• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : التفسير .
                    • الموضوع : النور المبين في تفسير القرآن الكريم (الدرس الرابع) .

النور المبين في تفسير القرآن الكريم (الدرس الرابع)

سماحة الشيخ ابراهيم الانصاري البحراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين

(الفاتحة/2)

كـلمة الحـمد في اللغة

وردت مادة الحمد في القرآن في صيغ مختلفة وهي:

حمد – حميد – حامد – محمود – محمَّد – أحمد – حامد.

قال في مادة حمد من المفردات:

“الحمد لله تعالى الثناء عليه بالفضيلة وهو أخصّ من المدح، وأعمّ من الشكر، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ومما يقال منه وفيه بالتسخير، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه. والحمد يكون في الثاني دون الأول، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة، فكل شكر حمد وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا”.

وقال ابن الأنباري:

“حَمَدَ” مقلوب “مَدَحَ” والمعنى واحد مثل “جَذَبَ” و“جَبَذَ”.

أقـول:

هناك موارد كثيرة وقع فيها القلب نذكر بعض الأمثلة منها:

“حوش” من “حشي”، و”دوَن” من “دني”، و”شكر” من “كشر”، و”فكر” من “فرك”، و”قفي” من “قيف”، و”جيه” من “وجه” فبالنسبة إلى المثال الأخير، الوجاهة والجاه والوجه من أساس واحد، قال تعالى:

(إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِين)(آل عمران/45).

رُوي عن ابن عباس (تفسير القرطبي) أنه قال:

“الحمد لله كلمةُ كل شاكر، وإن آدم عليه السلام قال حين عَطَس: الحمد لله (وفي تفسير علي بن إبراهيم حول خلق آدم… ثم نفخ فيه فلما بلغت فيه الروح إلى دماغه، عطس فقال : الحمد لله فقال الله له: يرحمك الله. قال الصادق عليه السلام: فسبقت له من الله الرحمة. بحار الأنوار ج11 ص106 المناقب ج3 ص241 مثله.). وقال الله لنوح عليه السلام: (فَقُلِ الْحَمْدُ للّهِ الّذِي نَجّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِين)(المؤمنون/28).وقال إبراهيم عليه السلام: (الْحَمْدُ للّهِ الّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)(إبراهيم/39).وقال في قصة داود وسليمان: (وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ)(النمل/15).وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَداً)(الإسراء/111).وقال أهل الجنة: (الْحَمْدُ للّهِ الّذِيَ أَذْهَبَ عَنّا الْحَزَنَ)(فاطر/34). (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ)(يونس/10).فهي كلمة كلّ شاكر”.

أهميَّة مقام الحـامدين

إنَّ مقام الحامـدين مقام عظيم قد وصل إلى مستوى من العظمة والعلوّحتَّى قال عنهم الله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة/111)

فهؤلاء هم الذين يمتلكون الجنَّة، لأنَّه تعالى يقول عنهم “بأنَّ لهم الجنَّة” ولكن كلُّ تلك النعم تتوقَّف على اتصافهم بالخصال التالية: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)(التوبة/112)

فلا إيمان ولا تبشير إلاّ بعد التوبة والحمد وسائر الصفات الواردة في الآية.

شـمولية الحـمد

ثمَّ:

إنَّ اللام في “الحمد لله” دالة على الاستغراق والجملة ليست إنشائيَّة بل هي خبرية وتعني أنَّ جميع المحامد تختص بالله، لأنَّ الحمد لا يكون إلا للكمال والله هو الكمال المطلق وهو مصدر كل كمال وجمال، فلا يمكن أن يحمد غيره مهما حاول الإنسان أن يحمده. لأنَّ غيره لا يمتلك الكمال أصلاً فلماذا يحمد، قال في أطيب البيان:

“إن غير الواجب الوجود من الممكنات، ليست مؤهلة لأن تحمد لا من حيث الصفات ولا من حيث الأفعال، لأنّها جميعاً صرف الحاجة والفقر والفاقة وكل كمال يرجع إلى الله تعالى حيث أفاض إليها ذلك، ومن حيث الأفعال أيضاً لا استقلال لها بل هي كفعل بإعانة الحق تعالى شأنه، ومن هنا نقول بأن الألف واللام في “الحمد” للجنس واللام “لله” للإختصاص وعليه تكون حقيقة الحمد بجميع أنواعه، مختصة بواجب الوجود المستجمع لجميع الكمالات الذي هو مفاد”(تفسير أطيب البيان).

