• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : وقفات مع غزوة بدر .

وقفات مع غزوة بدر

سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)

 

نبذة تاريخية

بدر هي اسم بئر كانت لرجل يدعى بدراً، وحيث إنّ أحداث الوقعة وملاحم المعركة وقعت في هذا المكان سمّيت الوقعة باسم غزوة بدر.

وأطلق عليها بدر الكبرى في قبال بدر الصغرى، وهي غزوة سفوان، غزوة صغيرة لم يقع فيها قتال.

وكانت بدر الكبرى في رمضان في اليوم السابع عشر أو التاسع عشر منه، على رأس 19شهراً من الهجرة الشريفة، أي في السنة الثانية من الهجرة.

وسببها أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان قد عرض لعير قريش وقافلتهم التي فيها تجارتهم وهي ذاهبة إلى الشام بقيادة أبي سفيان بن حرب وأصحابه ، ففاته ذلك. وعند رجوع القافلة إلى المدينة محمّلة بالتجارة ندب الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه إليها. فوقعت الغزوة في ذلك المكان من أطراف المدينة.

وهي أول مواجهة مسلحة بين الإسلام والكفر، وانتهت بالنصر الساحق للمسلمين على عدوهم من قريش. وكان عدد المسلمين 317 أو 313 مقاتلاً، وكانوا مشاةً ولديهم فرسان، بينما كان عدد المشركين يفوق هذا الرقم بكثير.

أهمية غزوة بدر

قال تعالى: (وَيُرِيدُ الله أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)(1).

من الطبيعي جداً إذا كانت التجربة الأولى ناجحة في كل ميدان يخوضه الإنسان، أو في كل حقل من حقول الحياة، فإنّ هذا سوف يدفع بصاحب التجربة إلى الإمام والتقدّم للخوض في تجارب أخرى أكثر نفعاً وفائدة. وهكذا هو حال المسلمين في بداية الانتصار المسلح في غزوة بدر، فبعد أن كان المسلمون مستضعفين قليلين وحققوا الانتصار الباهر في أولى المواجهات مع أعدائهم، فانّ هذا قد دفعهم نحو التقدم والثبات في مواجهة العدو مستقبلاً.

فغزوة بدر الكبرى ذات أهمية عظيمة بالنسبة للمسلمين، فقد حققوا فيها بقيادة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ انتصارات كبيرة بها تمهّدت قواعد الدين وأعزّ الله الإسلام وأذل جبابرة قريش، وقتلت فيها رؤوسهم، ووقعت الهيبة من المسلمين في قلوب العرب واليهود وغيرهم من أعداء الإسلام، وهزّت كيانهم وضعضعت عزتهم.

هذا من جانب ، ومن جانب آخر يعتبر هذا الانتصار العظيم خطوة إيجابية تقدمية للمسلمين؛ إذ رفع من معنوياتهم، وزاد في إيمانهم، وقوى في نفوسهم روح الإسلام وحبّهم للنبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ القائد العظيم الذي كان يحثهم ويشجعهم على جهاد الكفار ويبث في قلوبهم العزيمة نحو تحقيق هذا النصر.

سلام الملائكة على علي عليه السلام

لقد طمأن الله تعالى قلوب المسلمين قبيل معركة بدر بأنّ النصر سوف يكون حليفهم فيها، وذلك من خلال إشعارهم بوجود الملائكة معهم وفي ساحتهم قبل نشوب القتال.

روي في (المناقب) أنّه لما كانت ليلة بدر قال النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ  مَن يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس، فقام علي فاحتضن فرسه ثم أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها، فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، تأهبوا لنصرة محمد وحزبه، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر مَن يسمعه، فلما حاذوا البئر سلّموا عليه من عند أخراهم إكراماً وتبجّلاً.

وعن محمد بن الحنفية قال: بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ  علياً في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده، فلما أتى القليب وملأ القربة الماء فأخرجها جاءت ريح فأهرقته ، ثم عاد إلى القليب وملأ القربة فأخرجها، فجاءت ريح فأهرقته، فلما كانت الرابعة ملأها فأتى بها النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخبره بخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أما الريح الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، وأما الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلموا عليك، والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلموا عليك(2).

