• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : حديث الغدير .

حديث الغدير

 بقلم: الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حديث صادر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في حجّة الوداع، قد سمعه الصحابة ممّن حظر معه آنذاك عند عودتهم من مكّة بعد إتمام مناسك الحجّ.

والغدير أرض تقع بين مكّة والمدينة بالقرب من الجحفة.

ونصّ الحديث هو: روى الصحابي أبو سعد الخدري: نادى النبي (صلّى الله عليه وآله) أن ينزل الناس في تلك المنطقة التي تسمّى بغدير خم، فنزل الناس جميعاً وكانوا مائة ألف أو أكثر، وكان الوقت ظهراً والشمس حادةً واليوم شديد الحرارة، ونصب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) منبر من أهداج الإبل، فصعد عليه حتى يراه الناس ويسمعوه، وأخذ بيد علي (عليه السلام) ورفعها حتى بان بياض إبطيهما للناس، وقال (صلّى الله عليه وآله) بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس، يوشك أن أدعى فأجيب، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟". قالوا: اللهم بلى. فقال (صلّى الله عليه وآله): "اللهم اشهد". ثمّ قال: "ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيثما دار. ألا هل بلغت؟". قالوا: بلى. قال: "اللهم اشهد".

وقد روى هذا الحديث بنصّه الذي ذكرناه وبألفاظ أخرى معظم المؤرّخين والمفسّرين والمحدّثين من الفريقين الشيعة والسنّة حتى أصبح من الأحاديث المتواترة التي لا شكّ ولا ريب في صدورها على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) بين جميع المسلمين.

وحديث الغدير هو أحد الأدلّة القاطعة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويقول العلماء: إنّ في هذا اليوم نزلت الآية الشريفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة، 3]، وأنّ إتمام الدين هو الإيمان بالإمام والولي علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وقد بايعوه بذلك في هذا اليوم جميع المسلمين والمسلمات على السمع والطاعة والولاية.

وقد أشارت الآيةُ الشريفةُ إلى التخطيط الإلهي لمستقبل الأمّة الإسلامية ورسم المعالم الاستراتيجية لمستقبل الدين الإلهي في مسيرة المجتمع الإسلامي، وبناء الأمّة التي أُريد لها أن تكون الأمّة الحاكمة والشاهدة على مسيرة الأمم والحضارات الإنسانية كافّة.

ونجد في الخطاب الإلهي الموجّه لمجتمع المسلمين دلالة واضحة لبيان التكامل والرشد الفكري والتمايز الحضاري والاجتماعي الذي وصلته الأمّة في ذلك اليوم. وهذا ما توضّحه صيغة الخطاب القرآني في الآية باستخدام ضمير الجمع (دينكم)، و(أكملت لكم)، وقوله: (أنعمت عليكم)، و: (رضيت لكم).

قد مثّل هذا اليوم التاريخ، كما مثّل يوم المستقبل في مسيرة أمّة الإسلام التي نشأت محاصرة من قبل التيارات والاتجاهات الكافرة المعادية لدعوة التوحيد، وانتهى بها الحال أن تكون القوّة العظمى التي تهابها الدول والأمم الأخرى في الدنيا.

من هنا مثّل يوم الغدير يوم الانتصار، ويوم العلو، ويوم الحاكمية. ومن خلال فهم الآية الشريفة يمكن أن نتلمّس المعالم المعبّرة عن سيادة تلك الأمّة وتقدّمها على سواها من الأمم الأخرى.