وعليه فلو وجَّه الإنسان حمدَه وثنائه إلى غير الله تعالى، فحمِد الأشياء الأخرى التِّى يراها ذات كمال ، فهو إذاً قد حمد الكمال من غير أن يشعر بذلك، لأنَّ كلَّ كمال راجع إليه تعالى، غاية ما هناك أنَّه غفل عن هذا الأمر، وسيتنبَّه من غفلته عن استيقاظه في مماته: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(ق/22).

ومن هنا تعرف مدى عمق كلام قال الإمام الباقر عليه السلام:

((فقال الحمد لله.. فما من حمدٍ إلا وهو داخل فيما قلت))(كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2ص330 تفسير البرهان ج1ص46ح2).

المحـمود الأحـمد

ثم قال :

ولو أردنا أن نتنزل من هذا المستوى إلى مستوى أدنى، وأردنا أن نسري الحمد في الممكنات، فمقام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام هم الذين يستحقون الحمد، ولذلك قال تعالى في شأنه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)(الإسراء/79)وذلك لأن كل فيض نازل على الممكنات في الدنيا والآخرة فهو من هذا البيت وهم العلّة الغائية للموجودات، ولا يخفى أن الشفاعة الكبرى من جملة مصاديق المقام المحمود ولهذا سمّي بأحمد ومحمود ومحمّد. (تفسير أطيب البيان).

و السر في إطلاق تلك الأسماء عليه، يرجع إلى ما سنبيِّنه:

يقال له “محمود” لأنَّه يُحمد، و“محمد” حيث كثُرت خصاله المحمودة وأيضاً لأنَّه وُجد محموداً وأمّا “أحمد” فلقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِــحْرٌ مُبِينٌ)(الصف/6).

فكأنَّ الآية تريد القول بأنَّه صلى الله عليه وآله هو أحمد (أي أكثر حمداً) من عيسى وغيره من الأنبياء، وكلُّ ذلك لا ينافي أن تكون تلك الأسماء أعلاماً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم.

وأمّا أصل هذه التسمية فهو راجع إلى بداية خلق نوره، فالأحاديث تؤكّد على ذلك. فقد ورد في تفسير فرات ابن إبراهيم الكوفي:

((عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ فخلق خمسة من نور جلاله واشتق لكل واحد منهم اسما من أسمائه المنزلة فهو الحميد وسمّاني محمَّدا…))(بحار الأنوار ج37 ص62).

الحـميد

ولنتحدَّث عن صفة الحميد المختصة بالله تعالى:

لقد وردت هذه الصفة في موارد مختلفة، وأكثر ما جاءت، فهي مرافقة لصفة “الغني” الذي هي كالدليل على صفة الحميد. وهذا يؤيِّد ما بيَّنا من أنَّ الحمد مختصٌّ به وهو بمعنى الحامد أو المحمود ويجوز أن يكون بالمعنيين، كما سنشير إلى الشواهد الدالَّة على ذلك. والسر في إطلاق الحميد عليه تعالى هو أنَّ الكل فقير إليه وهو الغني بالذات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(فاطر/15)

ومرتبة غناه تعالى مطلقة لا حدَّ لها ولهذا يقول بعد تلك الآية: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيز)(فاطر/17،16).

وقال أيضاً: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الحج/64).

فمادام أنَّ الإنسان أيضاً هو مظهر لله تعالى بل هو أبرز المظاهر، فإذا شكر الله، فهو يشكر لنفسه يقول: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد)(لقمان/12).