الصحابة وبدر

قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لله وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)(3).

معنى الأنفال الزيادة، وسمّيت غنائم الحرب أنفالاً لأنّها كمية من الأموال الإضافية التي تبقى دون صاحب، وتقع في أيدي المقاتلين دون أن يكون لها مالك خاص، أو لأنّ المقاتلين إنّما يحاربون للانتصار على العدو لا للغنائم، فالغنيمة أو الغنائم موضوع إضافي يقع في أيديهم. والذي يظهر من سياق الآية المتقدمة في الأنفال أنّ هناك تنازعاً وشجاراً قد حصل بين المسلمين الذين اشتركوا في معركة بدر بعد انتصارهم فيها وأخذهم الغنائم.

إلاّ أنّ سبب هذا التشاجر والاختلاف أمر غريب إذا ما قيس مع الروايات الواردة في حقّ أهل بدر والمقاتلين في تلك الوقعة، والتي تعطيهم رتبة ومنزلة عالية. وقد نقل هذا المعنى الواقدي في مغازيه، وابن هشام في سيرته، والطبري في تاريخه.

والذي يزيد الاستغراب أنّ سياق آية الأنفال جاء شديد اللهجة في خطابه للمسلمين، فقد جاء بصيغة الأمر في الفعلين (اتَّقُوا) و(أَطِيعُوا) ، فقد أمرهم الله تعالى بالتقوى والطاعة، وهما أمران مهمّان جداً في حياة المسلم، ولا يتحققان في كل أحد، بل ربما ينحصران في المؤمنين فقط، وهذا ما أكّده ذيل الآية بقوله تعالى: (إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ).

وكل هذا المعنى يدلل على أنّ تلك الثلة من المجاهدين في معركة بدر قد اختلفوا فيما بينهم لأجل تقسيم الغنائم التي هي شيء خارج عن معنى الجهاد الذي قاتلوا من أجله، وهذا أمر غريب!

لكن لو تتبعنا نفسية بعض رجالات المسلمين الذين اشتركوا في غزوة بدر الكبرى يزول هذا الاستغراب؛ لأنّ هناك من تمثّلت نفسياتهم بالخوف والتراجع وكأنّهم يشعرون بأنّهم يساقون إلى الموت، لكن حين حقّق المسلمون الانتصار ارتفعت أصواتهم بمطالبتهم بالغنائم وفضّها، وهذه حقيقة ذكرها القرآن الكريم في قوله: (ويجادلونك) و (كارهون)، كل ذلك يكشف عن عدم رغبتهم في خوض القتال لتراجعهم وخوفهم منه، وهذا يكشف عن أنّ الغاية من خروجهم مع النبي للقتال هي غاية أخرى غير الجهاد.

فقد كانت نفوس بعضهم تميل إلى حب الدنيا والحصول على الغنائم والمتاع وتكره القتال في سبيل الله، فإنّ أمانيهم وتطلعاتهم وخلجات قلوبهم مصالح دنيوية وليست أخروية، فهي كما يصورها القرآن الكريم: (وَإِذْ يَعِدُكُمْ الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) (4).

لكن هكذا بدأت الحرب وكأنّ همّ بعض مَن خرج مع المسلمين للقتال غير ذاته الشوكة، وصوّر القرآن الكريم حالة الخائف عندما رأى جيش المشركين: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ)(5). والمنافقون هم غير الذين في قلوبهم مرض هم فئة أخرى.

فبعد ملاحظة هذه الفئة المريضة النفوس يزول عنا الاستغراب ، إذ لا غرابة في خروج مجموعة مع المؤمنين ليس غرضهم القتال والدفاع عن الدين والمسلمين، وإنّما هناك غايات دنيوية يرمون تحقيقها من حصولهم على الغنائم والمصالح الأخرى.

ـــــــــــــ

(1) الأنفال: 7.

(2) مناقب آل أبي طالب 2: 80.

(3) الأنفال: 1.

(4) الأنفال: 7.

(5) الأنفال: 49.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1683
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24