى الأرض أجمع، فكان أبلغ في بيان الهول والفزع.

3 ـ إنّ ما في جوف الأرض من كنوز أو أبدان أو الأعم منها ـ على اختلاف التفاسير للأثقال ـ لا يعدو كونه ثقلاً في جوف الأرض، بلا فرق بين الكنوز الصامتة وبين الأبدان التي كانت من أدوات التحكّم في هذه الأرض يوماً ما، وكم يرتاح حامل الثقل عندما يُلقي ثقله جانباً، مُخرجاً إياه كما في قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها! ولا يخفى ما في هذه العبارة من الدلالة على أنّ المعاد جسماني أيضاً، ولا يختصّ بالأرواح كما قد يذهب إليه البعض.

4 ـ إنّ البعض جعل التعجّب المستفاد من قوله تعالى: ﴿ما لَها خاصّاً بغير المؤمنين، نظير ما في قوله تعالى: ﴿مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا، والحال أنّ أحداث ذلك اليوم يوجب فزع كل من يخرج دفعة واحدة من القبر إلى أرض المحشر، وفيها ما فيها من الأهوال، وهو ما يناسب التعبير بـ ﴿الإنسان عمن يتساءل عن زلزال الأرض، ولكن هذا كلّه لا ينافي ارتفاع الفزع عن بعض الخواص مطلقاً، أو في بعض مواقف المحشر، حيث يقول تعالى: ﴿وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.

5 ـ قيل في تفسير آية ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها وجوه: فمن قائل بأنها بلسان الحال، ومن قائل بخلق الصوت مقارناً لها، ومن قائل بأنها تتحدّث حديث ذوي الشعور، وهو ظاهر الآية المؤيدة بآيات اُخرى، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، وقوله: ﴿قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ، ومن المعلوم ـ على كلِّ الوجوه ـ أنه لا شبهة في شهادتها؛ إذ إنه لا يعقل أنّ تجرَّ الأرض نفعاً إلى نفسها أو تدفع عنها ضرراً، كما هو المتوقّع في بعض شهود الدنيا، أضف إلى ذلك أنّ شهادة الأرض تبع لشهادة مَن أحاط علمه بكل شيء. ولنا أن نتساءل هنا: إذا كانت الأرض لها قابلية الاستلهام وتلقّي الوحي إلى درجة الحديث عن تفصيل الحوادث، فكيف بقابلية البشر إن أراد الله تعالى له ذلك؟

6 ـ إنّ التعبير بـ ﴿تُحَدِّثُ أَخْبارَها فيه إشعار بأنّ الحديث فيه شيء من التفصيل، وليست الشهادة على إجمالها؛ فإنّ الأرض ـ مثلاً ـ لا تشهد على أصل إقامة صلاة المصلّي عليها، وإنّما على دفعاتها، وأين كانت، وكيف كانت... ومن هنا اُمرنا بالصلاة في مواطن متعدّدة، فقد رُوي عن علي (عليه السّلام) أنّه قال: (صلوا المساجد في بقاع مختلفة؛ فإنَّ كلّ بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة)، وعنه (عليه السّلام) أيضاً حينما كان يفرغ من تقسيم بيت المال يصلّي ركعتين ويقول: (اشهدي أنّي ملأتك بحق، وفرغتك بحق). وقد رُوي أيضاً أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قرأ يوماً قول الله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، فقال: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أخبارها: أن تشهد الأرض على كلِّ عبد أو أَمَةٍ بما عمل على ظَهْرِهَا، فتقول: يا رب، لقد عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا).

ومجموع هذه الأحاديث توجب خجل العصاة يوم القيامة؛ لأنّ ما كان بنظرهم جامداً صار شاهداً على من يُفترض أنه خليفة الله تعالى في الأرض.

﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَل ْمِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)

7 ـ إنّ صدور الناس أشتاتاً يوم القيامة تابع لما ورد في آية اُخرى ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، ومن المعلوم أنّ تشتّت الناس يوم القيامة لا يعني أنّهم جميعاً في حالة واحدة؛ لوضوح أنّه ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ، فلا مانع من خروجهم متفرّقين، ولكن تحت رايات مختلفة بحسب مَن تولّوا في الحياة الدنيا؛ فإنَّ مَن تولّى حجراً حشره الله تعالى معه. ولا يخفى ما في التعبير بـ ﴿يَصْدُرُ من اللطف، وهو الذي يُطلق على انصراف الإبل عن الماء بعد وروده، فكأنّهم في دار الدنيا كانوا على غدير ماء والآن تركوا هذا الغدير؛ ليُعلم مَن ارتوى من ذلك الغدير ممّن مكث عنده عطشانَ، وهذا يُؤيد بما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أيها الناس، إن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).

8 ـ إنّ الشرط عند البيان يُساق لبيان جوابه، وللتأكيد على ذلك الجواب في بعض الحالات، فيكون وزانه وزن القسم في ذلك، وقد يُحذف الجواب والقسم لإثارة التأمّل ثم البحث عنهما لعناية المتكلم بمورد القسم والشرط، وهذا واقع في القرآن الكريم، وفي هذه السورة أيضاً. فهناك مَن يقول بحذف جواب الشرط في ﴿إِذا زُلْزِلَتِ وقد دلّ عليه السياق، يعني ﴿وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ مثلاً، وبين مَن يقول: إنَّ الجواب هو ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً، وبين من يقول: إنّه ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها.

9ـ إنّ آية ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَل ْمِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فيها من صور التخويف والردع ما لا يخفى على المتأمّل، وقد رُوي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه عبّر عن هذه الآية بالجامعة، فالآية فيها:

أوّلاً: إطلاق يشمل جميع المكلفين حتى الأنبياء (عليهم السلام)؛ لأنّ الموضوع فيه (مَنْ) الموصولة المنطبقة على كل مكلّف.

ثانياً: جعلت الموضوع في العمل ما تناهى في الدقة، وهي الذرة، وهو ما يُرى في شعاع الشمس من الهباء، وتقال لصغار النمل أيضاً.

 ثالثاً: جعلت المداقة في جانب الخير والشر معاً، وكرم الكريم وصفحه لا ينافي تلك المداقة؛ وذلك لئلا يتجرّأ المتجرّؤون على المعصية.

 رابعاً: جعلت النتيجة رؤية العمل إمّا بنفسه ـ بناء على تجسّم الأعمال ـ أو بجزائه، فعدل عن التعبير بالإعلام إلى الإراءة في هذه الآية، كما عدل عن التعبير بالعلم إلى الوجدان والرؤية في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوء.

10 ـ لا منافاة بين هذه الآية الناطقة بمطابقة الجزاء للعمل ولو كان بمقدار مثقال ذرة، و بين ما يدل على حبط العمل في جانب محو الحسنات ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وكذلك ما يدل على التكفير في جانب محو السيّئات ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ؛ وذلك لأنّ الآية تذكُر القانون العام في محاسبة الخلق، ولا ينافيه جعْل قانون آخر يتحقق به الاستثناء، فهو ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. ومن الممكن القول كتوجيه آخر في المقام: إنَّ مَن أحبط الله تعالى عمله في الآخرة كان هذا الإحباط كاشفاً على أنه لم يفعل الخير أصلاً؛ لأنّ الخير هو ما استقر في خيريته إلى يوم الجزاء، لا ما كانت فيه صورة الخير بنظر القاصرين من العباد.

11 ـ إنّ تذكّر أهوال يوم القيامة يكفي للردع عن المعصية لمَن كان له كمال اليقين بغيب الآخرة، ومن هنا عُبّر عن الموت بـ (هادم اللذات) فكيف بما هو أعظم من الموت؟ وقد روي: (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى النَّبِيّ (ص) فَقَالَ: عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه. فَدَفَعَهُ إلى رَجُل يُعَلِّمهُ؛ فَعَلَّمَهُ ﴿إِذَا زُلْزِلَتْ ـ حَتَّى إِذَا بَلَغَ ـ ﴿فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ قَالَ: حَسْبِي!.. فَأُخْبِرَ النَّبِيّ (ص) فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ).

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1888
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24