وفي دعاء جوشن الكبير:

((يا خير ذاكر ومذكور يا خير شاكر ومشكور يا خير حامد ومحمود يا خير شاهد ومشهود يا خير داع ومدعو يا خير مجيب ومجاب يا خير مونس وأنيس يا خير صاحب وجليس يا خير مقصود ومطلوب يا خير حبيب ومحبوب))(بحار الأنوار ج94 ص396).

وأيضاً ورد في مقطعٍ آخر من الدعاء:

((يا خير الحامدين))(بحار الأنوار ج94 ص384).

فمن أراد أن يحمد الله بقوله: “الحمد لله رب العالمين”، ينبغي أن يقصد من هذا الحمد، نفس حمد الله تعالى الذي حمد به نفسه. وفي دعاء الإمام السجّاد عليه السلام:

((بسم الله كلمه المعتصمين ومقالة المتحرزين وأعوذ بالله من جور الجائرين وكيد الحاسدين وبغي الطاغين وأحمده فوق حمد الحامدين…))(بحار الأنوار ج90 ص152).

وأيُّ حمد هو فوق حمد الحامدين؟ ليس هو إلا حمده لنفسه تعالى شأنه.

وفي دعاء آخر:

((حمدا يفوق على جميع حمد الحامدين، ويعلو على حمد كل شيء، ويفخم ويعظم على ذلك كلّه وكلمّا حمد الله شيء، والحمد لله كما يحب الله أن يحمد))(بحار الأنوار ج95 ص240).

و أمّا السر في أنَّه سبحانه صار خير الحامدين وخير حامد ومحدود وخير ذاكر ومذكور، هو إن الحمد مادام أنَّه يرتبط بمعرفة كمال المحمود ولا يعلم كمال ذاته تعالى إلا هو، فهو خير حامد ومحمود وعلى هذا يكون خير شاهد ومشهود ومن هنا قد فسّر قوله تعالى “وشاهدٍ ومشهود” بذلك.

وقال السيد المحقق الداماد رضوان الله تعالى عليه في القبسات:

“أفضل مقامك في الحمد، أن تجعل قسطك من حمدك لبارئك، قُصيا (قصوى) مرتبتك الممكنة من الاتصاف بكمالات الوجود كالعلم والحكمة والجود والعدل مثلا فيكون جوهر ذاتك حينئذٍ أجمل الحمد لبارئك الوهاب سبحانه، فإنَّك إذن تنطق بلسانك الحال كلَّ صفةٍ من تلك الصفات أنَّها فيك ظلّ صفته سبحانه”.

التوحيد الأفعالي

من أهم مصاديق التوحيد هو التوحيد الأفعالي، بمعنى أنَّ جميع الأفعال من غير استثناء تُنسَب إلى الله تعالى فلا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم، وهذا الأمر مضافاً إلى الأدلَّة العقلية الكثيرة والطريق الشهودي، مستند إلى آيات كثيرة جداً، نتطرَّق إليها حين تفسيرها إن شاء الله تعالى .

قال الإمام قدس سرّه:

“ومن تجلت في قلبه الوحدة، فيحجب عن الخلق وينسب جميع الأفعال إلى الحق، والعارف المحقق يجمع بين الوحدة والكثرة وفي حال أنه ينسب الفعل إلى الحق من دون شائبة مجاز ينسبه في نفس الحال إلى الخلق بلا شائبة مجاز”

ثمَّ استشهد بشواهد من الذكر الحكيم، كقوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأنفال/17).

والآية الشريفــة قد نفت الرمي عن الإنسان وفي نفس الوقت أسندته إليه. وقال تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)(الكهف/82)

فلاحظ كيف أسند العيب إلى نفسه في “فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا” وأسند الخير إلى الله في “فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا” وعندما كان لإرادة العبد دور في تحقق الفعل بإذن الله قال: “فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا“.

وعليه قال:

“فالرب في الحمد لله رب العالمين، لعله من الأسماء الفعلية بمناسبة مقام القيام وهو مقام التوحيد الأفعالي، وفي الركوع من الأسماء الصفاتية بمناسبة أن الركوع، مقام توحيد الصفات وفي السجود، من الأسماء الذاتية بمناسبة أن السجود مقام توحيد الذات، والتسبيح والتحميد الواقعان في كل مقام يكونان مرتبطين بذلك المقام.”

