• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : تتمة شبهة تحريف القرآن .

تتمة شبهة تحريف القرآن

سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد

تتمة شبهة تحريف القرآن

تتمة للبحث السابق نبدأ بما قال الشهيد الصدر : القول بالتحريف دعوة لا تتناسب مع طبيعة الأشياء وطبيعة القرآن الكريم . ولكن لا بد من الاعتراف بأن شبهة التحريف قد وجدت في الكتب بسبب تمسك البعض ببعض الروايات من هنا وهناك فتسلطت الفكرة على بعض الأذهان .ولذا نحن محتاجين أن نقف على بعض تلك الروايات و نقسم تلك الروايات إلى طوائف وحصص حتى نجيب على كل واحدة منها بما يدحضها :

روايات مصحف علي عليه السلام

كان لعلي عليه السلام  مصحف وأنه يشتمل على أشياء ليست موجودة في القرآن الكريم أو أن هذا المصحف تطرق إلى قضايا وأحداث لم يتطرق لها القرآن الكريم مما أدى إلى تسلط تلك الروايات على أذهان البعض فظنوا أنها تشير إلى وقوع التحريف في القرآن الكريم.

 معالجة هذه الشبة:

 في الحقيقة أن الروايات التي تقول بذلك ليست قليلة ربما تصل إلى ثمان روايات أو تزيد عليها ولكن لا يمكن أن نتطامن أو نسلم لها لماذا؟

 السبب في ذلك أن أسانيد هذه الروايات في المعظم ضعيفة ومطعون فيها – طبعا هناك فرق بين الضعيف أي الذي قد يكون الراوي به جهالة ، وبين المطعون أي الذي يتصدى للكذب والوضع و الدس وقد طعن عليه بشيء من ذلك – ولذا لا يمكننا التسليم لتلك الروايات بسبب ما ذكرناه سابقاً .

وهناك سبب أخر وهو فهم تلك الروايات نحن لو أخذنا الروايات واحدة بعد أخرى  لوجدنا أن بعض  تلك الروايات ليس فيها شهادة تقول بأن مصحف علي عليه السلام متغاير مع سائر المصاحف الأخرى كيف ؟ بل هناك اختلاف في أمور ليست من صمصم القرآن الكريم

هذا يحتاج إلى توضيح:

  نعرف أن كل جهد بذل في القرآن ينقسم إلى قسمين:-

1 ـ جهد توقيفي.

2 ـ جهد توفيقي.

فنحن نجد أكثر من ترتيب في القرآن  كترتيب السور وترتيب الآيات وكذلك أسباب النزول وكذلك تحزيب القرآن وكذلك عنونة السور بأسماء وهكذا كلها جهود أدت لجمع القرآن الكريم . فهل كل هذه الجهود توقيفية ؟ أم توفيقية؟

لنفهم معنى الكلمتين ، فكلمة توقيفي يعني بوحي من الله سبحانه لا يتدخل فيها أحد من خلقة ومن الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

 وأما التوفيقي أي اجتهاد من البشر  فالجواب على تلك الجهود التي ذكرناها سابقاً كلها جهود توفيقية و ليست توقيفية . وإن كنا نعتقد بأن جهد علي في جمع القرآن بكل جوانبه هو تحت إشراف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس اجتهادا لأن الاجتهاد يعني التحري في طلب الحقيقة في حال أن أمير المؤمنين عليه السلام هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  بنص القرآن الكريم  ولكنها مستلزمات البحث .

 وفي حصة أخرى من تلك الروايات تتحدث أن لعلي  مصحفا لا يشبه المصاحف التي عند الناس، ونحن نقول هذا من ناحية ترتيب السور فقط إذا أشارت بعض الروايات إلى أن مصاحف بعض الصحابة تبدأ بالمكي ثم المدني وغير ذلك من دواعي الترتيب المختلفة فاختلافه عنها في الترتيب لا يعني تحريفا وهذا ما عليه جمهور علماء الأمة الإسلامية:

نعم البعض كالكرماني وغيره قال بأن الترتيب الموجود في القرآن هو توقيفي من الرسول صلى الله عليه واله وسلم ولكن جمهور علماء المسلمين يقولون أن ترتيب السور ليس توقيفياً بل هو ترتيب توفيقي . ووجه أخر من الروايات في شبهة مصحف علي عليه السلام بأنه يشتمل على تنزيل لا يوجد في مصاحف المسلمين ولا ينبغي منا أن نفزع من كلمة (تنزيل)لأن معناها الآية ومعها تفسيرها أو سبب نزولها أو تأويلها .

وهنا لا بد من كلمة:

أن أكثر الخلافات ناتج عن الفهم الخاطئ للألفاظ وهناك ألفاظ كانت تحمل معنى ولكن مع الاستعمال الذي هو متأخر في المرحلة صارت تعني معنى منحصرا مثل كلمة التنزيل وكلمة كتاب وكلمة مصحف

 فإن أيا من هذه الكلمات في العهد الأول لم تكن تساوي كلمة القرآن الكريم فكلمة التنزيل مثلا كان لها معنى أوسع فإذا نزلت الآية ينزل معها حديث قدسي فهذا يسمى تنزيلا أيضا .

