• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : أسباب النـزول .

أسباب النـزول

المحاضرة الثانية

أسباب النـزول

سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد

عناصر البحث :

(1) أسباب النزول تعريفا وتقسيمها .

(2) الفائدة من معرفة أسباب النزول .

(3) تعدد أسباب النزول فيما لو كان المنزل واحد .

(4) القيمة والفائدة العملية لمعرفة أسباب النزول .

(5) ما هي الطرق للتعرف على أسباب النزول .

1 ـ   أسباب النزول وتعريفها وتقسيمها :

الآيات القرآنية على قسمين لا على سبيل الحصر ولكن هناك آيات تصور الساعة وأهوال يوم القيامة و قصص الأنبياء و عن الجنة و النار وغيرها من الأحداث وكلها تأتي لهداية الناس ولم تأتي لتجد حلا لسؤال ما  وهذا يسمى منشأ النزول وليس سبب النزول  مثل قصة نبي الله يوسف عليه السلام لا نستطيع القول أنها نزلت بسبب ما كان في نفس أخوة يوسف لأنها حادثة قديمة ولم تنزل في حينها فتعتبر هذه القصة منشأ وليست سببا للنزول  وهذا قسم ..

 أما القسم الثاني نزلت بسبب حدث مثير أو سؤال يستحق من الله نزول آية . في القرآن  مثال / قال تعالى (والذين اتخذوا مسجداً ضرار)  بحيث استخدموا مسجدا للاعتداء على الإسلام  فنزلت الآية لتبين حال الذين يحاربون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وهناك مثال:

2 ـ الفائدة لمعرفة سبب نزول الآيات :

 تنعكس فائدة التعرف على سبب نزول الآية على فهم الآية أحيانا وانسجامها مع الحدث الذي من أجله نزلت حتى لو كان هناك خلاف يرجح أقوى الأقوال باعتبارها الأقرب من غيره بسبب معرفة سبب النزول مثال على ذلك قال تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن تطوف بهما فلا جناح عليه} سبب نزول هذه الآية كانت أن أبناء الجاهلية يضعون أصنامهم فوق جبلي الصفا والمروة تقرباً لهما - حتى أن بعض المفسرين من إخواننا من أهل السنة ذهب في تفسير هذه الآية إلى أنه لا ضرورة للسعي بين الصفا و المروة لأن الله قال : {لا جناح عليه} وهذا تفسير سطحي ..

 بعد دخول الناس الإسلام كرهت أن تسعى بين الصفا والمروة لمكان الأصنام في السابق تذكرهم فأنزل الله تعالى قوله لا جناح عليكم .. إذن فقد كان بصدد رفع ما نفوسهم من حرج وأما الحكم فمفروغ عنه . فهنا لولا معرفتنا سبب نزول الآية لم نفهم الآية بشكل صحيح . 

 مثال أخر : جاء قوم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن الأهلة فقال تعالى : {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج  وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} فإذا لم نعرف سبب النزول نقول ما هو وجه المقارنة بين الأهلة والبر ودخول البيوت، ولماذا انتقلت الآية من شيء إلى شيء أخر؟

 فنعود لسبب النزول لنعرف تفسير هذه الآية . يقال أن هناك قبائل ست تعرف ب (الحمس) وهي متصلبة على عادات لا تريد تغييرها وهي من قريش مثل كنانة و ثقيف وبني قيس وغيرهم فكان عندهم تشريع في موسم الحج أنهم إذا أحرموا  لا يدخلون الخيمة من أبوابها بل يثقبون ثقب من الخلف ويدخلون منه اعتقادا بحرمته وأنهم سيبرون الله عز وجل بالتصلب عليه فنزلت هذه الآية  .

3 ـ   تعدد الأسباب حتى لو كان المنزل واحد :

 وهو مهم جدا للعلماء و للشباب الواعي .فالتخلص من كثير من الإشكالات التي يواجه بها القرآن الكريم وسنورد أمثلة على تعدد الأسباب ولو كان المنزل واحد:

 سئل عاصم وعويمر من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عمن وجد زوجته مع رجل آخر (خيانة زوجية) وكذا قد قذف هلال بن أمية  زوجته بوجود رجل أخر معها  النبي صلى الله عليه واله وسلم كل هذا واجهه الرسول صلى الله عليه اله وسلم فاحتاج لنزول آية لحل هذه المشكلة توضح للناس كيف يتعاملون مع مثل هذه القضية فنزل قول الله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} النور آية (6 ) – نزلت هذه الآية نتيجة أحداث ثلاثة لكن لم تستوجبت إلا نزول آية واحدة .

