• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : الوقف والإبتداء .
                    • الموضوع : سلسلة دروس في الوقف والابتداء (الدرس الثاني) .

سلسلة دروس في الوقف والابتداء (الدرس الثاني)

 اعداد: الأستاذ عبد الرسول عبائي

 

موضوع علم الوقف والابتداء وأهميته

موضوع علم الوقف والابتداء هو القرآن الكريم من حيث الأداء السليم لتلاوته. [مقدمة محقق كتاب المكتفي ص 31، لأبي عمرو عثمان الداني (ت: 444 هـ) مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان الطبعة الأولي 1404هـ - 1984م تحقيق الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي]

أهمية الوقف والابتداء في القرآن الكريم:

« لمّا لم يمكن للقارئ أن يقرأ السورة أو القصة أو بعض الآيات في نَفَس واحد ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل، كالتنفّس في أثناء الكلمة، وجب حينئذٍ اختيار وقف للتنفّس والاستراحة وتعيّن ارتضاء الابتداء بعد التنفّس والاستراحة وتحتّم أن لا يكون ذلك ممّا يخلّ بالمعنى ولا يخلّ بالفهم إذ بذلك يظهر الإعجاز ويحصل القصد ». [النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري (ت: 833 هـ) ج 1 ص 224، دار الكتاب العربي لا.ت]

من أجل هذا بدأ الرعيل الأول من الصحابة منذ فجر الإسلام بالاهتمام بالوقف والابتداء وقبل أولئك صاحب الرسالة (ص).

اهتمام الرسول (ص) ووصيّه علي بن أبي طالب (ع):

إنَّ النبي (ص) كان له عناية بالوقف في الكلام والابتداء به.

روى ابن النحاس (ت: 338 هـ) مسنداً عن عدي بن حاتم الطائي (ت: 68 هـ) قال:

جاء رجلان إلى رسول الله (ص) فتشهّد أحدهما فقال: من يُطِع الله ورسولَهُ فقد رَشَدَ [أخرجه مسلم، كتاب الجمعة رقم 48، الجامع 2/594 وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل (المسند 4/256 و 4/379)] ومن يعصهما. فقال رسول الله (ص) بئس الخطيبُ أنت فَقُم كان ينبغي أن تَصِلَ كلامَك « ومَن يَعْصِهما فقد غوى » أو تقف على « رسوله فَقَدْ رَشَدَ » فإذا كان هذا مكروهاً في الكلام الذي يكلم به بعض الناس بعضاً كان في كتاب الله أشدّ كراهة ولكان المنع من رسول الله (ص) بذلك أوكد. [القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس ص 88 تحقيق الدكتور محمد عمر الخطاب، الطبعة الأولي، مطبعة العاني بغداد 1398هـ - 1978م]

ونقل السلف روايات وأحاديث عن النبي (ص) تدل على اعتناءه بتعليم التمام توقيفاً منه.

روى ابن النحاس أيضاً في كتابه القطع والائتناف مسنداً عن أبي هريرة (ت: 59 هـ) أن رسول الله (ص) قال:

«إنّ هذا القرآن أُنْزِلَ على سَبعةِ أحرف اقرأوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمةٍ بعذاب ولا تختموا ذكرَ عذابٍ برحمةٍ».

فهذا تعليم التمام توقيفاً من رسول الله (ص) بأنّه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة والثواب ويفصل ممّا بعدها إن كان بعدها ذكر النار أو العقاب نحو ﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾ (الإنسان/31) لا ينبغي أن يقول ﴿وَالظَّالِمِينَ﴾ لأنه منقطع ممّا قبله منصوب بإضمار فعل أي « ويعذّبَ الظالمين أو وأوعدَ الظالمين ». [ن. م ص 89]

ويحدثنا الداني في المكتفى مسنداً عن أُبيّ بن كعب (ت: 22هـ) قال:

« أتينا رسول الله (ص) فقال: إن الملك كان معي فقال لي: اقرأ القرآن فعدّ حتى بلغ سبعة أحرف فقال ليس منها إلاّ شافٍ كافٍ ما لم تختُمْ آية عذابٍ برحمةٍ أو تختُمْ رحمةً بعذاب. [أخرج الحديث بهذا اللفظ أبو داود في كتاب الوتر، باب أنزل القرآن علي سبعة أحرف سنن أبي داود 2/160 وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل (المسند 5/114 و 122 و 124)]

فهذا تعليم التمام [سيأتي تعريف الوقف التام في الفصل السابع الصفحة 29] من رسول الله (ص) عن جبرائيل (ع) إذ ظاهره دال على أنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار والعقاب وتفصل ممّا بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب وذلك نحو قوله عزّ وجلّ: ﴿فَأولئك أصحاب النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة/81).