رب والعالمون في اللغة والاصطلاح

“الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام، يقال ربَّه وربّاه و رببه”(مفردات الراغب).

يستفاد من ذلك أنَّ الحركة التكاملية للعالمين هي في ضوء ربوبيته تعالى. وقيل أنَّه يعني: المالك لتدبيرهم، والمالك للشيء يسمى ربه، ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله وأما في غيره فبقيد، فيقال: رب الدار ورب الضيعة.

ثمَّ إنَّ ينبغي أن نجيب على السؤال التالي:

ما هو المقصود من ربِّ العالمين؟ فمن هو “ربّ” وما هي “العالمين”؟

نقل عن ابن عباس (تفسير القرطبي) أنَّه قال:

“العالَمون، الجنّ والإنس، دليله قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)(الفرقان/1).

ولم يكن نذيراً للبهائم”.

أقول ويرد عليه نقضاً قوله تعالى: (إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ، نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّر)(المدثر37:35).

فهنا قد صرَّح بأنَّ القرآن نذير للبشر، فربَّ قرينة تصرف الكلمة عن معناها الحقيقي، فحينئذٍ يجب مراعاتها في النطاق الخاص مادام هناك شواهد أخرى تعمم الكلمة كما هو فيما نحن فيه.

والجدير بالذكر أنَّه قد ورد في خصوص الإنس والجن قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان)(الرحمن/13)

والظاهر أن الخطاب للإنس والجن كما تشير إلى ذلك بعض أحاديثنا.

عالم الخلق وعالم الأمر

أقول:

من خلال الآيات الكريمة نستنتج أنّ العالمين تتلخص في:

عالمَين رئيسيين، عالم الخلق وعالم الأمر، فعالم الخلق يشمل جميع الموجودات الماديَّة من السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم وغيرها حتى الملائكة.

وعالم الأمر فهو عالم آخر يختلف تماماً عن عالم الخلق، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف/54).

ولعلَّ قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)(الإسراء/85) إشارة إلى ذلك العالم.

وأيضاً عندما يتحدَّث عن نزول القرآن الكريم يقول: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)(الدخان 7:3)

فالأمر قد قيِّد بالعندية حيث قال “أمراً من عندنا”، كما جاء في الآية السابقة حيث قال “من أمر ربِّي” وقال تعالى:

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُون)(الأنبياء/19) (فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ)(فصلت/38).

فعندما ننظر إلى قوله تعالى:

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة/38).

حيث قسمّ الناس إلى الهابطين وإلى الهداة المرسلين من الله تعالى لنجاة المتورطين في الدنيا،و نتأمَّل أيضاً في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ…)(النساء/59)

حينئذٍ نصل إلى عمق قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(القمر/50،49).

والسر في أنّ عالم الأمر واحد، لأنَّه عالم خارج عن إطار الطبيعة والمادة التي تحكمها الكثرة والتعدد والاختلاف.

وقال تعالى: (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الجاثية/36).

فما هو المقصود من السماوات؟ وما المقصود من الأرض؟

ربَّما هما إشارة إلى العالميَن، الأمر و الخلق كما يشهد لذلك تكرار “رب”، والآية حينئذٍ تساوق قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)(الزخرف/84)

مضافاً إلى ما قلنا، لو تأملنا في قصّة سحرة فرعون وإيمانهم بالله، سوف ينفتح لنا من خلاله بابٌ آخر يعرِّفنا على روح العالمين.

رب موسى وهارون

إنَّ الله سبحانه عندما بيَّن قضيَّة موسى وهارون ومواجهتهما لفرعون والسحرة يقول: (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)(الأعراف/122:120).

والآيات بنفس الترتيب قد كرِّرت في سورة الشعراء، كما أنَّ هناك ترتيبٌ معاكس في قوله تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (طه/70).

ولربَّما هو لأجل ما سنبيِّنه فيما بعد من أنَّهما نفسٌ واحدة.

