• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : النسخ في القرآن الكريم .

النسخ في القرآن الكريم

سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق والمعلن الحق بالحق وعلى آله السادة الأمناء والقادة الخلفاء .

باب الحديث هذه الليلة هو النسخ في القرآن والمراحل التي مر بها لدى المفسرين ..

هذه الكلمة مرت بمراحل عديدة لدى المفسرين ، فعند بدء إطلاقها لم تكن أخذت المعنى المتطور الذي تستعمل فيه اليوم فكانت تعني (كل اختلاف على مستوى اللفظ) فإذا كان هناك كلام عام وآخر خاص قيل عن الخاص أنه ناسخ للعام أيضا إذا كان هناك إطلاق وتقييد قيل أن التقييد ناسخ للإطلاق ، ثم فُصل الناسخ والمنسوخ عن باب العموم والإطلاق وغيرها بعد ذلك..

ويقال أن أول من قام بهذه المحاولة هو الشافعي في إحدى رسائله .

وهذا النسخ لم يوجد له تعريف يُجمع عليه سائر المفسرين ولكن من أجمل تلك التعاريف التي طرحت تعريف آية الله العظمى السيد الخوئي قدس الله نفسه الزكية حيث يقول : (أن النسخ هو رفع حكم ثابت في الشريعة بارتفاع أمده) فالداعي لتقويض هذا الحكم أو ذاك هو انقضاء أمده وهذا لا يمكن انطباقه على كل القرآن لأن القرآن فيه لفَتات تاريخية لفتات قصصية لفتات شرعية وغيرها وهذا يصح على الأمور الشرعية أي الأحكام حيث يرفع الأحكام التكليفية و الوضعية من صحة وبطلان  وحتى بعض المناصب الإلهية .

ننتقل إلى جزء آخر من الكلام:

 وهو أن النسخ يُبحث على مستوى الثبوت والإثبات (الإمكان والوقوع) فلا بد أن يناقش من ناحية الإمكان ومن ثم التنفيذ .

والداعي لفتح باب النقاش هو أن الملل الأخرى ادَعَوا أن هذا النسخ مستحيل على الله عز وجل وإن أثبت في القرآن فسيَثبت أنه من غير الوحي، وبالنتيجة سيدعم كونه كلاما بشريا. .

لكن طرف التحدي معنا هذه المرة ليسوا المستشرقين بل هم أهل الديانات الأخرى..

هكذا يشاء أن يتحدث اليهود والمسيح فقالوا أن كلمة النسخ تساوي البداء فكما أن البداء مستحيل فكذلك النسخ.

ونريد أن نعمل مواجهة في هذا المجال فنزيح أولا الشبهة فنقول :

أنه كما أجاب الشيعة في خصوص البداء فالكلام هنا هو الكلام هناك فنقول أن النسخ ينقسم إلى قسمين :

1-   فإن جزءا منه هو المستحيل وليس كل مفهوم للنسخ أو البداء مستحيل على الباري سبحانه لكن عدم التفطن في المفاهيم ولد هذه الشبهة .

2-  أن النسخ يكون لحكمة وهي مما يألفها الناس في مراحلهم الحياتية فمثلاً في بعض حالات العلاج مع الطبيب يعطي الطبيب نوعا من الدواء ويطلب من المريض بعد عشرة أيام أن يراجعه فإذا جاءه يعطيه دواء آخر ويمنعه من القديم وربما يقتضي الوضع أن ينتقل بمريضه إلى حالة ثالثة ورابعة .

إن فكرة النسخ تتبين من هذا المثال وأن الناس في بدء التشريع كانوا يحتاجون إلى مراحل  فلربما يشرع الباري تشريعا لا يريده ولكن طاقة الناس وعقولهم لا تستوعب ما يريده فيشرع تشريعا ومن ثم آخر على حسب استيعاب عقول الناس وفهمهم للمفاهيم التي جاء بها سبحانه فيتمرحل بهم حتى تحصل الغاية، وهذا التمرحل ضروري .

وهنا إشارتان مناسبتان:

1 ـ أن النسخ لم يستعمل بمعنى البداء إلا عند بعض الأصوليين لكن لا مع الله عز وجل بل مع غيره يقول السيد ابو الحسن الأصفهاني قدس في كتابه وسيلة الوصول إلى علم الأصول بأن المجتهد إذا رأى رأيا عن دليل شرعي ثم تبدل رأيه بدليل آخر نعتبر الرأي الثاني ناسخ للأول ...

طبعا هو عبر بالناسخية ولم يعبر بالتبدل لنكتة أوصولية وثمرة عملية وهي عدم وجوب إعادة المقلد لأعماله السابقة على الرأي الأول وليس هنا محل تفصيلها..

