• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : ترتيب القرآن .

ترتيب القرآن

بقلم : الشيخ حميد البغدادي

إنّ الترتيب الحالي ـ في المصحف الذي بين أيدينا ـ بين الآيات والسور القرآنية من الأمور التي وقع فيها الخلاف بين العلماء في الزمن الذي تمّ فيه، فهل تمّ هذا الترتيب في  زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو أنّه أمر استحدث بعده (صلى الله عليه وآله)؟

ويقع البحث في هذا المجال في نقطتين:

النقطة الأولى: الترتيب بين الآيات القرآنية الشريفة ضمن السورة الواحدة.

الصحيح إنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا تمّ ترتيب آياته في عصر الرسول(صلى الله عليه وآله) وبتوجيهه.

ويمكن ذكر شواهد على ذلك:

الأول: إنّ التغيير في ترتيب آيات السورة الواحدة يعتبر تحريفاً وتلاعباً بالنص القرآني؛ لأنّ التسلسل الخاص بين الآيات دخيل في هيئة السور القرآنية، فالنصوص الواردة في فضل أيّة سورة لوحظ فيها الترتيب الخاص بين آياتها. وكذلك باقي أحكام السورة.

ولذلك لا يجوّز الفقهاء التغيير في آيات السورة الواحدة في الصلاة. فكل تغيير في ذلك يعتبر نوعاً من التحريف في القرآن، فكل الأدلة النافية للتحريف نافية له.

الثاني: وجود نصوص ليست بالقليلة تفيد أنّ الترتيب بين الآيات كان بأمر من الرسول الكريم على نحو ما أوحي إليه (صلى الله عليه وآله)، وليس بترتيب من الصحابة أو أنّه اجتهادي:

منها: ما أخرجه أحمد بن حنبل بإسناده عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)  إذ شخَص ببصره ثمّ صوّبه، ثمّ قال: «أتاني جبرئيل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة إلى آخرها». [الاتقان في علوم القران، جلال الدين السيوطي، ج 1 ص 212].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) «وإنّما كان يعرف انقضاء السورة بنـزول «بسم الله الرحمن الرحيم» ابتداءً للأخرى»( تفسير العياشي، 1 ص 19، مستدرك الوسائل، 4 ص 165.).

ومنها: ما في المناقب عن ابن عباس في حديث طويل: ...ثم نزلت آيات وآيات...فنزلت: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون)) سورة البقرة 280، فكانت هذه الآية ـ على بعض الروايات ـ هي آخر آية من القرآن الكريم نزل بها جبرائيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله )، وقال له: "ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة"( تفسير شبر، ص 83.).

ومنها: الأحاديث الواردة في خواتيم بعض السور أو أوائلها، مثل ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعاً: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال» وفي لفظ آخر :  «من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف»(الاتقان،  ج 1 ص 213).

ونظيره ما رواه الكليني بسنده عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما من عبد يقرأ آخر الكهف إلاّ تيقّظ في الساعة التي يريد»( أصول الكافي: ج 2 ص 632.).

ومنها: ما رواه مسلم برقم (1617) عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ألا تكفيك آية الصّيْف التي في آخر سورة النساء.

ومنها: ما رواه مسلم برقم (809) عن أبي الدرداء مرفوعاً من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال، وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف .

وكذلك ما ورد في آثار وفضل أوائل أو أواخر السور الأخرى، ممّا يعني ترتّب الآيات ضمن تسلسل محدّد منذ عهد الرسول وآل بيته (صلوات الله عليهم). وقد ادّعى عدد من الباحثين في علوم  القرآن الإجماع على ذلك، منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته (الإتقان،  ج 1 ص 211.)، والسيوطي في الإتقان (راجع: علوم القرآن دروس منهجية ، السيد رياض الحكيم، الدرس السادس والعشرون، ص223، الطبعة الثانية 1425 ، دار الهلال.).

الثالث: إن كثيراً من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وان السور كانت منتشرة بين الناس، حتى المشركين وأهل الكتاب، فإن النبي - ص - قد تحدى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن ، وبعشر سور مثله مفتريات ، وبسورة من مثله ، ومعنى هذا : أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم (راجع:  البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ص 252.).

النقطة الثانية: الترتيب بين السور على النحو الموجود في المصحف الموجود بين أيدينا

كذلك اختلف العلماء والباحثون في الشأن القرآني في الترتيب بين السور على رأيين:

الرأي الأول:

يرى أنّ جمع القرآن ضمن مصحف واحد بالترتيب الفعلي بين السور قد تمّ في عهد الخلفاء بعد رحيل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، وان ترتيب سور القران اجتهادي من الصحابة.