وهاهنا سؤال يطرح نفسه وهو كيف وصل السحرة إلى هذا المستوى من المعرفة؟ وما هو السرِّ في قولهم “ربِّ موسى وهارون”؟

هل المقصود هو مجرد بيان أنَّنا آمنّا بالرب الذي يعتقد به موسى وهارون وذلك في قبال الأرباب المتفرقين، وأيضاً ما يدَّعيه فرعون حيث يقول “أنا ربّكم الأعلى”؟

أقول بالتدبُّر في الآية نستنتج ما يلي:

إنَّ السحرة قد تعرَّفوا على ربِّهم الحقيقي من خلال كلام موسى عليه السلام عندما طلب منه فرعون أن يعرِّف ربَّه: (قالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)(طه/49).

وهذا الخطاب يدلّ على أنَّ موسى وهارون كليهما كان لهما الدور في مواجهة فرعون وهذا ما يستفاد من تثنية الضمير، وأما إفراد المخاطب فلعلَّه من أجل أنَّ موسى خاصّة هو المرسل إلى فرعون فهو الواجهة، رغم أن هارون هو لسانه الصادق، وفي الجواب: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(طه/50).

وموسى أيضاً يتحدَّث باسم نفسه وباسم هارون أخيه، وهو يبيِّن الخلق ثمَّ الهداية.

فهنا أمران قد ركَّز عليهما موسى عليه السلام:

-1 أنَّ ربّه هو الذي أعطى كلَّ شيء خلقه، فجميع الموجودات في السماوات والأرضين مخلوقة له تعالى، ولها قدَرٌ خاص من الخلق، كما هو المستفاد من قوله “خَلْقَه”، حيث أن الضمير راجع إلى الشيء وهذا هو عبارة أخرى لقوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر)(القمر/49).

-2 وهو الجانب الآخر المهم من الربَّ الذي من أجله أطلق الربّ عليه، كما مرَّ في المعنى اللغوي، حيث أنَّه لم يترك الأشياء بعد خلقها سدى، بل هداها وأولو الأمر هم المسؤولون عن أداء هذه المهمَّة الخطيرة، والكلّ حقيقة واحدة ونور واحد وهم الذين قال عنهم سبحانه (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(القمر50).

وهذه الحقيقة قد بيِّنت في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)(الأعلى3،2) فتشمل الهداية التكوينية المسماة بالهداية بالأمر والهداية التشريعية التي هي في مجال التشريع والتقنين.

وهذا ليس هو لسان موسى فحسب بل هو منطق جميع الأنبياء. قال تعالى عن لسان إبراهيم الخليل عليه السلام: (قَالَ أَ فَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَــدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ)(الشعراء/78:75)

وينبغي أن نعلم بأنَّ البعد الهدائي للنبي، إنَّما هو راجع إلى ولايته، لا نبوَّته فهو كنبي منذرٌ فحسب وكوليّ فهو هادٍ، ومن هنا صارت الولاية مستمرة دون النبوَّة وقد شرحنا هذا الأمر في كتابنا الأنوار الإلهيَّة فراجع.

قال تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد)(الرعد/7).

ومن هنا تعرف كيف أكَّد السحرة على “ربِّ موسى وهارون” لأنّ هذا الربّ هو الذي أوصلهم إلى هذا المستوى من الإيمان حيث يقولون: (قَالُوا لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ)(الشعراء/50،51).

ثم وصلوا إلى مرتبة الشهادة التي هي من أعلى المراتب.

النّـبي والوصـيّ

وربَّما هما إشارة إلى الدور الفعّال لكلٍ من النبي والوصي في الهداية. ونحن نعلم بأنَّ موسى وهارون ليسا فردين من مجتمع قد انتهى أمده، بل هما يمثِّلان مَثَلان لجميع الأنبياء والأوصياء، خاصَّة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله ووصيه علي بن أبي طالب، حيث نصب علياً خليفةً على المسلمين ومنحه تلك المناصب التي كان يتحلَّى بها هارون(كتاب الأنوار الإلهية). ومن هنا نعرف مدى عمق كلام هؤلاء الذين كانوا سحرة فآمنوا.

