• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : الصوم وآثاره المعنوية والمادّية .

الصوم وآثاره المعنوية والمادّية

 إعداد: القسم الثقافي في دار السيّدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم

الصوم من أفضل الطاعات وأشرف العبادات، فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: >بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية< [الكافي: ج2/ ص18].

 ولو لم يكن فيه إلا الارتقاء من حضيض النفس البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلاً ومنقبة، بل ويمكن الوصول إلى مراتب أعلى من الملائكة، كيف لا يصل الإنسان والله تعالى يقول في الحديث القدسي كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: >إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي عليه< [الكافي: ج4/ ص63].

قال السيد محمد علي الموسوي العاملي في كتابه (مدارك الأحكام): >وأورد هنا سؤال مشهور، وهو أنّ كل الأعمال الصالحة لله فما وجه تخصيص الصوم بأنه له تبارك وتعالى دون غيره؟ والجواب يقع في عدة نقاط:

الأول: إنه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن، وذلك أمر عظيم يوجب التشريف...

الثاني: إنّ الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بوساطة ضعف القوى الشهوية بسبب الجوع، ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): >لا تدخل الحكمة جوفاً ملئ طعاماً< وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية.

الثالث: إنّ الصوم أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه ...< [مدارك الأحكام: ج6، ص8].

وللصوم آثار كبيرة وثمرات كثيرة، يمكن إجمال بعضها في الجوانب التالية:

1- الآثار المعرفية

أ- الحكمة، كما ورد في الروايات الشريفة: >يا ربِّ وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يُورث الحكمة والحكمة تُورث المعرفة، والمعرفة تُورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح، بعسرٍ أم بيسر...< [الجواهر السنية: ص386].

ب- خلوة القلب للفكر والذكر، فإنّ خلو البطن من الطعام والشراب ينوّر القلب، ويوجب رقته، ويزيل قسوته، ويخليه للذكر والفكر.

ج- دراسة القرآن الكريم وتدبّره بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، فشهر رمضان هو شهر القرآن قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185].

2- الآثار الروحية

أ-  التفرّغ لعبادة الله وطاعته، وهي الغاية من وراء خلق الإنس والجن، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56].

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: >إنّ البطن ليطغى من أكله وأقرب ما يكون العبد من الله جل وعز إذا خف بطنه وأبغض ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا امتلأ بطنه< [الكافي: ج6، ص269].

ب- تقوى الله عز وجل، حيث يُعدّ الصيام وسيلة إلى التقوى. يقول الله سبحانه و تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183] فختم الآية جل وعلا بأنّ حكمة الصيام هي تقوى الله عز وجل.

د- قضاء مزيد من الوقت في الصلاة والتأمّل في شهر رمضان يرفع درجة الوعي الروحي عند الصائم، وهذا الخوض في الذات الداخلية للإنسان يؤدّي  إلى زيادة الاتصال الروحي مع الله ويقلّل أيضاً من التوتّر النفسي والإجهاد.

3- الآثار التربوية

أ- تعلّم النظام وترتيب الأوقات، واستغلالها بكل نافع مفيد، فالصائم أكثر الناس استفادة من وقته، فمنذ بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس وهو في عبادة من صلاة، وقراءة للقرآن، وعمل واجب أو مندوب، وتقوٍّ على طاعة الله.

ب- الصوم تمرين مثالي لضبط النفس وقوّة الإرادة وقهر الرغبة في الملذّات والشهوات الدنيوية، فالنفس ميالة إلى رغباتها وشهواتها، والصوم يساعد الصائم على ضبط نفسه عن المحرّمات والمكروهات ليقبل على الله جلّ وعلا بكلّ جوارحه. كما ويساعد الصوم أيضاً في التغلّب على الأفكار والمشاعر السلبية مثل الغضب والغيرة والكراهية.

ج- إنّ الشبع والري تحملان النفس على الأشر والبطر والغفلة، والنفس إذا شبعت تمنّت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عمّا تهوى. عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: >إذا شبع البطن طغى< [الكافي: ج6، ص270]. وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: >يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم، فإنّ الصوم له وجاء< [مستدرك الوسائل: ج14، ص153].

د- مراعاة الوسطية والاعتدال في الإنفاق في المأكل والمشرب، والابتعاد عن الإسراف والتبذير وعدم التقتير تحقيقاً لقوله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف: 31] وقوله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [سورة الفرقان: 67].

4- الآثار الأخلاقية والسلوكية

أ- الحثّ على التحلّي بالآداب والأخلاق الفاضلة، وترك المراء والجدال والخصام وكلّ مذموم من الصفات، فالصيام يحمل المسلم على فعل الفضائل وترك الرذائل والمحرّمات من الأفعال والأقوال حفاظاً على صيامه ممّا يخدشه وينقصه بترك ما حرّم الله في كلّ حالٍ من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم، وأعراضهم.

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: >ما من عبد صائم يشتم فيقول: إني صائم سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني، إلا قال الرب تبارك وتعالى: استجار عبدي بالصوم من شر عبدي قد أجرته من النار< [وسائل الشيعة: ج10، ص167-168].

ب- إنّ الصيام يضيّق مجاري الشيطان على الإنسان، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر ثورة الشهوة والغضب. وفي كتاب الفقه الرضوي: >واعلم رحمك الله أن الصوم حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن، والأسماع والأبصار، وسائر الجوارح ... حتى يستر به من النار. وقد جعل الله على كل جارحة حقاً للصيام، فمن أدى حقها كان صائماً ومن ترك شيئاً منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها< [فقه الرضا: ص202].

ج- التقوى، كما تُشير إليها الآية المباركة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183].

د - التعوّد على الصبر، فإنّ الصيام هو شهر الصبر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر: 10].

5- الآثار الاجتماعية

أ- تقوية نفس المؤمن على الإنفاق والعطاء والصدقة وإعانة المحتاجين، وكفّ الأذى والبُعد عن الجفاء، والتعرّف على أحوال إخوانه وأقربائه وأداء حقوقهم، فالإنسان إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات تذكّر الجائع المسكين في سائر الأوقات فيُسارع إلى رحمته والإحسان إليه.

ب- إنّ الإفطار مع العائلة والأصدقاء في شهر رمضان يزيد من روح الأُخوّة ويساعد على تقوية الروابط الأُسريّة.

6- الآثار الصحية

إنّ للصيام فوائد صحية كثيرة، حيث أكّد الباحثون في العلوم الصحية أنّ الصوم يقوّي الحمية ويحرّر الجسم من الالتهابات والميكروبات والصديد ويخلّصه من الرواسب الضارّة، وهو يريح الأعضاء والجوارح وينشّط البدن ويقوّي الفكر. وروي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) في هذا الصدد أنّه قال: >صوموا تصحوا< [مستدرك الوسائل: ج7، ص502].

نذكر من ثمرات الصوم الصحية:

أ- تمديد الفترة بين الوجبات يساعد على راحة الجهاز الهضمي.

ب- التحكّم في الوزن، وذلك لأنّ الصيام يساعد الجسم على حرق احتياطي الدهون لتوليد الطاقة.

ج- مساعدة الجسم على التخلّص من السموم، فالكثير من السموم التي قد تتجمّع في الجسم يتمّ تخزينها بالنسيج الدهني، ومع ارتفاع معدّل عملية حرق احتياطي الدهون أثناء الصيام، يتمّ التخلّص من السموم المخزنة فيها.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1792
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24