وممن ذهب إلى هذا القول: أبو بكر البلاقاني حيث قال: (وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم فلذلك اختلفت المصاحف فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن) (فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ج 9 ص 42، باب تأليف القرآن)، وأبو الحسين احمد بن فارس.

الرأي الثاني:

أن الترتيب بين السور توقيفي - أي موحى به- قد تولاه النبي(صلى الله عليه وآله) كما أُنزل عليه وممن ذهب إلى هذا الرأي ابن الانباري، السيد المرتضى،  وأبو جعفر النحاس، وغيرهم و لا تترتب على ذلك ثمرة مهمة(راجع: علوم القرآن دروس منهجية ، السيد رياض الحكيم، الدرس السادس والعشرون، ص223، الطبعة الثانية 1425 ، دار الهلال.

ترتيب السور

وأمّا جمع السور وترتيبها بصورة مصحف مؤلّف بين دفّتين، فهذا قد حصل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) (قال السيد الطباطبائي: "ان القرآن لم يكن مؤلفًا في زمن النبي - ص- ولم يكن منه إلا سور وآيات متفرقة في ايدي الناس" (الميزان ج3/ص78-79).) ؛ إذ انقضى العهد النبويّ والقرآن منثور على العسب واللخاف (العسيب: جريدة النخل إذا كشط خوصها. واللخف: حجارة بيض رقاق. والأدم: الجلد المدبوغ)والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع وبعض الحرير والقراطيس وفي صدور الرجال.

كانت السور مكتملة على عهده (صلى الله عليه وآله) مرتبة آياتها ، غير أنّ جمعها بين دفّتين لم يكن حصل بعد  نظرًا لترقب نزول قرآن على عهده (صلى الله عليه وآله).

قال جلال الدين السيوطي: (كان القرآن كتب كلّه في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتّب السور) (الإتقان: ج1/ص57، ومناهل العرفان: ج1/ص240.).

وقال الإمام الصادق(عليه السلام): قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): (يا علي! القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه) (بحار الأنوار: ج92/ص48/ح7 عن تفسير علي بن إبراهيم القمي).

وأوّل من قام بجمع القرآن بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وبوصيّة منه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، ثمّ قام بجمعه زيد بن ثابت بأمر من أبي بكر، كما قام بجمعه كلّ من ابن مسعود وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وغيرهم، حتى انتهى الأمر إلى دور عثمان، فقام بتوحيد المصاحف وإرسال نسخ موحّدة إلى أطراف البلاد، وحمل الناس على قراءتها وترك ما سواها.

كان جمع علي (عليه السلام) وفق ترتيب النزول: المكيّ مقدّم على المدنيّ. والمنسوخ مقدّم على الناسخ، مع الإشارة إلى مواقع نزولها ومناسبات النزول.

قال الكلبي: (لمّا توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعد علي بن أبي طالب (عليه السلام) في بيته. فجمعه على ترتيب نزوله. ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير) (التسهيل لعلوم التنزيل: ج1/ص4.).

 وقال عكرمة: (لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يألّفوه كتأليف علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما استطاعوا) (الإتقان: ج1/ص 57.)

وأمّا جمع غيره من الصحابة فكان على ترتيب آخر: قدّموا السور الطوال على القصار، فقد اثبتوا السبع الطوال (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، يونس) قبل المئين (الأنفال (هذا في مصحف أبي بن كعب. لكنّها في مصحف ابن مسعود من الثاني، لأنّها تقل من المائة، آياتها: 75.)، براءة، النحل، هود، يوسف، الكهف، الإسراء، الأنبياء، طه، المؤمنون، الشعراء، الصافّات) ثم الحواميم (السور التي افتتحت بحم) ثم المفصّلات (ذوات الآيات القصار) لكثرة فواصلها. وهي السور الأخيرة في القرآن، وهذا يقترب نوعا ما من الترتيب الموجود الآن.

نعم لم يكن جمع زيد مرتّبًا ولا منتظما كمصحف، وإنّما كان الاهتمام في ذلك الوقت على جمع القرآن عن الضياع، وضبط آياته وسوره حذرًا عن التلف بموت حامليه، فدوّنت في صحف وجعلت في إضبارة، وأودعت عند أبي بكر مدة حياته، ثم عند عمر بن الخطاب ، فصارت عند ابنته حفصة، وهي النسخة التي أخذها عثمان لمقابلة المصاحف عليها، ثم ردّه عليها، وكانت عندها إلى أن ماتت، فاستلبها مروان من ورثتها حينما كان واليًا على المدينة من قبل معاوية، فأمر بها فشقّت.المصدر: كتاب التمهيد في علوم القرآن، سماحة الشيخ محمد هادي معرفة.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1678
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19