• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : علاقةُ الإمام الرضا (عليه السّلام) بالله تعالى وكتابه العزيز .

علاقةُ الإمام الرضا (عليه السّلام) بالله تعالى وكتابه العزيز

إعداد: اللجنة العلميّة في دار السيدة رقية (عليها السّلام)

لقد عُرف الإمام علي بن موسى الرضا، ثامن أئمة أهل البيت (عليهم السّلام)، بتعاهده للقرآن الكريم وعلاقته الخاصة به، حتّى روي أنّه لما كان يقرأ القرآن فما من آية تمرّ به وهي تتحدث عن الجنّة إلاّ وقف عندها وقفة متأمل، سائلاً الله تعالى إياها، وما من آية تتحدث عن النار وأهلِها إلاّ وبكى، وتعوّذ بالله تعالى منها.

عن ابن أبي الضحّاك أنّه قال: (كان الإمام الرضا (عليه السّلام) يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنّة أو نار بكى وسأل الله الجنّة، وتعوذ به من النار) [عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) ـ الشيخ الصدوق 2/ 182].

وفي كلام له يصف فيه حال الإمام الرضا (عليه السّلام): (والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ ...) [المصدر نفسه/ 180].

وأمّا بالنسبة إلى تعاهده للقرآن الكريم وختمه، فقد كان الإمام الرضا (عليه السّلام) يختم القرآن كلَّ ثلاثة أيام، حتّى ورد عنه (عليه السّلام) أنّه قال: (لو أردتُ أن أختم في أقلِّ من ثلاثٍ لختمتُ، ولكن ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها، وفي أيّ شيءٍ اُنزلت، وفي أيِّ وقت، فلذلك صرت أختمه في ثلاث) [مناقب آل أبي طالب (عليه السّلام) ـ ابن شهر آشوب 4/ 360].

 وأمّا بالنسبة للصلاة في أول الوقت، فقد كان الإمام الرضا (عليه السّلام) شديد الحرص على أدائها في أول وقتها، وهذا ما نُقل عنه حينما كان في مناظرته المعروفة مع عمران الصابئي حول التوحيد، وأنَّ هذا الأخير كاد أن يؤمن بالله تعالى كما يكشف عن ذلك قوله مخاطباً الإمامَ (عليه السّلام) لمّا قال للمأمون: (الصلاةُ قد حضرتْ)، حيث جاء في قول الصابئي هذا: (يا سيّدي لا تقطع عليّ مسألتي، فقد رقَّ قلبي). غير أنّ الإمام (عليه السّلام) لم يتأثّر بهذه الكلمات وما تمخض عنها من توسلٍ شديد في استمرار البحث والمناظرة، ولم يفرّط بأوّل أوقات الصلاة المفروضة، بل قال: (نُصلِّي ونعود) [عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/ 172].

وممّا تميّز به الإمام (عليه السّلام) هو طول السجود لله سبحانه، فقد نقل أحد المرافقين له في سفره من المدينة إلى خراسان، بأنّه لما صار إلى قرية من قرى خراسان سمعتُه يقول في سجوده: (لك الحمدُ إن أطعتُك، ولا حجةَ لي إن عصيتُك، ولا صُنعَ لي ولا لغيري في إحسانِك، ولا عذرَ لي إن أسأتُ. ما أصابني من حسنة فمنك. يا كريم اغفرْ لمَن في مشارق الأرض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات) [بحار الأنوار ـ المجلسي 49/ 117].

وقد شهد بطول سجوده أثناء سفره هذا عبد السلام الهروي، حيث قال: (لما دخل الإمام الرضا (عليه السّلام) سناباد نزل في دار حميد بن قحطبة الطائي، ثمّ استقبل القبلة فصلّى ركعات ودعا بدعوات، فلمّا فرغ سجد سجدة طال مكثه فيها، فأحصيت له فيها خمسمئة تسبيحه).

وقال إبراهيم بن العبّاس: (كان (عليه السّلام) يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، وكان (عليه السّلام) يقول: (ذلك صومُ الدهر). وكان كثير المعروف والصدّقة في السرِّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّق) [عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2/ 184].

وأمّا بالنسبة للحلم فقد كان (عليه السّلام) غاية فيه، وكان يحث أصحابه ومواليه على هذه الخصلة الحميدة، بل ويعتبر الحلم من علامات الفقيه، حيث يقول (عليه السّلام): (مِن علَامَاتِ الْفِقْه: الْحِلْمُ والْعِلْمُ والصَّمْتُ) [الكافي ـ الكليني 2/ 113].

ومن جملة ما روي له من الشعر في باب الحلم هو:

إذا كان دوني مَن بُليت بجهلِهِ * أبيت لنفسي أن تُقاتلَ بالجهلِ

وإن كان مثلي في محلِّي من النُّهى * أخذتُ بحلمي كي أجلَّ من المثلِ

وإن كنتُ أدنى منه في الفضلِ والنُّهى * عرفتُ له حقَّ التقدمِ والفضلِ

ولكن .. وللأسف الشديد أن يُجازى آل البيت (عليهم السّلام) بالإقصاء والتجاوز على حقوقهم ومراتبهم، وأن تُستحل دماؤهم الطاهرة أيّما استحلال، وهكذا هو الحال مع الإمام الرضا (عليه السّلام)، حيث تمّت تصفيته على يد المأمون العباسي بسُمٍّ قاتل دسّه إليه في العنب وأجبره على تناوله، فصار سبباً لاستشهاده (عليه السّلام) ورحيله إلى الرفيق الأعلى. قال أبو الفرج الأصفهاني: (وكان المأمون عقد له على العهد من بعده، ثم دسّ إليه بعد ذلك سماً فمات) [مقاتل الطالبيين/ 275].

والأدهى من ذلك كلّه هو دفنه في الليل سراً بعد أن أراد الناس تشيعه في وضح النهار، إلاّ أنّ المأمون العباسي خاف على نفسه من انقلاب شيعة الإمام الرضا (عليه السّلام) عليه، فأمر رجلاً أن يخرج إلى الناس ويعلمهم بأنّ الإمام أبا الحسن (عليه السّلام) لا يُشيّع في ذلك اليوم، فخرج وقال: (أيها الناس، تفرقوا فإنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم. فتفرق الناس، وغُسِّل أبو الحسن في الليل ودُفن) [عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2/ 241].

وقد دفنه إلى جوار أبيه هارون العباسي ظناً منه أنّ هذا الأخير سينتفع بجوار الإمام (عليه السّلام) له، لكن الشاعر الكبير دعبل الخزاعي قد جسّد ذلك بقوله:

قبران في طوس خيرُ الناس كلِّهُمُ * وقبرُ شرِّهم هذا من العبرِ

ما ينفع الرجسَ من قرب الزكيّ وما * على الزكيّ بقرب الرجسِ من ضررِ

هيهات كلُّ امرئ رهنٌ بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ

فالسّلام على الإمام أبي الحسن الرضا يوم ولد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حياً

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1619
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 12 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24