 مع التنويه بأنه قد يكون نزول الآية الواحدة لسببين مختلفين بينهما فارق زمني بعيد  .

من أمثلة ذلك أيضا آية أستغلها البعض وهي آية التصدق بالخاتم نزلت في أبن الصامت أو أمير المؤمنين عليه السلام والذين قالوا أنها نزلت في علي عليه السلام أربعون راويا من الصحابة والتابعين وغيرهم , ونحن ليسنا بصدد علاج  التعارض لكن نريد أن نلفت أن هناك نزول واحد في عدة أشياء وفي هذه الآية نلزم المنكرين بأنه إن لم تقبلوا التعارض وترجيح الروايات لصالح علي حيث الثقاة والمؤتمنين من الرواة نسبوها له فلا أقل من القول بتعدد أسباب النزول

لكن  نحن لا نقبل بتعدد النزول هنا لأن لهذا القول مضاعفات عقائدية لا تحمد وبما أننا لسنا في صدد معالجة هذه الآية لا نريد أن نطيل معها المقام.

((ملاحظة للأخوة القراء هنا استطرد الشيخ الكلام حول طبيعة السؤال لدى أم سلمة ونذكره للفائدة بين القوسين  مثال أخر عن أم سلمه وهنا - ملاحظة أن أم سلمه عليها السلام كانت تسأل أسئلة قليلة في الظاهر لكنها عميقة ويمكن أن يميز هذا بمراجعة ما أسند عنها ..

 وهكذا تقف أم سلمه بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مستفهمة وتقول : يا رسول الله أن المرأة إذا كانت من أهل الجنة وزوجها كذلك تعود إليه فإذا كان للمرأة رجلين فلمن تكون ؟ فيجبها رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله : أبرهما لوالديه . طبعا هذا الحديث يدلنا أيها الأخوة على أن للأبرية بالوالدين ميزان في الأعمال والثواب والجزاء وليس البر فقط يكون ميزانا )).

 نعود لمواصلة الموضوع:

 كذلك جاءت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله نزلت أية الهجرة ولم يذكر الله النساء بشيء فنزلت الآية 195{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} ثم نزلت آية أخرى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} – الأحزاب 35 – وأيضا – سورة النساء 32 – {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}  وهذه الآيات نزلت لجواب سؤال واحد لما ؟

لعمق هذا السؤال وقيمته العلمية لتفي بكل جوانبه .

4ـ   فائدة وقيمة التعرف على أسباب النزول :

نحن هنا إشكال يقول : إذا كان هناك سبب نزول للآية فكيف نعمم هذا السبب إلى سائر المسلمين أو المستمعين إلى يومنا هذا ؟

الجواب  : أن هناك قاعدة تقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولا بخصوص المورد وهذه قاعدة عند الأصوليين . فحينما ذكر الله المهاجرات في الآيات المختلفة التي ذكرناها سابقاً تقصد كل امرأة هاجرت لله ورسوله يكون لها مثل ثواب تلك النساء التي هاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  والدليل على ذلك ما قاله الإمام الباقر عليه السلام : ( فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا وماتت لمات القرآن ) فهذا يدلنا على أن القرآن لكل زمان ومكان .

5ـ  ما هي الطرق للتعرف على أسباب النزول :

معروف في أسباب نزول الآيات هو الأخذ من الرواة مثل روى عكرمة أو فلان أو فلان ولكن الحقيقة لا يمكن أن نأخذ بأي رواية إلى بشروط ثلاثة  وهي:

أن تكون متواترة

وأن تكون صحيحة السند

و أن تكون مستفيضة أي رواها كثيرون . وهناك طريق رابع لا يشير إليه البعض وهو : أنه قد تكون الرواية ليست متواترة ولا صحيحة الإسناد ولا مستفيضة ماذا نعمل ؟ الجواب قد يكون فيها شاهد صدق على صحتها  بحيث بأتي منسجمة مع الآية مثال على ذلك ما ذكرناه سابقاً في النقطة الثانية حول قبائل (الحمس)حينما يدخلون الخيمة من ثقب من خلفها نجدها شاهد صدق وإن كان على فرض إسنادها ضعيفا لكنها منسجمة مع الآية .

 نذيل هذه النقطة ختاماً نقول :

أن روايات أسباب النزول بها جهالة وفيها وضاعون بل قد تكون مستفيضة ينكرها البعض مثل كلام الطبري في  حديث الغرانيق حار حيرة  وكقول بعض النصب أن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (204) سورة البقرة نزلت في علي أبن أبي طالب عليه السلام؟!!!

وأن قوله تعالى:  {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (207) سورة البقرة نزلت في ابن ملجم؟!!!


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=171
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 09 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29