2 ـ وهنا فرصة ثانية لننتقل إلى موضوع خطير وهو أن من إخواننا أهل السنة من يقول أن للشيعة خصائص يضعونها في مهديهم غير الخصائص عند المسلمين منها أنه يأتي بدين جديد.

وهذه المسألة مما طرح فيها أجوبة عديدة بأقلام وأفكار شيعية وقد وفق الله سبحانه لأن أقف عليها في شرحي على دعاء الإفتتاح المبارك

ولكن مما يمكن أن يضاف :

أن الأمة لما كانت تتطور في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان تطورها يقتضي النسخ فما بالنا الآن بعد ألف وأربعمائة سنة فعندما يخرج المهدي سلام الله عليه ربما كان من صلاحياته نسخ كثير من الأحكام الشرعية

طبعا هذا تصور ويحتاج إلى غربلة علمية جدية..

أما بالنسبة للشبهة التي يطرحها اليهود والنصارى فنقول :

* نقول لليهود كيف تطرحون معنى النسخ وتشكلون علينا مع أنكم سابقون علينا بالفكرة فمثلا في قضية يوم السبت أدعيتم أنكم كنتم منهيون عن الصيد في ذلك اليوم ومن ثم رُفع (أي نسخ) التشريع .

*  كذلك قلتم أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم ومن ثم رفع ذلك القتل لانقضاء زمنه .

*  كذلك الأمر بالقصاص قلتم جرى في الأمم السابقة ثم رفع الأمر في الشريعة المسيحية .

هذا كله على ما ورد في كتبهم التوراة والإنجيل .

*  إن فكرة البداء والنسخ ربما ينطبق كليهما وقوعا .

النسخ وقوعا :

لقد أصبحت مسألة النسخ بين مد وجزر فأبو مسلم ذهب إلى عدم جواز النسخ في القرآن الكريم واستدل بقوله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) فأبطل عمل النسخ فاعتبر النسخ إبطال والقرآن صريح في رد الإبطال .

ونرد عليه بأن الآية لا تدل على مدّعاه وإن فكرته تقوم على أساس المغالطة والإيهام فهو قصد من الإبطال ما هو في قبال الحكم بينما الباطل مقابل لما هو حق . والحق الذي في القرآن لا يأتيه الباطل ولا يُقصد به الإبطال الذي هو بمعنى النسخ .

وأمامنا عناصر أخرى وهي أقسام النسخ وأشكاله :

1-   نسخ التلاوة دون الحكم .

فالحكم يكون جاريا لكن الآية لا تُتلى بمعنى أن نصها اللفظي يمحق .

فمثلا : آية الرجم جعلها علماء الجمهور من أهل السنة في خانة نسخ التلاوة ولنا أن نناقش هذا الموضوع بكلام السيد الخوئي وهو أن القول بهذا القسم قول بالتحريف فاقتضاء نسخ التلاوة هو القول بالتحريف .

إن المشكلة هو أن هذه الآية وآية صوم التتابع جاءت عن طريق رواية الآحاد  على أن خبر الواحد لا يكون ناسخا للآية وهذا إجماع المسلمين  .

2-  نسخ الحكم دون التلاوة و هو المتعقل والمشهور بين العلماء .

كما أن السيد الخوئي (رضوان الله عليه) يناقش في النسخ ويقول أنه لم يقع إلا في آية واحدة .

وهنا طريقة لمعالجة بعض الخلافات الشيعية الشيعية ولا أدري ما قيمتها ولكني طرحتها على بعض الفضلاء واستحسنوها وهي :

 إن كل قضية عقدية يختلف فيها من طرق إثباتها نرجع لإثباتها إلى الفهرستات وهي مؤلفات الشيعة في عصر الأئمة. فإذا كانوا ذكروا جملة من المؤلفات المثبتة في عصر الأئمة نعرف بأن هذه الكتب تحت نظرهم سلام الله عليهم ولا يمكن لأصحابهم أن يختلفوا عنهم..

وهنا فقد ألف أصحاب الأئمة في النسخ وجمعوا الآيات ومنهم، الأصم المسمعي من أصحاب الصادق عليه السلام  (دارم الدارمي) من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، والحقيقة أن من أصحاب الرضا عليه السلام عدة قد كتبوا في هذا الموضوع .

ومن القرن الثالث الهجري علي ابن أبراهيم القمي دون رسالة خاصة في الناسخ والمنسوخ..

بهذا نميل إلى ثبوته وعدم وجاهة القول بحصره في آية من سورة النجم والله وحده أعلم بحقيقة الأمور.

والحمد لله رب العالمين

 تلخيص : منير الجبران


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=188
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 09 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24