• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : علي يتحدى قوى الشرك .

علي يتحدى قوى الشرك

 

بقلم: السيد عبدالكريم الحسيني القزويني

بعد ما تمت عملية الإمام الفدائية بالنجاح والانتصار وبعد أن مهدت لتغطية انسحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) بسلام وانقذته من مؤامرة المشركين الحاقدين، فكانت فدائية الإمام علي (عليه السلام) هي العامل الحاسم في تحطيم معنويات المشركين وشل مؤامرتهم الاغتيالية.

خرج الرسول القائد من مكة المكرمة مهاجراً برسالته العظمى، وأفكارها ومفاهيمها فوصل المدينة المنورة يوم الاثنين لاثني عشر مضت من ربيع الأول سنة أربعة عشر من مبعثه(صلى الله عليه وآله).

فكانت الهجرة هي السبب الرئيسي للتحول التاريخي الكبير في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) ورسالته الخالدة، حيث انطلقت الدعوة من مرحلتها الفردية إلى مرحلة أوسع وأشمل فشملت قيادة المجتمع المدني ومن ثم تأسيس الدولة الإسلامية الرائدة، التي اندكت في ظلها وفي ظل عدالتها كل الفوارق الطبقية السائدة آنذاك، وأصبح الناس في ظلها سواسية كسواسية أسنان المشط كما جاء في الحديث الشريف، وأصبح المجتمع الذي تحكمه المثل العليا التي عبّر عنها الرسول العظيم بقوله:

>مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى<.

وفي ظل هذه المثل والأخلاق وحدّت الأهداف والمشاعر والقلوب، بعد الخلاف والفرقة ولمّم فيها الشمل المشتت، بعد تبعثر وتمزق، ومنحت العزة والقوة بعد الذل والضعف، واطمأنت النفوس بعد الخوف والرعب.

وهكذا خرج الرسول القائد من الحصار والضيق الذي فرضه عليه الطغاة الحاقدون فكانت فدائية علي(عليه السلام) وهجرة الرسول نواة تحول كبير لرسالة الله في الأرض.

وبعدها أخذ علي(عليه السلام) بتنفيذ وصايا الرسول التي أوصاها إياه حينما خرج مهاجراً وهي:

أولاً أداء الأمانات التي كان المشركون يودعونها عنده لأنه الأمين المؤتمن وصادق قول وأمين رسالة.

فقام علي بأدائها منادياً بالأبطح غدوة وعشية بقوله:

>ألا من كان له قبل محمد(صلى الله عليه وآله) أمانة فليأت لتؤدى إليه أمانته<.

وكرر هذا النداء جلّ أوقاته، حتى استوفى المؤتمنون أماناتهم كاملة غير ناقصة.

ثانياً: الهجرة بالفواطم الثلاث من مكة إلى المدينة وحينما وصل الرسول إلى المدينة نزل في >قبا< وأبى أن يدخل المدينة منتظراً قائلاً:

>ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي علي بن أبي طالب<.

ثم كتب إليه رسالة وأرسلها مع أبي واقد الليثي يأمره بالمسير إليه فلما وصلت إليه الرسالة من الرسول(صلى الله عليه وآله) هيأ علي(عليه السلام) الزاد والراحلة وأمر المستضعفين من المؤمنين المضطهدين أن يتسللوا ليلاً إلى >ذي طوى< (جبل خارج مكة) وينتظرونه هناك، ثم خرج علي(عليه السلام) بركب الفواطم نهاراً متحدياً في ذلك مشاعر الحاقدين ومستهزأ بقوتهم وجبروتهم، والركب يضم كلاً من:

1. فاطمة الزهراء بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله).

2. فاطمة بن الزبير بن عبدالمطلب.

3. فاطمة بنت أسد بن هشام أم الإمام علي(عليه السلام).

وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبو واقد حامل رسالة النبي(صلى الله عليه وآله) وسابق أبو واقد الرواحل سوقا حثيثاً خشية أن يدركه الطلب فقال علي(عليه السلام) له:

>ارفق بالنسوة يا أبا واقد أنهنّ من الضعائف<.

فقال أبو واقد يا علي إني أخاف أن يدركنا الطلب.

فأجابه الإمام علي(عليه السلام) إيماناً بقوته وبسالته بقوله:

>أربع عليك فإنه لن يصلوا إليك بما تكره كما أخبرني بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله)<.