وأيضاً نعرف السرّ الكامن في حديث السلسلة الذهبية الصادرة عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال:

((…عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث، فقالوا له: يا ابن رسول الله، ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك! وقد كان قعد في العمارية فاطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن على يقول: سمعت أبي على بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن على يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: سمعت الله جل و عز يقول: لا اله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي. فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها))(بحار الأنوار ج49 ص123)

فلولا هذا الشرط لا تكون هناك قيمة لتلك الكلمة.

القرآن مظهر لربِّ العالمين

من الواضح أنَّ القرآن الكريم وإن كان له الأثر التكويني في جميع الكون، إلا أنّه مظهر هداية الله سبحانه وتعالى التشريعيَّة: (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…)(البقرة/185)

مع ذلك فهو من أبرز مظاهر ربِّ العالمين. قال تعالى:

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ)(الشعراء/194:192)

وقال: (ألم، تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(السجدة/2)

وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الواقعة/80:77)

والوصف أعني “ربّ العالمين” يُشعر بأنَّه جاء للتعليل أي أن الله تعالى – لكونه ربّ العالمين – نزَّل القرآن الكريم من الكتاب المكنون، على قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم. ولمكان هذه الهداية التشريعيَّة، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام/162،163).

عالم الآخرة من العالمين

وأمّا الآخرة فهي غير منفصلة عن الدنيا الذي تتحقق فيها الأعمال من الصلاة والنسك وغيرها حيث أنَّ الحياة الدنيا هي توطئة وتمهيد للآخرة الذي هو اليوم العظيم: (أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(المطففين/6:4).

والجدير بالذكر أنَّ افتتاح الأمر هناك بالحمد لله رب العالمين واختتامه أيضاً بذلك، قال تعالى في توصيف أهل الجنَّة: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين)(يونس/10)

ليس ذلك إلا لأنَّ جميع العالمي واقعون تحت ظل ربوبيته تعالى فهو الله الخالق والمالك والمدبر(قيل أنَّ الرب في اللغه يعنى الخالق والمالك والمدبر).

ولا تظنَّن بأنَّ العوالم منحصرة بما نعلمها نحن، بل قد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام:

((بلى والله لقد خلق ألف ألف عالم)) (تهذيب الشيخ الطوسي ج2ص289ح15، نور الثقلين ج1ص8 ج21و23).

والحاصل أنَّه حينما نتلفَّظ بهذه الآية أعنى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة/2)

ينبغي أن نلاحظ -مضافاً إلى ما سبق- الأمرين التاليين:

أ :إنَّ عالم الخلق مظهر ربوبية الله تعالى. (الكافي ج1ص114ح3، نور الثقلين ج1ص12ح46و47).

ب:إنَّ التوحيد والتمجيد لله تعالى فقط، والإقرار بأنَّ الخالق والمالك إنَّما هو الله لا غير. (من لا يحضره الفقيه ج1ص203ح12، تفسير البرهان ج1ص50ح20).

إشـراقـة

وفي الختام نذكر كلام العارف الإلهي الإمام (قدِّس سرُّه) تتميماً للفائدة:

“ألا ترى أن عليك أن تتوب من قولك وأنت تقف أمام الله قبل الدخول في الصلاة (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام/79) (إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الأنعام/162)فهل وجوهكم متوجهة إلى فاطر السماوات والأرض؟ هل أنتم مسلمون وخالصون من الشرك؟ هل صلاتكم وعبادتكم وحياتكم ومماتكم لله؟ ألا يبعث على الخجل بعد هذا أن تقولوا في الصلاة الحمد لله رب العالمين؟ فهل حقاً تقرّون بأن المحامد كلها لله؟، في حين أنكم تقرّون بالحمد لعباده، بل ولأعدائه؟، أليس قولكم رب العالمين يكون كذباً لأنكم تقرّون في الوقت نفسه بالربوبية لغيره تعالى في هذا العالم، أفلا يحتاج ذلك إلى التوبة والخجل؟!”

 

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1698
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24