كذا لو كان نزول الآية مع تفسيرها أو تأويلها لذ نفهم الكلمة التي تقول أن عليا عليه السلام لديه مصحف يشتمل على أشياء ليست موجودة في مصاحف المسلمين فتحمل على هذا المعنى الذي ذكرناه سابقاً أي فيه من التأويل والحديث القدسي الكثير.

 لم يتفرد علي عليه السلام في مصحفه بهذه الطريقة فهناك غيره من الصحابة من كان لديه مصحف كابن عباس وعبد الله أبن مسعود الذي كان يضع الآية ثم تفسيرها من دون علامة تفصلها وهذه شواهد أخرى من غير علي عليه السلام فكان يقرأ عبد الله أبن مسعود في مصحفة الآية مع تنزيلها بقول الله تعالى { ليْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) في موسم الحج .

وهذا ما يسمى بالتنزيل .

 هنا نفهم بعض الروايات التي تجد في ذيلها في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي وهو يذكر الآية مع تفسرها ويقول هكذا نزلت  ويجعجع على هذه الطائفة بأنها محرفة للقرآن من دون  وعي كافي ولم يصلوا إلى ما وصل إليه الشيخ عباس القمي في تدقيق الألفاظ في الأقوام السابقة وحينما يحكي الشيخ القمي عن آية عن الإمام زين العابدين مثلاً يقول : هكذا نزلت أي مع تفسيرها أي مع التفطن إلى تفسيرها.

 والمصاحف التي كتبت مع تفسيرها أو غيره من العلوم كانت  لصحابة  همهم أن يستفيدوا من قربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وكان همهم أن يرجعوا منه بقراطيس كتبوها عنه صلى الله عليه وآله بخلاف غيرهم الذي لم يحسن الاستفادة الجيدة تحت ظل الرسالة المحمدية .

لذا لما رأى أبن مسعود حركة جمع القرآن الكريم لم يعطى أهمية على الرغم أنه تعب في جمع القرآن الكريم رفض أن يعطي مصحفه رغم محاولات الصحابة له بإعطائهم المصحف ومازال مصراً على رفضه .

وهناك شبهة أخرى:

 هل أن الآيات مرتبة في  مصحف علي عليه السلام مثل المصاحف الأخرى ؟

هناك كلام أنها ليست بنفس الآيات المرتبة في مصاحف المسلمين لعل تكون آية هنا وآية في إشارة إلى أن ترتيب الآيات كترتيب السور توفيقيا وليس توقيفيا ربما استفيد هذا من العلامة الطبأطبائي.

 لكن لا يمكن قبول ذلك لأنها لا تناسب كثير من الروايات المتضافرة عن أهل البيت عليهم السلام في:

-  إجزاء قراءة السور في الصلاة وغيرها.

 - أن لها من الثواب كذا وكذا فهذا يدلل على أن السور تامة وليست موزعة هنا وهناك .

-  الروايات التي تتحدث عن أن النبي صلى الله عليه واله وسلم أمرهم أن يضعوا كل آية في موضعها..

طائفة أخرى يتمسك بها المشتبهون في التحريف:

وهي الروايات التي جاءت عن طريق أهل البيت عليه السلام وتتكلم عن التحريف . 

فمثلاً جاء رجل يسأل الأمام الكاظم ممن أخذ معالم ديني؟ فقال له :"" إذا أخذته من غير الشيعة فأنك أخذته من المحرفين"" .

فهل هذا الجواب يدل على التحريف ؟

الجواب يجب أن نرجع لقواميس اللغة للسابقين و كيف نتعاطى مع هذه الكلمة فمعنى التحريف هنا يقصد منه الذين حرفوا تأويل وتفسير الآيات وفقاً لرغباتهم وليس صريح الآيات الكريمة فلا بد من فهم الرواية فهما جيداً فلا يعني هنا التحريف في الرواية انقلاب الألفاظ القرآنية أو زيادتها بل المقصود منها تحريف وتغير التأويل .

 ولو فرضنا صحة التحريف بالقول الصريح نقول من حرف ؟

فكلمة الإمام (أخذته) هل من الأوائل؟ أم الذين في عصره ؟ الجواب هم الأوائل وهذا الكلام مرفوض بسبب عدم وجود التحريف في السابقين لوجود الضمانات الكثيرة لحفظه وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وكلمة التحريف هنا مثلها مثل كلمة التنزيل وكيف تعاطينا معها وعالجناها من خلال فهمنا لقواميس الأوائل في تفسيرها .

 طائفة ثالثة من الأخبار يتمسك بها المشتبهون في التحريف:

و من الروايات ما يقول بأن أسماء الأئمة نزلت في القرآن الكريم نقول : السر في هذه الرواية في كلمة (نزلت) وكما شرحناها سابقاً أنها بمعنى التأويل والتفسير .

ولو نزل أسم صريح لأحتج به الأئمة عليهم السلام .

 كما أن هناك قسم من الروايات يشتمل على أن أهل البيت عليهم السلام نزل فيهم ثلث القرآن الكريم يعني ذلك أنه منشأ النزول أو كانوا سبب النزول ليس بأسمائهم صريحة.

وعندنا نص الغدير الذي كالنار على المنار لو كان نزل في علي شيء لاحتج به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بل لو كان نزل فيه شيء صريح من القرآن لما كان داعي لخوف النبي صلى الله عليه واله وسلم بحيث يطمئنه القرآن: "" والله يعصمك من الناس""

والحمد لله رب العالمين

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=180
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 09 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24