وسار علي(عليه السلام) والركب الهاشمي يسير خلفه وهو مطمأن وواثق بشجاعة وبسالة قائد الركب الفتى المقدام ولما قارب >ضجنان< وهو جبل بين مكة والمدينة أدركه طلب الحاقدين الذين أخذ الحقد بمجامع قلوبهم حينما خرج علي(عليه السلام) بركب الفواطم وصار بعضهم يوبّخ البعض الآخر قائلين:

>كيف يتحدى هذا الفتى سلطان قريش وقوتهم وجبروتهم<. فاسرعوا للوقوف في وجه هذا الزحف المتحدي وأرسلوا فتيانهم وشجعانهم وهم ثمانية فرسان بكامل عدتهم فلما أبصر علي(عليه السلام) هذا الطلب الحاقد قال لأبي واقد ولأيمن >انيخا الإبل، واعقلا لها ومن ثم إنه انزل النسوة برفق<.

ودنا القوم فاستقبلهم علي(عليه السلام) شاهراً سيفه.

فقال الفرسان:

>يا علي أظننت أنّك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك فأجابهم علي(عليه السلام) بقوله:

>فإن لم أفعل<؟

قالوا: >لترجعن أو لنرجعنّ بأكثرك شعراً ـ أي رأسك ـ وأهون بك من هالك ثم هجم الفوارس على الرواحل ليثيروها.

فجال علي(عليه السلام) بينهم وبينها، فأهوى أحد الفرسان وهو >جناح< مولى الحرب بن أمية وكان شجاعاً بسيفه نحو الإمام علي(عليه السلام) فراغ الإمام عن ضربته ثم ضربه الإمام ضربة على عاتقه فقده نصفين، حتى وصل السيف إلى كتف فرسه، وبعدها شدّ على بقية الفوارس شدّ الأسد على فريسته وهو يرتجز معرباً عن إيمانه واعتقاده بقوله:

خلّو سبيل الجاهد المجاهد

آليت لا أعبد غير الواحد

فهرب منه القوم قائلين: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب

فعندها قال لهم متحدياً >إني منطلق إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فمن سره أن افري لحمه وأريق دمه فليدن مني< [المجالس السنية، للسيد محسن الأمين: ص5.]

ثم التفت إلى >أيمن< >وأبي واقد< قائلاً لهما >اطلقا مطاياكما<.

ثم سار بالركب ظافراً قاهراً متحدياً قوى الشرك والضلال حتى وصل >ضجنان< وبات ليلته متعبداً راكعاً ساجداً ثم لحق به المؤمنون المضطهدون وسار بهم، حتى قدم المدينة وقد تفطّرت قدماه فقال النبي(صلى الله عليه وآله):

>ادعوا لي علياً<

فقيل له لا يقدر أن يمشي.

فأتاه الرسول (صلى الله عليه وآله) واعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمرها على قدميه، فلم يشتكيها بعد حتى قتل[ ابن الاثير، الكامل، ج2، ص75]

وقال النبي(صلى الله عليه وآله):

>يا علي أنت أول هذا الأمة إيماناً بالله ورسوله وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخر عهداً برسوله لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه بالإيمان ولا يبغضك إلا منافق أو كافر<[ابن شهر آشوب، مناقب آل ابي طالب، ج1، ص 160]

وربما يتسائل القارئ: لماذا لم يتخذ الرسول الكريم أسلوب التحدي أمام المتآمرين عليه ولمّ أتخذ في عملية انسحابه وخروجه من الدار أسلوب الكتمان والتمويه ولم يفعل كما فعل الإمام علي(عليه السلام) في تحديه لسلطان قريش وقوتهم؟

والجواب أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لم يتخذ عملية التمويه والكتمان في خروجه من مكة إلا ليتحدى الأسلوب التآمري السري الذي قرره المشركون المتآمرون فأراد أن يحاربهم بنفس الأسلوب الذي قرروه وبنفس الكتمان والسرية اللذين اتخذاهما المؤتمر التآمري لتنفيذ مقترحاته، حتى تشعر قوى الشرك أنهما مهما اتخذت من أساليب ضده فهو أقدر منها وأكثر منها ادراكاً وفهماً لهذه الأساليب، لأنّ الله معه في كل موقف وفي كل تصرف له، ولهذا انهارت معنويات المشركين وأصيبوا بخيبة أمل وحصل اليأس من إمكان تآمرهم على حياة الرسول القائد(صلى الله عليه وآله) بهذا الأسلوب السري التآمري.

والإمام علي(عليه السلام) عندما اتخذ أسلوب التحدي أراد أيضاً أن يشعرهم بأنّ أسلوب القوة التي يستعملونها دائماً يمكن أن تقارع بقوة أخرى ترد الصاع صاعين، والكيل كيلين ولهذا تحدى قوتهم وسلطانهم بمفرده.

وهكذا التقى الأسلوبان في الهجرة النبوية لتعطي ثمارها كاملة غير ناقصة.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1661
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24