• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الإمامة والهداية .

الإمامة والهداية

 بقلم: سماحة الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

إنّ الحكمة والغاية من بعثة الرسول الأكرم (ص) هي إيصال البشرية إلى الكمال، وهذا إنّما يتحقق بالهداية، فهو الهادي إلى سبيل الرشاد ومنقذ البشرية ومخرجهم من الظلمات إلى النور.

وقد تمثّل أمر الهداية من بعد الرسول (ص) بالأئمة المعصومين الذين هم الخلفاء الشرعيين بعده.

ولا نريد أن نتحدّث عن معنى الإمامة ومفهومها في هذه السطور القليلة؛ إذ قد كتب في ذلك العديد من المؤلّفات والمصنّفات. ولكن ما يهمّنا هنا هو الإشارة إلى كيفية حصول الهداية من بعد الرسول (ص)، إذ يقول القرآن الكريم {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]، حيث تشير الآية الكريمة بأنّ لهم هادياً يهديهم ويتولى أمرهم ويدعوهم إلى الصواب. فمن هو الهادي للناس بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)؟

ونقول في معرض الجواب عن السؤال المطروح: إنّ الهادي هو من تتوفر فيه صفات النبي (ص)، وهو الذي يخلف رسول الله (ص) ويسدّ مسده في التبليغ والهداية، وهو الإمام الواجد للكمالات الخاصّة والمؤهلات التي تناسب مهمّته.

 والإمامة هي زعامة وقيادة المجتمع في جميع النواحي؛ انطلاقاً من الأصول والمعارف الإلهية. وهي حكومة في البلاد، وسياسة في العباد. فهي لأجل مقاماتها السامية والرفيعة والعالية المضامين تخضع لسلسلة من المواهب والكفاءات والاستعدادات ينبغي توافرها في شخص ما لتشمله الرعاية الربانية والعطف الإلهي.

وهي في الوقت نفسه متقوّمة في هداية الخلق؛ إذ هي العمدة والغاية الحقيقية التي بنيت هذه الزعامة وتكونت تلك القيادة من أجلها، فهي تقود الخلق إلى الهداية، ولهذا نجد مصطلح الإمام قد قرن بالهداية، يقول القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]

والهداية الحاصلة من الإمامة تتحقق من خلال الإيصال إلى المقصد المطلوب، بمعنى نفوذ الإمام إلى باطن الإنسان وأحاسيسه ومشاعره وهيمنته على قلبه وسريانه في دمه وعروقه فيهديه.

فالإمام في ظل القدرة الربانية والوحي الإلهي يخرج القلوب المهيئة والمستعدّة من الظلمات إلى النور، وهو معنى الهداية.

 وما تفسير ذلك إلّا أنّ الإمامة بحسب الواقع هي ولاية على الناس في أعمالهم وهدايتهم وإيصالهم إلى الكمال بأمر الله.

وممّا يوكّد كون الهداية قد تمثّلت في الأئمة المعصومين من بعد جدهم رسول الله (ص) هو ما يذكر في شروط الإنسان الهادي، إذ لا يعقل أن يترك الأمر لأي فرد أن يمارس هذا الدور، فيكون ذلك نقضاً للغرض؛ لأن الغرض هو الهداية وهي لا يمكن إلّا من خلال شخصية تتوفر فيها الصفات الكاملة لممارسة دورها، ومن هذه الشروط كونه عالماً بكل تفاصيل الشريعة وما يحتاج إليه الناس في حياتهم، وأن يكون متبوعاً لا تابعاً وأن يكون معصوماً. وهذا غير متحقق في غير الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).

وقد أكّد القرآن الكريم استمرارية دور الهداية وقيام الهادي في كل قوم، فبعد أن بلّغ الرسول (ص) رسالته وقام وأنذر جاء دور الهادي للقوم وهو دور الأئمة الهداة الميامين واحد بعد واحد حسب تعبير الروايات الشريفة: أنّ لكل قرن أو عصر إماماً هادياً لجميع الأمة. وهو معنى قوله تعالى:{لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]. وهذا لا يتحقق إلّا بوجود المعصوم في كل زمان  وعدم خلو الأرض من حجة لله تعالى.  

