• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : إعجاز القرآن الكريم .

إعجاز القرآن الكريم

سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد

موضوع هذه الحلقة أعجاز القرآن الكريم وهو موضوع جرى حوله الحديث وتجاذبته الأطراف المسلمة وغير المسلمة فقد كان هناك الكثير المعاند لإعجاز القرآن حين نزوله ولا زال المعاند له حتى يومنا هذا وهو شيء وموقف يدل دلالة واضحة على أن أبرز قيمة للقرآن في إعجازه فكل من يتوهم أنه سيستطيع أن ينال من إعجاز القرآن يظن ظنا خاطئا أنه سيضع حدا لهذا القرآن أو أنه سينهي هذا الكتاب من خلال مثل هذه الشبهات المثارة!!

 وإعجاز القرآن الكريم يتضح بتحديه للقوانين الطبيعية ويزيد معنى هذا التحدي وضوحا أنه جرى في مكان متخلف ثقافيا وجرى في جماعة يحسبون على الأميين وعلى يد رجل يعتبر لا يقرأ ولا يكتب كان أميا {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} وهكذا تزداد قيمة الإعجاز للقرآن الكريم..

 والشبهات التي تتحدث عن الإعجاز في القرآن تكاد تصل إلى  سبع شبهات كما ذكرها بعض الباحثين في هذا المجال لكننا سنقصر الكلام على أهم هذه الشبهات وأكثرها دويا بين الكتاب والباحثين .

الشبهة الأولى :

 أن في القرآن بعض الآيات التي لاتنسجم مع القواعد التي وضعها العرب كأساس للبلاغة والفصاحة وقد سرد أصحاب هذه الشبهة أمثلة كثيرة وادعوا أنها تدلل بشكل واضح على عدم إعجاز القرآن الكريم وأنها تفند إعجازه ونحن لا نستطيع أن نسير مع  الأمثلة التي ذكروها لا بشكل منتظم ولا بشكل غير منتظم مراعاة للوقت ولكن نريد أن نقول في مجال نقاش هذه الشبهة أن هذه الأمثلة التي يدعيها القوم لو لا حقناها وطاردناها بالمطاردة العلمية والملاحقة الموضوعية لوجدنا أنها على عكس ما يدعون ولوجدنا أن هذه الأمثلة تنطبق انطباقا تاما مع القواعد التي أسسها العرب والفصحاء الأقحاح لضبط لغتهم ومستوى بلاغتهم ولكن لا يمنع أن أذكر مثالا واحدا وأما من أراد  المضاعفة في الأمثلة نذكر له بعض الكتب التي استفرغت الوسع وفتحت المجال وتتبعت تلك الأمثلة في معظمها إن لم يكن في مجموعها.

قالوا : في قوله تعالى (ليس كمثله شيء) هذه الآية ليست على وفق القواعد العربية إطلاقًا قالوا بأن الكاف هنا زائدة وكان بالإمكان أن يقول (ليس مثله شيء) بدون أن يضيف الكاف .

ونحن نسألهم لو بقيت الكاف مكانها فما الذي سيضر بالمعنى؟

 فيجيبون لو بقيت الكاف لكان خلاف المراد لأنه سيكون نفي للشبيه والشبه ليس عن الله بل عن مماثل الله يعني أن لله مماثل ولكن مماثل الله ليس كمثله شيء فهناك مثل لله وهذا المثل ليس له مماثل وهكذا يكون المعنى قد اختل ..

لكن في الحقيقة هؤلاء الذين يهوشون في أمر بلاغة القرآن وفصاحته ما أدركوا القواعد التي بها احتجوا ولذلك ظنوا أنهم قد أتوا بإشكال وإيراد.

أنظر إلى الآية لو قالت (ليس مثله شيء) كما يطالب هؤلاء لحصل خلاف المعنى أيضا لأن المماثل الذي نفترضه لله يكون بنوعين :

1 ـ مماثل تام بالمماثلة التامة في كل الأجزاء والأوصاف فيكون قولنا (ليس مثله شيء( بمعنى لا يطابقه في جميع أوصافه شيء .

2 ـ   مماثل نفترضه لله سبحانه من دون مطابقة إنما في بعض تلك الأوصاف وفي نوع من أحواله فنقول (ليس مثله شيء) يعني بعض ذلك الشيء فكلمة ليس مثله شيء من دون الكاف  تنفي المماثل التام ولا تنفي المماثل في بعض الأوصاف ونحن نريد أن ننفي كل أنواع المماثلة فنقول ليس كمثله يعني ولو بجزء المماثلة والمشابهة لأننا إذا نفينا  المماثلة حتى في الجزء نكون قد نفينا تمام المماثلة.

من الجهود التي بذلت في هذا المقام:

 هناك العلامة جواد البلاغي ألا أنزل الله على قبره شآبيب رحمته وغفرانه هذا الرجل في كتابه الهدى إلى دين المصطفى لاحق هذه الأمثلة وناقشها وقلب الطاولة على هؤلاء المرجفين وبين أنهم ما ألموا الإلمام الصحيح بقواعد اللغة التي أرادوا أن يظهروا بمظهر المدافع عنها، والحقيقة هناك الكثير من الكتابات في هذاالمجال .

معالجة أخرى مع هؤلاء:

نقول لهم أن تأسيس هذه القواعد للغة العربية جاء في مرحلة متأخرة عن نزول القرآن الكريم بل جاء في مرحلة اختلط فيها لسان العرب فهي متأخرة حتى عن فصاحة العرب وبلاغتهم ولذا نعتبر أن هذه العلوم والقواعد جاءت  كرحلة استكشاف في كلام العرب والقرآن من كلام العرب الذي لا بد أن تشمله رحلة الاستكشاف .