المعلم الأوّل: يأس الكفار

قد جاء الخطاب الإلهي بصيغة بثّ روح النصر والقوّة والحماسة في نفوس المسلمين، فأخبر أنّ هذا اليوم هو يوم الانتصار والتغلّب على المخاطر التي يثيرها تيار الكفر بوجه المؤمنين الموحّدين، وقد كان السعي حثيثاً للنيل من هذا الدين وتشويه صورته الإنسانية الناصعة، وتمزيق القدسية التي تميّز بها الإسلام في نفوس معتنقيه. لكنّ النتيجة أنّهم فشلوا في الوصول لهذا الهدف، وفشلت كلّ المخططات والمؤامرات التي حاكوها على طول تأريخ الدعوة الإسلامية المواجهة للرسول (صلّى الله عليه وآله). وعليه، لا يمكن أن يتغلب أعداء الإيمان على هذا الدين، والضمان من ذلك هو عليّ (عليه السلام)، الذي يحمل سمات رسول الله وعلمه، وحرصه على هداية الأمّة وصون وجودها وكيانها. فهو الذي يحمل شجاعة رسول الله الذي بدأ في مقارعة المشركين وحيداً حتى أثبت أركان هذا الدين.

المعلم الثاني: كمال الدين

أشارت الآية إلى مفهوم الإكمال والاكتمال في الدين، وهذا ما حصل بعقد الولاء والتنصيب الإلهي لعلي (عليه السلام) لقيادة الأمة وزعامتها بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إذ الدين بغير هذه الولاية يعتبر ديناً ناقصاً وأنّ من دخل إلى إسلام الله وإسلام رسوله من غير هذه الباب فهو يعوم في التيه والنقص والضلال، فعلي هو باب المدينة المحمّدية.

المعلم الثالث: تمام النعمة

حفّزت الآية الأذهان والأفكار والعقول لبيان عظمة هذا اليوم، فإنّ الله تعالى اختاره محلا لإفاضة النعمة وإتمامها على هذه الأمّة.

وقد استمرت هذه النعمة في وجود الولي الذي يقوم مقام الرسول الكريم في أمّته، يأخذ بأياديها من الضلال إلى شاطئ الأمان.

وقد أعلن النبي الأكرم هذه المنزلة العظيمة لعلي مراراً في أوقات مختلفة وأماكن متفرقة، فقال: "يا علي، أنت أخي وأنا أخوك؛ أنا المصطفى للنبوّة وأنت المجتبى للإمامة، وأنا صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل، وأنا وأنت أبوا هذه الأمّة. يا علي، أنت وصيي وخليفتي ووزيري ووارثي" [أمالي الصدوق، 411].

المعلم الرابع: ارتضاء الإسلام

أكّدت الآية على مفهوم الرضا الإلهي لهذا الدين، وقد نصّت الآيات في أكثر من مورد قبول الإسلام وهذا الدين الجديد للمسلمين، فقد قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور، 55].

وفي الآية إشارة إلى مراحل مسيرة المجتمع المسلم، وهي:

1ـ مرحلة الاستخلاف

2ـ مرحلة التمكين لإقامة الدين الذي أنزله الله على نبيه

3ـ مرحلة الأمان بعد الخوف

وهذه المراحل الثلاث بدأت بالتحقّق يوم إعلان الولاية والخلافة لعلي (عليه السلام) في يوم الغدير، ومن بعده استمرّت مسيرة الاستخلاف مع الأئمّة الهداة من أولاده (عليهم السلام) وآخرهم الحجّة بن الحسن (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).

أمّا التمكين فهو لم يتحقّق بالشكل النهائي المتكامل، لكن خطّ الولاية الذي ابتدأ بعلي هو الذي يكون نقطة النهاية في تاريخ الصراع بين الحقّ والباطل، وذلك في دولة المستضعفين والمحرومين والمظلومين على يد ابنه الإمام المنتظر.

والأمان من الخوف هو الهدف الأخير بعد كلّ المحن والصعاب والابتلاءات التي يمرّ بها المؤمنون.

وآية إكمال الدين هي إعلان تحقّق الوعد الإلهي في استخلاف المؤمنين الذي ينتهي بإحلال الأمن والاطمئنان.

اللهم ثبّتنا على ولاية أمير المؤمنين واجعلنا من السائرين على هداه وهدى الأئمّة الميامين من آله (عليهم السلام).

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1844
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29