ولقد واجه الأئمة المعصومون (ع) في ذلك مشاكل عديدة فاستعملوا أساليب متعددة للهداية بما يناسب ظروف العصر وزمانه. ولعل أكثر أنواع وطرق الهداية استخداماً هو السلوك والعمل، فإنّ أكثر أدوات التأثير فعالية في الهداية السلوك الذي يصدر عن القائمين على الهداية. يقول الإمام الصادق (ع): كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم [الكافي 3: 78 ح 15]، وهو كاشف عن العمل والسلوك دون الكلام والتخاطب.

وربما استعان الأئمة (ع) لأجل الهداية بالكرامات التي هي من شؤون الإمامة، وكذا الإجابة عن الشبهات والأسئلة التي تدور حول العقائد والمسائل الدينية، فإنّهم (ع) بهذا الأسلوب والنحو يحاولون الحفاظ على الدين وهداية الأمّة.

إذن مفهوم الإمامة في أحاديث أهل البيت (ع) هي قيادة الأمّة في جميع شؤونها وهدايتها في كافة المجالات، في التعليم والإرشاد المعنوي والروحي وتنظيم الحياة الاجتماعية والفكرية وغيرها. وننقل في ذلك مجموعة من الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت (ع):

·        عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن قوم فرض الله ـ عزوجل ـ طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] [بصائر الدرجات: 222]

·        عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الأوصياء: إن طاعتهم مفترضة. قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59]، وهم الذين قال الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} [المائدة: 55]. [الكافي 1: 178 ح 7]

·        عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]،   فقال: طاعة الله ومعرفة الإمام [الكافي 1: 185]

·        عن حرب الطحّان قال: أخبرني أحمد ـ وكان من أصحاب أبي الجارود ـ عن الحارث بن حضيرة الأسدي الأزدي، قال: قَدِم رجلٌ من أهل الكوفة إلى خراسان، فدعا الناسَ إلى ولاية جعفر بن محمّد عليه السّلام. قال: ففرقةٌ أطاعت وأجابت، وفرقة جحَدتْ وأنكرت، وفرقة ورعت ووقفت. قال: فخرج من كلّ فرقة رجل، فدخلوا على أبي عبدالله (الصادق) عليه السّلام. قال: فكان المتكلّم منهم الذي ورعَ وتوقّف، وقد كان مع بعض القوم جاريةٌ فخلا بها الرجل ووقع فيها، فلمّا دخل على أبي عبدالله - عليه السّلام - كان هو المتكلّم، فقال له: أصلحك الله، قَدِم علينا رجل من أهل الكوفة فدعا الناس إلى طاعتك وولايتك، فأجاب قوم وأنكر قوم وورع قوم فوقفوا! فسأله عليه السّلام: فَمِن أيّ الثلاث أنت؟ قال: أنا مِن الفرقة التي ورعت ووقفت. قال: فأين ورعك ليلة (نهر بَلَخ) يوم كذا وكذا؟! فارتاب الرجل. [بصائر الدرجات: 264]

·        قال الإمام الرضا عليه السلام: إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين. إنّ الإمامة اُسُّ الإسلام النامي وفرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة والزكاة، والصيام والحجّ والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف. الإمام يُحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة. الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم وهي في الاُفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار. الإمام البدر المنير والسراج الزاهر، والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار. الإمام الماء العذب على الظما والدالّ على الهدى والمنجي من الردى. الإمام النار على اليفاع، الحارّ لمن إصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك. الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل، والشمس المضيئة والسماء الظليلة، والأرض البسيطة والعين الغزيرة، والغدير والروضة. الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق، والأخ الشقيق والاُمّ البرّة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد. الإمام أمين الله في خلقه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله والذابّ عن حُرُم الله. الإمام المطهّر من الذنوب والمبرّا عن العيوب ، المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم، نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين. الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المُفضِل الوهّاب. [معاني الأخبار: 98].

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1822
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18