هنا الوقف، ولا يجوز أن يوصل ذلك بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ... ﴾ (البقرة /82) ويُقطع على ذلك وتختم به الآية». [المكتفي للداني ص 132]

ويحدثنا الداني مسنداً عن ابن مسعود (ت: 32هـ) حديثاً يدل على الوقف في كلام الله دون التمام:

عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله (ص) اقرأ عليّ.

فقلت: أَأَقرأ عليك وعليك أنزل؟

فقال: إني أحبّ أن أسمَعَه من غيري.

قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً﴾ (النساء/41).

قال: فرأيته وعيناه تذرفان.

فقال لي: حسبك. [أخرجه البخاري في كتاب التفسير، الحديث رقم (4582) وفي كتاب فضائل القرآن الحديث رقم 5050 و 5055، وأخرجه مسلم: (باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر) رقم الحديث 247، الجامع 1/556 وأخرجه أبو داود في كتاب العلم، الحديث 3668 واخراجات اخري]

فالقطع على قوله ﴿ شَهِيدًا ﴾ ليس بتام ... فما بعده متعلّق بما قبله والتمام: ﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا ﴾ (النساء/42) لأنه انقضاء القصة وهو في الآية الثانية وقد أمر النبي (ص) عبد الله بن مسعود أن يقطع عليه دونه مع تقارب ما بينهما فدلّ ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي [سيأتي تعريفه في الفصل الثامن الصفحة 35] ووجوب استعماله ». [المكتفي للداني ص 137]

وجاء عن علي (ع) (استشهد40هـ) أنه سئل عن قوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ (المزمّل/4) فقال: «الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف».[ النشر في القراءات العشر لابن الجزري، 1/209]

في كلام علي (رض) دليل على وجوب تعلم (الوقف) ومعرفته. [النشر لابن الجزري 1/225]

اهتمام الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين بهذا العلم

أخرج ابن النحاس عن القاسم بن عوف البكري قال: سمعت عبد الله بن عمر (ت: 73هـ) يقول:

لقد عشنا برهة من دهرنا وإنَّ أحدنا لَيُؤتى الإيمان قبلَ القرآن تَنزِلُ السورةُ على محمد (ص) فنتعلّمُ حلالَها وحرامَها وما ينبغي أن يُوقَفَ عندَهُ منها كما تتعلّمون أنتم اليوم القرآن ولقد رأيت اليوم رجالاً يُؤتى أحدُهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحتِهِ إلى خاتمِتِه ما يدري ما آمرُهُ ولا زاجرُهُ ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل. [القطع والائتناف لابن النحاس ص 87]

ما جاء عن ابن عمر يدل على أن صحابة رسول الله (ص) كانوا يهتمون بمعرفة الوقف بتوجيه منه (ص) كاهتمامهم بمعرفة معاني القرآن الكريم والوقوف على حلاله وحرامه وشبّه ابن عمر عدم عنايتهم بالقراءة بنثر التمر الردي‏ء اليابس.

ويقول ابن الجزري:

وصحّ بل تواتر عندنا تعلّمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع (ت: 132هـ) إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع ابن أبي نعيم (ت: 169هـ) وأبي عمرو بن العلاء (ت: 154هـ) ويعقوب الحضرمي (ت: 205هـ) وعاصم بن أبي النجود (ت: 127هـ) وغيرهم من الأئمة وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلاّ بعد معرفته الوقف والابتداء وكان أئمتنا يوقفونا عند كل حرف ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنّة لذلك أخذوها عن شيوخهم الأولين رحمة الله عليهم أجمعين وصحّ عن الشعبي (ت: 105هـ) وهو من أئمة التابعين علماً وفقهاً ومقتدى أنّه قال: إذا قرأت ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان ٍ﴾ فلا تسكت حتى تقرأ ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ﴾ (الرحمن/26،27). [النشر لابن الجزري 1/225]

وقال الهذلي (ت: 167هـ) في كامله « الوقف حلية التلاوة وزينة القارئ وبلاغ التالي وفهم المستمع وفخر العالم وبه يُعرف الفرق بين المعنيَيْن المختلفَيْن والنقيضَيْن المتنافيَيْن والحكمَيْن المتغايرَيْن ». [القول المفيد للشيخ محمد مكي نصر، ص 195 المكتبة العلمية لاهور الهند لا.ت]

وقال أبو حاتم السجستاني (ت: 248هـ): « من لم يعرف الوقف لم يعرف القرآن ». [ن.م ص 195]

وقال ابن الأنباري (ت: 328هـ): «ومن تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء فيه». [إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، 1/108. لابن الأنباري ط. دمشق سنة 1390هـ - 1971م تحقيق محي الدين عبد الرحمن رمضان، مطبوعات مجمع اللغة العربية]

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1818
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29