أيضا نقول :

إذا كان كلامكم تام وأنتم لستم عرب وقد راعكم عدم الموافقة فلماذا لم يرُع العرب الأقحاح ولم يستاؤا من هذا الضبط؟؟ . الشبهة الثانية : في أسلوب القرآن :

قالوا : إن أسلوب القرآن يتناول الأفكار والمفاهيم بشكل متنقل من موضوع إلى موضوع آخر فمثلا من التأريخ إلى الوعد والوعيد إلى الأحكام  وغيرها فهذا يجعل القارئ غير قادر على استيعاب الغرض والغاية والغرض التي تسير نحوه السورة .

ونناقش هذا الكلام  تارة:

أن الكتاب الذي يطرح مائدة واحدة هو الكتاب العلمي  أو التأريخي أو الأدبي ذي الوجه الواحدة وهكذا إذا كان اجتماعيا أو سياسيا أو غيرها من أغراض علمية . أما القرآن فهو كتاب هداية وكتاب الهداية يكون متنقلا من موضوع لآخر حتى يلم بجميع الموضوعات . ونضرب لذلك مثالا : وهو أن الخطيب يبحث عن الهداية فلذلك يكثر من الأمثلة العلمية والأدبية وغيرها، ويقيمه الناس بمقدار الترابط بين الأمثلة ولا يعيبونه على التنقل. .

وتارة ثانية:

أن الآيات التي ترونها متنقلة  لم تنزل في وقت واحد بل نزلت منفصلة عن المعنى العلمي الذي لها متدرجة في نزولها وهذا التدرج هو المفيد لأن القرآن لم يأت كله محكم أو مطلق أو ناسخ أو غيرها فالتدرج كان نافعا في أن يأتي العام ثم الخاص أو المنسوخ ثم الناسخ وغيرها ولا شك أن مراعاة هذا التنسيق من دلائل البلاغة.كما أن هذا التدرج كان هو الأقوى في التغيير والاستجابة والدليل على ذلك أن التغيُر حصل بشكل سريع في تلك المجتمعات.

وتارة ثالثة:

 

ونقول أيضا أنه مع هذا التنقل فالقرآن يحتفظ ببلاغته فالتنقل أس الإعجاز ولذلك ترى أن كثيرا من البلغاء عندما يريدون أن ينتقلوا من موضوع لآخر لا يستغنون عن قولهم (أما بعد) أو (ننتقل إلى موضوع آخر) إلى غيرها من عبارات تفيد الانتقال من هذا المعنى إلى ذاك ، وإلا لصعب على  المستمع والقارئ  الإلمام ويفقد الجمال في كلامه  إلا أن القرآن الكريم لم يستخدم هذه الأدوات ومع ذلك فهو يحتفظ ببلاغته وجماله ورونقه.

وتارة أخرى:

ثم أن بعض التنقلات التي يبدو فيه غرابة إنما حصلت بسبب الجهل بسبب النزول وهذه أيضا طريقة لفك شبهة التنقلات، كما مثلنا في قوله تعالى{ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها} الذي لا يكاد يهضم ذكره بعد مسألة في الحج ولكن بعد التعرف على سبب النزول نرى أن بينهما تمام الربط والتلاحم! .

الشبهة الثالثة :

أن ذوي القدرة والمعرفة يستطيعون أن يؤلفوا ثلاث كلمات بليغة والذي يستطيع على ذلك يستطيع مع المدة وبالتدرج أن يأتي بسورة  قصيرة فيكونون قد أتوا بمثله فأين يكون التحدي .

ونعالج هذه الشبهة بعدة ردود :

أولا : أن العرب الأقحاح مع بلاغتهم وفصاحتهم لم يستطيعوا أن يأتوا بسورة قصيرة فكيف بنا نحن المتأخرون والذين اختلطت علينا اللغة والذوق الأدبي أن نأتي بسورة من مثله .

ثانيا: أن الإعجاز لا ينحصر في الجانب البياني بل الأفكار والمعلومات والتعمق في الآيات القرآنية .ولا ينبغي أن نفهمه على أنه الإعجاز في اللفظ والنظم البلاغي فقط.

والبعض مثل النظام والشريف الرضي لجأ إلى القول بالصرفة وهو أن ألإنسان يستطيع أن يأتي بمثل هذه الآيات ولكن عندما يريد ذلك يصرفه الله عنه فلا يستطيع أن يأتي بمثله واستدل على ذلك بقوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ } (146) سورة الأعراف .

وإذا سألناهم أين هي فائدة الإعجاز في كون الله يصرفهم عن التحدي؟

قالوا بأن هذا التثبيط في نفسه إعجاز وخرق للعادة!!

ولا يمكن القبول بهذا القول ولدينا ملاحظات على وجه السرعة:

1 ـ  أن النسبة للسيد الشريف المرتضى محل شك كما أكد على ذلك الشهرستاني، وتوفيق التفكيكي...

2 ـ  أن هذا القول خطير جدا إذ يلزم منه أن لا يكون أي معجزة في الآية ذاتها ولا في جوهر القرآن الكريم بل المعجزة لأمر خارج!

3 ـ أنه مخالف لظاهرة التحدي وتحديدها بعشر سور لأن الإعجاز إذا كان يتحقق بصرف هممهم فيكفي لهذا ذكر السورة الواحدة فلما يذكر عشر سور مثلا..أن الصرف حصل في زمن تحدي القرآن ولا وجه أن يكون قد بدأ قبله والحال أننا لا نرى ما يماثل القرآن حتى من الكلام السابق عليه..

والحمد لله رب العالمين

تلخيص : منير الجبران


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=182
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 09 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28